العلوم الاجتماعيةعلم الإنسان

سنكون مختلفين على الضِّفة الأخرى

كيف غيّر كورونا جيلنا؟

يتذكر العديد منا أحد الأجداد الذين يحملون ندبة الكساد العظيم – حيث ما يزال يميل لجمع القسائم الشرائية، ومعجون الأسنان والنقود تحت الوسادة.

في هذه الأوقات غير الاعتيادية قد يتشكل جلينا من خلال مواجهته لكوڤيد-19 بطرق لا يمكن تصورها بعد. تُخيَّل لي ابنتي وهي تصفني مستقبلًا:” إنها أمي، تخزن مناديل الحمام والعدس وعلب حليب الشوفان تحسبًا لوقوع جائحة أخرى”

أصبح أولئك الذين عاصروا الفترة ما بين الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية هم من يُطلق عليهم الجيل العظيم، تغيروا بشكل أبدي بفعل المشقة والعجز، حرب ضارية وتضحية مشتركة. تُخلِّف الصدمة آثارها ثقافيًا ويعتقد البعض بأنها تتوغل في الجينات. سنكون الجيل الذي تشكَّل بفعل صدمة الوباء وبِدء تغيُّر المناظر الطبيعية الناجم عن تغير المناخ معًا.

كل منا يواجه تغير الحياة الطبيعية في مخبأه الخاص، بمقاييس متدرجة بشكل واضح من السعادة والعافية. حينما ننتقل إلى الجانب الآخر، سنواجه حقائق جديدة مزعجة. هل سننمو؟ هل سنتدهور؟ هل ستكون إعادة تقويم المعايير الثقافية هذه هي التي يتوق إليها الكثير منا؟ 

سيبدو العالم مختلفًا في غضون بضعة أشهر

ثمة نتائج واضحة: ربما نصبح أكثر مهارة في غسل أيدينا، ونقلل من لمس أنوفنا، ونحتفظ بمعقمات الأيدي، ونتجنب السفن السياحية، ونكن تقديرًا مختلف للطاقم الطبي وللمعلمين. وستصبح حسابات التقاعدK) 401) -إذا كنا نملكها- أقل. ربما تغلق العديد من الأنشطة التجارية التي اعتدنا التردد عليها: صالات اليوغا، والمطاعم ومحلات بيع الزهور ودور السينما والمكتبات.

على نطاق أوسع، سنضطر إلى النظر للأدوار التي تلعبها ميزة هذا الوباء بصفتها شبكة أمان. سنشهد الطرق التي حطم بها الوباء أولئك المنهكين من المرض والأزمات المالية، كما أننا لن نتمكن من تجاهل رغبة الحكومة في إنقاذ الشركات أسرع من إنقاذ البشر.

سنكون أكثر قدرة على تمييز من يرغبون بالمساعدة من بين الانتهازيين والجبناء – تجعل الأزمة الفرق بينهم أكثر وضوحًا. وسنضطر لأن نسأل أنفسنا أسئلة صعبة حول كرمنا وتعاطفنا.

إن التغير الجوهري على الإطلاق هو أنه كان على كل منا أن يتفاوض لتحقيق التوازن بين الفردية (تخزين مناديل الحمام) والمصلحة الجماعية (تسوية المنحنى من خلال التباعد الاجتماعي، والاطمئنان على الجيران). ندرك في الوقت الفعلي أنه يجب علينا تغيير حياتنا وعاداتنا حتى نزيد من فرصنا وفرص الآخرين للنجاة. 

التركيز المشترك على المصلحة العامة

بصفتي صحفيًا في مجال تغير المناخ فقد انتظرت إعادة المقاييس هذه غير أنني لم أتوقع أن يحدث الأمر على هيئة جائحة. اعتقدت أن هذا التحول قد يكون ناتجًا عن الحرائق التي اجتاحت أستراليا وكاليفورنيا، أو الأيام التي حطمت الرقم القياسي لدرجة الحرارة 64 درجة في القارة القطبية الجنوبية في فبراير. يعد التدهور البيئي وتغير المناخ من العوامل الملحة التي تهدد الحياة – فلماذا لا يشعر الكثير منا أنها كذلك؟

إذا كان ثمة ما نشعر بالامتنان اتجاهه فهو الأهمية البالغة لتعلم كيفية التخلص من العادات المستمرة ونحن نظهر بأننا قادرون على ذلك. لقد رأيت العديد من أصدقائي يذهبون إلى الطبيعة هذا الأسبوع، إنه وعي مذهل ومهم: حينما لا يمكننا الذهاب إلى المدرسة أو العمل أو التجمع في الحانات والمطاعم فإن الغابات والأنهار في انتظارنا، في الوقت الراهن على الأقل.

ربما سيدرك الكثير منا مزيَّة الاستشفاء بالهواء الطلق، والاحترام والرعاية اللذين ندين بهما للطبيعة. ربما سنجد أنفسنا أكثر امتنانًا من أي وقت مضى لبدء الربيع، والهواء النقي، والمياه الصالحة للشرب، ونداء الطائر الشحرور ذي الأجنحة الحمراء. ربما يمكننا التفكير في طرق لدعم البيئات والحيوانات المهددة بالانقراض، بجانب الجهود المبذولة من أجل دعم أصدقائنا العاطلين عن العمل والجيران الذين يعانون من المرض.

وإذا تمكنا من تعلم العيش من غير مطاعم وطائرات وسفن سياحية أثناء الجائحة، فهل يمكننا أيضًا أن نتعلم الحد بشكل كبير من استهلاكنا للحوم المنتجة في المصانع والبلاستيك والوقود الأحفوري؟ 

حياة منزلية جديدة

لكن بالنسبة للكثيرين منا، في حياتنا اليومية الواقعية، أصبح تركيزنا محدودًا. في الحجر الصحي يتجه تركيزنا إلى الأعمال المنزلية. إنه عمل أستمتع به، لكنني لم أكن أدرك أنه يتطلب هذا القدر الكبير من عمل المرأة. هذه المرة يتوجب على المرأة والرجل العمل في المنزل. كيف سيغير ذلك نظرتنا عمن هو المسؤول عن الأعمال المنزلية؟ 

إن الكثير من سلوكياتنا خلال فترة هذا الوباء إنما هي استجابةٌ لنقص ملحوظ. إنه سؤال إنساني بحت: هل سيكون هناك ما يكفي من الطعام أو مناديل الحمام لي ولعائلتي؟ وفي وقت الأزمات يحضر الإبداع. في بيتي نعيد استخدام أكياس الشاي، ونصنع الفريتاتس (طبق ايطالي يشبه البيض بالطريقة الإسبانية) مع بقايا المعكرونة ونأكل بقايا الطعام بدلاً من إعطائه للماعز، كما أنني أجمد بقايا الخضروات لتخزينها وأحفظ قشور جبن البارما، بالإضافة إلى أنني أتفكر في الطريقة التي تغذت بها الأجيال الماضية برفاهية خلال الأزمات.

حينما صدرت توجيهات “البقاء في المنازل” في المدن الأمريكية، حصلت على نسختي من كتاب The Collected MFK Fisher واطلعت على مقال “كيف تطهو ذئبًا” الذي كُتب في ذروة الأزمة الغذائية في الحرب العالمية الثانية. كتبت المؤلفة -أيقونة الطهي- “ما يزال بإمكانك العيش بالفضيلة والحكمة” كما قالت “يعود الفضل نسبيًا للعديد من أولئك الذين يكتبون كيف يمكننا العيش بالفضيلة والحكمة، ويعود الجزء الآخر لإحساسنا الفطري بما يجب علينا فعله تجاه الموارد التي نملكها لنمنع الذئب من التضور جوعًا من جراء شمه رائحة الطعام من ثقب المفتاح.

ذئبنا الجديد هو ڤيروس لكن بعض جيراننا يحاربونه إلى جانب الذئاب التي كانت موجودة هنا طوال الوقت. يخطط الناس للاستمرار في دفع أجور سائقي الحافلات والعاملين بالساعة غير المستقرين، وتوفير الطعام لأطفال المدارس الذين يعيشون في فقر غير منقطع. هل بمقدورنا الحفاظ على هذا الوعي بمعاناة الآخرين والطرق الإبداعية المشتركة التي يمكننا من خلالها تقليل هذه المعاناة؟ 

مستقبل عمل جديد

ولأننا أُجبرنا على عيش لحظة تحديد الأولويات الجوهرية والبقاء على قيد الحياة، فقد تلاشى ضجيج الانشغال. إن المسؤوليات المتعددة التي يواجهها الآباء العاملون والتي غالبًا ما تكون مخفية أصبحت فجاة ظاهرةً بشكل واضح على شاشات مؤتمرات الڤيديو.

ويدهشني ما يمكن أن ألغيه من تقويمي: رحلات عمل مخطط لها منذ فترة طويلة ومؤتمرات وحفل توزيع جوائز وقصة شعر. هل سنخرج من أسابيع الصرامة والانعزال توّاقين للعمل والإنتاج أم أن في ذلك شك؟

بدأتُ وشريكي إلى الالتفات إلى التحول المستقبلي لوظائفنا: أنا أستاذة جامعية، أعطي دروسي افتراضيًا، بينما يعمل هو طبيبا بيطريا حيث يفكر مليًا في إيجابيات وقيود العمل عن بعد. أفتقد طلابي حيث نتبادل حوارات فعالة وودية حول تأثير قوة الأدب وجها لوجه، بينما يفضل شريكي إجراء حوار مستمر مع عميل، وعمل اختبار جسدي لحيوان أليف.

هل سيدفعنا التوجس من اللقاءات إلى ممارسة وظائفنا بشكل افتراضي؟ أم أننا سنعاود تقدير حنية ومتعة التواصل البشري وفرحة المحادثة وجها لوجه من جديد؟ 

أم، هل سيتغير أمر ما؟

إن الإجابة الرومانسية عن حال الحياة بعد الجائحة هي أن هذه الأزمة بوسعها أن تدفعنا نحو فهم عميق للكيفية التي تجعل التضحية المشتركة قادرة على إنقاذ البشرية والكائنات الأخرى وكوكبنا. يمكننا في الوقت الحالي على أقل تقدير التخفيف من إدماننا على تصفح هواتفنا، وأن نتعلم تقدير الطبيعة والعلاقات وأن نثني على أولئك الذي يخدمون مجتمعنا.

في الواقع لن يكون المضي قدمًا بهذا الوضوح. من المهم أن نواصل تعزيز مهاراتنا لضمان بقائنا على قيد الحياة مع الاعتماد على شاشاتنا والعالم الافتراضي حتى تنقذنا من رعب العزلة الحقيقية. سنكون ممتنين للوقت الطويل الذي نقضيه مع عائلاتنا بينما نشعر أيضًا بالتجهم تجاههم. سيجد الانتهازيون سبيلًا لاستغلال خوفنا، والذين كانوا يعانون منهم بالفعل سيستمرون في المعاناة. أتمنى أن أكون مخطئةً في ذلك.

وفي الختام، قدم لنا هذا الوباء اختبارًا صعبًا لمدى مرونتنا الشخصية والمجتمعية في ظل التغييرات السريعة التي نشهدها. ربما يكون هذا العام ليس إلا مجرد بداية لسنوات صعبة، ولهذا من الضروري اليوم أن نواصل تعزيز علاقاتنا بمن حولنا وتوطيد أواصر الترابط لنمضي للأمام بخطى واقفة وبعزم أكبر. 


بقلم: ميغان مايهيو بيرغمان | ترجمة: جُهينة اليعربية | تدقيق: مريم الغافرية | المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى