الإدارة العامةالعلوم الاجتماعية

المقابلات الوظيفية غير مجدية

تسهم عمليات التوظيف في إيجاد بيئة عمل أفضل وتقليل معدل التدوير الوظيفي فضلاً عن ارتفاع مستوى الإبداع والإنتاجية لدى الموظفين. وعند فهم أوجه القصور في المقابلات الوظيفية وسلبياتها، يتسنى لك تحسين فرصك بتوظيف المرشح الأفضل الذي يناسب احتياجاتك.

***

تُعد المقابلة الوظيفية تقليدًا خضع له كل فرد بالغ تقريبًا مرة واحدة على الأقل. وتبدو جزءَا مهمًا من معظم إجراءات التوظيف، بيد أنها تستغرق الكثير من الوقت وتستهلك الكثير من الموارد دون المساهمة فعليًا في اختيار المرشحين الأمثل لشغل الوظيفة. عوض ذلك، تعمل على تعزيز قوة عاملة متجانسة حيث يفكر الجميع فيها بالطريقة ذاتها.

وإذا كان يراودك أي شك حول كمِّ المعلومات التي يمكنك الحصول عليها من المقابلات، فكّر بما ينطوي عليه الأمر بالنسبة للمترشح. كلنا مررنا بذلك. في ليلة المقابلة، تبحث عن أفضل ملابسك، تقوم بكيّها، وتأْمل -لمرة واحدة في حياتك- أن تثبت تسريحة شعرك. وتُجري بلهفة بحثك عن الشركة وتقرأ كل مقال إخباري حديث يستند إلى بيان صحفي شكلي، وتعرج على كل تدوينة للرئيس التنفيذي، مرورًا بآراء موظف سابق ساخط.

وبعد ليلة لم يغمض لك فيها جفن، تتوجه لمكتبهم، وتنخرط في محادثة جانبية غريبة ثم تُجيب عن أسئلة متوقعة. مثل: ما أكبر نقاط ضعفك؟ أين ترى نفسك خلال خمس سنوات؟ لماذا ترغب بشغل هذه الوظيفة؟ لماذا تريد ترك وظيفتك الحالية؟
تسرد لهم الإجابات التي حضرتها في الليلة السابقة مسلطًا الضوء على أفضلها. وفي أثناء ذلك، تُذكّر نفسك بالجلوس منتصبًا، وعدم التوتر والابتسام.

وليس الأمر أفضل حالًا بالنسبة لرب العمل. فعندها يكون لديك دورٌ تقوم به يتمثّل باختيار قائمة من المرشحين الواعدين ودعوتهم لإجراء المقابلة. ثم تُعِد مجموعة من الأسئلة المعيارية لترتجل أخرى عند سماع إجاباتهم. وفي نهاية الأمر، تتبع حدسك بالحكم على الشخص الذي شعرت بأنه المناسب -على الأرجح- من تواصلك معه على نحو أفضل خلال المدة الزمنية القصيرة التي جمعتكما.

هل ستتفاجأ من عدم جدوى المقابلات الوظيفية حين تستند إلى مشاعر متحيزة؟ على الإطلاق، هي ليست أكثر الوسائل فاعلية لاتخاذ قرار بشأن المترشح الأفضل لأنها تعزز دور التحيز وتقلص دور تقييم الكفاءة.

ما هي المقابلة الوظيفية؟ في معظم الحالات، تكمن الاستراتيجية الأمثل للمقابلات الوظيفية في التحلي بالصدق، لأن أسوأ ما قد يحصل هو أنك لن تحصل على الوظيفة وستمضي ما تبقى من عمرك تبحث عن الطعام في البراري وتستظل تحت شجرة أو تحت مظلة لصالة بولينغ توقفت عن العمل. ليموني سنيكيت – من كتابه: هورسراديش Horseradish

 

عندما نقول “مقابلات وظيفية” فإننا نقصد بها تلك المقابلات التي أصبحت معيارًا في عدة مجالات حتى في الجامعات؛ مقابلات حرة يلتقي فيها المرشحون في غرفة بشخص أو أكثر من أرباب العمل المحتملين (عادة هم الأشخاص الذي سيعملون معهم) ويجيبون عن أسئلة غير منظمة. وينصب تركيز هذه المقابلات على سلوك المرشح بشكل عام، وعلى عوامل مثل ما إذا وصل المرشح في الوقت المحدد أو إن أجرى بحثًا مسبقًا عن الشركة. وفي حين تبدو الأسئلة في ظاهرها حول التنبؤ بالأداء الوظيفي، إلا أنها غالبًا ما تبحث عن سماتٍ مثل الكاريزما عوضًا عن الكفاءة الفعلية.

يمكن أن تكون المقابلات غير المنظمة مجدية بالنسبة لوظائف معينة. فالقدرة على ترك انطباع أول جيد وجذب الآخرين سمات مهمة لمندوب المبيعات، لكن لا تتطلب جميع الوظائف سمة القدرة على جذب الآخرين، وليس بالضرورة أن يكون أحدهم مهندس برمجيات سيء لمجرد أنك لا تريد قضاء وقتك معه بعد المقابلة. في المؤسسات الصغيرة الناشئة التي تتكون من عدد قليل من الموظفين، قد يكون من المهم أن يكون الفرد “جزءًا من المجموعة” لأن علاقات الصداقة الوثيقة حافز قوي حينما يكون العمل صعبًا والأجر ضئيلًا، لكن روح المجموعة تلك قد تكون أقل أهمية في المؤسسات الأكبر والتي تحتاج إلى التنوع.

وبالنظر إلى أهمية التوظيف والضرر الذي قد ينتج عن إساءة التوظيف، من المنطقي بالنسبة للشركات أن تبحث في الأساليب الأمثل لإجراء المقابلات وأن تستوعبها. لنتعرف على أسباب عدم جدوى المقابلات الوظيفية وما يمكننا فعله عوض ذلك.

المقابلات الوظيفية غير فعالة.. لماذا؟

التمييز والتحيز

لا ينبغي أن تحدد معلومات الشخص المتمثلة في عمره ونوعه وعرقه ومظهره أو حتى طبقته الاجتماعية ما إذا كان سيحصل على الوظيفة أم لا؛ بل تحددها كفاءته، لكن الحال ليست كذلك دائمًا، قد ينتهي المطاف بمن يُجرون المقابلة باختيار من يروق لهم من المرشحين؛ أي غالبًا من يشبهونهم.

وبالتالي، يعني ذلك أن عددًا أقل من الكفاءات أصبح متاحًا للمؤسسة.
يتطرق الأخصائي النفسي رون فريدمان في كتابه أفضل مكان للعمل: فن وعلم بناء بيئة عمل استثنائية The Best Place to Work: The Art and Science of Creating an Extraordinary Workplace إلى شرح بعض التحيزات اللاواعية التي يمكن أن تؤثر على عملية التوظيف. يبدو أننا نميل إلى تصنيف الأشخاص الجذابين على أنهم أكثر كفاءةً وذكاءً وتأهيلا للحصول على الوظيفة، ونعُد الأشخاص طويلي القامة قياديين، خاصة عند تقييم الرجال، ونرى أن الأشخاص من ذوي الأصوات العميقة جديرين بالثقة أكثر من ذوي الأصوات العالية.

إن التحيز الضمني ضار لأنه يعيق التعرف إلى الطرق التي تؤثر على سير المقابلات، فعندما يحكم من يُجري المقابلة على شخص ما، قد يطرح أسئلة تدفع الشخص ليطابق تلك التصورات. مثلًا: إذا كان يعتقد بأن الشخص أقل ذكاءً، قد يطرح أسئلة أساسية لا تسمح للمرشح بأن يستعرض خبرته. وبعد تأكيد تحيزه، لا يرى من يُجري المقابلة سببًا يستدعي التشكيك فيه أو ملاحظته في المستقبل.

يعتمد التوظيف عادة على مدى إعجاب من يجري المقابلة بالمرشح ، ويعني ذلك إمكانية أن نُخدع بجاذبية مصطنعة. فإذا اصطنع الشخص الكاريزما من أجل مقابلة، فستتحمل المؤسسة تبعات ذلك لسنوات قادمة.

الحقيقة ليست كما نراها

التصورات لا تمثّل الحقيقة. ينبغي أن تمنح المقابلة الوظيفية الشركة لمحة سريعة عما سيكون عليه الموظف في وظيفة ما، إلا أنها لا تمثل محاكاة لأداء الشخص في بيئة العمل الفعلية.

على سبيل المثال، يمكن أن يكذب الأشخاص أثناء المقابلة الوظيفية، إذ يستدعي الموقف ذلك عمليًا. وفي حين يشعر أغلب الأشخاص بعدم الارتياح من قول الأكاذيب الصريحة (ويعلمون أنهم سيواجهون عواقب وخيمة لاحقًا بشأن التلفيق)، إلا أن تحريف الحقيقة أمر شائع. ويورد رون فريدمان “تشير الأبحاث أن الكذب الصريح يولد الكثير من عدم الراحة النفسية لدى الأشخاص ليكرروا فعله. ومن أشكال الخداع الشائعة في المقابلات هي تلك التي تنطوي على التنميق (حيث نتلقى ثناءً لا نستحقه)، والتفصيل (حيث نوائم إجاباتنا لتتناسب مع متطلبات الوظيفة)، والبناء (حيث نجمع عناصر من تجارب مختلفة لنأتي بإجابات أفضل)”. ولن يعلم من يُجري المقابلة ما إذا كان أحدهم يخدعه بأي من هذه الأساليب، أي أنه لا يعلم إن كان يستمع إلى الحقيقة فعلًا.

ومن أسباب اعتقادنا أن المقابلات الوظيفية تمثيلية هو خطأ الإسناد الأساسي. وهذه مغالطة منطقية تجعلنا نؤمن بأن طريقة تصرّف الأشخاص في موقفٍ ما تُفضي إلى طريقة تصرفهم في مواقف أخرى في المستقبل. إذ ننظر لسلوك الأفراد على أنه نتيجة واضحة لسماتٍ فطرية ونستهين بتأثير الظروف.

يقول بعض أصحاب العمل أنهم يستخدمون تفصيلًا واحدًا يظنون أنه تمثيلي لاتخاذ قرارات التوظيف، مثل ما إذا كان المرشح يرسل بطاقات شكر بعد انتهاء المقابلة أو إذا كانت صورة العرض في حسابه على LinkedIn صورة “سيلفي”.

إذ أن إرسال بطاقة شكر يعني أن المرشح يتحلّى باللباقة والوعي، وأن استخدام صورة “سيلفي” في LinkedIn توحي بعدم المهنية. ولكن هل هذا صحيح فعلًا؟ هل يمكن لشيء واحد أن يؤثر على جميع جوانب الأداء الوظيفي؟ الأمر جدير بالمناقشة.

حدسك ليس صائبًا

جميعنا نظن بأننا نثق بحدسنا، لكن المشكلة في أن الأحكام الحدسية قد تُجدي في مجالات تكون فيها الملاحظات سريعة والسبب والنتيجة واضحين. ولا ينطبق ذلك على المقابلات الوظيفية، إذ تكون الملاحظات بطيئة، وتكون العلاقة بين قرار التوظيف ونجاح الشركة غير واضحة.

يلجأ من يُجري المقابلات إلى اتخاذ أحكام سريعة تستند على معلومات محدودة، ذلك بسبب ضغط الاختيار بين المرشحين. تُقدم المقابلات الكثير من المعلومات التي يمكن أن تُضعف المعلومات ذات الصلة وتُفضي إلى الثقة العمياء. في دراسة عنوانها الإيمان بالمقابلة غير المنظمة: استمرارية الوهم Belief in the Unstructured Interview: The Persistence of an Illusion، تنبأ المشاركون بالمعدل التراكمي لمجموعة من الطلبة. قُسّم الطلبة إلى مجموعتين، الأولى ممن حصل المشاركون على سيرتهم الذاتية، والآخرون ممن اطلعوا على سيرهم الذاتية وحظوا بفرصة للمقابلة أيضًا. ما حدث أنه في بعض الحالات كانت ردود أفعال المقابلة عشوائية بالكامل؛ أي أنها لم تنقل أية معلومات حقيقية مفيدة.

وقبل أن يشرع المشاركون في التنبؤ بالمعدلات التراكمية للطلبة، أخبرهم الباحثون أن أقوى عامل لمساعدتهم على التنبؤ الصحيح بالمعدل التراكمي المستقبلي للطالب هو المعدل التراكمي السابق. وبالنظر إلى أن المشاركين قد حصلوا على معلومات تتعلق بالمعدل التراكمي السابق، فيجب أن يؤخد هذا العامل في الاعتبار.
في النهاية، توصل المشاركون الذين تمكنوا من إجراء مقابلة مع الطلبة إلى أسوأ التنبؤات مقارنة بمن اعتمدوا على السيرة الذاتية فقط. لماذا يا ترى؟

لأن المقابلة قدمت الكثير من المعلومات. حيث تشتت المشاركون بمعلومات غير ذات صلة مما أدى إلى نسيانهم لأهم عوامل التنبؤ؛ وهو المعدل التراكمي السابق. بالطبع، ليست لدينا مقاييس واضحة مثل المعدل التراكمي للوظائف، ولكن هذه الدراسة تشير إلى أن المقابلات لا تؤدي تلقائيًا إلى التوصل إلى أحكام أفضل حيال شخصٍ ما.

عادة ما نظن أن الأحكام المبنية على الحدس البشري هي الأفضل، حتى إن لم يكن ثمة دليل يدعم ذلك. ونسارع في تجاهل المعلومات التي ينبغي أن نبني عليها أحكامنا لصالح معلومات أقل دقة، والتي نتمسك بها لأنها تبدو جيدة. فكلما كانت المعلومات التي يجب معالجتها أقل تعقيدًا، كان الشعور أفضل. ونميل إلى أن نربط الشعور الجيد بـ”الصواب”.

الخبرة ≠ الكفاءة في إجراء المقابلات

في عام 1979، اضطرت كلية تكساس للطب في هيوستن إلى زيادة عدد الدفعات الجديدة بمقدار 50 طالب، وذلك بسبب تغيير قانوني يدعو إلى زيادة عدد طلبة الدفعات. ولعدم توافر الوقت الكافي لإجراء المقابلات، اختاروا من بين عددٍ كبيرٍ من المرشحين الذين اختارتهم الكلية سابقًا لإجراء مقابلات ثم رفضتهم لعدم أهليتهم للقبول. وبالنظر إلى وصولهم لمرحلة المقابلات، لا بد وأنهم من بين أفضل المرشحين. لكن لم يتم اعتبارهم مرشحين مؤهلين للقبول.

وعندما قام الباحثون بدراسة نتائج هذا القرار، وجدوا أن الطلبة التي رفضتهم الكلية أولًا لا يختلف أداؤهم الأكاديمي عن الطلبة الذين قبلتهم. باختصار، لم تساهم المقابلات في اختيار الأعلى أداءً.
إن دراسة فاعلية المقابلات عملية معقدة ويصعب إدارتها من وجهة نظر أخلاقية. فلا يمكننا فعلًا أن نعطي أشخاصًا مختلفين الوظيفة ذاتها وبظروف مشابهة. ويمكننا أن نتعلم من الحوادث العرضية، مثل التغيير في عدد طلبة الدفعات لدى كلية تكساس للطب والدروس اللاحقة المستفادة. فبدون التغيير القانوني ما كان ليعلم من يقوم بإجراء المقابلات أن الطلبة الذين رُفضوا هم بكفاءة الطلبة المقبولين.
ولهذا السبب، إن تكوين خبرة في هذا المجال أمر صعب. حتى وإن كان الشخص قد حظي بتجارب كثيرة في إجراء المقابلات، لا يجعل ذلك منه خبيرًا. فالخبرة تتمثل في امتلاك نماذج تنبؤية لشيء ما؛ وليس امتلاك معرفة واسعة عنه.

إضافة إلى أن الحصول على ملاحظات بعد اتخاذ قرار التوظيف قد يكون بطيئًا. إذ لا يمكن لمُجري المقابلة أن يعرف ما سيحصل إن تم توظيف مرشح بديل. وإذا لم يفلح الموظف الجديد، فيقع ذلك على عاتقه وليس على من اختاره. ثمة الكثير من العوامل التي لا تقود إلى التعلم من التجربة.

كيف نجعل المقابلة أكثر فاعلية؟

من السهل أن نفهم أسباب شيوع المقابلات الوظيفية. فالناس يفضلون العمل مع أشخاص يحبونهم، لذا تسمح لهم المقابلات الوظيفية بتفقّد زملاء العمل الجدد المحتملين. كما يتوقع المرشحون أيضًا إجراء مقابلات وظيفية؛ ألن تشعر بالاضطراب إذا عرضت عليك شركة ما وظيفة دون إجراء المقابلة المعتادة أولًا؟ قد يؤدي الخضوع لمقابلة منهِكة إلى جعل المرشحين أكثر اهتمامًا بالحصول على الوظيفة وقبول العرض على الأرجح. كما قد يكون من الصعب تخيُّل بدائل ناجعة أخرى للمقابلات.

لكن يمكننا أن نجعل المقابلات الوظيفية أكثر فاعلية أو أن نجعلها الخطوة الأخيرة في عملية التوظيف وبعد استخدام تقنيات أخرى لقياس قدرات المرشح المحتمل. وينبغي أو تكون الأولوية في استخدام الأساليب الناجعة عوض استخدام الأساليب التي تبدو صائبة أو ما اعتدنا على استخدامه دائمًا.

المقابلات المنظمة

في حين أن المقابلات غير المنظمة غير مجدية، تُعد المقابلات المنظمة ممتازة. في كتابه الذي يحمل عنوان “التفكير بسرعة وببطءThinking, Fast and Slow يصف دانيال كانمان كيف أعاد تعريف عملية إجراء المقابلات التي قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي من منظور خريج علم نفس يافع. إذ كان تجنيد جندي مستجد حينها أمرا يتطلب سلسلة من الاختبارات النفسية وتتبعها مقابلة لتقييم الشخصية. ثم يتخذ من يُجرون المقابلة قرارهم وفقًا لحدسهم حيال ملاءمة المرشح لأداء دور معين. كان الأمر مشابهًا لأسلوب التوظيف الذي تعتمده الشركات اليوم، والذي أثبت عدم جدواه.

استعرض كانمان أسلوبًا جديدًا في إجراء المقابلات؛ إذ يجيب المرشحون على سلسلة من الأسئلة المحددة مسبقًا والتي تهدف إلى قياس سمات الشخصية ذات الصلة (مثلًا: حس المسؤولية والعلاقات الاجتماعية). ثم يُطلب مِمن يُجري المقابلات تقييم المرشحين بدرجة تعكس أداءهم في إظهار كل سمة وفقًا لردود أفعالهم. كما أورد كانمان أن “بالتركيز على الأسئلة النموذجية والواقعية، رغبت بالقضاء على تأثير الهالة؛ حيث تؤثر الانطباعات الأولى على الأحكام اللاحقة”.

وأوكل إلى من يجرون المقابلات تقديم هذه الأرقام فقط دون اتخاذ قرارات نهائية.
وعلى الرغم من أن نظام كانمان لم يعجب القائمين على إجراء المقابلات في البداية، إلا أن المقابلات المنظمة أثبتت فاعليتها، كما أصبحت معيارًا لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي. وعمومًا هي عادة ما تكون أكثر الأساليب جدوى. ويكمن الحل في الاختيار المسبق لقائمة بالأسئلة المصممة خصيصًا لاختبار مهارات تتعلق بالوظيفة، ثم طرحها على جميع المرشحين. في المقابلة المنظمة تُطرح الأسئلة ذاتها على الجميع وبنفس الصياغة، ولا ينبغي على القائم بإجراء المقابلة أن يرتجل.

يقول توماس تشامورو بروميتش في كتابه وهم الموهبة The Talent Delusion:

“ثمة 15 مجموعة تحليلية بُعدية مختلفة على الأقل حول المقابلات الوظيفية منشورة في مجلات أبحاث أكاديمية. وتشير هذه الدراسات إلى أن المقابلات المنظمة مفيدة جدًا في التنبؤ بالأداء الوظيفي في المستقبل… بالمقابل، المقابلات غير المنظمة والتي لا تنطوي على قواعد محددة لتقييم أو لتصنيف الإجابات والملاحظات على نحو موثوق ومعياري تكون أقل دقة وبشكل ملحوظ”.

 

لماذا تُجدي المقابلات إذا طُرحت نفس الأسئلة على الجميع؟
لأن القائمين على إجراء المقابلات – كما تطرقنا سابقًا- يمكن أن يُطلقوا أحكامًا لاواعية عن المرشحين ثم يطرحوا أسئلة ترمي إلى تأكيد تصوراتهم. تساعد المقابلات المنظمة على قياس الكفاءة، لا العوامل غير ذات الصلة. ويسترسل رون فريدمان في شرح ذلك:

“من الجدير أن تتخلل المقابلات أسئلة محددة مسبقًا لكي 1) يتلقى كل مرشح نفس الأسئلة، 2) تُصاغ بنفس الطريقة. وكلما بذلت جهدك في توحيد المقابلات وجعل المرشحين يخوضون نفس التجربة، قل التأثير الذي تمارسه على أدائهم”.

إذن ماذا سيفعل القائم على إجراء المقابلة بالإجابات؟ يقول فريدمان “يجب عليك بعد ذلك أن تضع معايير واضحة لتقييمهم”.

ومن الأساليب الأخرى لتقليل نقاط الضعف في إجراء المقابلات: إشراك مجموعة من القائمين على إجراء المقابلات وإعطاء كلٍ منهم معايير محددة لتقييم المرشحين. من الصعب بالنسبة لمن يجري المقابلة أن يعرف على ماذا يجب أن يركز بدون هيكل محدد لتقييم المرشحين، والذي قد يشمل خبرة في المجال ومهارات التواصل والاهتمام بالتفاصيل. إذا حصل عكس ذلك، حينها تتداخل عوامل شخصية تؤدي إلى التحيز في التقييم. ولذلك، من الأفضل توجيه انتباه من يقومون بإجراء المقابلات بطرق محددة لتكون الملاحظات التي يقدمونها دقيقة.

المقابلات العمياء

ومن الأساليب الأخرى التي يمكننا بها جعل المقابلات الوظيفية أكثر فاعلية هي إيجاد طرق لجعل المقابلة “عمياء” لإخفاء أية معلومات أساسية قد تؤدي إلى التحيز في إطلاق الأحكام. تركز المقابلات العمياء على المهارات فقط، لا على المرشح. وتمثّل مقابلات الفرق الأوركسترالية نموذجًا ممتازًا لهذا النوع من المقابلات.

في سبعينيات القرن الماضي، عانت الفرق الأوركسترالية من التحيز الجنسي. ففي المتوسط كان 5% فقط من أعضائها من النساء. وكانت الفرق تُدرك أنها تهدر مواهب محتملة، لكنها وجدت أن عملية الاختيار من تجارب الأداء غالبًا ما تُفضل الرجال على النساء. إذ لم يتمكن هؤلاء من التخلص من ميلهم اللاواعي لتفضيل الرجال.
وعوض تقبل هذا الأمر والسماح لعدم المساواة بالاستمرار، بدأت فرق الأوركسترا بتنفيذ تجارب أداء عمياء. حيث يعزف المرشحون آلاتهم خلف ستار في حين تستمع إليهم اللجنة وتقيّم أداءهم. كما لم يحصلوا على أية معلومات شخصية تساعدهم في التعرف إلى المرشحين.

وجاءت هذه الطريقة لتسمح لفرق الأوركسترا باختيار المرشحين دون تحيز. تطلبت هذه الطريقة بعضًا من التعديلات؛ ففي البداية كانت اللجنة قادرة على التعرف إلى جنس المرشحين من وقع أحذيتهم. ثم طلبت منهم إجراء تجارب الأداء دون أحذية.
والنتيجة؟ بحلول عام 1997، بلغت نسبة أعضاء الأوركسترا النساء 25%، واليوم تقارب 30%.
وعلى الرغم من صعوبة تطبيق هذه الطريقة على مجالات عمل أخرى، يمكن أن تلهم المقابلات العمياء مجالات أخرى لتستفيد من إيجاد طرق تجعل المقابلة تركز على قدرات الشخص لا هويته.

تقييمات تتعلق بالكفاءة

ما الطريقة الأمثل لاختبار قدرة الأشخاص على أداء مهمة محددة على أتم وجه؟ إلزامهم بأداء مهام تتعلق بالوظيفة. وملاحظة ما إذا كانوا قادرين على فعل ما قالوا إنهم قادرون عليه. إذ يصعب على الشخص الكذب على من يجري المقابلة وخداعه خلال الأداء الفعلي للعمل أكثر من المقابلة. ويمكن أيضًا الاستعانة باختبارات الكفاءة للمقابلات العمياء؛ حيث يطّلع من يُجري المقابلات على نتائج الاختبارات غير الشخصية لإطلاق أحكام غير متحيزة.

يقول توماس تشامورو بروميتش في كتابه “وهم الموهبة: لماذا تعد البيانات لا الحدس السر وراء التعرف على الإمكانات البشرية” The Talent Delusion: Why Data, Not Intuition, Is the Key to Unlocking Human Potential “إن علم اختيار الموظفين علم ضارب في أعماق التاريخ لكن صنّاع القرار ما زالوا يتخذون قراراتهم دون تخطيط مسبق أو يؤمنون بالأساليب التي تفتقر إلى الدقة الأكاديمية. ومن أهم أسباب عدم قياس الموهبة من جانب علمي هو اعتقادهم أن الاختبارات الصارمة صعبة وتستغرق الكثير من الوقت لإدارتها، وأن التقييمات الموضوعية تحل محلها “بما يكفي”.

يشيع استخدام اختبارات الكفاءة فعلًا في مجالات متعددة، لكن من يجرون المقابلات لا يولونها اهتمامًا كافيًا. إذ عادة ما تتبع المقابلة أو توضع كبديلٍ لها. ويمكن أن تطغى المقابلة السيئة على الكفاءة العالية. وعلى أحسن تقدير، يولي من يُجرون المقابلات هذه الاختبارات اهتمامًا مماثلاً للمقابلات، لكن في الواقع يتوجب عليهم اعتبارها أكثر أهمية.

ويضيف رون فريدمان “تفقد المعلومات غير اللازمة مثل مظهر المرشح أو الكاريزما التي يتمتع بها تأثيرها عندما تتسنى لك رؤية الأداء الفعلي للمرشح. كما أنه مؤشر أفضل على مساهماتهم المُستقبلية لأنها تعتمد على تقييم المعايير المتعلقة بالوظيفة على عكس المقابلات الشخصية التقليدية. كما أن إسناد المهام يمكن أن يساعدك في التعرف بشكل أفضل إلى المرشح الأفضل من بين سيل من المرشحين، بالإضافة إلى جعلهم أكثر اهتمامًا بالوظيفة”.

الخاتمة

إذا اعتمدت شركة ما على المقابلات الوظيفية التقليدية واعتبرتها الأسلوب الوحيد والرئيس في اختيار الموظفين، فلن تحظى بأفضل الموظفين. وإن إتقان عملية التوظيف هو أهم خطوات النجاح لأية مؤسسة. وبفريق شغوف بعمله، يمكنه أن يتفوق على مؤسسات أخرى بمصادر تمويلية أكبر وموارد أفضل. ويكمن سر العثور على هذا الفريق في الاستعانة بأساليب توظيف فعّالة.


بقلم: شين باريش | ترجمة: مريم الريامية | تدقيق: منال الندابية | المصدر

مريم الريامي

مترجمة ورسّامة، وفضولية من الدرجة الأولى! مهتمة باللغات وأطمح لإتقان عدد منها، أحب القراءة وأهوى الفنون بأنواعها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى