العلوم الاجتماعيةعلم النفس

هنا سؤالٌ عليك أخذه في الحسبان: “ماذا لو لم يكن بك خطبٌ ما؟”

 

تقول المعالجة سوزان هينكل: إن طرح هذا السؤال لن يغير حياتك، ولكن يمكنه كبح ناقدك الداخلي وإتاحة مساحة للاحتمالات..

عملت سوزان هينكل طبيبةً نفسية لأكثر من 45 عامًا، مما يعني أنها قضت عقودًا في التعامل مع المرضى ومواساتهم متى تطلب الأمر، تستمع للناس وهم يخبرونها ما لديهم من مشكلات تعوزهم حلولها.

بينما كانت هينكل تستمع إلى إحدى مريضاتها في يوم من الأيام، وهي تسرد لها قائمة كاملة بما يعتريها من عيوب، تقول: “لقد أدركت في منتصف هذه القائمة المطولة، ما الأمر؟  ليس ثمة خطب فيها في الواقع”.

أدركتْ هينكل منذ تلك اللحظة أن هنالك قوة مدهشة كامنة في حثِّ الناس على سؤال أنفسهم “ماذا لو لم يكن بي خطبٌ ما؟”

ولا يعني هذا أننا مثاليون. فعلى سبيل المثال، يمكن لبعضنا تناول الطعام بشكل أفضل عند الوقوف والجلوس على نحوٍ أكثر استقامةً، ولكن يمكننا التوقف عن قضاء الكثير من الوقت في التحدث عن عيوبنا الشخصية وتصور حياتنا بشكل أفضل حالما نقضي عليها – أخيرًا – في نهاية الأمر. تقول هينكل التي تتخذ من مدينة فلاجستاف بولاية أريزونا مقرًا لها: “ننشئ هذه القائمة الطويلة بما نعتقد أنه خاطئ، ومن ثم نبتكرُ حياة كاملة حولها”.

والواقع أن الصفات التي ننظر إليها بِعَدِّها مشكلات قد تكون نقاط قوة لدينا. تروي هينكل هذه القصة. ذات يوم، دار حديثٌ بينها ومُخرج بعد عرض في مهرجان سينمائي، حيث سألها عن عملها. فأجابته بأنها كانت تعمل على كتاب بعنوان “ماذا لو لم يكن بك خطبٌ ما؟

تستحضرُ هينكل ذلك قائلةً: “نظر إليَّ ثم قال: “يمكنني إخباركِ الآن عن ثمانية عيوب لديّ”، فطَلَبتُ منه ذكر عيب واحد فقط، فأجابني بتحدٍّ وتأكيدٍ: “لديّ اضطراب المعارض المتحدي”، قلت له: “ما الخطب في ذلك؟ “قال: “حسنًا، كنت أتحدى والديَّ وأساتذتي دائمًا”، فسألته: “حسنًا، ما الخطب في ذلك؟ لم ألتزم بقوانين المدرسة، ولم أفعل أي شيء طُلِب مني فعله في المنزل”، قلت له: “ما الخطب في هذا؟ “حسنًا، كنتُ دائمًا في مزاج سيء وأتجادل مع والديَّ طيلة الوقت ولم أحظَ بأصدقاء قط، فقد كنت أحب أن أكون وحيدًا”، قلت: “وما الخطب في هذا؟ خضنا جميعًا تفاعلاتٍ من هذا القبيل، وفي مرحلة ما … فقاطعني قائلًا: “همم، أتعلمين؟ أحببت أن أكون منعزلًا حقًّا، وكانت لديّ القدرة على كتابة القصص والنصوص السينمائية ذهنيًا، لنفكِّر في ذلك قليلًا، اضطراب المعارض المتحدِّي هو الذي جعلني ما أنا عليه اليوم”.

تقول هينكل: “جاء إليَّ في اليوم التالي وأخبرني قائلًا: “لقد نمت طيلة تلك الليلة لأول مرة منذ سنوات، ولم أكن مضطرًا لأن ألوم نفسي وأن أفكر في ما ينبغي عليّ فعله وما عليّ تجنبه، كما أنني سأنظر مليًّا في بقية العيوب السبعة التي كنتُ أسلِّمُ أنها عيوبي”.

يتحدث كتاب “ماذا لو لم يكن بك خطبٌ؟” عن بناء مهارة القبول. إذ أنه أحد أهم جوانب البوذية ويُعرف باسم “الاتزان” وسمة بدأ العلماء في دراستها، ففي إحدى التجارب وجد الباحثون في جامعة كارنِجي-ميلون أن تطبيق التأمل والصحة الذهنية الذي خفف القبول المميز والذي هو جزءٌ منه من تأثير الإجهاد على مستخدميه. وفي تجربة أخرى حديثة على يد الفريق نفسه، أظهر الأشخاص الذين استخدموا التطبيق مشاعر متفاقمة من التآلف الاجتماعي ومشاعر منحسرة من الشعور بالوحدة.

تقول هينكل إن هذا السؤال يتعلق بالضغط على ناقدك الداخلي بصورة مؤقتة، واتخاذ خيار التخلي عن كل الطرق التي جعلتك تعدُّ نفسك معيبًا. وأضافت: لنكن واضحين، ماذا لو لم يكن بي خطبٌ ما؟  ليس سؤالًا سحريًا ولن يغير حياتك، ولكن يمكنه مساعدتك في تصفية مشاغل عقلك وحياتك وتخصيص مساحة واعدة محتملة هي ملكك لتغرس وتزرع.


بقلم: داريل تشين | ترجمة: هدى القطيطي | تدقيق: عهود المخينية | المصدر

هدى القطيطي

مترجمة مُحِبّة لما اصنعه من محتوى، ومؤمنة بأن أدب كل أُمة يصنعه كُتّابها بلغاتهم، أما أدب العالم فيصنعه المترجمون | أُترجم هنا في مختلف المجالات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى