العلوم التطبيقيةتكنولوجيا

كيف يجرّدنا العالم الغامض لصناعة البيانات من حُريّاتنا

سلط استجواب الرؤساء التنفيذيين لشركة أمازون وفيسبوك وجوجل وأبل في الكونجرس الأمريكي الضوء على التهديد الذي تشكله ممارساتهم على خصوصيتنا وديمقراطيتنا.

إلا أن هذه الشركات الأربع الكبيرة ليست إلا جزء من نظام واسع ومتطور للمراقبة الجماعية. حيث تتضمن هذه الشبكة آلاف من وسطاء البيانات ووكالات الإعلانات وشركات تقنية المعلومات بعضها أسترالي. حيث تجمع البيانات من الملايين من الناس، عادة بلا موافقتهم الصريحة أو عِلمهم.

ويشمل ذلك حاليًا، البيانات المتعلقة بجائحة كورونا كوڤيد-19. فعلى سبيل المثال، زوّدت شركة Palantir العملاقة المتخصصة بتحليل البيانات مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة الأمريكية بنتائج فحوصات مخبرية وأوضاع غرف الطوارئ.

عُقدت في الشهر الماضي جلسة استماع في الكونجرس الأميركي للنظر في قوة سوق وهيمنة شركات أمازون وفيسبوك وجوجل وآبل. Sipa USA

كم يعرفون؟

تجمع شركات البيانات بياناتٍ عن نشاطنا على الإنترنت وموقعنا وحمضنا النووي وصحتنا وحتى عن كيفية استخدامنا للفأرة. وتستخدم هذه الشركات مجموعة من التقنيات مثل:

  • برامج تتبع الويب النصية الموضوعة في كل صفحة على الإنترنت تقريبًا والتي تتبّع نشاط تصفحنا.
  • أجهزة المنزل الذكية التي تُسرّب تفاصيل عن عادات استخدامنا وموقعنا.
  • ملايين من تطبيقات الهاتف التي ترسِل بياناتنا لأطرافٍ ثالثة مجهولة، وتتضمن تلك البيانات معلومات حساسة كآخر مرة مارسنا علاقة حميمية.
  • ملايين من تجار التجزئة الذين يتتبّعون عاداتنا الشرائية وتحركاتنا داخل المتاجر.

ويولد هذا التتبع الواسع ملياراتٍ من نقاط البيانات التي يمكنها الكشف عن كل جانب من جوانب حياتنا لاسيما الوضع العائلي، والدخل، والانتماء السياسي، والاهتمامات، والصداقات والميول الجنسية. وتَستخدم شركات البيانات هذه المعلومات لإعداد ملفات تعريف مفصّلة للمستهلكين فرادى. وتُستخدم هذه الملفات لاستهدافنا بالإعلانات، وتحديد أهليّتنا للحصول على قروض مالية و تقييم المخاطرة في حياتنا.

صناعة البيانات في أستراليا

وتعمل بعض من أكبر الشركات المتخصصة بتحليل البيانات في العالم في أستراليا. على سبيل المثال شركة Quantium، وهي شركة أسترالية لتحليل البيانات تعمل على تحصيل البيانات من شركات أخرى متعددة. ووفقًا للشركة فقد شملت الشركات المزودة للبيانات خلال البضع سنوات الماضية بنك أستراليا الوطني NAB، وشركة CoreLogic، ومجموعة Woolworths (التي تمتلك 50% من أسهم الشركة) بالإضافة إلى شركة Foxtel.

وتسمح مثل هذه المؤسسات لشركة Quantium الإستفادة من النظام الحيوي لبيانات المستهلك وتصوّرشامل لسلوكيات أكثر من 80% من الأسر الأسترالية يشمل معاملاتهم المصرفية والتجارية وحتى التفاعل العائلي. وقال متحدثٌ باسم الشركة لموقع The Conversation “إن معظم أعمال الشركة تنطوي على علم البيانات والذكاء الاصطناعي بالإضافة إلى بيانات تُزال منها هوية الأفراد يزودنا بها العملاء، ومن هذا المنطلق تطرح Quantium لعملائها أفكارًا وأدوات ذكاء اصطناعي لدعم اتخاذ القرار”. وكما أوضحت اللجنة الأسترالية للمنافسة وحماية المستهلك ACCC في تقريرعن مخططات ولاء المستهلكين، إن البيانات المجهولة أو مخفية الهوية ما تزال عُرضة لخطر تحديد هوية أصحابها وبدقة. وبشكل عام، حتى لو أُخفيَت تفاصيل المستخدم بتحويلها إلى شيفرة أبجدية رقمية، فإن طريقة التحويل هي ذاتها المستخدمة في أغلب الشركات.

لذا، فإن كل شيفرة فريدة ومخصصة لكل مستخدم على حدى، وبالتالي يمكن استخدامها للتعرف عليه في النظام الحيوي الرقمي للبيانات.

اقرأ المزيد: الحقيقة المرة: شركات التقنية تتعقب بياناتنا وتسيء استخدامها ولا يسعنا فعل الكثير حيال ذلك

انعدام الشفافية

بعائدات تُقدّر بـ 110 مليون دولار أميركي في العام الفائت، تبدوا الأفكار المطروحة من قبل شركة Quantium قيّمةً.

وجاء أكثر من 61 مليون دولار أسترالي من هذه العائدات من مشاريع طلبت إجرائها الحكومة الأسترالية بين عامي 2012 و2020. ويشمل ذلك تعاقدَيّ عام 2020 :

  • مشروع “تحليل بيانات كوڤيد-19” تُقدّر قيمته بأكثر من 10 ملايين دولار أسترالي وفترة تعاقد من 17 من مارس 2020 إلى 31 من ديسمبر 2020.
  • مشروع “تحليل بيانات Quantium الصحية” وتُقدّر قيمته بأكثر من 7.4 مليون دولار أسترالي وبفترة تعاقد من 1 من يوليو 2020 إلى 30 من يونيو 2020.

كما وضّح المتحدث باسم شركة Quantium أنهم لا يستطيعون الحديث بشأن تفاصيل العقود دون موافقة الحكومة.

وخلال العقد الماضي فقط، كلّفت الحكومة شركات أخرى متخصصة بتحليل البيانات بالعديد من المشاريع التي تُقدّر قيمتها بأكثر من 200 مليون دولار أسترالي.

وتشمل هذه المشاريع مشروع خدمة استعادة الديون البالغة قيمته 13.8 ملايين دولار أسترالي مع شركة Dun & Bradstreet، بالإضافة إلى مشروع تحقق الشرطة الوطني مع شركة Equifax البالغة قيمته 3.3 مليون دولار أسترالي، وبدأ كِلا المشروعين في عام 2016. ولا يتضح كم من المعلومات قد تمت مشاركتها أو كيف تمت مشاركتها في هذين المشروعين.

في العام الفائت، أدرجت اللجنة الأسترالية للمنافسة وحماية المستهلك شركة Quantium كواحدة من الشركات التي تشارك في تبادل بيانات مخططات الولاء دون موافقة صريحة من المستهلكين. وأضاف المتحدث باسم شركة Quantium “إن الشركة لا تتعامل مع المعلومات التي تحدد الهوية الشخصية للمستخدم وأنها لا تُشارك البيانات مع أي طرف ثالث سواءً كانت بيانات مخفية أو محددة الهوية”.

كيف يعملون؟

تعمل شركات البيانات إلى حدٍ كبير في الخفاء. ونادرًا ما نعرف من يجمع المعلومات عنا وكيف يستخدمونها ولمن يعطونها، وما إذا كانت صحيحة أو ما مقدار ما يجنونه مقابلها. أقامت شركة LiveRamp أو (Acxiom سابقًا)، ومقرها أميركا، شراكة مع شركة Nine Entertainment الأسترالية؛ إذ تسمح هذه الشراكة لـ Nine Network بإعطاء المسوِّقين إمكانية الوصول إلى البيانات المتاحة على الإنترنت وخارج الإنترنت لاستهداف المستهلكين عبر شبكة Nine الرقمية. وقد تتضمن هذه البيانات السجل الإنتخابي الأسترالي والذي حصلت عليه شركة LiveRamp في العام الفائت.

في عام 2018، دُمجت شركة Nine Entertainment مع شركة Fairfax Media.

وعلى غرار ذلك، تعمل شركة Optum، وهي شركة بيانات صحية مقرها أميركا على تجميع المعلومات من سجلات المستشفيات والسجلات الصحية الإلكترونية ومطالبات التأمين. ولديها بيانات لأكثر من 216 مليون شخص واستخدمتها لتطوير خوارزمية تنبؤية اكتُشف لاحقًا أنها تقوم بالتمييز ضد المرضى السود.

الإخلال بديمقراطيتنا

لا يتوافق انتشار ومجال وتخفي الممارسات المذكورة أعلاه مع المبادئ الأساسية للديمقراطية الليبرالية. وفقًا للفيلسوف أيزايا برلين، يمكن أن تزدهر الديمقراطيات الليبرالية إذا ما كان لديها مواطنون مستقلون يتمتعون بنوعين من الحريات:

  • حرية التعبير والاختيار والاعتراض.
  • حرية من عمليات التفتيش والضبط غير المبررة.

ويشير عالمنا الذي يعتمد على البيانات إلى تناقصٍ حاد في هذه الحريات. تتضرر حرية الاختيار لدينا عندما يتم التلاعب بالبيئة المعلوماتية التي نستخدمها لتوجيهنا نحو سلوكيات ينتفع منها أطراف آخرون. وتلاشت مساحتنا الخاصة في بيئة رقمية حيث يُسجّل ويُعالج كل ما نفعل ويُستخدم من قِبل كيانات تجارية وحكومية.

كيف نحمي أنفسنا؟

وعلى الرغم من أن قدرتنا على الانقطاع عن العالم الرقمي والتحكم ببياناتنا تُقوّض بسرعة، ثمة خطوات نتخذها لنحمي خصوصيتنا.

اقرأ المزيد: تناقض الخصوصية: ندعي اهتمامنا ببياناتنا، فلماذا تناقضنا أفعالنا؟

ينبغي لنا أن نركز على تطبيق تشريعات لحماية حرياتنا المدنية. ولن تضمن حقوق بيانات المستهلك وقانون الخصوصية الحماية اللازمة للبيانات. كما أكدت اللجنة الأسترالية للمنافسة وحماية المستهلك ذلك في تقريرها لعام 2019. في عام 2014، أوصت لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية بتطبيق تشريعٍ للسماح للمستهلكين بالتعرف على الوسطاء الذين يمتلكون بيانات عنهم وإتاحة المجال لهم للحصول عليها. كما أوصت أيضًا: يشترط أن يُفصِح الوسطاء عن مصدر بياناتهم. يشترط أن يُفصِح تجار التجزئة للمستهلكين أنهم يشاركون بياناتهم مع الوسطاء. إعطاء الخيار للمستهلكين بالإنسحاب.

إذا كنا نهتم بحُريّاتنا ينبغي لنا أن نضمن اعتماد تشريعاتٍ مماثلة في أستراليا.

بقلم: أوري غال | ترجمة: مريم الريامي | تدقيق: روان البداعية | المصدر

مريم الريامي

مترجمة ورسّامة، وفضولية من الدرجة الأولى! مهتمة باللغات وأطمح لإتقان عدد منها، أحب القراءة وأهوى الفنون بأنواعها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى