الكاتب وحيدا
امرأة فاقدةُ وعيها، معزولة في شقة. أعتقد بأن هذا هو الشرط الأمثل وربما الوحيد الذي بمقتضاه يمكن تقديم الفن.
تخيل أيّ نوع من الأشخاص كنتُ: بين السادسةِ عشرة و الثلاثةِ والعشرين، أضاءت العزلة جزءًا من عقلي والذي كان يضيئهُ الآخرون في استراحات التدخين، كم من الوقت مر منذ آخر نوبةٍ ألمّت بي؟ وكم من الوقت المتبقي حتى النوبة القادمة، متى سينتهي هذا لأتنفس الصعداء؟ فإن كانت الساعة التي يلجأ إليها المُدخن ليصنع بها مزاجه؛ أنا يلزمني يومًا متواصلًا لتغيير مزاجي. فالحياة الحقيقية لم تبدأ إلا بعزلتي. أيّ تفاعل يتطلب وجود الآخرين فيه أمر مؤقت بالنسبة لي، يتذبذب بين نقطتين أكون فيها أغلب الوقت شاردة الذّهن – حتى لو كان جسدي موجودًا بينهم-.
لأصدقائي، لقد كنتُ معكم كما لو أنني مخذولة، كما لو أن حياة الزاهد قد فُرضت عليّ. حياةُ الزاهد التي كانت تلعبُ بعقلي مثل الإله لإلغاء الخطط وقطع الاتصالاتِ معكم. يؤسفني أني تأثرتُ ولكنني ازدهرتُ بسبب هذه الانقطاعات؛ الانقطاعات الصغيرة التي قلَّصت عالمي للوصول لمنطقة التركيز. أعتقد أن هذه هي الظروف المُثلى وربما الوحيدة التي يمكن من خلالها خلق الفن.
هذه الوحدة نجحت، على الأقل لفترةٍ وجيزة، كنتُ أناضل فيها حول الوقت والمكان والطقوس التي أكتب فيها. أحاول تقليد إيقاعات الأوثان المختلفة – ساعات كافكا الأولى التي اتخذها كطقس للكتابة، عمِلتْ بشكل جيد معي ، كما لو أنها تشاركنا الحاجة للصمت في المنازل المحشوة بحياة أخرى. اتباع أسلوب رانزين الحُر في الكتابة ، كان بالنسبة لي كمن ينتقل من حلمٍ لآخر. واتبعتُ خطى نابوكوفيان في تحرير نصوصِه في دورة المياه . هؤلاء أبطالٌ غير معروفين الآن؛ ولكن كنتُ صغيرة جدًّا أمام هؤلاء العمالقة، إذ يُعَدُّون روادا في هذا المجال وحتى ينظروا لأعمالي كان بالنسبة لي أمرا لا يصدق. لقد أبهرني فرانزن بوجهٍ خاص؛ بتفانيه المخلص والأقرب للإيمان المطلق. لقد كتب فرانزن روايته “الصحيحات” في طقسٍ كئيبٍ حيث الستائر مُسدلة والأضواء غير مُنارة، عيناهُ كانتا معصوبتين – من تلقاء نفسه – و أذناه مسدودتين بشكلٍ مضاعفٍ بسداداتٍ قطنية وغطاء. هذا ليُبقيَ العمل “خاليا من الكليشيهات” أعترفُ بأنه ما زال يجتاحني الفضول بشأن هذا الأمر.
هذا النوعُ من الوحدة أشبه بالزجاج المشكَّل بالنفخ والذي يبدو وكأنه سقط من موضةٍ قديمة؛ كأن هذه الوحدة خُلقت لنوعٍ معينٍ من الكُتاب من أواخر التسعينات أو أوائل العهد القديم، والذي كان الإنترنت بالنسبة لهم استخداما غير مستحب .
إنني أَعدُّ أن أعمال فرانزين ساهمت في تكويني أكثرُ من كونها كتابات رائعة ، لكن في أواخر 2018، يصعبُ عليَّ تصور نموذج “عبقري” يقوم بعصب عينيه ليكتب ؛ في هذا الوقت يمكن أن تجد هذا الفعل يُقدِم عليه رجل أبيض دون قواهُ العقلية ووحيدًا في الظلام، ولا يكترث على الإطلاق بانتقادات المجتمع الموجهة إليه. إننا نميلُ، وبحقّ، إلى الشك في الفنان الذي يريدُ أن يفصل نفسه عن تيار الرأي السريع والملوّث، ومع ذلك يحتفظُ لنفسه الحق للتعبير عن رأيه .
” بين السادسة عشر و الثلاثة والعشرين، أضاءت العزلة جزءًا من عقلي والذي كان يضيئهُ الآخرون في استراحات التدخين، “
في روايتها الأحدث “عامي من الراحة والاسترخاء“، My Year of Rest and Relaxation تقدم لنا أوتيسا موشفينج توصيفا مثاليا للانسحاب الكامل والانفصال التام عن هوية المجتمع ، من خلال سخريتها المتأصلة، و مستويات الامتياز المرتفعة التي يمكن أن يحافظ على غيابها الطوعي. البطلة غير المسماة – ثرية، بيضاء، تلقّت تعليمها في كولومبيا وكما تُذكّرنا في كل فرصة، بأنها جذابة للغاية – تفكرُ في تخدير نفسها في سباتٍ طويلٍ يمتدُ لعامٍ كامل، بمساعدة مشعوذ نفسي، تقوم بإعداد مخدر وإعادة ضبطهِ جيدًا، كما أنها طهّرت روحها كما تعزم، وهي جاهزة للانضمام للعالم.
و تؤكدُ لنا البطلة مرارًا وتكرارًا أن أفعالها ليست كما نعتقد. كأنها مؤامرة انتحارية، لكنها تُصرُّ على أنها عكس ذلك ” عكسُ ذلك… كان سباتي حفاظًا على الذات. كنتُ أظن أنه سينقذُ حياتي”. يبدو وكأنه إدمانٌ على الحبوب، لكنها منضبطة على تناولها ” كل شيءٍ منظم للغاية” و “علانية كليًّا”. باعتبارها شاذة كما نهدف إلى إيجادها، تبدو أفعالها أشبه بنسخة أو انحراف عن النسوية البيضاء المؤيدة: لا تؤمن بإزالة الشعر الزائد من جسمها؛ الغزل النرجسي كان بالنسبة لها كالرعاية الذاتية؛ تكتفي دائما بقهوة بوديغا “سيئة ” ودائما ما تصنف ” أي شخص يطلب خبز بريوش أو لاتيه بدون رغوة”، بأنهم ضد الرأسمالية بالاختيار. على حدٍّ سواء هي غافلةٌ وعمياء عن امتيازاتها الخاصة، عندما يتعلق الأمر بالموارد المادية،؛ فإن انسحابها الذي يستغرق عامًا يأخذ وقتًا طويلًا للحفاظ على مدفوعات الفواتير الآلية، صيانة الشقة، و تكاليف الوصفات الطبية- قالت مازحةً أنها ” [لا تقلق] بشأن المال” و (أن منبعَ ثروتها هو إرثٌ من والديها المتوفيان). وأنها في غاية السعادة، وفي بعض الأحيان متحمسة بشكل غير مريح حول عمل المرأة – على الرغم من أنها ووبي غولدبرغ وليست أودري لورد أو بيل هوكس؛ يبدو أن هذا العام من الراحة والاسترخاء يفضحُ الكثير من الأشياء عن البطلة.
تُشبّه البطلة بالشخص الذي يعاني من الأعراض الانسحابية للمخدرات، ولكن قد تختلف هذه الأعراض – ربما يحدثُ انسحابٌ تام للخيال الفني لمرةٍ واحدة من الحياة. أو حتى مثل حلم الشخص الأدبي عمومًا. عندما فكرت المرأة بالتراجع من العالم، تذكرت زادي سميث، التي تتساءل عما إذا كان هناك آخرون مثلها وهم يشاهدون الأفلام الوثائقية عن السجون ينوحون سرًّا : ” أتمنى لو أنني أملكُ كل الوقت للقراءة“. بشكلٍ مهين، عَقْد الكتب غير قابل للاستكشاف لبطلتنا. في رحلاتها إلى بوديغا، نظرتْ لعناوين كارثية بارزة بشكل طفيف، لكنها ما تزال غير منزعجة: “كانت الأشياء تحدثُ في نيويورك – ودائمًا ما تحدث – لكن لا شيء من ذلك أثّر بي”. والذي أيضًا لا يكون الحال لو كانت معصوبة العينين، و ترتدي سدادات الأذن.
