الرياضياتالعلوم الطبيعية

عجلة للعقل: المسطرة الحاسبة

مقال لـ تيمور عبدالعال حول مسطرة اللوغاريتمات المنزلقة

في مطلع القرن السادس عشر، شرع يوهانس كيبلر في دحض كوبرنيكوس، الذي كان يعتقد أن الكواكب تدور في دوائر متحدة المركز من الشمس؛ فصاغ كيبلر فرضيته لأول مرة على النحو التالي: “للكواكب مدارات بيضاوية ذات بؤرتين، ثم مضى في إثباتها رياضيًا”، و بعد أربع سنوات و 900 صفحة من الحسابات، أكد صحة نظريته من خلال تحديد المدار الحقيقي للمريخ.

كان الإثبات مثيرًا للإعجاب، ولكن ما كان لافتًا للنظر هو أن كبلر تمكن من ذلك -إذ كانت حساباته مليئة بالأخطاء- ولم يتمكن من تصحيح أخطائه الحسابية إلا بعد تكرار عملياته 70 مرة، ولولا صبره الواسع لما تمكن من إثبات نظريته، ولظلت المدارات البيضاوية أمرًا مستعصيًا علينا لفترة أطول.

كم شخصًا قبل كيبلر لم يحالفهم الحظ؟

على مر التاريخ، كانت الحسابات الأساسية تشكل مأزقا حقيقيا للعلم؛ إذ قضى الكثير من الناس على مر التاريخ قدرًا كبيرًا من الوقت في الخروج بالحيل للقيام بذلك على نحو أسرع. توِّجت الجهود التي بذلوها على مدى آلاف السنين بأعظم آلة حاسبة ميكانيكية ألا وهي المسطرة الحاسبة.

استخدمها نيوتن لاشتقاق معادلات الحركة، واستخدمتها ناسا في حل المعادلات التي أخذتنا إلى القمر. ومن المذهل كم كانت التغييرات التي طرأت على المسطرة الحاسبة على مدار القرون الثلاثة التي امتدت عبرها تلك الأحداث قليلة. ولكن من المذهل -أيضًا- مدى سرعة فقدانها في غياهب النسيان في العقود الثلاثة التي تلت ذلك.

الضرب صعب، ولكن الإضافة سهلة.

هذه هي الرؤية الكامنة التي تستند إليها معظم حيل التعامل مع الأعداد، وكما سنرى، المسطرة الحاسبة.

قبل 4000 سنة، أتى البابليون بإحدى الطرق الأولى “لحل معضلة” الضرب؛ فقد أدركوا أنهم يستطيعون القيام بالمضاعفات مرة واحدة، وكتابة النتائج على “ورقة الغش” لتجنب الاضطرار إلى القيام بها مرة أخرى. ولكن ذلك لم يكن فعالًا من حيث المساحة -فثمة 66 طريقة لمضاعفة رقمين فقط بين 1  و12 (12 اختيار 2)، وبالتالي فإن ورقة الغش المقابلة ستحتاج إلى 66 نتيجة محسوبة مسبقًا، ولكن عندما تكون ورقة الغش الخاصة بك هي عبارة عن لوحة خداع حجرية؛ فإن كل نتيجة مهمة.

وجاءت التقنية التالية من خلال الصيغ الرياضية -أي “رموز الغش” للتعبير عن حساب واحد- بتعبير حسابي آخر. إذ اخترع البابليون العديد من تلك الرموز، ويتمثل أحد الأمثلة الكلاسيكية في “مضاعفة مربعات الربع”، الذي يختزل الضرب إلى الطرح.

ظاهريًا، يبدو ذلك أكثر تعقيدًا من مجرد مضاعفة الأرقام اللعينة!

ولكن مع استخدام ورقة الغش المناسبة فإن ذلك في الواقع أكثر بساطة؛ فالطرف الأيمن هو دائمًا طرح للأرقام المربعة مقسومًا على 4، لذا من خلال الحساب المسبق لمربعات الربع تلك، يمكننا مضاعفة أي رقمين من خلال إجراء عملية طرح، إذ تتيح لنا عملية الحساب المسبق لـ24 نتيجة فقط مضاعفة أي رقمين بين 1 و12 وفي ذلك توفير للمساحة.

ولكن ذلك ما يزال غير قابل للقياس – فلمضاعفة الأعداد في الألوف ستحتاج إلى حساب آلاف النتائج مسبقًا- ونحتاج -إلى حد ما- إلى تخزين نتائج أقل.

وبعد آلاف السنين، وصل الحل أخيرًا؛ ففي العام 1619، اكتشف جون نابيير رمز الغش النهائي: اللوغاريتم.

كتب بيير سيمون لابلاس، الذي ندين له بالكثير من الفيزياء والإحصاءات:

.. [اللوغاريتم]، من خلال اختزال عمل الكثير من الأشهر إلى بضعة أيام، يضاعف حياة الفلكي، ويجنبه الأخطاء والاشمئزاز المرتبط بالعمليات الحسابية الطويلة.

وهذا ما أسميه “عجلة للعقل”! ولكن كيف تعمل؟

نعلم جميعًا أن  ضرب أسس العدد 10 سهلة إذ إننا نضيف فقط عدد الأصفار:

هذا هو في الواقع مجرد تطبيق ذكي للوغاريتمات، وإذا استطعنا فهم كيف يعمل؛ فيمكننا تعميمه على جميع الأرقام.

“عدد الأصفار” هو كمية خاصة تسمح لنا بتحويل الضرب إلى إضافة، لكنه يعمل فقط لأسس العدد 10، ولكن هل ثمة كمية مكافئة للأرقام الأخرى؟

عندما نقوم بحساب الأصفار، فإن ما نحسبه فعليًا هو عدد العشرات مضروبة معًا؛ فالعدد 100 له صفران، وينتج عن ضرب العدد 10 مرتين، وبالتالي فإن مكافئ أسس 2 مثلًا سيكون أعداد 2 مضروبة بنفسها.

وهذا هو معنى اللوغاريتم فهو دالة تخبرك بعدد مرات ضرب الرقم في نفسه للحصول على رقم آخر.

في عالم العشرات، تخبرك لوغاريتم x عدد المرات التي عليك فيها ضرب العدد 10 في نفسه للحصول على العدد x، وفي عالم مضاعفات العدد 2، يخبرك (log(x كم مرة تضرب 2 بنفسه للحصول على x.

ومن خلال تحويل الأرقام إلى لوغاريتماتها، يمكننا تحويل الضرب إلى إضافة؛ فمن أجل حساب 4×8، نرى أن log(4)=2 (حيث 4=2×2)، وأن log(8)=3 (حيث 8=2×2×2)، ويمكننا بعد ذلك الإضافة: log(4) + log(8) =2 + 3=5، وننظر في جدول اللوغاريتم العكسي للحصول على العدد 32.

من الناحية الشكلية، نحن نستخدم هذه الصيغة لإعادة كتابة الضرب بصيغة الإضافة:

كيف يرتبط ذلك بالمسطرة الحاسبة؟

إذا كان لدينا عودان أو عصاتان بمقاييس خطية، فيمكننا استخدامهما لإضافة الأرقام إلى بعضها، ولنفترض أنك حركت العصا العلوية بمسافة وحدة واحدة؛ ستُظهر العصا السفلية الآن نتيجة إضافة العدد 1 إلى كل رقم في العصا العليا.

إضافة الأرقام

وإذا كان لدينا عصاتان بمقاييس لوغاريتمية؛ فيمكننا استخدامهما لإضافة اللوغاريتمات معًا بالطريقة نفسها، ولكن كما نعلم، تتيح لنا إضافة اللوغاريتمات مضاعفة الأرقام!

لنفترض أنك حركت الشريحة العلوية بمسافة (2)log. ستُظهر العصا السفلية الآن نتيجة الضرب بالرقم 2 لكل رقم في الشريحة العلوية.

مضاعفة الأرقام

هذه هي النسخة 1.0 من المسطرة الحاسبة -عصاتان منزلقتان بمقاييس لوغاريتمية- ويمكن إجراء حسابات مختلفة عن طريق تحريك العصي  بمسافات مختلفة.

مع مرور الوقت، اكتسب الجهاز المزيد والمزيد من الأجراس والصفارات مما أتاح له إنجاز الكثير والكثير من الأشياء.

كانت المشكلة الأولى هي ضرب الأعداد الكبيرة، وكان القيام بذلك دون جعل المسطرة الحاسبة أطول يتطلب قدرًا أكبر من الدقة على المقاييس، أي ما يعادل وجود ملليمتر وأعشار المليمترات على مسطرة سنتيمتر، وطُوِّر مؤشر متحرك يسمى “المشيرة” لتسهيل قراءة الأرقام على نحو أكثر دقة (هذا هو على الأرجح أصل مشيرة الحاسوب).

بعد ذلك، أراد الناس أن يقوموا بأكثر من مجرد الضرب؛ فطوَّروا مستويات مختلفة للتربيع والجذور التربيعية والدوال المثلثية ومكافئاتها الزائدية ومجموعة من الدالات المتخصصة المطابقة لتطبيقات محددة، وأصبح لدى المسطرة الحسابية القياسية في نهاية الأمر 6 مستويات مختلفة لدوال مختلفة.

وسرعان ما بدأ الناس بصياغة المشاكل حتى يكون من السهل حلها بوساطة المساطر الحاسبة، حتى إنهم قد ابتكروا خوارزميات لحل مشكلات أكثر تعقيدًا، مثل حساب الأسس العشوائية، وإنشاء دوال مختلفة، وحل المعادلات التربيعية.


المسطرة الحاسبة هي عبارة عن أحد الأجهزة الأنيقة من أجهزة الرياضيات المصممة بقالب على الدرجة نفسها من الأناقة؛ فعلى الرغم من بساطة المسطرة الحاسبة، إلا أنها موجودة في كل مكان حولنا، فلقد صممت هياكل كبرى في التاريخ الحديث، وأوصلتنا إلى القمر.

تم إنتاج آخر مسطرة صنّعت في الولايات المتحدة في 11 يوليو 1976، مما يمثل 354 عامًا من الخدمة، وتلك ليست بالمدة السيئة على الإطلاق!

 

بقلم: تيمور عبدالعال | ترجمة: أفراح السيابي | تدقيق الترجمة: د. علاء الدين الزهران | تدقيق لغوي: محمد الشبراوي | المصدر

أفراح السيابي

خريجة آداب لغة انجليزية دفعة2017، من هواياتي القراءة ،التصميم الجرافيكي و مدققة لغوية في نادي كلمة للقراءة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى