العلوم التطبيقيةتكنولوجيا

هل ستصبح الإنترنت عما قريب مكانا خاليا من البشر؟

مترجم من اللغة الإنجليزية

الإنترنت بشكلها الحالي عبارة عن شبكة عالمية تربط أجهزة الحاسوب ببعضها، مما يتيح للناس التواصل مع بعضهم البعض، والقيام بالأعمال التجارية معا واكتساب المعرفة، ولا ننسى كذلك إمكانية الاستمتاع والترفيه. يمكِّنُنا غوغل من الحصول على كل ما نحتاج إليه (وكل ما لا نحتاج إليه) ويمكِّنُنَا موقع أمازون من شراء كل ما نحتاجه (وكل ما لا نحتاجه) في حين تتيح لنا بعض التطبيقات مثل فيسبوك وإنستغرام وتويتر من مشاركة كل ما يخصنا مع الجميع.

 

في الوقت الراهن نمضي الكثير من الوقت في النقر المتواصل على الشاشات والدردشة والبحث ومشاركة كل ما نريده، ولكن كم من الوقت سيبقى الأمر على هذه الحال؟ عما قريب سيصبح الإنترنت مكانا يتسم بالوحدة بسبب التزايد في عدد البرامج الذكية آلية التشغيل والتي يطلق عليهم أيضا مسمى البوتات  BOTs. هذه البوتات أصبحت تنوب عنا – أي البشر – في كثير من المهام وهذا التزايد قد يؤدي إلى تحول دراماتيكي في الكيفية التي نستخدم بها الإنترنت.

المرحلة الأولى: حدثت بالفعل

في بداية الإنترنت كنا نقوم بجميع الأعمال بمفردنا، ابتداءً من إيجاد الآلة المناسبة لنقل المعلومات للشخص الصحيح ثم البحث عن المعلومات التي نريدها وبالتالي تنظيمها بالكيفية التي نرغب بها وهكذا.

 

وبعد سنوات عدة بدأ مقدمو الخدمات كغوغل بمساعدتنا في فرز نتائج البحث، وأضحت برامج البريد الإلكتروني ترمي بعضا من الرسائل في مجلد البريد المؤذي Spam Folder ، وأما بالنسبة لتطبيق فيسبوك فقد أصبح يقترح علينا ما يعتقد أنه يجب علينا مشاهدته، وهذا ما نلاحظه يحدث بالفعل في تعاملات الإنترنت في يومنا هذا.

المرحلة الثانية:  بيئة البوتات

الفرز Sorting لم يكن إلا البداية، فبفضل تكنولوجيا تعلم الآلة Machine Learning والذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence وبفضل البوتات المسخرة لإنجاز بعض المهام لنا، فقد أصبحت التعاملات الإنترنتية تتحول بوتيرة متسارعة نحو خلق بيئة مكتظة بالبوتات والبشر. البوتات أصبحت متواجدة في كل مكان في عالم الإنترنت، فهم يتحدثون معنا في مواقع التسوق، ويقومون بخدمة العملاء في جميع أنواع مراكز الاتصال، ويرتبون لنا مواعيدنا، حتى أنهم يؤثرون على الانتخابات عن طريق وسائل التواصل والإعلام الاجتماعية.

وعلاوة على ذلك، فهناك العديد من التعاملات الإلكترونية التي تقوم بها البوتات، مثال على ذلك البوتات التي تقوم بتحليل طلبات الوظائف والقروض، وتقوم تلقائيا بالرد عليك بالإيجاب إذا كانت نتيجة التحليل تُظهر أنك الشخص الصحيح. وتقوم البوتات أيضا بإرسال توصيات أو اقتراحات تساعدنا على تحسين سيرتنا الذاتية أو حتى طلبات قروضنا الشخصية، بحيث يمكننا النجاح وتخطي الأمر، وبالمناسبة يمكن الدفع للبوت للقيام بذلك نيابة عنك!

إننا نتحدث مع بوتات ونقرأ ما يقومون بنشره ونرتب المواعيد معهم وندردش معهم، وقد يكون ذلك في بعض الأحيان من دون علم منا، ربما بسبب امتلاكهم لأسماء من قبيل (ايمي، وسوزان، ومات)، أما بالنسبة للبوت الذي يدعى ريسكام re:scam فيمكنه التعامل مع محتالي البريد الإلكتروني حيث يقوم بجعلهم مشغولين طول الوقت عبر سلسلة غير منتهية من الردود والتفاعلات الأمر الذي يبدو مضحكا حقا!

المرحلة الثالثة: بوت مقابل بوت

إنه لمن الواضح أن الشركات أصبحت تقدر قيمة البوتات، وأصبحت توظفها في عمليات المبيعات وخدمة العملاء، وكذلك في عمليات الموارد البشرية، ولكن الأفراد أيضا بدأوا الآن في استخدام البوتات  مبحرين عبر هذا العالم الجديد الملئ بالبوتات وتفاعلاتها حيث لا وجود للبشر في تلك التفاعلات.

 

لنعد مرة أخرى إلى مثال طلب التقدم للوظيفة، تستخدم الشركات البوتات لفحص وفرز الطلبات والتواصل مع المتقدمين، ولكن في المقابل أصبح المستخدمون الباحثون عن عمل الآن قادرين على استخدام بوتاتهم الخاصة لتبحث لهم عن وظائف، ويقوم البوت بالتقدم لطلب تلك الوظيفة مستخدما المعلومات التي زودها به المستخدم مقدما، ويقوم البوت بإنشاء رسائل التغطية وإرسالها، وفي بعض الأحيان يقوم بالتفاعل والرد. لنأخذ مثالاً أكثر بساطةً وشيوعاً، وهو حين يقوم روبوت شخصي بترتيب موعد مع روبوت شخص آخر، حيث أن هنالك احتمالا كبيرا ألا يظهر الطرفان البشريان على أية حال ومن هنا تبدأ المشكلة!

إلى أين يقودنا هذا؟!

إن المشكلة بسيطة، فجميعنا يعلم في حال أصبحت البوتات أكثر كفاءة من البشر فإنها ستنفذ الأعمال بطريقة لا يمكن للبشر القيام بها، ولكن عندما يتواجد بوت آخر في الجهة الأخرى هنا تبدأ الأمور بالخروج عن السيطرة!

 

فإذا تقدم البوت الخاص بي على 100 وظيفة أو قرض ففي الجهة الأخرى سيكون هناك 100 بوت آخر يردون، مما سيتسبب في زيادة هائلة لعمليات التواصل والتفاعل، وهذا ينطبق على الدردشات ورسائل البريد والمنشورات والتغريدات والسنابات وكل تفاعل إلكتروني يمكنك تخيله ببساطة، فالكمية الهائلة والمتزايدة من عمليات التواصل الآلية هذه تعني بأن البشر أنفسهم لن يكونوا قادرين على استهلاك و فرز و قراءة و الرد على كل هذا من الآن فصاعدا!

ولكن هذا مستحيل بسبب القيود الحالية للعقل البشري، ففي أفضل الأحوال يعني هذا أن الناس سيحصلون على نتيجة “مرتبة” لما يعتقد البوت بأننا يجب مشاهدته، متناسيا تسعة وتسعين شيئا قد تكون محط اهتمام. المفارقة هي أن وفرة البوتات يمكن أن تدفع في نهاية المطاف إلى إعادة الحياة للتعاملات البشرية بعيدا عن البوتات والإنترنت. الأخبار (الأخبار الحقيقية) سيتم مشاركتها مشافهة، وسيتم العثور على الوظائف من خلال حلقات الاتصال بين العاملين، وسيكتشف الناس مستجدات أصدقائهم الحياتية في المناسبات والتجمعات.

ذلك كان في أفضل الأحوال، ولربما سيكون هناك مناطق آمنة في الإنترنت منزوعة (البوتات) أو بلا بوتات كخيار آخر.

إن المشاكل التي ستصاحب السماح لهذا السيناريو تزداد سوءًا، و هي إعطاء البوتات المزيد و المزيد من التحكم في أنشطتنا اليومية الإلكترونية سیكون أمرا دراماتيكيا بدءا من قدرات الحوسبة التي ستكون جزءا هذه التفاعلات، والكهرباء المستخدمة من قبل الأجهزة، والبيانات التي يتم إنشاؤها، ومساحة التخزين اللازمة لتلك البيانات، إذا حدث هذا و استمر بشكل متصاعد فلربما لن يكون لدينا (SkyNet) ، ولكن ستكون 99٪؜ بالمئة من التفاعلات التي تحدث عبر الإنترنت لا بشرية ، و ستستمر الآلات في الاستيلاء على الإنترنت ببطء- ناهيك عن خطوط الهاتف، كما شهدنا في الكلمة الافتتاحية لمؤتمر شركة Alphabet.

مع وجود تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الذي يمكن الروبوتات بالتحدث مع الأشخاص عبر الهاتف ، سنلاحظ زيادة في الذكاء الاصطناعي على الجانب الآخر عندما يبدأ أصحاب الأعمال الصغيرة بإدخال نظرائهم الرقميين على شكل بوتات في هيئة خدمة Bot as a Service BaaS وبمجرد أن تبدأ البوتات الذكية بالتحدث مع بعضها البعض فإنها قد تبدأ بالتحدث بلغة لا نفهمها أو تتطرق للتحدث عن أشياء لا نريد أن تتحدث عنها، ولقد حدث هذا من قبل في عام 2016 ، حيث اضطرت شركة مايكروسوفت إلى إغلاق برنامجها chatbot Tay عندما بدأ في نشر تغريدات مسيئة، وفي العام الماضي كذلك أغلقت فيسبوك مشروعاً ظهر فيه اثنان من البوتات الذكية يتحدثان بلغة لا يفهمها إلا البوتان نفساهما.

عندما تصبح المزيد من عناصر حياتنا آلية، قد نرغب في أن نفكر مطولا في الأعمال الروتينية التي يمكننا إسنادها للبوتات للقيام بها بدلا عنا وبين الأعمال التي نود أن ننجزها بشكل تقليدي مستخدمين أصواتنا وأيدينا وأعيننا، إذا كان عالم الإنترنت الذي يجمع فيه ما بين الإنسان والبوت يبدو مذهلا، فإن العالم الممتلئ بالروبوتات فقط لن يكون إلا أكثر تعقيدا وسوءاً، في محاولة منا لتمرير مهامنا اليومية لتقوم بها أجهزة الكمبيوتر حينها يمكن أن ينتهي بنا المطاف إلى خلق الكثير من العمل لأنفسنا، أكثر مما كنا ننوي.

بقلم : Andreas Berger | المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى