الاقتصادالعلوم الاجتماعية

تَطوّر مُمتدّ

بقلم: زاندر ناثركت

هناك تجربة فكرية مشهورة في الاقتصاد تعرف بِـ “معضلة السجين”. جاء فيها: تم القبض على رجلين ارتكبا جريمة، وُضع كلٌ منهما في غرفة تحقيق منفصلة ولديهما خياران: إما الاعتراف أو الكذب، توجد ثلاثة مخرجات محتملة (فُسرت نتائجها في المصفوفة أدناه):

النتيجة 1: يعترف كلاهما بالجرم ويقضيان 8 سنوات في السجن ( كما هو موضح في النتيجة “-8،-8” في الشكل أ).

النتيجة 2: يكذب كل منهما ويقضيان سنة واحدة في السجن ( كما هو موضح في النتيجة “-1،-1” في الشكل أ)

النتيجة 3: يعترف أحدهم ويكذب الآخر، يقضي الكاذب أطول فترة حكم ممكنة، 10 سنوات، ويطلق سراح المعترف ( كما هو موضح في النتيجة “0،-10” في الشكل أ)

إذن إن كذب كلاهما سوف يقضيان أخف فترة حكم، لتبدو أنها قصة كاملة، إلا أنها ليست كذلك.

وتكمن أهمية معضلة السجين بفهم اللاعبين أن باختيارهم لاستراتيجية معينة عليهم توضيح فاعلية تلك الاستراتيجية بالنظر لما قد يفعله الآخر.

في عالم فائق الإنتاجية ومهووس بالعمل، أصبحنا على وعي تام باقتناص فرصة على نحوٍ أمثل.

بمعرفة هذا، لنفكر باللعبة من وجهة نظر السجين 1، إذا اعتقد أن السجين 2 سوف يكذب، فيجب عليه الاعتراف، لأن عدم الذهاب إلى السجن أفضل من قضاء سنة فيه. وإذا اعتقد أن السجين 2 سيعترف، فيجب عليه الاعتراف أيضاً، لأن قضاء 8 سنوات في السجن أفضل من 10. في هذه الحالة، سيكون اعتراف اللاعبين هو الاستراتيجية الغالبة، الاستراتيجية التي يجب أن يتّبعاها بغض النظر عن ما سوف يفعله الآخر.

توضّح هذه التجربة الفكرية كيف لشخصين أنانيين تحقيق الحد الأقصى من المنفعة الجماعية إلا أنهما يخفقان في ذلك. كما يحدث أن تكون طريقة رائعة لفهم لحظتنا الحالية.  إنّ جيل الألفية ــ ليس كلناــ لكن البعض منا مرهق بالعمل، ويمكن لمعضلة السجين أن تسلّط الضوء على السبب. 

ومع الأسف، ستسلط الضوء أيضاً على خاتمة محزنة: باستثناء معجزة للتنسيق، لن يتباطأ سعْينا لتحسين حياتنا أبداً، ناهيك عن التوقف. تخيل متنافسيْن اثنين في سوق عمل ممثل في مصفوفة معضلة السجين، تخيل الآن كلاًّ من المتنافسَيْن صادف خدمة قد تساعد في تحسين حياتهم. وكمثال من الحياة الواقعية (مثال استخدمه)، لنأخذ خدمة توصيل الوجبات الجاهزة “فريشلي” Freshly. 

تزعم “فريشلي” بتوفير ما يقارب ساعتين في الأسبوع على الناس حيث لن يضطروا فيها للتسوق، وتحضير الوجبات والطبخ. تخيّل الآن أن كلا المتنافسين لديهما خياران لكيفية قضاء تلك الساعات: إما في الراحة والتسلية (مثل النوم، نتفلكس، قراءة كتاب،… إلخ) أو في الإنتاجية (مثل التحسين/ العمل).

ماذا سيختار كل من المتنافسين؟

حسناً، إذا اعتُبر الثراء حرية من الانشغال، أو الحرية في قضاء وقتك كما تريد، فأفضل طريقة لقضاء هذه الساعة هي بالراحة و الاستجمام . لكن عند إنشاء استراتيجية، كمعضلة السجين، يجب على اللاعبين أن ينظروا إلى تلك الاستراتيجية في إطار ما قد يفعله اللاعبون الآخرون في اللعبة. ( انظر إلى مصفوفة النتائج المعدلة أدناه):

 

النتيجة 1: يستغل كل من المتنافسين الوقت المتاح من تسهيلات الخدمة على النحو الأمثل للعمل أكثر، وهكذا يبقيان في حالة تسارع مستمر. (موضحة من النتيجة “1،1” في الشكل ب). 

النتيجة 2: يستغل كل من المتنافسين الوقت المتاح من تسهيلات الخدمة للاسترخاء. (موضحة من النتيجة “8،8” في الشكل ب). 

النتيجة 3: يستغل المتنافس 1 الوقت المتاح من تسهيلات الخدمة على النحو الأمثل للعمل بجِد، بينما يستغل المتنافس 2 الوقت المتاح من تسهيلات الخدمة للاسترخاء. فيجني اللاعب الأول الأرباح لكونه المزود الوحيد في سوق العمل ويهيمن عليه. في حين يضعف اللاعب الثاني عندما يتسارع العالم بلا انقطاع ويتركه في الخلف. ( موضحة في النتيجة “0،10” في الشكل ب )

بناء على التحليل السابق، وبالنظر إلى النتائج أنّ كلاًّ من المتنافسين لديهم استراتيجية سائدة وهي: العمل، فإذا قرر المتنافس 2 الاسترخاء، فيجب على المتنافس العمل لأن النتيجة 10 أفضل من النتيجة 8، وإن قرر المتنافس 2  العمل فيجب على المتنافس 1 العمل أيضا لأن نتيجة 1 أفضل من 0. 

والآن تذكر، هذه النتائج وشروحاتها مختلَقةٌ تماماً. ففي عصرنا الحديث، لا يوجد سبب لتقتنع بأن تعذيب نفسك بعمل إضافي مرتبط بأي تطور في نمط حياتك. إلا أن الناس يتصرفون بهذه الطريقة تمامًا.

وهكذا، وصلنا إلى نظرية توازن ناش الجديدة: يستخدم كلا المتنافسَين خدمةً -تذكروا- تم تصميمها لجعل حياتهم أسهل وأكثر راحة ـــ إلا أنها سوف تجعل حياتهم أكثر إرهاقاً وتعقيداً في النهاية. بعبارات أخرى، سيُرهق اللاعبين. 

في مقال أخيرلاقى انتشارًا واسعًا لـ BuzzFeed، ” كيف أصبح جيل الألفية الجيل المتعب”. تشير آن هيلين بيترسن إلى هذا التناقض الظاهر في أوقات الفراغ، خاصة إذا كان له علاقة بوقت الفراغ، “أخفقت محاولات بعض الشركات إزالة فكرة العمل خارج ساعات الدوام، إذ لا يراها جيل الألفية كإذنٌ للتوقف عن العمل، ولكن كوسيلة لعمل ما يميّزهم لكونهم متاحين على أية حال”. 

بمعنى آخر: أخفقت المحاولات من شركات كـ “غوغل” و”فريشلي” لابتكار خدمات توفر الوقت، فجيل الألفية لن يراها كخدمات تعطيهم وقتًا إضافي للراحة، بل خدمات تمنحهم مزيدًا من الوقت ليكونوا متاحين للعمل فيه.

كموظفين في عالم فائق الإنتاجية ومهووس بالعمل، أصبحنا على معرفة تامة بأية فرصة لتحقيق الاستفادة المثلى. حيث تمتلئ مقترحات حساباتنا في إنستغرام بكل مجموعة محتملة من خدمات توصيل الوجبات وخدمات التسوق الإلكتروني. وتظهر الشركات الناشئة يومياً لأتمتة كل النشاطات العادية التي خُربشت ومسحت من على دفتر ملاحظات. 

وحدهم الناجحون يتمتعون بالحرية الكافية في قضاء وقتهم بحثاً عن طرق أفضل لقضاء وقتهم.

تمتلئ السلالم التي أصعدها للذهاب للعمل بتلك الوجوه البائسة والعيون الفارغة التي أشعر بتحديقها يخترقني في المترو، وبدلاً من الوقوف ساكنة، إنها تسابق السلالم، لأنها تدرك في عقلها اللاواعي أن تحت أقدامها فرصة أخرى للاستفادة منها بشكل أمثل على الراحة المتاحة، وهذه ــ على العكس ــ إشارة إلى لحظتنا الحالية: فالناس يتجاهلون الراحة التي تمنحها السلالم المتحركة في سبيل الوصول لأيٍ كان ما يريدونه بالركض إليه.

هناك نوع من الرضا المَرَضي مستمد من تحسين حياة المرء ولأسباب جيّدة: القدرة على فعل ذلك هي رمز للمكانة. فوحدهم الناجحون يتمتعون بالحرية الكافية لقضاء وقتهم بحثاً عن طرق أفضل لقضاء وقتهم. أما بالنسبة لمن يتربعون القمة، أرى بأن طرق التحسين هذه يمكن أن تأتي من فراغ؛ يمكن لأصحاب المليارات التحسين بهدف التحسين فقط، وليس لتجنب المتاعب المالية. أما لبقية العالم، فالتحسين هو آلية بقاء.  فبالنسبة لهم الوسائل التي تعد رفاهية لمن هم في القمة تصلح لشيء واحد، وشيء واحد فقط: تفريغ الوقت الذي يُستغل فقط لإنجاز المزيد. 

يجب أنْ يكون الجانب المشرق لكل تلك الإنتاجية أنّ كل شخص يجني مالاً أكثر، لكن هذا ليس هو الحال دائمًا. القصة الشائعة هي أننا جميعاً نعمل بجد، رغم أنّ “الأجور لم ترتفع منذ 40 عاما” و”القوة الشرائية الآن أقل من أي وقت مضى”. ولطالما عانى الخبير الاقتصادي الذي بداخلي من هذا الفكر. الأجور حقاً مؤشرٌ على الغنى، بمعنى أنها تتيح لك التحكم أكثر في كيفية قضاء وقتك. إن كنت تتقاضى أجرًا وتظهر خدمة توفر عليك الوقت والجهد، فبطبيعة الحال سيتعين عليك الإنفاق للوصول إلى سلعة معينة:( اقرأ، فريشلي للوجبات) وستزيد تلك الخدمة من قيمة أجرك الفعلي بشكل فعّال، حتى وإن كنت لا تحصل على أي أجر إضافي، أنت الآن أغنى.

للمستهلكين ، خدمات مثل غوغل وفريشلي ، تفعل هذا تمامًا.

إلا أن الإعلام، وعدد من السياسيين يفضلون رواية مختلفة. “هناك كمية محدودة من المال في العالم”، يزعمون ذلك بالفعل، “وبما أننا نجني أقل، شركات التقنية تجني أكثر، فإن شركات التقنية هي الملامة على ركود الأجور، هو شيء سيء بشكل واضح دائماً”

والواقع ، مع ذلك، ليس بهذه البساطة.

لا يبدو أن حياتنا تزداد سهولة حتى لو كانت الأمور أفضل من أي وقت مضى. 

تحقق بعض الشركات مثل غوغل و أمازون عائدات جيدة، لموظفيها وفريقها التنفيذي، إلا أنها تمنح الناس قيمة مُثلى أكثر مما يطلب منهم دفعه . على سبيل المثال، تقدم شركة غوغل سهولة الوصول للمعلومات بدون مقابل. وباستخدام التبرير الجزئي الذي أستخلصه من ركود الأجور،  استطاعت غوغل والخدمات التي مثلها أن تسمح للناس بالحصول على المزيد من الأجر نفسه.

في هذا العالم، تُلام غوغل وأمثالها على ركود الأجور، فقط لأنهم ينشؤون عالما لم تعد الأجور فيه مرتبطة بالثروة. وبالتالي، فإن ركود الأجور في يد الشركات التقنية ـــ الرواية المفضلة لدى الجميع أصبح أقرب ليكون ميزة مُضافة إلى المؤسسات و ليس خللًا.

مع ذلك توجد مشكلة في هذا المنحنى، وهو أصل هوس جيل الألفية بالعمل وميلنا إلى إرهاق أنفسنا إلى آخر رمق من أجل النمو المهني. 

لنعد إلى معضلة السجين باعتبار أنها تتعلق بهوس جيل الألفية بالعمل.

كانت الاستراتيجية الغالبة لكل المشتركين عندما قُدمت لهم خدمات  توفير الوقت (غوغل، فرشلي، إلخ.)، ومُنحوا الاختيار التام لاستخدامها إما أ- للإسترخاء أو ب- للعمل بجد والتحسين ، هي التحسين والعمل بجد. ولهذا، يفسر لماذا لا يبدو أن حياتنا تصبح أسهل حتى لو كانت الأمور أفضل من أي وقت مضى. فنحن نلائم سلوكياتنا بالطريقة غير المثلى نفسها مع كل وسائل الراحة المزعومة التي تفرضها علينا الحداثة. 

ويوضح الأمر  تكاثر التطبيقات الإنتاجية  كأمازون وغوغل إلى خدماتهما التي توفر الوقت، مثل رؤوس  حيوان الهَيدرا، حيث يلد كل واحد دزينة إضافية. ففي العصر الحديث، تُعَدُّ أفضل طريقة لقضاء وقتك  هي أن تجد طرقا أفضل لملء وقت فراغك. 

لنأخذ فرشلي كمثال مجدداً. تعهدت فرِشلي بمنح المتسوقين عدة ساعات على الأقل في الأسبوع إلى عدم الحاجة للوقوف طابور البقالة أو انتظار غلي الماء، أو حتى التخطيط لوجبات هذا الأسبوع، وقد أصبح بإمكانك أن تتمرن بشكل جيد أو أن تشاهد مباراة لفريقك المفضل في وقتها، أو “خطط الليلة لمشاهدة الأفلام خلال ساعات الانتظار”. 

وكل هذه الأشياء رائعة، لكن ليس صعبا أن تتخيل ظهور ثلاث خدمات لنجاح فرشلي. أولاً، تطبيق رياضي فعال يزعم  ” أنه سيبني عضلاتك في نصف الوقت “. ثانياً، شريط يصور لك أهم اللقطات من كل مباراة وأفضلها ويوصلها لك. ثالثاً، خدمة تعطيك مستوى المحتوى ذاته الذي تتوقعه في السينما ولكن تعدك أنك لن تغادر الأريكة. والمفاجأة تتمحور في أن  كل هذه الخدمات (أ) موجودة مسبقاً و (ب) هي الآن بالنسبة لفريشلي مُطابقة لخدمات توفير الوقت الأخرى . وأصبحت الخدمات الافتراضية الجديدة تواكب تطبيق فرشلي في توفر الوقت، و سوف تستخدم لإيجاد طرق أكثر لإيجاد ساعات إضافية أخُرى في عالم مزدحم بالأعمال. 

التطوير المستمر يولد الاحترافية ونحن المستفيدون من كل هذا.   لكن نظرًا لجهلنا البسيط  لما حتّمت علينا حياتنا فعله في وقت الفراغ (اقرأ: طور نفسك  واعمل بجد ) يفضّل وصفنا على أننا الفاعلون طوال مسيرتنا حيث تتسارع وتيرة حياتنا بلا انقطاع . صاغها  يوفال هراري بشكل أفضل في كتابه “العاقل” : 

“عبر التاريخ، أصبحت الكماليات ضمن الضروريات وأحد التزامات المرء للحصول عليها . وبمجرد أن يعتاد الناس على رفاهية معينة، يعتبرونها أمرا مفروغا منه. ثم يبدؤون بالاعتماد عليها. وفي النهاية يصلون لنقطة لا يستطيعون العيش بدونها.”.

وهذا بجوهره ما يؤدي بنا إلى إرهاق أنفسنا بالعمل.  

بعد أن أُجريَت التجربة الفكرية الأولية.، تم اقتراح حل بسيط لمعضلة السجين قبل عدة سنوات، كانت الفكرة أن يشارك لاعبون في نسخ متكررة لنفس اللعبة، وأن يستمر حسب النتائج في الجولة التالية. كان المنطق بسيطا: بعد أن يدرك الناس أن اللعبة ستستمر، يدركون كذلك أن من صالحهم التعاون فيما بينهم.  هذه وجهة نظر سلبية للمجتمع لكنها وجهة تستدعي النظر والتركيز 

يتعاون الناس لأن السوابق التاريخية ( بالعودة إلى فقرة : اللعبة  المتكررة) تملي عليهم ذلك، ــ مع استثناءات قليلة جداًــ بالنظر إلى استراتيجية الجميع السائدة. 

عندما تستخدم معضلة السجين في الحياة الواقعية بالإضافة إلى اللعبة المتكررة، تكون النتائج غير متوقعة،  يبدأ الناس بالتعاون . وتكمن صعوبة الحل في نطاق تأثيره على نطاق عالمي، إذ تنصب قدرته على التركيز في تحفيز الناس على التعاون على نطاق صغير فقط نحن نلعب لعبة زائفة، وكلما استمررنا في ذلك ، تتسارع وتيرة حياتنا، ويتحرك العالم بشكل أسرع.

هذا يفسر لماذا نتخذ قرارات دون المستوى الأمثل على نطاق عالمي: لا يوجد بعد طريقة عملية لتسهيل الألعاب المتكررة لأكثر من سبعة مليار فرد. حتى إن وجدت، وإن اتفقنا جميعاً على استخدام خدمات توفير الوقت فقط  للاسترخاء طوال حياتنا، كل ما يتطلبه الأمر لينهار النظام بأكمله هو غش فرد واحد في الاتفاقية، والتحسين والعمل بجد. 

بالنظر إلى هذا التنسيق العالمي المستحيل، سوف نستمر بالتصرف بناءً على مصالحنا الذاتية. وسوف نستمر بصنع قرارات دون المستوى الأمثل. نحن نلعب لعبة زائفة، وكلما نفعل، تتسارع وتيرة حياتنا، والعالم يتحرك بشكل أسرع. 

إنّ تسارع  وتيرة حياتنا الجماعية ليس نتيجة للغباء أو اللاعقلانية، بل هو علامة على ما يمكن تنبؤه من خلال معضلة  السجين على نطاق عالمي: أفراد مفرطو العقلانية يتخذون قرارات مفرطة العقلانية حول كيفية قضاء وقتهم من خلال الانطلاق في سباق للإنتاجية لا مفر منه؛ الإرهاق أمر لا مفر منه. 

وجبة الوقت 

اسم: عادةً هي لحظات مزعجة من الفراغ الزائف الذي تخلقه الحواسيب عندما تتوقف لحفظ ملف أو للبحث عن تحديثات النظام أو لتعبث مع عقلك فحسب. 

– مقتطفات من كتاب عصر الزلازل، بقلم شانون باسار، ودوغلاس كوبلاند، وهانس أولريش أوبريست.

الجانب المملوء من الكأس هو أن جيل الألفية، بفضلنا، أصبحوا يمرون بالإرهاق وقدرتهم على تشخيصها تحت مسمى “الاكتئاب” أو “القلق”، . وبمعرفة السبب، يُضفي على الأشخاص هالة للعلاج . ما هو أقل وضوحاً هو ما إذا كان لهذا الأمل ما يبرره، حيث أن اتفاق جميع الأطراف في العالم على الركود قليلاً أمر مستحيل فعلًا، إذ ستسنحُ كل الفرص المواتية لبذل المزيد من الجهد. 

والأهم من ذلك، سنظل الجيل الذي أحرق نفسه وظيفياً. وهذا الأمر لا ينطوي على عدد ساعات العمل غير المعقولة فحسب؛ بل بتأقلمنا مع هذا الحال. ويعود هذا إلى النمطية السائدة أن من يعمل لفترات أطول، هو أكثر نجاحاً من أقرانه. فعندما تحل إجازات نهاية الأسبوع، أول ما يتراءى لعقولنا “بالعمل قبل اللعب” وعندما تأتي ليلة الجمعة “النوم قبل النوادي الليلية” ولا نرى المصاعد إلا كأداة مُسرِّعة وتقتنص كل ثانية لكي لا نطيل الانتظار، نحن لسنا إلا سجناء مفرطي العقلانية، نتخذ قراراً يوصف بكونه معضلة لا جواب لها.

و نحن لا نتوانى عن التطور عندما نُمنح الخيار، ثمّ نعمل.

 

بقلم: زاندر ناثركت | ترجمة: لميس الآغا | تدقيق الترجمة: مريم الريامية و مريم الغافرية | تدقيق لغوي: أفراح السيابية | المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى