ستكون عاطلاً عن العمل بعد التخرج! إليك السبب وراء ذلك
إنه لافتراضٌ شائعٌ بأنَّ الملايين من طلبةِ الكلياتِ يدرسونَ تخصُّصاتٍ علميةٍ لا فائدةَ منها مثل “الشِّعرِ الهنغاري للشواذ في القرن الرابع عشر” فقط لمراكمةِ الملايين من الدولاراتِ في ديونِهم الطُّلابية، ويتساءلونَ عن سببِ تعاسةِ حياتِهم!. ولكنها حُجةٌ واهيةٌ وسببٌ غير شائعٍ في مرحلةِ التوظيفِ بعد التخرج، بَيْدَ أنه في الواقعِ أولئك الذين يدرسونَ تخصُّصاتٍ معقَّدةٍ كتخصصِ المحاسبةِ مثلًا ينتهي بهم المطافُ أن يكونوا عاطلين عن العملِ أو يعملون في مجالاتٍ غير مستقرة. إذن، لماذا الواقعُ هكذا؟ لماذا تتضاءلُ الوظائفُ المهنيَّةُ وكيف يحدثُ ذلك؟ ما الحالةُ الراهِنةُ للعمالةِ في مرحلةِ ما بعد التعليمِ العالي وكيف يمكنُ أن تتغيَّر؟
أصبحَ سوقُ العملِ العام آليًّا على نحْوٍ متزايدٍ بحيث أصبحت الروبوتات وتقنياتُ الذكاءِ الاصطناعيِّ أكثر تطورًا عمّا سبقَ، وبوسعِهما فعلُ أكثرَ مما كان يُعتقدُ سابقًا. وهذا بسببِ نظريَّةِ “تعليمِ الآلة” في علومِ الحاسب، حيث يتمُّ تعليمُ الآلةِ من خلالِ العمليَّاتِ والتجربةِ والخطأ، وتُعتمدُ الآلةُ الأفضلُ أداءً لصنعِ آلاتٍ أخرى بنفسِ المِنوال. تتكرَّرُ هذه العمليةُ حتى تُوجدَ أفضلُ آلةٍ مُمكنة، هذه العمليةُ معتمدةٌ كليًّا على الآلة! تُعدُّ هذه النظريةُ البسيطةُ السببَ وراءَ تطوُّرِ الذكاءِ الاصطناعيِّ لما وصلَ إليه اليوم، لا يُعتبرُ مثاليًّا ولكنه أفضل عما كان عليه. لماذا إذن يُعتبرُ هذا الأمرُ مهمًّا ؟
تُعدُّ الروبوتاتُ وتقنياتُ الذكاءِ الاصطناعيِّ أقلَّ تكلفةً وذات كفاءةٍ عاليةٍ أعلى بكثيرٍ من البشرِ مما يثيرُ مشكلةً، لذا قامتْ العديدُ من الشركاتِ كشركةِ آي بي أم IBM وأمازون Amazon بأتْمَتَةِ العديدِ من عملياتِها الماديةِ التي كان ينجزُها البشرُ وبالتالي الاستغناء عن الآلافِ منهم من أجلِ زيادةِ الأرباح. وهذا ما تسبَّبَ في بطالةٍ على نطاقٍ واسعٍ لأولئك المُلتحقينَ بالفعلِ في سوقِ العمل، ولك أن تتخيَّلَ الوضعَ بالنسبةِ لمن سيلتحقونَ إليه .
وفقًا لإحصائياتِ ستاتيستا Statista والمركزِ الوطنيِّ لإحصاءاتِ التعليم، فإنه بحُلولِ عام 2020 سيُقبلُ حوالي 20 مليون طالبٍ في الجامعاتِ الحكوميةِ أو الخاصةِ، هذا العددُ الهائلُ من المتقدمينَ في الولاياتِ المتحدةِ فحسب! في المملكةِ المتحدةِ قُبِلَ أكثر من 353,960 شخصًا من مختلفِ أنحاءِ المملكةِ المتحدةِ حتى الآن لهذا العام اعتبارًا من شهرِ أغسطس لعام 2018 وفقًا لخدمة القبول في الجامعات والكليات، أما في ألمانيا درسَ حوالي 2.8 مليون شخصًا في الجامعاتِ الألمانيةِ في عام 2017 وفقًا للوزارةِ الاتحاديةِ للتعليمِ والبحوثِ في ألمانيا. هذه النتائجُ مذهلةٌ وتعطينا تصوُّرًا واضحًا عن عددِ الأشخاصِ القادرينَ على تحمُّلِ تكاليفِ التعليمِ العالي أو الالتحاقِ به، ولكن هذا العددَ الكبير من الطلابِ قد خلقَ مشكلةَ الفائض.
نظرًا لبحثِ أصحابِ العملِ عن السُّبُلِ الكفيلةِ بعدمِ توظيفِ البشرِ مع تزايدِ أعداد الباحثينَ عن عمل، فإن فرصَ العملِ أصبحتْ ضئيلةً للغايةِ، حتى أن 53 ٪ من الخريجين يعملون في وظائفَ لا تحتاجُ إلى شهادةٍ جامعية.
بعد النَّظَرِ في هذه الإحصائيَّاتِ، أتساءلُ عمَّا إذا كان بإمكانِ الذكاءِ الاصطناعيِّ بالفعلِ أن يحِلَّ محلَّ البشر، رُبَّما هناك بصيصُ أملٍ للبشرية ، فعلى سبيلِ المثال، إزالةُ البرقيَّةِ جلبَ العديدَ من الوظائفِ في قطاعِ الاتصالات، فلماذا لا يحدثُ ذلك هنا؟ في بحثي العميقِ عن الجوابِ صادفت فلسفةً تُدعى فلسفةُ لوديسيم Luddism.
تُعرفُ لوديسيم Luddism على أنها فلسفةٌ تعارضُ العديدَ من أشكالِ التكنولوجيا الحديثةِ حيث تُستخدمُ كلمةُ لودايت Luddite عمومًا كمصطلحٍ مُهينٍ للأشخاصِ الذين يُظهرونَ ميولًا للهوسِ بالتكنولوجيا، يرجعُ الاسمُ إلى التُّراثِ التاريخيِّ للّوديّين الإنجليز الذين كانوا نشطين بين عاميْ 1811 و1816.(المصدر: ويكيبيديا)
وكما تعلمتُ فإنني كنتُ مُخطئًا لأن هذه المرةَ مُختلفة. ويمكنُ تشبيهُ مدى غباءِ هذه الفلسفةِ بـ :
“اثنين من الخيولِ يشهدان دخولَ اختراعِ السياراتِ فيقولُ أحدُهما للآخرِ: إن وظائفَهم قد تكونُ مُعرَّضةً للخطر، ولكن الآخرَ يجيبُه: “حتى لو أصبحتْ هذه الأشياءُ شائعةً الآن، فإن الناسَ سيظلُّونَ بحاجةٍ إلى الخيول، فالسياراتُ باهظةُ التَّكاليفِ وخطيرةٌ أيضًا. حسنًا، لرُبما يسلبونَ منا وظائفَنا الآن، لكن ستكونُ لدينا فرصُ عملٍ لن نتخيَّلَها أبدًا في المستقبل.”
إليك الخبر: لم يحدثْ ذلك. الناسُ ما زالت تستخدمُ الخيول، ولكنه سوقٌ محدودٌ ولا يوجدُ منهم سوى عددٍ ضئيلٍ للغاية. ما الذي تفعلُه المؤسساتُ في هذا الصَّدَد؟
إليك الخبرُ الآخر: لا شيءَ على الإطلاق! ففي الولاياتِ المتحدةِ بصورةٍ خاصةٍ، فإن حوالي 53% من الخريجينَ لا يحصلونَ على وظائفَ علميةٍ لائقةٍ بما أن أغلبَ الوظائفَ تتِمُّ أتْمَتَتُها بشكلٍ متزايدٍ ويراكمون آلافَ الدولارات من الدُّيونِ الطلابيةِ التي تحملُ فوائدَ كبيرة، هم لا يقومونَ حتى بتحضيرِ طلابِ المدارسِ الثانويةِ لمواجهةِ هذه الحقيقة!
ما الذي يمكنُنا فعلُه إذن ؟ أقلُّ ما يمكنُنا القيامُ به هو إخبارُ العديدِ من المُتقدِّمينَ المُحتملين للكليةِ بأن الوظيفةَ التي يريدونها قد لا تكونُ موجودةً في المستقبلِ وأن يُعِدُّوا أنفُسَهم للانخراطِ في العديدِ من الوظائفِ عِوَضًا عن وظيفةٍ واحدة.
بقلم: شافي سيكالالا | ترجمة: هدى القطيطية | تدقيق: روان البداعية | تدقيق لغوي: لجين السليمية | المصدر