العلوم التطبيقيةتكنولوجيا

رفيق أناضول: عن الذكاء الاصطناعي كوجه آخر للفن واللغة والطموح

وفقًا لفنان الوسائط الرقمية (الموجود حاليًا في ميلانو والبندقية لعرض عملين فنيين) يمكن للذكاء الاصطناعي أن يماثل الفن في كونه لغة عالميةً، وأن يمتد إلى أبعاد جديدة كالحُب والشموليّة، و يحمل في مضامينه ملامح من الأمل إن استخدم بصورة جيدة. 

ما هي المواد الأساسية التي يحتاجها الفنان؟ أقمشة رسم، مواد بلاستيكية، أصباغ؟ وفقاً لرفيق أناضول، الفنان التركي صاحب السادسة والثلاثين عاما وصاحب أشهر الأعمال الفنية المذهلة، فإن المادة الأساسية التي يحتاج إليها هي البيانات، تريليونات ضخمة ومعقدة من البيانات يستخدمها لتخيّل اللغات والنصوص (السيناريوهات). 

يصنع رفيق أناضول غلافا معلوماتيا بواسطة آلة التعلم لجعل العالم الافتراضي يتبادل المعلومات مع العالم المادي. فالتكنولوجيا، بالنسبة له، ليست مجرّد أداء أو إمكانية لإنجاز أو تطوير أو تحليل أمرٍ ما فحسب؛ بل تمتد لتكون وسيلة للتعبير والإبداع على الصعيدين الشخصي والعالمي. وقد أتيحت لنا الفرصة للحديث مع رفيق أناضول حول الازدواجية بين الآلة والإنسان والأرقام والألوان، وذلك أثناء زيارته الأخيرة لإيطاليا لعرض عملين مذهلين: ( Renaissance Dream) في ميت – مركز الثقافة الرقمية بميلانو حتى نهاية يوليو، و عرض (Sense of Space) في بينالي البندقية

فيليب ميشيلي ناستازي – الغرفة المغلقة في مركز الثقافة الرقمية في ميلانو

لنبحر قليلا في عالم البيانات: ما الأهمية التي تشكلها البيانات في دراستك؟

تشكل البيانات في دراستنا عملية تبادل ضخمة بين الآلة والخوارزميات والبيانات المنتجَة بصورة مستمرة. فالبيانات، بالنسبة لي، هي مجموعة أنماط يتم تشكيلها لإنتاج عوالم جديدة وأدوات لدمج العلم والفن والتاريخ. عندما أتعامل مع الذكاء الاصطناعي أسأل نفسي: “هل يمكن لآلة أن تحلم؟ هل لديها هلوسات؟” لا أؤمن بالمحظورات والمفاهيم التقليدية حول ما يعنيه إنتاج الفن أو الهندسة المعمارية: أنا أؤمن بالقدرة التخيليّة للإنسان فيما يتعلق بالذاكرة الكونية واللانهائية. 

الشبكة العصبية، نحت بيانات الذكاء الاصطناعي

كيف سيبدو العمل الفني الذي سيكون نتاج تعاون؟ ولأي مدى يمكن للفنان أن يساهم في إضفاء جمالية إلى هذا العمل؟

من وجهة نظري، لا أؤمن بالتعريفات، فحتى كبار المفكرين لم يضعوا تعريفًا واضحًا قادراً على التمييز بين الفن والعلم. في حين أن الذكاء الاصطناعي، يمنحني القدرة على إنتاج لغة عالمية، وعلى مواصلة التعلم. فعند توظيف الذكاء الاصطناعي في البحث، فإنه يتيح أمامك الوصول إلى كل لوحة وإلى كل منحوتة موجودة منذ الأزل، وكل كلمة في الأدب. لذا فأنا أرى أن نقطة الانطلاق في البحث تكون من خلال هذا القدر من المعلومات، وإحصاء الأسئلة والتعلم من السيناريوهات الجديدة التي أنتجها الذكاء الإصطناعي. فعلى سبيل المثال، أُنشئ العمل الفني (أحلام عصر النهضة) من مليون صورة ونص تم إنتاحها بين عامي 1300 – 1600 في إيطاليا، حيث تمت معالجة البيانات بواسطة الذكاء الاصطناعي باستخدام خوارزميات الشبكة الخصومية التوليدية (GAN) والتي يمكنها تحديد الخصائص المشتركة، وبالتالي إنتاج أعمال إبداعيّة أصيلة، والنتيجة هي تركيبة أشكال ديناميكية ذات أبعاد متعددة يضيف عليها الذكاء الاصطناعي أحجامًا وألوانًا جديدة مصحوبة بتعابير صوتية. 

أحلام عصر النهضة

هل يمكن القول بأن الآلة أصبحت زميلة عمل وفنانة مثلك؟

بالنسبة لي، فإن الذكاء الاصطناعي هو فرشاة تفكيري. إن الكثير مما أنتجته أجهزة الحاسب الآلي جاء بمحض الصدفة: أي أن الوعي الآلي ساهم في عملية الإنتاج.  هذا لا يعني أنني أتجاهل التأثيرات المهمة لوسائل الإعلام الجديدة. الآلات هي مرايانا، تعكس ما نحن عليه، كما أنها تجيب على أسئلتنا أيًا كانت. نحن مسؤولون عما نستخدمها لأجله. وبالتركيز على استخداماتنا الجيدة لها: هل يمكن للذكاء الاصطناعي تمييز التنوع من الفردية؟ هل يمكننا استخدامها في تعزيز عمليتي الاستذكار والتعلم؟ أعتقد أن التفكير بسلبية أسهل بكثير من التفكير الإيجابي . 

أحلام عصر النهضة

من جانب آخر،  يميل الفنان في نسخته المعاصرة للنزعة الجماعية أكثر من الفردانية، حيثُ يكون نتاج عمله مستوحى من عمل الآلات بالإضافة إلى دور التعاون البشري في ذلك.

الخوض في رحلة لاكتشاف أمر غير موجود يتطلب وجود فريق عمل. في رحلتي لإنتاج فيلم على سبيل المثال، تطلب الأمر مني العملَ مع عقول موهوبة فكريًا ولغويًا وثقافيًا. إن هذه المشاركة لا تثري العملية الإبداعية فحسب؛ بل ساهمت في تحقيق هدفي في إنتاج عمل فني يلامس الجميع: جميع الأعمار، وجميع الأصول وجميع الخلفيات الاجتماعية. لا يمكنك السعي في تحقيق هدف بهذا الحجم بمفردك. التعاون هو محور اللغة المشتركة. 

يُضفي عملك بعدًا جديدًا لمفهوم “البناء”، فما علاقتك بالعنصر المكاني؟

 كوننا مهندسي عمارة نعتمد على الإدراك والملاحظة، فإننا نسعى بشكل دائم لتصميم عناصرَ بقيمٍ ثقافيةٍ تحمل روحًا ومشاعرَ مميزة، ولا يقتصر هدفي على دمج التقنيات في تصاميمي فحسب؛ بل تتجاوز ذلك الى صنع قوالب تترجم التكنولوجيا الحديثة إلى تصميم ذي بُعد مكاني استنداءً على مستويين رئيسَين: الفن العام والأعمال الفنية المبنية على التقنيات . فالفن العام ما هو إلا عمل ديموقراطي مُتَرامٍ لا تحدُّه مساحة أو حدود ويمكن للجميع الاستمتاع به. أما رغبتي، فتكمنُ في تحويل المساحات الداخلية إلى تجارب قصصية مذهلة. وليس بغريب أن أستقي إلهامي باستمرار من جين يونجبلود من كتابها ’السينما الموسّعة‘، فالمكان من منظور الذكاء الاصطناعي يحمل 1024 بُعدًا: فأنا أود أن أضع الجمهور داخل العمل الفني بطريقة يلتمسون من خلالها كل ما هو غير مرئي. 

أستوديو رفيق أناضول، تصميم الشبكة العصبية

وقد أسهم موقع Pladis، عالَمُ البيانات الذي بحثت فيه عن البيانات مفتوحة المصدر التابعة لوكالة ناسا في تشكيل تقاطع واضح بين تجارب التفوق الكمي لغوغل و آلة التعلم مع جماليات عالم الاحتمالات. فمن خلال عالم البينالي، يمكنك الدمج بين الإنشاءات البيولوجية والعصبية والمساحة المعمارية. مع كل هذا، كيف تتوقع أن يكون مستقبلك؟ 

بالنسبة لي، يكمن السؤال المصيري في ما إذا كان الفن قادرًا على شفاء الأفراد . بدأ العمل في معرض البينالي بمشاركة عدد من العلماء، تحديداً الدكتور جوكهان س هوتامسلينج،- رئيس مركز صبري أولكر لأبحاث التمثيل الغذائي بجامعة هارفارد، وخبيرٌ في الأساس الجزيئي والجيني لأمراض التمثيل الغذائي. ففي غضون الأشهر القليلة القادمة، سنواصل تحليل ما يقارب 70 تيرابايت وأكثر من بيانات التصوير بالرنين المغناطيسي للأطفال حديثي الولادة وصولاً لأولئك الذين بلغوا العقد التاسع من أعمارهم. وآمل أن يتيح لنا الجمع بين الفن والعمل الفرصة لتشخيص الأمراض بشكل أفضل، بما في ذلك الزهايمر والاكتئاب والخرف. كما آمل أن تتيح التجارب الشخصية للأفراد الفرصة لاكتشاف ملامح جديدة من الحُب والشموليّة. وعلى المستوى الشخصي، فإنني أطمح في المستقبل القريب إلى زيادة معارفي في فهم عوالم الأمل والتعمق في أسراره. 

رفيق أناضول


بقلم: جوليا كابوديتشي | ترجمة: جهينة اليعربية | تدقيق: مريم الغافرية | المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى