مراجعات كلمة

قراءة في كتاب | صحوة الذكاء لـ جدو كريشنامورتي

عنوان الكتاب | صحوة الذكاء

المؤلف | جدو كريشنامورتي

ترجمة | كنان القرحالي

دار النشر | دار كلمات للنشر والتوزيع الطبعة الثانية 2017

صحوة الذكاء هو كتاب فلسفي يحتوي على 15 مقالاً يمتد في 279 صفحة وحجم الورق من القطع المتوسط  يناقش قضايا الإنسان و يؤهله لفلترة المعارف والقناعات التي صادفها في حياته وغرسها فيه مجتمعه ، كريشنامورتي يساعد القارئ على البحث عن ماركته الشخصية المفقودة أو المختلطة بكثير من ماركات الفلاسفة أو رجال الدين أو أي شخص يُتخذ كقدوة بقوله: “يجب علينا بعقولنا وطاقاتنا وحماستنا أن نكتشف الأمور بأنفسنا وليس وفقاً لما قاله فيلسوف ما” .

يرى كريشنامورتي أن الإنسان كتلة هائلة من المشاعر والطاقات والطموحات والصراعات والماديات والأفكار، ومن الضروري فهم عناصر هذه الكتلة لتوصل لمعنىً، والتوقفِ عن ممارسة الحياة بشكل ميكانيكي يخلو من المعنى ، يقول كريشنامورتي :

“على المرء فهم مسألة الوجود هذه بأكملها ، الصراعات والمعارك : تعرفون الحياة التي قد يعيشها المرء بفراغها وانعدام معناها ، يحاول المفكرون إعطاءها معنى، ونحاول أيضاً إعطاءها أهميةً لأن الحياة كما تعاش لا معنى لها ، فالمرء يمضي حياته في الكفاح المستمر والعمل المتواصل والبؤس والمعاناة والمشقة وليس لهذا في الحقيقة أية معنى ، إنما نمضيها هكذا كعادة ، ولفهم أهميتها فعلى المرء فهم أهمية الموت لأن الحياة مقترنة بالموت ولا سبيل للفصل بينهما”

 

 معرفة أهمية الموت مهمةً جداً في وقت أصبح فيه كثير من البشر يمارس التفوق والعمل لساعات متواصلة وزيارة الأقارب والنوم والشرب من باب العادة وليس من باب الوعي بما يفعل ، ليفهم كل ذلك عليه أن يفهم معنى الموت ، معنى أن يكون هناك حدٌّ وسقفٌ لأيامه يضيف كريشنامورتي أنه يمكنك أن تحيي شيئاً ميتاً أو شيئا يحتظر لكنك لا تستطيع إحياء شيء حي.

يجيب كريشنامورتي من خلال مقالاته عن سؤال صعب جداً وهو : “هل تستطيع الموت نفسياً اليوم ؟” ما رأيك أن تموت وتكلف آلة ميكانيكية بالحياة عنك؟ الآلات جداً بارعة في العيش بروتينية ، حيث أنها تعرف كيف تؤدي المهمة لكنها لا تعرف المعنى من أداء المهمة ، تخيل حقاً أن تموت نفسياً، أن يموت كل الطموح بداخلك ، أن تموت مشاعرك ، الأشخاص الذين تعتمد عليهم ، أن ينتهي وقتك المحدد لحياتك ! لن تستطيع مخاطبة الموت متوسلاً له بأن يدعك تنهي كل الأمور التي لم تفعلها وأنت على قيد الحياة ، لن تستطيع الرجوع لإلقاء نظرة أخيرة على من تحب ، حين تدرك معنى أن تموت ستقفز جاهداً تراقب نفسك و تلاحظها وستمارس الحياة بفكر يقظ كل يوم غير كسول بتاتاً ، حين يعرف المرء ما يعنيه موته بالنسبة له أي نهاية كل شيء جَمعه في النهار ، موت ساعات مضت لن تعود، وموت علاقات لا داعي منها ، وموت مهمات لم تنفذ بالأمس وإختفاء المشاعر السلبية التي تجبر على التسويف والتأجيل والكسل حينها سيبحث عن ولادة جديدة ، حياة تسودها نظرة جديدة تماماً ، هذه الطريقة ستجعل الإنسان يتخلص من مخاوفه باستمرار وينشغل بأهداف جديدة وينسى الأمور الصغيرة التافهة ، ستكون ساعاته مليئة بالمهمات ، سينبت في قلبه كل يوم حب جديد للبشر وللجمادات ويصل أرقى مراتب السمو الذاتي .

أرى أن عناوين المقالات التي طرحها كريشنامروتي يمكن تقسيمها إلى قسمين ،

القسم الأول يرتبط بالإنسان وحده باعتباره كينونة فريدة تستمد فكرها من ملاحظاتها الذاتية وقد تكلم فيه كريشنامورتي عن: التأمل، الحرية ، تعقب المُتع ، العنف ، المتعة ، الخوف ، تغيير الذات ، الخوف والموت و علاقتهما بالذكاء ، العقل المتأمل والسؤال المستحيل .

والقسم  الثاني أرى أنها مواضيع ترتبط بتفاعل الإنسان مع أخيه الإنسان مثل : العلاقات ، الصراع الإنساني ، الخير والشر. كريشنامورتي وسط موضوعاته هذه يطرح عدة أسئلة يستغرق خمس صفحات في تعليمك تحليل السؤال وصفحة واحدة للإجابة ليساعدك على استخراج الفيلسوف الصغير القابع بداخلك لذلك ستحتاج إلى أن تتفاعل مع الكتاب وكأنه مخلوق ناطق.

يقول كريشنامورتي “أنا العالم والعالم هو أنا” وذلك يعني أن كل التغييرات النفسية التي ستدخلها في يومك البسيط الذي يتكون من 24 ساعة ستؤثر على معدلات إنتاجيتك وبالتالي ستؤثر بأفكارك على عالمك الخارجي، عندما تستطيع أنت بوعيك التأثير على وعي العالم إذن أنت الجزء المهم والمشرق منه، أنا كإنسان أُدرك وأشعر بالتزام عميق تجاه العالم كما أن جزءا من الوعي يؤثر على بقية الوعي .

وأخيراً استغرقت وقتاً طويلا في التفكير لوضع تلخيص لهذا الكتاب لكنني توصلت إلى حقيقة مفادها أن هناك محطات ضرورية ومعانٍ لا يمكنني بنفسي تأويلها ونقلها وإنما يجب على القارئ وحده أن يصل إليها عبر منظوره الخاص ، وأرى أن كريشنامورتي أنه في بعض المقالات أسهب في طرح أفكاره ويأخذ مدة حتى يصل إلى لُب الموضوع لكن هذا الأمر أعتبره شيئا إيجابيا علمني تحليل الأمور التي تصادفني  في حياتي بشكل أكثر دقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى