العلوم الاجتماعيةعلم النفس

الفرق بين الأشخاص المنفتحين فكريًّا والمنغلقين فكريًّا

لماذا يبدو الأمر أن بعض الناس يحرزون تقدمًا مستمرًا في حياتهم المهنية والشخصية ، بينما يبدو أن الآخرين محكوم عليهم بالوقوع في نفس الأخطاء مرارًا وتكرارًا؟

في حين أن الإجابة ليست محسومة، فقد لاحظت اختلافًا مثيرًا للاهتمام في التفكير بين هاتين المجموعتين: إنهما تتعاملان مع العقبات والتحديات بشكل مختلف تمامًا. يتعلق الأمر بالعقلية.

يميل الأشخاص الناجحون إلى التعامل مع الحياة بعقلية منفتحة – شغف للتعلم واستعداد للخطأ. بينما يتمسك رواد المجموعة الأخرى بآرائهم ومواقفهم عند أول خلاف ويفضلون الموت على أن يكونوا مخطئين.

اتضح أن الطريقة التي تتعامل بها كل مجموعة مع العقبات تحدد الكثير مما يفصل بينها.

في أي مجموعة أنت؟

قبل أن تصدق بالفعل أنك منفتح الذهن، ضع هذا في اعتبارك: لن يعتقد الأشخاص محدودي التفكير أبدًا أنهم في الواقع ذوو عقليات منغلقة. في الحقيقة؛ انفتاحهم المزيف خطير للغاية.

إنها نسخة من مشكلة محاكاة باتس — هل أنت النسخة الحقيقية أم المقلدة؟ هل أنت حقًا متمكن، أم أنك ببساطة تعلمت أن تتحدث بشكل مقنع حتى تلعب الدور باتقان؟

هذه أسئلة يصعب الإجابة عنها. لا أحد يريد أن يعترف أمام ذاته بأنه محدود التفكير. لكن مزايا امتلاك هذه الشجاعة هائلة؛ فالقدرة على تغيير تفكيرك هي قوة عظيمة.

القدرة على تغيير تفكيرك هي قوة عظيمة.

يعتمد معدل التعلم والتقدم في العالم على مدى استعدادك لرؤية الجيد من الأفكار الجديدة، حتى وإن لم تعجبك بشكل تلقائي. ربما وبالأخص إذا كانت لا تعجبك.

علاوة على ذلك، فإن وضع ثقتك وجهدك في الشخص المناسب لتوجيهك يمكن أن يدفعك إلى التقدم، تمامًا كما أن اختيار الشخص الخطأ يمكن أن يعيدك إلى نقطة البداية.

إذن كيف يمكنك معرفة المجموعة التي أنت فيها؟ كيف تتأكد من تأثرك بالمجموعة المناسبة من الأشخاص؟

يحدد راي داليو، الملياردير العصامي ومؤسس أكبر محفظة وقائية (صندوق تحوط) في العالم،  في كتابه المبادئ، سبع طرق فعالة يمكنك من خلالها معرفة الفرق.

1. أفكار تمثل تحديًا

لا يريد الأشخاص ذوو العقليات المنغلقة أن يطعن أحد في أفكارهم. وعادةً ما يخشون عدم قدرتهم على إقناع الشخص الآخر بالاتفاق معهم، بدلاً من أن ينتابهم الفضول لمعرفة سبب اختلاف الشخص الآخر.

يهتم الأشخاص المنغلقون على أنفسهم بإثبات صحة أفكارهم أكثر من اهتمامهم بالحصول على أفضل النتائج. إنهم لا يطرحون الأسئلة. بل يريدون أن يبينوا لك أين أخطأت دون أن يفهموا وجهة نظرك. ويغضبون عندما تطلب منهم شرح شيء ما. يعتقدون أن الأشخاص الذين يطرحون الأسئلة إنما يفعلون ذلك لتعطيلهم.. ويعتقدون أنك غبي إن كنت لا توافقهم الرأي.

باختصار، هم على الجانب الخطأ من الصواب.

الأشخاص المنفتحون أكثر فضولًا لمعرفة سبب وجود الخلاف. إنهم يدركون أن هناك دائمًا احتمال أن يكونوا مخطئين وأن الأمر يستحق القليل من الوقت المستغرق في النظر في آراء الشخص الآخر.

يرى المنفتحون الخلاف وسيلة مدروسة لتوسيع معارفهم. لا يغضبون ولا ينزعجون من الأسئلة. بدلاً من ذلك، يريدون تحديد مكان الخلاف حتى يتمكنوا من تصحيح تصوراتهم الخاطئة. إنهم يدركون أن كونهم على حق يعني أن يغيروا آراءهم عندما يدركون أن شخصًا آخر يعرف شيئًا هم لا يعرفونه.

2. التصريحات مقابل الأسئلة

يميل الأشخاص محدودو الفكر إلى الإدلاء بتصريحات أكثر من طرح الأسئلة.

هؤلاء هم الأشخاص الذين يجلسون في الاجتماعات ولديهم الرغبة الشديدة في إبداء آرائهم، لكنهم لا يطلبون أبدًا من الآخرين الإسهاب في شرح أفكارهم. يفكر الأشخاص ذوو التفكير المنغلق في كيفية دحض أفكار الشخص الآخر، بدلاً من محاولة فهم ما قد يكون فاتهم.

يعتقد المنفتحون فكريًا أن من الممكن ألا يكونوا على حق؛ ولذا هم يطرحون أسئلة حقيقية.

يعرف الأشخاص ذوو العقول المنفتحة أنه على الرغم من أن لديهم رأيًا حول موضوع ما، إلا أنه قد يكون أقل قيمة من رأي شخص آخر. سواء كان الموضوع خارج دائرة اختصاصاتهم أو داخلها، دائمًا ما يكونون فضوليين حول كيفية رؤية الناس للأشياء بشكل مختلف ويَزِنُونَ آراءهم وفقًا لذلك.

3. التفهم

يركز الأشخاص ضيقو التفكير على أن يكونوا مفهومين أكثر من تفكيرهم في فهم من حولهم.

يوضح لك سلوك الأشخاص التلقائي الكثير عنهم. عندما تختلف مع شخص ما، كيف تكون ردة فعله؟ إن كان يسارع إلى إعادة صياغة ما قاله للتو أو – الأسوأ من ذلك – تكراره، فإنه يفترض أنك لا تفهمه، بدلاً من أنك لا تتفق معه.

يشعر الأشخاص المنفتحون بأنهم مجبرون على رؤية الأشياء من خلال عيون الآخرين.

عندما تختلف مع شخص متفتح الذهن، يسارع إلى افتراض أنه ربما لم يفهم شيئًا ما ويطلب منك أن تخبره أين أساء الفهم.

4. قد أكون مخطئا، ولكن…

أصاب داليو الهدف هذه المرة. ليس لدي شيء آخر لأضيفه.

يقول الأشخاص ضيقو التفكير أشياء مثل “قد أكون مخطئًا … ولكن هذا رأيي”. هذه إشارة كلاسيكية أسمعها طوال الوقت. غالبًا ما تكون لفتة روتينية تتيح للناس إبداء آرائهم مع إقناع أنفسهم بأنهم متفتحي الأذهان. إذا بدأ رأيك بعبارة “قد أكون مخطئًا”… ، فعلى ما أعتقد يجب عليك أن تتبعها بسؤال وليس بتأكيد.

يعرف الأشخاص المنفتحين متى يعبرون عن آرائهم ومتى يطرحون أسئلة.

5. أصمت فقط

الأشخاص ذوو التفكير المنغلق يمنعون الآخرين من التحدث.

ليس لديهم الوقت لإعادة التفكير في شيء تم التحدث عنه بالفعل. إنهم لا يريدون سماع آراء أي شخص غيرهم. (يقدم داليو “قاعدة الدقيقتين” للتصرف في هذا الموقف: لكل شخص الحق في التحدث لمدة دقيقتين دون مقاطعة.)

يهتم منفتحو التفكير دائمًا بالاستماع أكثر من التحدث.

بل وأكثر من ذلك، يقولون أشياء مثل، “سام ، ألاحظ أنك هادئ. هل ترغب في عرض أفكارك على المجموعة؟ “

اختبار الذكاء الممتاز هو القدرة على وضع فكرتين متعارضتين في الاعتبار في نفس الوقت مع الاحتفاظ بالقدرة على إدراكهما. – ف. سكوت فيتزجيرالد

6. بذرة واحدة هي التي تثمر

يعاني الأشخاص محدودو التفكير من صعوبة في الاحتفاظ بفكرتين في آن واحد في أذهانهم.

هذا يذكرني بالاقتباس الذي لا يُنسى من قبل تشارلي مونجر: “إن العقل البشري يشبه إلى حد كبير البويضة البشرية، والبويضة البشرية لديها جهاز إغلاق. عندما يدخل أحد الحيوانات المنوية ، يتم إيقاف تشغيله حتى لا يتمكن الحيوان التالي من الدخول.” من طبيعتنا أن نغلق عقولنا حول أفكارنا المفضلة، ولكن هذه ليست الطريقة المثالية للتفكير والتعلم.

يمكن للأشخاص المنفتحين استيعاب أفكار الآخرين دون أن يفقدوا قدرتهم على التفكير الجيد – يمكنهم الاحتفاظ بمفهومين متعارضين أو أكثر في أذهانهم يتنقلون بينهم لتقييم مزاياهم النسبية.

7. ترويض النفس بالتواضع

يفتقر الأشخاص المنغلقون فكريًا إلى شعور عميق بالتواضع.

من أين يكتسب الإنسان التواضع؟ عادة من الفشل – الفشل الرهيب لدرجة أنك لا تريد تكراره. أتذكر عندما اتخذ صندوق التحوط الذي كنت عضوًا في مجلس الإدارة به قرارًا استثماريًا سيئًا. لقد أمضينا الكثير من الوقت نذكر أنفسنا به بعد ذلك في محاولة للتأكد من أننا لن نكرر نفس الخطأ. في هذه العملية، تعلمنا الكثير عما لم نكن نعرفه.

يتعامل الأشخاص المنفتحون مع كل شيء بخوف عميق من كونهم على خطأ.

***

إذا اكتشفت أنماط السلوك المنغلق في نفسك، فأنت لست وحدك. ونحن جميعًا في مكان ما في سلسلة متصلة بين منفتحي ومنغلقي الفكر بشكل تلقائي. وما يزيد الأمور تعقيدًا، أن الأمر يختلف حسب اليوم والتحدي.

الإبقاء على ذهن منفتح لا يحدث عن طريق الصدفة.

عندما تجد نفسك تمارس هذه السلوكيات  اعترف بما يحدث وصححه في تلك اللحظة. لا تلم نفسك. ابحث عن مكان هادئ في أقرب وقت ممكن، وفكر فيما يجري بشكل أعمق. حاول أن تقوم بما هو أفضل في المرة القادمة. تذكر أن هذه الأشياء تتطلب مجهودًا.

ربما تربط قيمتك الذاتية بكونك على صواب، أو ربما لست الشخص المناسب لاتخاذ قرار معين. أو ربما هو شيء آخر. في كلتا الحالتين، هذا شيء يستحق الاستكشاف.

لدي شيء آخر لأضيفه: كونك متفتح الذهن لا يعني أنك تقضي وقتًا مفرطًا في تبرير الأفكار السيئة بشكل فقط من أجل كونك منفتح الذهن.

يجب أن يكون لديك ما يسميه غاريت هاردن “الوضع الافتراضي” بالنسبة للعديد من القضايا. إذا قدم لك شخص ما وجبة غداء مجانية جيدة جدًا، فلا بأس أن تتشكك تلقائيًا. إذا عرض عليك شخص ما بناء آلة دائمة الحركة، أقترح عليك تجاهله، لأنها تنتهك قوانين الديناميكا الحرارية. إذا عرض عليك شخص ما المساعدة في الاحتيال على الحكومة واقترح أنه “لن يكتشف أحد” ، أقترح عليك المغادرة على الفور. هناك حكمة في أن يكون تفكيرك منغلقًا عندما يتعلق الأمر ببعض القضايا.

لكن ضع في اعتبارك هذا: هل تعرف أي شخص ليس لديه قصور في إدراك مواضيع معينة وفهمها؟ أنا أشك في ذلك بشدة. إذن لماذا قد تكون مختلفًا؟ كما يوضح داليو، يجب أن يكون سعيك للحصول على عقلية منفتحة هو عملية مستمرة: لن يحدث ذلك عن طريق الصدفة.


بقلم: شين باريش | ترجمة: سلمى سلطان | تدقيق: آلاء الراشدية | المصدر

سلمى سلطان

كاتبة ولدت فى التاسع عشر من يوليو عام 1998 بمدينة بورسعيد. حاصلة على ليسانس آداب، قسم اللغة الإنجليزية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى