في فلك القراءة

هل يمكن أن تزيدك القراءة سعادة ؟

إلى جميع القراء النهمين الذين داووا ذواتهم كثيرًا بقراءة الكتب العظيمة طوال حياتهم؛ فإنه لن يكون من المفاجئ أن تعرفوا بأن قراءة الكتب مفيدة لكم.

قبل عدة سنوات، حصلت على هدية، في صورة جلسة عن بُعدٍ للعلاج بالقراءة من مدرسة الحياة، ومقرها في لندن، والتي تقدم دورات مبتكرة لمساعدة الناس في التعامل مع التحديات الوجودية اليومية على الصعيد العاطفي. يجب أن أعترف أنني -في بداية الأمر- لم أحبذ فكرة أن أُعطَى وصفة قرائية ترشدني إلى الكتب التي ينبغي عليَّ قراءتها، إذ أنني أفضل تقليد أسلوب فيرجينيا وولف وشغفها فإنني أعتمد على الصدفة في اكتشافاتي للكتب التي أقرؤها، فليست الكتب التي تسعدني بحد ذاتها، وإنما في الطبيعة العشوائية التي تجمعني بها (في الحافلة بعد الانفصال عن حبيب، أو في نُزُلٍ في دمشق، أو بين أكوام الكتب في أرفف مكتبة مظلمة في الجامعة، أو أثناء التصفح بدلًا من المذاكرة).

وكثيرًا ما كنت أنزعج من الطريقة الترويجية الغريبة التي يتبعها بعض القراء الذين يوصون بقراءة كتاب معين قائلين: “يجب أن تقرأ هذا”، ومن ثمَّ يدسُّون كتابًا بين يديك بكل حماسة غير عابئين بحقيقة أن قيمة الكتب تختلف من شخص لآخر -أو يمكن أن تعني أشياء مختلفة لنفس الشخص- في مراحل مختلفة من حياتنا. وعلى سبيل المثال: أحببت قصص “the Maples” لجون أبدايك في العشرينات من عمري، بينما كرهتها في الثلاثينات، ولست متأكدة بالضبط من السبب وراء ذلك.

على الرغم من أن تلك الجلسة كانت هدية، إلا أنني وجدت نفسي مستمتعة على نحو مفاجئ بالاستبانة الأولية التي أرسلتها لي المختصة في العلاج بالقراءة -إلَا برثود- والتي سُئِلتُ من خلالها عن عاداتي القرائية، إذ لم يسألني أحد مثل تلك الأسئلة من قبل، غير أن قراءة الأدب القصصي كانت وستظل شيئًا مهما جدًا في حياتي. قلت لبرثود: أحب الغوص في الكتب خلال إجازاتي الطويلة -إنني أحزِم كتبًا أكثر من الملابس- كما أفشيت عن سري الصغير، وهو أنني لا أحب شراء أو امتلاك الكتب وأفضل أن أجلبها من المكتبة، (وباعتباري كاتبة، فربما لا ينعكس هذا السلوك إيجابًا على مبيعاتي). وردًا على سؤالها: ما الذي يشغلك في هذه الأثناء؟ تفاجأت بما أردت الاعتراف به وكتبت لها: أنا قلقة من أنه ليس لدي مصادر روحية تمكنني من إنقاذ نفسي عند مواجهة أحزان المستقبل الحتمية، عند فقدان شخص عزيز. أنا لست متدينة، وتحديدًا لا أنوي أن أكون كذلك، ولكنني أود أن أقرأ عن تجارب الناس في طريقة وصولهم إلى شكل مبكر وغريب من الإيمان بكائن أعلى كوسيلة عاطفية للصمود. مجرد الإجابة على الأسئلة جعلتني أشعر بالتحسن والراحة.

تبادلنا رسائل مهمة عبر البريد الإلكتروني، دأبت برثود من خلالها على الغوص في أعماقي فسألتني عن تاريخ أسرتي وخوفي من الحزن، وعندما أرسلت وصفة القراءة الأخيرة، كانت مليئة بأمهات الكتب التي لم أقرأ أيًا منها من قبل، وشملت قائمة الكتب التي أوصت بها رواية (المرشد The Guide) للكاتب ر. ك. نارايان، والتي كتبت عنها برثود أنها قصة رائعة تتحدث عن رجل يبدأ حياته العملية كمرشد سياحي في محطة قطار في مالجودي، في الهند، ومن ثمَّ يتنقل ما بين عدة وظائف قبل أن يعثر على قدره غير المتوقع؛ فيعمل كمرشد روحي. اختارت ذلك الكتاب على أمل أن يقودني “إلى الهدى بشكل غريب”. وأما الكتاب الآخر الذي أوصتني به كان بعنوان (الإنجيل بحسب يسوع المسيح The Gospel According to Jesus Christ) للكاتب خوسيه ساراماغو: “لا يكشف ساراماغو عن مواقفه الروحية الخاصة به في هذا الكتاب، ولكنه يقدم نسخة واضحة ومقنعة للقصة التي نعرفها جيدًا”. (هانديرسون ملك المطر)، بواسطة ساول بيلو و(سيداهارتا) بواسطة هرمن هسه، كانت من ضمن المؤلفات التي أوصتني بها برثود، كما ضمنت القائمة بعض القصص الواقعية أيضًا مثل (قضية من أجل الله The Case for God) لكارين أرمسترونج وكتاب (المجموع Sum) لعالم الأعصاب ديفد أيجلمان، وهو كتاب قصير ورائع عن الحياة الأخرى.

خلال السنتين التاليتين، حرصت على قراءة الكتب التي حددتها لي ضمن القائمة، بالوتيرة التي تناسبني –بالإضافة إلى كتب من اكتشافي- وقد كنت محظوظة جدًا بأن قدرتي على تحمل مواقف الحزن المريعة لم تُختَبَر حتى الآن، إلا أن الأفكار التي استخلصتها من تلك الكتب ساعدتني في أمر مختلف، وذلك عندما عانيت ألمًا جسديًا حادًا لبضعة أشهر. ما تزال الأفكار بحد ذاتها مبهمة، كما هو الحال غالبًا في الخبرة المكتسبة من خلال قراءة الأدب القصصي، ولكن تكمن قوتها في هذه الخاصية بالذات. وفي الزمن العلماني الحالي، أشك أن قراءة الأدب القصصي هي أحد الطرق القليلة المتبقية التي يمكن أن تأخذنا نحو السمو الذاتي، تلك الحالة المبهمة التي تتقلص فيها المسافة بين الذات والكون. كما أن قراءة الأدب القصصي تجعلني أفقد كل إحساس بالذات، ولكن في نفس الوقت، تجعلني أشعر بنفسي بشكل فريد جدًا. وكما كتبت وولف، إحدى أكثر القراء حماسة وشغفا: “يقسمنا الكتاب إلى جزئين حين نقرأ، لأن القراءة تُلغي الأنا بشكل تام في حين تعدنا باتصال دائم مع عقل آخر”.

العلاج بالقراءة مصطلح واسع جدًا، ويشير إلى الممارسة القديمة التي يتم من خلالها التشجيع على القراءة لتحقيق أهداف علاجية. استخدم هذا المصطلح لأول مرة في مقال ممتع نشر في عام 1916م في مجلة Atlantic الشهرية بعنوان: “عيادة أدبية”، وفيه يصف الكاتب أنه عثر على معهد لمحبي القراءة يديره أحد معارفه يدعى باجستر في قبو كنيسته، ويوزع من هناك توصيات كتب ذات قيمة علاجية. يوضح باجستر: “العلاج بالقراءة هو علم جديد؛ فربما يكون الكتاب منشطًا، أو مهدئًا أو مزعجًا أو مخدرًا. الفكرة أنه يعمل شيئا ما، أو يؤثر عليك بشكل ما، ويجب عليك أن تعرف ما هو تأثيره عليك. وربما يكون الكتاب بطبيعته أشبه بشراب مهدئ، أو ضمادة شافية”. للشخص البالغ، في منتصف العمر، من ذوي الآراء المتحجرة جزئيًا، يقدم باجستر الوصفة التالية:

“يجب أن تقرأ روايات أكثر، وليس قصصا ممتعة تنسيك نفسك. يجب أن تكون روايات استقصائية، وقوية، لاذعة ومؤثرة”. كان جورج برنارد شو على رأس القائمة، وأخيرًا استدعي باجستر لعلاج مريض أخذ جرعة زائدة من الأدب الحربي، تاركًا الكاتب يفكر في الكتب التي “تبث فينا حياة جديدة ثم تجدد نبض الحياة بوتيرة قوية لكن بطيئة”.

اليوم، يتخذ العلاج بالقراءة أشكالًا مختلفة بدءًا من الدروس الأدبية لنزلاء السجون إلى الجلسات القرائية لكبار السن الذين يعانون من الخرف، وأحيانًا قد يعني ببساطة الجلسات القرائية الفردية أو الجماعية للقراء الذين فقدوا القدرة على التركيز ويرغبون بإيجاد طريقهم إلى الاستمتاع بالكتب مجددًا. تمارس برثود وصديقتها القديمة -والمعالجة بالقراءة أيضًا- سوزان ألدركن العلاج بالقراءة الفاعلة، وتناديان بالقوة الترميمية التي تحدثها قراءة الأدب القصصي. التقت الصديقتان قبل عشرين عامًا في جامعة كامبريدج في حين كانتا طالبتين، ونشأت بينهما علاقة قوية على الفور بسبب تشابه الكتب التي تطالعانِها، ولاسيما رواية إيتالو كالفينو “مسافر في ليلة شتاء If on a Winter’s Night a Traveller” والتي تتمحور بحد ذاتها حول طبيعة القراءة. ومع تطور صداقتهما، بدأتا تتبادلان الروايات لعلاج اضطراباتهما مثل الانكسار العاطفي، أو عدم الاستقرار الوظيفي. قالت لي برثود: “عندما كانت سوز تواجه أزمة مهنية، إذ أرادت أن تصبح كاتبة ولكن كانت تتساءل ما إذا كانت ستستطيع التكيف مع مواقف الرفض الحتمية، أعطيتها أشعار دون ماركيز “آركي وميهيتابل”. بما أن آركي الصرصار كرّس نفسه لفنه لدرجة أنه كان يقفز على أزرار الآلة الكاتبة من أجل أن يكتب أبيات قصائده كل ليلة في مكاتب مجلة “Evening Sun” في نيويورك؛ لذا يجب عليها أن تكون مهيئة بدورها لتعاني من أجل موهبتها أيضًا. وبعد سنوات، قدمت إلدركن إلى برثود -والتي أرادت أن تعرف كيف يمكنها أن تحقق التوازن بين كونها رسامة وأمًّا في الوقت ذاته- رواية باترك جيل بعنوان “ملاحظات من المعرض Notes from an Exhibition”، والتي تدور حول رسامة ناجحة ولكنها مضطربة.

ظلتا تتبادلان التوصيات فيما يخص الروايات مع الأصدقاء وأفراد العائلة لعدة سنوات، وفي عام 2007م عندما قرر زميل الدراسة في جامعة كامبريدج الفيلسوف إلين دي بوتن تأسيس مدرسة الحياة عرضتا عليه فكرة إنشاء وتأسيس عيادة للعلاج بالقراءة. وذكرت برثود: “على حد علمنا، لم يكن أحد يقدم تلك الخدمة في ذلك الوقت؛ فالعلاج بالقراءة إن كان موجودًا في تلك الفترة أصلًا، كان لا يعدو كونه ممارسة علاجية ضمن سياقات طبية بحتة مع التركيز على كتب المساعدة الذاتية، ولكننا كرسنا أنفسنا للأدب القصصي باعتباره أفضل علاج لأنه يمنح القراء تجربة حياتية مختلفة كفيلة بتغيير حياتهم”.

ترجع برثود وإلدركن طريقة العلاج بالقراءة إلى الإغريق القدامى الذين نقشوا فوق مدخل إحدى المكتبات في طيبة أن هذا مكان لشفاء الروح، ولكن ظهرت الممارسة بشكلها الفعلي في القرن التاسع عشر عندما بدأ سيجموند فرويد استخدام الأدب القصصي في جلسات التحليل النفسي بعد الحرب العالمية الثانية، فغالبًا ما كان الجنود المصدومين والعائدين من الجبهات القتالية يُنصحون بقراءة مجموعة من الكتب، كما تدرب أمناء المكتبات في الولايات المتحدة الأمريكية على مهارة تقديم الكتب إلى المحاربين القدامى العائدين من الحرب العالمية الأولى. وقالت إلدركون: “هناك مثال رائع يشير إلى أن روايات جين أوستن كانت تستعمل لأغراض علاجية في بريطانيا في الوقت ذاته”. ولاحقًا في نفس القرن، استخدم العلاج بالقراءة بطرق مختلفة في العديد من المستشفيات والمكتبات، وحديثًا تبناه علماء النفس والعاملين في رعاية كبار السن والاختصاصيين الاجتماعيين والأطباء باعتباره أسلوب علاجي قابل للتطبيق.

وهناك حاليًا مجموعة مكونة من المعالجين بالقراءة والذين اختيروا ودُرِّبوا بواسطة برثود وإلدركن وأصبحوا تابعين لمدرسة الحياة موزعين في مختلف أرجاء العالم من نيويورك إلى مالبرون. وقالت برثود: “تحولات الحياة وتقلباتها من أكثر الأمراض التي يجيء الناس من أجلها للتداوي، ومن أمثلة تلك التحولات التعثر في المسار الوظيفي، الشعور بالاكتئاب بسبب انهيار العلاقة العاطفية، أو المعاناة من الفقد. كما يقابل المعالجون بالقراءة العديد من المتقاعدين الذين يعلمون أنه ما يزال أمامهم عشرون عامًا ليقرأوا فيها، ولكنهم في السابق قرأوا الكثير من روايات الجرائم ويرغبون في قراءة شيء جديد يمكنهم من البقاء، والكثير منهم يبحثون عن حل لمساعدتهم في التأقلم مع مرحلة الأبوة أو الأمومة. وذكرت برثود: في إحدى المرات، طلب مساعدتي شخص من نيويورك، وهو رجل رزق بمولوده الأول وكان قلقًا بشأن مسؤولية ذلك المخلوق الصغير فأوصيته بكتاب (Room Temperature درجة حرارة الغرفة) للكاتب نيكولسن بيكر، والذي يحكي عن رجل يطعم الحليب لطفله، وتخطر لديه مجموعة من الأفكار التأملية عن الأبوة، كما أوصيته برواية “To Kill a Mockingbird” لقتل الطائر المحاكي، وذلك لأن أتيكس فينش يُعتبر الأب المثالي في الأدب.

إضافةً إلى ذلك، ألفت برثود إلدركن كتابا بعنوان: “العلاج بالرواية: الدليل الشامل للعلاج بالأدب” وهو مكتوب بأسلوب قاموس طبي ويطابق بين الأمراض مثل “الفشل” مع توصيات علاجية لكتب مقترحة مثل “تاريخ السيد بولي” للكاتب اتش.جي. ويلش، وصدر كتابهما لأول مرة في المملكة المتحدة في عام 2013م، وهو الآن ينشر في 18 دولة، والتطور المهم في هذا الكتاب هو أن العقد يسمح للمحرر أو أمين المكتبة أن يضيف في الكتاب إلى ما نسبته 25% من الأمراض ومطابقتها مع توصيات قرائية بحيث تتناسب مع القراء في كل دولة بعينها وتضمين كتاب محليين أكثر. والأمراض المضافة تكشف جوانب ثقافية؛ ففي الطبعة الهولندية كان أحد الأمراض المضافة أن يكون لدى الشخص مغالاة في وجهة نظره عن ابنه أو ابنته. وأما في الطبعة الهندية، أضيفت “التبول في الأماكن العامة، والهوس بالكريكيت”. وأما الأيطاليون فقد أضافوا “الضعف الجنسي” و”الخوف من الطرق السريعة” و”الرغبة في التحنيط” بينما الألمان أضافوا “كره العالم” و”كره الحفلات”.

حاليًا، تعمل برثود وإلدركن على نسخة أدبية للأطفال، وهو عبارة عن مجموعة مليئة بالقصص، وكان من المتوقع صدورها في عام 2016م.

ولجميع القراء النهمين الذين لطالما داووا أنفسهم بالكتب العظيمة طيلة حياتهم، فليس من المفاجئ أن تكون الكتب مفيدة لصحتكم الذهنية وعلاقاتكم بالآخرين، ولكن كيف ولماذا أصبح ذلك الآن أكثر وضوحًا، ويرجع الفضل في ذلك للأبحاث الجديدة حول تأثير القراءة على العقل. ومنذ اكتشاف “العصبونات المعكوسة” في منتصف التسعينات، وهي عصبونات تتحفز عندما نقوم بعمل بأنفسنا، وعندما نرى فعلًا يقوم به شخص آخر، إذ أصبح علم أعصاب الشعور أكثر وضوحًا.

أظهرت دراسة نشرت في عام 2011م في النشرة السنوية لعلم النفس أنه استنادًا إلى تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي للدماغ للمشاركين، إنه عندما يقرأ الناس تجربة ما يظهر أن الدماغ يتحفز في نفس المناطق العصبية، كما يحدث عندما يمر الناس بنفس التجربة بأنفسهم.

نحن نرسم على نفس شبكات الدماغ عندما نقرأ القصص وعندما نرغب في تخمين مشاعر الآخرين. وأظهرت دراسات أخرى نشرت في عامي (2006 – 2009) الشيء نفسه، أن الناس الذين يقرأون الأدب القصصي كثيرًا يميلون إلى أن يكونوا أكثر تعاطفًا مع غيرهم. حتى بعد أن أخذ الباحثون في عين الاعتبار التحيز المحتمل بأن الناس الذين لديهم ميول عاطفية أكثر قد يفضلون قراءة الروايات. وفي عام 2013م، وجدت دراسة مؤثرة نشرت في مجلة Science أن قراءة أدب الروايات بدلًا من قراءة الروايات الواقعية أو الأعمال الأدبية الأخرى غير القصصية أدت إلى تحسين نتائج المشاركين في الاختبارات التي قاست الإدراك والتعاطف الاجتماعي، وهما عنصران حاسمان في “نظرية العقل”: القدرة على التخمين بدقة ما يمكن أن يفكر أو يشعر به الآخرون مهارة يبدأ الإنسان باكتسابها وتطويرها في الرابعة من العمر. يعمل، كيث أوتلي، وهو روائي وأستاذ فخري لعلم النفس في جامعة تورانتو لعدة سنوات على الإشراف على مجموعة بحثية مهتمة بعلم النفس والأدب القصصي، حيث ذكر في كتابه الذي نشر في عام 2011م “أشياء كالأحلام: علم النفس والأدب القصصي Such Stuff as Dreams” The Psychology of Fiction”: “بدأنا بإظهار كيف تتحدد الهوية من خلال الشخصيات الروائية، وكيف يمكن للفن الأدبي أن يحسن القدرات الاجتماعية، وكيف يمكن أن يستثيرنا عاطفيًا، وكيف يمكن أن يحدث تغييرات في الذات”.

الأدب القصصي هو نوع من المحاكاة، لا يتم تشغيله على أجهزة الكمبيوتر بل على العقول: محاكاة الذوات في تفاعلاتها مع الآخرين في المجتمع… القائمة على التجربة، والتي تنطوي على القدرة على التفكير في أحداث مستقبلية محتملة، إذ تعيد هذه الفكرة إيمانًا راسخًا وقديمًا بين كل من الكتاب والقراء، وهو: الكتب هي أفضل الأصدقاء، إنها تعطينا فرصة للتدرب على التفاعل مع الآخرين في الواقع، دون إحداث أيِّ ضررٍ دائم. وفي مقالته “القراءة” التي نشرت في عام 1905، قالها مارسيل بروست بشكل جميل: “مع الكتب، لا يوجد تواصل اجتماعي إجباري. إذا قضينا المساء برفقة هؤلاء الأصدقاء -الكتب- فذلك لأننا نريد ذلك حقًا، وعندما نتركها، نفعل ذلك بكل أسف، وعندما تركناها، لم تكن هناك أي من تلك الأفكار التي تفسد الصداقة: “ماذا يظنون بنا؟ هل ارتكبنا خطأ ما وقلنا شيئًا خاطئًا؟ هل أحبونا؟” ولا يوجد قلق أو خوف من نسيانهم بسبب احتلال شخص آخر لمكانتهم.

جورج إليوت، التي ترددت شائعات عنها بأنها تغلبت على حزنها لفقدان شريك حياتها من خلال برنامج قرائي إرشادي مع شابٍ أصبح زوجها في ما بعد، وتعتقد أن “الفن هو أقرب شيء للحياة، إنها طريقة توسيع الخبرة والتجربة وتمديد تواصلنا مع زملائنا من الرجال خارج حدود حظوظنا الشخصية.” لكن لا يتفق الجميع مع هذا الوصف لقراءة الأدب القصصي بأن لها القدرة على جعلنا نتصرف بشكل أفضل في الحياة الواقعية؛ ففي كتابها الذي صدر عام 2007م بعنوان “التعاطف والرواية Empathy and the Novel” تعارض سوزان كين “فرضية التعاطف مع الإيثار”، وتشكك في ما إذا كانت الروابط المتعاطفة التي نخرج بها أثناء قراءة القصص تترجم فعلًا إلى سلوك عاطفي إيجابي مؤثر اجتماعيًا، وتشير أيضًا إلى مدى صعوبة إثبات هذه الفرضية. تقول كين: “لا يمكن للكتب وحدها أن تصنع التغيير، ولا يشعر الجميع بأنهم متأكدون من ذلك ولا يجب عليهم ذلك”. “كما يعرف أي دودة كتب، يمكن أن يكون القراء غير اجتماعيين وكسالى أيضًا. إن قراءة الروايات ليست رياضة جماعية”، وبدلاً من ذلك، تحثنا كين بقولها: “يجب علينا أن نستمتع بما يقدمه لنا الأدب القصصي، وهو التحرر من الالتزام الأخلاقي بالشعور بشيء من أجل الشخصيات المخترعة -كما هو الحال بالنسبة لشخصٍ بشري حقيقي يعيش في ألم أو معاناة- والتي من المفارقات تعني أن القراء “يستجيبون أحيانًا بتعاطف أكبر مع مواقف وشخصيات متخيلة بسبب الخيال الحسي”. وتؤيد بكل إخلاص الفوائد الصحية الشخصية للتجارب الغامرة مثل القراءة، والتي “تعطي إمكانية هروب منعش من ضغوطات الحياة اليومية”.

لذا حتى إذا كنت لا تتفق على أن قراءة الأدب القصصي تجعلنا نتعامل مع الآخرين بشكل أفضل، إلا أنها طريقة للتعامل مع أنفسنا بشكل أفضل. وقد ثبت أن القراءة قد تضع عقولنا في حالة تشبه الغيبوبة الممتعة، مثل التأمل، كما أنها تمنحنا نفس الفوائد الصحية والهدوء الداخلي التي يمنحها إياها الاسترخاء العميق. القراء المنتظمون ينامون بشكل أفضل، ولديهم مستويات منخفضة من الإجهاد، وتقدير وثقة عالية بالنفس، وانخفاض في معدلات الاكتئاب مقارنة بغير القراء. كتبت الكاتبة جانيت وينترسن: “الرواية والشعر هما جرعات وأدوية”، وأن “ما تشفيه هو تمزق الواقع الذي يحدث في الخيال”.

وقد وصفت إحدى زبائن برثود كيف ساعدتها الجلسات الجماعية والفردية التي حضرتها مع برثود في التعامل مع تداعيات سلسلة من الأزمات، بما في ذلك فقدان زوجها، ونهاية خطبة دامت خمس سنوات ونوبة قلبية، تقول: “شعرت أن حياتي كانت بلا هدف، لقد شعرت بالفشل كامرأة”. ومن بين الكتب التي أوصتني بها برثوم في البداية رواية جون إيرفينج “فندق نيو هامبشاير”. “لقد كان الكاتب المفضل لزوجي، وهو من الكتاب الذين شعرت بعدم القدرة على محاولة قراءة كتبهم لأسباب عاطفية. “اندهشت وتأثرت للغاية” حينما رأت اسمه ضمن القائمة، وعلى الرغم من أنها كانت تتجنب قراءة الكتب المفضلة لزوجها حتى ذلك الحين، إلا أنها وجدت قراءتها “تجربة عاطفية مجزية للغاية، سواء في الأدب نفسه أو للتخلص مما بداخلي”، كما أعربت عن امتنانها العميق لبرثود على إرشادها إلى رواية توم روبنز بعنوان “Jitterbug Perfume”، والتي كانت “منحنى تعليميا حقيقيا بالنسبة لي بشأن التحيز والتجريب”.

أحد الأمراض المدرجة في “The Novel Cure” مفادها “الضياع في عدد الكتب الهائل الموجودة في العالم”، وهي واحدة أعاني منها بشكل متكرر. وتقول إلدركن إن هذه واحدة من أكثر المشاكل الشائعة التي يواجهها القراء الجدد، وأنها ما تزال تمثل دافعًا رئيسيًا لعملها هي وبرثود كمعالجات بالقراءة. “نشعر أنه على الرغم من أن هناك الكثير من الكتب تنشر أكثر من أي وقت مضى، إلا أن الأشخاص يختارون في الواقع من مجموعة أصغر فأصغر. انظر إلى قوائم القراءة لمعظم أندية الكتب، وستجد جميع الكتب متشابهة، وهي تلك التي نادت بها وتكلمت عنها الصحافة. إذا كنت تحسب عدد الكتب التي تقرأها في السنة فعليًا -يعني ذلك كم العدد المحتمل من الكتب ستقرأ قبل أن تموت- ستبدأ في إدراك أنك بحاجة إلى أن تكون انتقائيًا للغاية من أجل تحقيق أقصى استفادة من الوقت الذي تصرفه شخصيًا على القراءة”. ما أفضل طريقة للقيام بذلك؟ ابحث عن معالج بالقراءة، في أقرب وقت ممكن، وأقبل دعوة شكسبير الذي قال في مسرحية (تيتوس أندرونيكوس): “تعالوا واختاروا ما تشاءون من مكتبتي كلها وتناسوا بذلك همومكم”.

بقلم: كيريدوين دوڤي | ترجمة: شيخة الجساسي | تدقيق الترجمة: فاخرة يحيى و مريم الغافري | التدقيق اللغوي: محمد الشبراوي | المصدر

شيخة الجساسي

شيخة الجساسي، بكلوريوس ترجمة –جامعة السلطان قابوس- ماجستير إدارة أعمال –جامعة بدفوردشير البريطانية. أعمل في الترجمة والإعلام والتدقيق اللغوي وكتابة المحتوى. مهتمة بالترجمة في مجالات تقنية المعلومات والاتصالات وترجمة المواقع الإلكترونية وأشق طريقي في الترجمة الأدبية. متحدثة في التحفيز والتطوير الذاتي من واقع تجاربي الشخصية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى