في نهايةِ القرنِ التاسعَ عشر، متأثرين بالتقدمِ الثوري في التكنولوجيا استطاع الفيزيائيون أن یجزموا بحقيقة العوالم غير المرئية، وهو مشروع سعوا من خلاله ليس فقط لمعالجة الظواهر النفسية مثل التخاطر، ولكن أيضًا مكّنهم من معالجة الأسئلة ذات الطبيعة الروحانية التي تتمحور حول الروح والخلود. فيليب بول يستكشف هذا التاريخ الرائع .
كان وليام باريت مشدوها فيما يتعلق باللهب وكونه المساعد الشاب لجون تيندال الذي ذاع صيته في المعهد الملكي في لندن في ستينيات القرن التاسع عشر، لاحظ أن اللهب يبدو حساسًا للأصوات ذات النبرة العالية . حيث تصبح ألسنة اللهب مسطحة على شكل هلال، وكما وصفها باريت بأنها تبدو مثل “شخص حساس ومنفعل يبدأ بالارتعاش عند سماع كل ضجة صغيرة”. كان مقتنعًا بأن هذه “العلاقة غير المرئية” يتوسطها بعض من التأثير الروحي اللاماديّ مبينا بأنه تأثير “ملائم لمسرحٍ للسحرةِ أكثرَ منه لطاولة محاضرات علمية”.
بعض الأشخاص، كما أوضح باريت، كانوا يشبهون تماما ألسنة اللهب المتقلبة، متناسقين بشكل مذهل مع ذبذبات لا يمكن للآخرين رؤيتها بفعل “قوى لا تستطيع حواسنا التعرف عليها”. واعتبر هؤلاء الأشخاص قادرين على تلقي رسائل من كائنات علوية موجودة في حالة وسطية ما بين المادية والروحية وهي ظاهرة قد تكون مسؤولة عن التخاطر.
يبدو هذا وكأنه استنتاج غريب ومفاجئ ليصل إليه عالِم. ولكن في أواخر القرن التاسع عشر، مع اكتشاف الظواهر غير المرئية مثل المجالات الكهرومغناطيسية التي أصبحت من المواضيع الأساسية في الفيزياء، فإن اكتشافات جديدة مفاجئة مثل الأشعة السينية والنشاط الإشعاعي تسببت في الكثير من الحيرة، وموجات الراديو تثبت أن الاتصالات غير المرئية ممكنة، ليس من السهل التمييز بين المعقول من الخيالي.
على ضوء ذلك يتوقع بعض الباحثين اتحادًا جديدًا للعلم والدين: نوع من الإثبات النظري للمعتقدات الدينية مثل خلود الروح. بدأ آخرون يَشُكُّونَ بأن كونَنَا لم يكن الكونَ الوحيد ، إذ أن الأكوان الأخرى قد تمتد بعيدًا وبشكل غير مرئي في أبعاد أخرى أو على مستويات روحية. ويُعتبر الأثير، وهو وسط ضعيف ولكنه منتشر بشكل مؤثر، والذي يعتبره جميع الفيزيائيين حاملا للموجات الضوئية ، جسرًا ممكنًا بين هذه العوالم.
من المؤكد على نحو شائع أن الفيزياء “على حافة القرن” حيث يؤمن العلماء بأنها على شفا الاكتمال، لكن هذا لن يذهب لأبعد من الحقيقة، وعلى النقيض من ذلك بدا كل شيء في تلك اللحظات ممكنا.
قوى نفسية
لم يكن باريت شخصية هامشية: فقد أُنتخب زميلاً للجمعية الملكية عام 1899 ، ومُنح لقبا في عام 1912. وفي عام 1881 ، حين كان أستاذًا للفيزياء في الكلية الملكية للعلوم في دبلن، نشر في مجلة Nature النتائج التي توصل إليها حول انتقال الأفكار. دفعه الجدل الذي تلا ذلك إلى الاجتماع بمجموعة من الأفراد ممن لديهم أفكار مماثلة لأفكاره والذين يرغبون بإجراء “أبحاث نفسية” بطريقة منهجية علمية. بعد أن التقى باريت مع إدموند داوسون روجرز ، نائب رئيس الرابطة المركزية للروحانيين، في عام 1882 شكّل الرجلان جمعية البحث النفسي.
كان لدى هنري سيدجويك أول رئيس لجمعية البحث النفسي وأستاذ الفلسفة الأخلاقية في جامعة كامبريدج شكوكا في الادعاءات الروحانية. وضمت الجمعية رؤساء آخرين هم وليام جيمس، اللورد رايليغ، وانضم لها لاحقا رئيس الوزراء البريطاني آرثر بلفور، ج.ج طومسون ، لويس كارول ، ألفريد تينيسون ، جون روسكين ، ورئيس الوزراء الأسبق ويليام غلادستون. وما تزال الجمعية قائمة حتى اليوم ، ومخرجاتها عبارة عن خليط غريب من الدراسات التاريخية العلمية لمجال الظواهر الخارقة والتقارير والنظريات الغامضة والمُبهمة والتأملية ، وهي بكل تأكيد مهمشة علميا.
كان باريت يشك في أن بعض الظواهر الفيزيائية يمكن تفسيرها على أنها تداخلات بين كائنات غير مرئية وغير مادية – ليست أرواحا ولا أشباحا – ، وإنما كائنات حية طبيعية.
في كتابه”(On the Threshold of the Unseen 1917)” كتب أن “إنه أمر لا يصدق جدا أن نفترض أنه في الأثير الناقل للضوء (أو في وسط مادي آخر غير مرئي) توجد حياة من نوعٍ ما”. لقد تصوّر أن تكون هذه الكائنات “شبيهة بالإنسان ولكنها ليست إنسان حقًّا، وليست بذلك الذكاء، وإنما قد تكون كائنات دايمونية جيدة أو سيئة، وقد تكون عناصر أو مكونات مؤثرة Elementals كما أطلق عليها البعض”. لكن أين إذن ، هل هي موجودة؟
تم اقتراح إجابة واحدة من قِبل الفيزيائي الأيرلندي إدموند إدوارد فورنيير دي ألب، الذي قام مثل باريت بالتدريس في دبلن حتى انتقل عام 1910 إلى جامعة برمنغهام في إنجلترا. كان فورنيير دي ألب مهتمًا بالظواهر الكهرومغناطيسية وأجرى تجارب في الراديو وتكنولوجيا التلفاز الوليدة. لقد دمج هذه الاهتمامات مع إيمانه بالكائنات غير المرئية والعوالم التي كنا على مشارف التواصل معها.
في كتاب عالمين جديدين (1907) ، ناقش فيه فورنيير دي ألب بأن الاكتشافات الحديثة في النشاط الإشعاعي والهيكل الذري ألمحت إلى وجود عالم روحي غير مرئي متصل مع عالمنا. ويجب اعتبار الكون المادي الآن سلسلة لا نهائية من عوالم متداخلة لا نهائية، والتي اعتبرها فورنيير دي ألب مختلفة “فقط في حجم جسيماتها الأولية المكونة لها”. ناقش دي ألب اثنان من تلك العوالم: “العالم السفلي” وهو مكون من الذرات والإلكترونات، و”العالم العلوي” المكون من النسب الكونية. كلاهما ، مثل عالمنا الخاص، يعج بالغايات والحياة.
توسّع فورنيير دي ألب في هذه الآراء في کتاب (1908) New Light on Immortality، حيث حاول أن يتصالح مع ما يمكن أن تعنيه فكرة النفس البشرية في العصر النووي. قال فورنيير دي ألب مبديا رأيه عن الخلود: الآن من كان في وضع أفضل من الفيزيائي؟ من يفهم أكثر عن الطاقة والمادة ؟ لقد افترض أن ما نسميه بالروح قد يكون مادة حقيقية ، وإن كانت أكثر ضعفًا من البخار ، وتتألف من جسيمات تسمى السايكمرزpsychomeres التي تمتلك نوعًا من الذكاء والقدرة على التصرف معًا عبر الاتصال التخاطري.
ادّعى فورنيير دي ألب أنه استنتج شيئًا عن طبيعة السايكمرز ، على الرغم من أنه في الحقيقة كان مجرد تخمين. لتقدير عدد السايكمرز في روح بشرية واحدة ، أخذ فورنيير رقم واحد من عشرة تريليونات بدون استناد على أساس معين ومنه حسب كتلة النفس وقدرها بحوالي خمسين ملليجرام وأكد أنه لو قسمت مادة الروح على جسم شخصٍ ما يبلغ ارتفاعه ست بوصات فقط ، فسيكون لها نفس كثافة الهواء و ستطفو المادة بحرية فيه. إن كتلة السايكمرز قد تقترب من الوضوح مكونة ما يشبه الوهج المستنقعي. ويعلن فورنيير الانتصار بقوله “وهكذا يتضح أن جميع الجنيات والحوريات الطائرة والعفاريت تطير قبل أن يظهر ضوء العلم المشتعل” ويضيف “لم يطلب منها المغادرة كثيرا كما تم تبريره”.
إذا ما تركت هذه الروح الجسد البشري ، فينبغي أن تستيقظ “ذكرياتها الأرضية ، وتصبح مهيمنة” ، ثم قد تستجمع نفسها مرة أخرى في شكلها الأرضي التذكاري: “أولاً ، كضباب خفيف ، ثم كسحابة ، ثم كعمود طويل من بخار شفاف ورقيق ، منه يكتمل الشكل، مسكوب ومكسو ليتناسب مع الطابع المفترض ، ثم سوف تظهر بعد ذلك لتمشي على الأرض كما كانت من قبل لفترة قصيرة”. بعبارة أخرى ، ستكون ما نسميه ومتعارف عليه تقليديًا شبحًا.
لم يكن هناك أي ذرّة من الأدلة العلمية الحقيقية لدعم هذه التخمينات الجامحة. لكن لم يكن فورنيير دي ألب في النهاية يفعل أكثر مما فعله العلم دائمًا: للتقليل من الظواهر المعقدة والمحيرة إلى الحد الأدنى من الافتراضات التي يمكن أن تفسرها. إلى جانب ذلك ، يمكن للعالم الخفي غير المرئي الذي يستحضره فورنيير دي ألب أن يقدم عزاءً للصورة القاحلة للعالم الذي يبدو أن العلم الحديث يصر عليها. كتب فورنيير دي ألب في التاريخ الطبيعي :
“اللاهوت قد تم طرده بلا رحمة، من الآن فصاعدًا أصبح العالم المرئي مغلقًا أمامه ، لقد لجأ إلى العالم غير المرئي ، حيث يشعر بالحرية للتصريح بما يعجبه. وما زال ذلك العالم غير المرئي هو (الوطن) الذي يرفض فيه القلب المنهك عالما أصبح بالفعل نظيفًا ومشرقًا وصحيًا ، ولكنه يائس وفارغ تمامًا ، إن لم يكن ظالمًا وقاسيًا” .
الديناميكا الحرارية اللاهوتية
إن الفكرة القائلة بأنه قد يكون هناك عالم كامل غير مادي من حيث الوجود قد شجعتها الاكتشافات الجديدة في أواخر القرن التاسع عشر ، لا سيما الأشعة السينية الغامضة التي تم وصفها لأول مرة في عام 1895.
على الرغم من أن هذه التكهنات قد تبدو الآن طريقة تفصيلية بشكل غير معتاد “لتفسير” الظواهر المختَلَف عليها التي تم مناقشتها في جلسات علم النفس والتي يشهد بها الصوفيون مثل الثيوصوفيين ، يجب أن نتذكر أن الاعتقاد المسيحي يفترض بالفعل مثل هذه الأشياء.
إذا بدأ بعض علماء القرن التاسع عشر ، مثل تيندال وتوماس هنري هكسلي ، في سؤال الناس حولها ، فإن معظم الناس سيعتبرونها مألوفة. وبوصفه فهمًا علميًا للعالَم المتقدم ، ما يزال بعض العلماء يشعرون بالحاجة إلى حفظ مساحة للرب ، والروح ، والآخرة. ليس هنالك تلسكوب أو مجهر لتحديد هذه الأشياء، سيكون عليهم أن يكونوا غير مرئيين.
ربما كان الجهد الأبرز والأكثر دقة لتقديم سرد معقول من الناحية العلمية لعوالم الروح غير المرئية في سياق مسيحي قد قام به الفيزيائيان الإسكتلنديان المتميزان بلفور ستيوارت وبيتر غوثري تايت في كتابهما الكون الخفي (1875). على الرغم من أن ستيوارت أصبح رئيسًا لجمعية الأبحاث النفسية خلال الثمانينيات من القرن التاسع عشر ، إلا أن كلا الرجلين كان لديهما شكوك في الروحانية، ويرون ذلك مجرد دليل على سهولة تأثر البشر بالافتراضات. هاجم تايت روحانيين في اجتماع الجمعية البريطانية لعام 1871، ووضعهم إلى جانب المؤمنين بأن الأرض مسطحة”.
ومع ذلك كان هو وستيوارت حريصين على فهم كيف أن “النظام غير المرئي للأشياء” الذي يبدو أن الكتاب المقدس استدعاه في نصوص – وجود الأنفس الخالدة – قد يكون متسقًا مع قوانين الفيزياء. وقد هدفا إلى دحض هجوم تيندال على الدين في كلمته أمام الجمعية البريطانية في بلفاست عام 1874 ، حيث أكد أنه لا يجوز السماح للدين “بالتطفل على منطقة المعرفة ، الذي لا يحمل أي سلطة عليها” . وعلى عكس ذلك ، أصر ستيوارت وتايت على أن العلم والدين متوافقان تمامًا، ومع ذلك ، فإن روايتهم المسيحية بخصوص الدليل على وجود الكون غير المرئي، كانت مادية بشكل صارخ: فهي تتناسب مع تقليد طويل من مؤيدي ومعارضي الدين الذين يصرون على جعله مجموعة من المعتقدات حول العالم المادي الذي إما أن تُسوَّغ أو تُدحَض.
وكتب الباحثان: “إننا مضطرون للاعتقاد بأن هناك شيئًا ما وراء ما هو مرئي” . “الترتيب غير المرئي للأشياء ، والذي سيبقى، ويمتلك طاقة عندما يزول النظام الحالي”. لا يجب أن يكون هذا العالم غير المرئي مستبعدًا ، وإنما موجودا إلى جانبنا – في متناول اليد ، إذا كان هناك أي شيء يمكن لمسه. قد تكمن بنيته في أقصى درجة من التدهور المادي للمادة التي نراها بالفعل في العالم المادي ، حيث المواد الصلبة والسائلة والبخار يتبعها الوجود “شبه المادي” للكهرباء والمغناطيسية والحرارة والضوء ، والجاذبية.
ذهب ستيوارت وتايت إلى أن الحياة نفسها هي “خصلة من كيان غير مألوف تم تسليمها من عالم غير مرئي إلى عالم مرئي”. يعتمد هذا النقل على التفاعل بين العالمين : عن طريق جسر قوس قزح لفيزياء القرن التاسع عشر ، وهو الأثير. هذا الاتصال عبر الأثير هو أمر حيوي لنظرية المؤلفَين عن خلود النفس البشرية. و كما يقولان ، نحن نمتلك كل جسم روحاني في هذا العالم غير المرئي، الذي يصبح نشطًا من خلال أعمالنا و دوافعنا في العالم الملموس. “بعض الحركات الجزيئية و الإزاحات في الدماغ ” يتم توصيلها جزئيًا إلى الجسم الروحي أو غير المرئي ، ويتم تخزينها هناك” كنوع من الذاكرة الكامنة .هذه الطاقة المتراكمة تجعل الجسم الروحي “حُرًّا في ممارسة وظائفه” حتى بعد الموت الجسدي. بالعيش والحياة ، نحن ندخر الكثير الكثير من الخلود.
كانت هناك مشكلة، في عام 1850 وضع الفيزيائي الألماني رودولف كلاوسيوس القوانين الأولى والثانية للديناميكا الحرارية: الحفاظ على الطاقة ولا انعكاسية تدفق الحرارة من السخونة إلى البرودة. وبعد مرور عام ، أشار ويليام طومسون (لاحقًا اللورد كلفن) إلى أن مثل هذا التدفق للحرارة يبدد حتمًا الطاقة ، التي تتفرغ على شكل حركات عشوائية من الجزيئات ولا يمكن استعادتها أبدًا. وقال إن هذه العملية لابد وأن تخلق في النهاية جوًّا من الحرارة الموحدة ، لا يمكن استخلاص أي شغل مفيد منها ، ولا يحدث أي شيء بالفعل. ولكن كيف يمكن أن يكون “موت الحرارة” للكون منسجمًا مع النفوس الخالدة؟
هنا تراجع ستيوارت وتايت إلى فكرة اقترحها صديقهما المشترك ، الفيزيائي الإسكتلندي جيمس كليرك ماكسويل ، الذي كان قلقًا بشأن الآثار المترتبة على القانون الثاني في الديناميكا الحرارية الذي لا يرحم إرادة الإنسان الحرة. تم شرح حل ماكسويل لأول مرة في خطاب إلى تايت في عام 1867. فقد قال : ماذا لو كان هناك وجود خفي لكائنات صغيرة – أطلق عليها لاحقا “الجن” من قِبل طومسون – والتي يمكن أن تحتال على القانون الثاني من خلال تحديد الذرات “الساخنة” وفصلها عن ” الباردة “في خليط عشوائي ، وخلق مخزون من الحرارة التي يمكن استغلالها للقيام بالشغل؟ أعلن ستيوارت وتايت الآن أن مثل هذه الكائنات ، قد “تستعيد الطاقة في الكون الحالي دون هدر الشغل”. ليس من الواضح إن كان ماكسويل يريد أن تكون الجن أكثر من كونها افتراضا، لكن بالنسبة لستيوارت وتايت ، كانوا يرونهم أدوات مهمة للحياة الأبدية.
يمكن للكون غير المرئي أن يفسر أي معتقد ديني تقريبًا . “نعتقد أن الصعوبة العلمية فيما يتعلق بالمعجزات ستختفي كليًا ، إذا تم قبول رؤيتنا للكون غير المرئي” بحسب ما زعم به ستيوارت وتايت. “المسيح ، إذا كان قد جاء إلينا من العالم غير المرئي ، فإنه بالكاد يمكنه (مع الاحترام لما قيل) فعل ذلك من دون نوع معين من الاتصالات التي تنشأ بين العالمين”.
إذن هذه هي النقطة التي اتضحت فيها القوى والأشعة الخفية لبعض العلماء في أواخر القرن التاسع عشر: نحو ما قد تعتبره نظرية الديناميكا الحرارية للرب والمسيح والآخرة والمعجزات والجحيم الأبدي. ربما شعروا بالقلق إزاء ذهابهم بعيدا لهذا السبب نشر ستيوارت وتايت كتابهم باسم مجهول.
الواقع الخفي
الفيزياء لم تنظر أبدًا إلى هذه الصورة المجردة للعالم التي بدأت منذ قرن ونصف. كانت افتراضات باريت و فورنيير دي ألب و ستيوارت وتايت ، وغيرهم (مثل العلماء الإنجليز البارزين ويليام كروكس وأوليفر لودج) بأن عالمنا المرئي ليس هو الواقع الوحيد. هذا ما يؤكده الفيزيائيون اليوم مع مفاهيمهم حول نظرية الأوتار متعددة الأضلاع ذات الأبعاد الإحدى عشر ، الأبعاد الإضافية (“brane worlds “) ، ونظرية ميكانيكا الكم “عوالم كثيرة” ، حيث تسير نسخ متوازية من أنفسنا لتبدأ عملها. إن الاستعارات المعاصرة مثل “الواقع الخفي” (انظر إلى كتاب الفيزيائي برايان غرين “The Hidden Reality ” 2011) تشفع على أنفسها لوجود سجل تاريخي لها. هل يمكن أن يكون هناك أي شك في أن الروحانیین مسرورين بـ “المادة المظلمة” و “الطاقة المظلمة” ، هذه الجسيمات والقوى غير المرئية التي من المفترض أنها تقلص الكميات الضئيلة من المادة المرئية في الكون وتدفعها في مسار يعارض الجاذبية؟ عندما يتحدث الكوسمولوجيون في وصف هذه المفاهيم عن “كشف غموض الكون غير المرئي” ، فإنهم يتذرعون عن غير قصد بإرث طويل.
يعلمنا التاريخ أن محاولات تصحيح الفجوات في الفهم عن طريق اختراع الظواهر غير المرئية مفيدة على حد سواء (فهي تمنع العلم من الاستسلام في وجه الألغاز) وعادة ما تكون تلك المحاولات خاطئة. إن الصدى بين الفيزياء الأساسية المعاصرة وعلم الكونيات والرؤى التي تخص العوالم اللامرئية ـ الأبعاد الإضافية ، والذكاء غير المرئي ، والمادة كعقد من الطاقة النقية ، وعناصر الذرات ذات الحجم المتناهي الصغر إلى حد لا يمكن قياسه ـ في أواخر القرن التاسع عشر يجب أن ينبهنا إلى المنطقة التي نحن بصدد أن ندخل إليها ، كما تُخبرنا المجازات التقليدية عن الصور التي نخلقها.
إنها تذكير بأن العلم يبعث الروح باستمرار للأحلام القديمة في هيئات جديدة. يبدو أنه لا مفر من أن بعض الأفكار الحالية عن “الكون غير المرئي” ستظهر يومًا ما على أنها غريبة وعفوية مثل جزيئات روح فورنيير دي ألب ، أو روح ستيوارت وتايت الديناميكية الخالدة. إذا كان أحفادنا منصفين ، فلن يضحكوا على ذلك ، ولكنهم سوف يتعرفون على البئر التي سُحبت منها هذه الأفكار.
بقلم : فيليب بول | المصدر
ترجمة | موزة الريامي
مراجعة الترجمة | زيانة الرقيشي ، حاتم العامري
تدقيق لغوي | أفراح السيابي