كتاب ” عام كامل بين الراحة والاسترخاء” قد يشير إلى خيال ملحمي لصنع الفن أيضًا . على الرغم من غرابةِ الوضع ، لكن لا يخلو العمل من الإبداع. يشيرُ مارس كريزمان في مقاله حول رواية موشفيغ والحوت لميليسيا برودر، إلى أن الروائية ” تطمحُ إلى أن تكون فنانة”، وهي رغبةٌ عابرةٌ لم تكد تتبعها – حتى لو كنتَ تستطيع أن تسميها – بالعمل في وظيفة بمكتب الاستقبال نهايته مسدودة في معرض تشيلسي .عندما طُرِدت من المنصب – لنومها في العمل، بالطبع – قامت بالانتقام بوضع قذارتها على الأرض وإذا لم تكن ترغب بالفعل في التشجيع، تشكو كيف كان “من الغباء الاعتقاد بأن العمل سيضيف قيمة إلى حياتها” (هناك ذاك التشهير لمناهضة الرأسمالية مجددًا). في مراجعات الرواية، يميلُ الناس إلى التركيز على المزيج الكيميائي، العقاقير التي جربتها، وما يترتب عليها من آثارٍ جانبية، بمجرد أنها لم تعد تتحمل أعباءَ ” العمل غير الضروري”. ما يَلفت الانتباه هو الفعل الذي يمثّل التمجيد لعزلتها – جزء من فن الأداء.
تتعاون البطلة مع بينغ شِي ، وهو رسامٌ عبقريٌّ تلتقي به خلال أحد تجولاتها في المعارض الفنية لفعلٍ غريب للغاية على النحو التالي: تحت تأثير دواء (خيالي) اسمهُ امنفرميترول، والذي يحثُّ على انقطاع التيار الكهربائي في الدماغ لأيام طويلة، تُسنِد البطلة لبينج شِي مهمة مراقبتها وهي نائمة كمختص وثائقيات. في حالتها المعتمة، لدى بينج شِي التصريح الكامل لتصبح ” عارضته الشخصية ” – ” إمرأة فقدت صوابها، محبوسة في شقة”. ربما يكون بينج شِي هو فنان المهنة، لكنه فقط هنا من أجل أن يشهد الحدث الصادم. لدى البطلة أهداف فنية سامية: كانت تسعى بصدق لمعرفة ما إذا كانت الحياة تستحقُ العناء “كانت روحي متعطشةٌ لتصبح جديدة” واستخدمت الفن للإجابة عن هذه الأسئلة في هذه الحالة بالذات، من منا لم ينظر لصفحةِ كتابٍ أو صورةٍ أو أغنيةٍ واستجدى المرور الآمن إلى حالة الطفو واللاشعور؛ يساعدك حتى للحظات، “الهروب من السجن … العقل والجسد؟” شخصٌ لم يشعر بهذا مطلقًا وحارب الدوافع لمواجهة هذا الشعور الجديد هو شخصٌ قد قتل روحه ؟ هل أنا الشخص الوحيد الذي اِلتقط هذه الرواية وتنهدتُ ” أتمنى لو كان لديَّ كل هذا الوقت للكتابة؟”.
لقد طبقتُ عام الراحة والاسترخاء الخاص بي في شتاء عام 2014. كنتُ منهمكة في اختبار القبول بكلية الحقوق(LSAT)؛ ثلاثة أشهر من الانسحاب من الحياة لإعادة توصيل ذهني إلى المنطق النقي. لم أرَ أيّ شخصٍ اجتماعيٍّ طيلة الأسابيع الستة الماضية – ليس لأنني قضيتُ كل تلك الساعات في الدراسة، و لكن لأنني كنتُ أخشى حدوث أي موجاتٍ قد تزعزعُ هدوئي . في الشهر الأخير، قمتُ حتى بالتخلي عن الكتب، والامتناع عن النثر السردي على أمل أن أبدأ بفهم النصوص العلمية. كما لو كان الحرمان المتواصل هو الممرُ السلسُ الوحيد إلى حالة سرية من الإتقان – وهو احتمال كان يضايقني لسنوات ، والذي كنتُ ما أزال أقلقُ في كثير من الأحيان أن قد يكون صحيحًا.
كانت هديتي لنفسي ما بعد الامتحان الوسيلة للابتعاد أكثر عن العالم . كان الهدفُ هو أن أكون بعيدةً عن الصحبة البشرية قدر الإمكان. في اليوم الذي يلي القبول بكلية الحقوق(LSAT)، هربتُ إلى مدينة بينسويك “Painswick” في إنجلترا، وهي مدينةٌ تضم 3,000 شخص في كوتسوولدز(Cotswolds)، والتي اخترتها جزئيًّا لأنها مسقط رأس لثوماس تويننج – صاحب الشاي الرائع- ، لقد حجزتُ منزلًا ريفيًّا لمدة أسبوعين في فبراير مع جدول أعمالٍ بسيطٍ بعيدًا عن كوني لوحدي. أخبرتني النساء أنه سيكون أشبه بفيلم “العطلة”. تركتهم ينغمسون في أوهامهم حتى بدأوا في تصور الرجل الذي سألتقي بالتأكيد ، وعند هذه النقطة فقدتُ أعصابي. كان الضغطُ من أجل العودة مع قصص عن أشخاص آخرين تموج بعنفٍ في السكون؛ حركة أكثر مما أستطيع تحملها (لقد ذكرتُ أيضًا أنه كان وقتًا طويلًا منذ أن رأيتُ أي شخص اجتماعيّ). كنتُ أعني أن أكون المهندس المعماري للعزلة المثالية. لكن الهدف من الرحلة لم يكن الراحة و الاسترخاء؛ كانت رغبات استنشاق هواء البلد ، والدراما المرموقة ، ونثر شارلوت برونتي راسخة ،: فكّر فقط في النصوص التي من ممكن أن أكتبها في وضعٍ كهذا !
“يبدو الشعور بالوحدة كأنه سقط من موضة قديمة؛ هِبة أُوحيت إلى نوعٍ معين من الكُتاب من أواخر التسعينات أو أوائل العهد القديم”
الريف الإنجليزي ليس مقصدًا شهيرًا في فبراير ، والذي يبدو مثاليًّا. أخذتُ أتمشى في المزارع والحقول الباردة و الموحلة، ساعات لم ألتقِ فيها بشخصٍ آخر. على الرغم من مشاهدة الأغنام والمنازل التي عاشت فيها بوضوح. عندما ألتقطُ أي صور طبيعية ، أفخر بنفسي لصياغتها بطريقةٍ تمحي أي وجودٍ بشريٍّ واضح. في مدينة بينسويك، لم أكن حتى لأحاول. لقد تجولتُ في فناءِ الكنيسة المحلي وصورتُ أشجارها البالغِ عددها 99 شجرة ، حسب الأسطورة ، دائمًا ما تذبلُ الشجرة المائة ، مع كل محاولة لإعادة زراعتها ، لأنها تتفوّهُ بأسماء أولئك الذين ماتوا منذ زمنٍ طويلٍ. اشتريتُ نبيذًا سيئًا ومجموعة مختارة غير متسقة من الأطعمة من ركن متجرٍ قليل الزوار. عندما صاح الرجل الذي كان على المنضدة مستغربًا من زياراتي المستمرة وسألني عن مكان إقامتي ، بدأت في تناول كميات قليلة من الطعام. استقريتُ في صمتٍ فوضوي ، حيث اخترتُ مكاني على كرسي بجانب المدفأة ، كنت قد تفحّصتُ من مدخليّ المنزل الريفي بين مسافات من منزل Villette. كانت قعقعة فتحة البريد حالة طوارئ معتدلة عندما تُقطعها خلال صباح أيام الأحد . أمضيت ساعات في مطاردة صرير المنزل في ساعات الليل المتأخرة. لم أتمكن من الاسترخاء بما يكفي لأكتب ، ولا بعد أربعة أشهر من التفكير في أسئلة متعددة الخيارات، مقيدة سوية بجملة لائقة. “امرأة فقدت صوابها، محبوسة في شقة.” مع أقل من أسبوع متبقٍ على نهاية الرحلة ، هربتُ إلى لندن ، واتصلتُ بصاحب المنزل لأكذب عليه بأن لي صديقا في المدينة.
لم تكن الرحلة فظيعة كما يبدو في سرد الأحداث. لم أكن أراها كتجربة فاشلة؛ كما أن خوض هذه التجربة لم يستوقفني من محاولة إقامة تجارب مماثلة في الأسابيع والأشهر التي تلت ذلك. وأود أن أُشير، بإعجابٍ كبير، إلى التمدد بين الطالب الجامعي وكلية الحقوق “سنوات الناسك”، التي كنت خلالها دائمًا الأولى في الطابور عندما افتتحت المكتبة ، في كثير من الأحيان تكون صامت وتتحدث فقط عندما يُطلب منك ذلك. لقد فقدتُ الاهتمام بشكل موثوق بكل شيء. كتبت مسودة رواية والتي تمكثُ بكل حُب في صندوقٍ على الرَّف. أتذكرُ أنني خُيّرتُ في الفكرة ، في أن تكون مخلوطة بتهنئة النفس والاعتذار، بأن أعظم فرحة ستأتي من عملي الإبداعي ،أكثر من أي شيء يشترك بشكل مباشر مع شخص آخر. لم يكن هذا الخيار صعبٌ بالنسبة لي لأبتلعه ، حتى لو تبيّن بعد بضعِ سنواتٍ أنه اختيار خاطئ على الأقل جزئيًا ، كانت رحلة مدينة بينسويك بمثابة امتحان ذاتي، وطريقة لاختبار عمق التعلق بخيال الوحدانية الخالصة. لم أكن مستعدةً تمامًا للتخلي عنه، حتى لو بدأتُ أرى أنه يمكن أن تكون هنالك طرقا أخرى للعيش والكتابة. ما حدث في تورنتو ، على طرفٍ ما يمكن أن يقودنا إلى سنوات الناسك ، أخبرت مستجوبيني بأننا يجب أن نتحدث ، نتناول الغداء ونلتقي. أخبرتهم أن الرحلة كانت بالضبط ما أحتاجه ؛ أنني الآن متقبلةٌ نفسي وعلى استعداد للانضمام إلى العالم.
تجد خيال الكاتبة في أوتشتا موشفيغ ظاهرا في “عام من الراحة والاسترخاء” كرفيق لها في الممارسة الفنية لمرة واحدة. تعترف في حوار شخصي جديد في مجلة نيويوركر بأنها كانت لفترة طويلة تعتقد أن “إنتاج أفضل أعمالها يتطلب التزامًا رهبانيا بالابتهاج والعزلة”. وقد خدمت هذه الإيقاعات العمل الذي تعتبرهُ بمثابة دعوة. وهدفًا أسمى بأن يُعرض لها “دور كرميّ”. في مقابلات أخرى ، تأخذ وصف موشفيغ عن تجربتها بعزيمة شبه غامضة. في المدى الذي ستذهب إليه لتعزيز عملها متعمّدة إلى أقصى الحدود: في السابعة عشرة من عمرها ، كانت تتابع و تطرح مع الكاتب الذكري الأكبر سنًا قضية الفجور، فهو تبادلٌ تعتبره جديرا بالاهتمام لأن معرفته ستساعد خيالها “لمعالجة عالم الوجود الأعلى “. هنالك صراحة لذيذة في الطريقة التي تحدث بها موشفيغ عن طموحها. يمكنكَ الاعتماد على كلمة “فظّة” للظهور في مقدمة المذيع. على الرغم من أن موشفيغ كان قد هرب من نيويورك في وقت من الأوقات بسبب مجموعة الأقران التي تعاني من الخوف من الأماكن المغلقة ، إلا أن حشدًا من الكتّاب الطامحين كانوا يملكون نفس “الطموح المجنون”. . . ولأنها الصوت الأدبي البارز لجيلهم ، فقد غابت عن فعل ذلك فعلاً.
في ذروة التزامها بالعزلة ، انحصر تركيز موشفيغ على عملها إلى درجة أن الرغبة أصبحت ، في ذهنها ، “سُمًّا”. لقد ألزمت نفسها بالعزوبية. دورتها توقفت. وقد ساعدها نذرها من خلال حقيقة أنه ، على ما يبدو ، لم يتغلب عليها أي رجل. إذا McGlue لم تنشر(روايتها الأولى) بعد تسعة أشهر من هروبي إلى المملكة المتحدة ، يمكنني أن أجعل حياتها مبدأ مرشدًا في منسكي. لكنها كانت حادة في نهاية المطاف كان عليها أن تتخلى عنها ، لأن روتينها أخذ رواتب جسدية ونفسية ، وبسبب التدخل الخارجي. قابلت موشفيغ خطيبها الآن ، الكاتب لوك غوبيل ، عندما جاء لمقابلتها من أجل موقع ويب Fanzine. اقرأها لترى شخصان يقعان في الحب على الصفحة ، وقم بتداول مغامرات مثل “أنا الآن أخرج من هاجس الشرج”. لم تغادر Goebel مكانها لمدة سبعة وعشرين يومًا. يمكنك بناء سياج حول السنوات الناسكة ، ولكن من المرجح أن العالم سيتدخل.
معظم المؤلفين ، بالطبع ، لا يملكون حتى رفاهية محاولة إبقاء العالم في المقام الأول. والاعتداء لملائمة العمل الفني ضمن فوضى الحياة اليومية ، خاصة وأن الوظائف التعليمية والإعلامية تتضاءل في طي النسيان ، حوار عاجل ومستمر. أعاد الكاتب مايك سكاليز إشعال هذه المخاوف على تويتر ، ودعا إلى برامج كتابة الدراسات العليا لتعليم طلابها كيفية تطوير ممارسة فنية مستدامة حول متطلبات غير الأكاديمية من 9 إلى 5. بل وحتى المجالات التي تبدو وكأنها ستدخل بسهولة إلى جانب السعي وراء الكتابة ، مثل إدارة الفنون ، يمكن أن تأتي بنتائج عكسية وتهميش العمل الإبداعي. تكون الردود على سلسلة Scalise طويلة ومُتَعَقِّبة: كثير من الناس يستيقظون مبكرًا للكتابة في ساعة أو نحو ذلك قبل بدء عملهم ؛ الإبقاء على ساعات نهاية الأسبوع أقرب إلى وظيفة ثانية بدوام كامل ؛ والدعوة إلى ضرورة “ممارسة الصبر” في مواجهة عدد الكلمات بطيء الحركة. كنتُ متأثرة بشدة بزملائي الكُتاب الذين يكافحون بوقتهم ، سعيًا إلى منع الضرر الذي يمكن لعالم العمل أن يفعله بسهولة: “يهدد {} وفي حالات عديدة إزالة {} ،الكتب الكبيرة” عن طريق استنزاف الطاقة اللازمة لرعايتهم.
” أتذكر أنني خُيرتُ في الفكرة ، في أن تكون مخلوطة بتهنئة النفس والاعتذار، بأن أعظم فرحة ستأتي من عملي الإبداعي ،أكثر من أي شيء يشترك بشكل مباشر مع شخص آخر”
ونجد أنفسنا نشعر بالفضيحة أو نحب أسطورة الانعزال الأدبي – أو السبات الوظيفي – بسبب الهوّة المأساوية بين قائمة مطالبها اليومية وطلباتنا. أنا أذكر الوحشية المُرسلة للكسل الأدبي في أغنية سليمان الضخمة في طوني موريسون ، في شكل “الشاعرة” المٌعمرة البيضاء مايكل-ماري غراهام. في تقريرها عن ملكة جمال غراهام ، موريسون – التي ، كأم عازبة تعمل ، تعرف أمرًا أو أمران حول إنتاج العمل وسط مطالب الحياة – لا تخفي و تخبرنا جراهام بأنها شذّبت بعناية حياتها من أي انحرافات – الزواج ، الأطفال ، أنماط معينة من الأثاث المنزلي – التي قد تعرقل “المعاناة الكبيرة” في دعوتها. إنها نمط حياة لا تستطيع مواجهته فحسب ، لقد أخبرونا في جانب اعتراضي ، بسبب ومثل رواية موشفيغ “سخاء إرادة والدها”. ومع ذلك ، فإن “المطالب الثقيلة للمسؤولية الفنية” ، يبدو أنها جميلة في ضوء الممارسة. من كل الساعات في اليوم ، تقضيه نسبيًّا بكتابة رسالة، تكتب يوميًا من الساعة العاشرة إلى الظهيرة ومن الثالثة إلى الرابعة والخامسة عشرة ، مع أمسياتها المخصصة للصالونات الأدبية المليئة “بالشعراء” الآخرين – معظمها غير منشورة – التي تضع نفسها كهدف متعمد بغرض الإعجاب. لم تعد مقالاتها مثيرة للإعجاب.
لنقارن هذا مع لمحة عن ظروفها الخاصة التي تقدمها موريسون في مقدمة سولا خلال تكوين الرواية ، كانت تعيشُ في كوينز وتتنقل إلى وظيفة في مانهاتن ، وتنقلُ أطفالها ما بين المدرسة العامة ، والرعاية النهارية ، ومكان والديها ، لذلك تعاني من ضائقة مالية “هذه الحالة انتقلت من الإجهاد الموهن إلى البهجة”. بالنسبة لموريسون ، أدى هذا المكان من اليأس إلى الاستكشاف المجتمعي والإبداعي. وجدت نفسها محاطة بنساء عازبات ومنفصلات عن أزواجهن في ظروف مماثلة. معزولات عن معالم الحياة الإلزامية ، تمكن هؤلاء النسوة في تنمية نوع مختلف من الحرية في أعمالهم الفنية ، وتأسيس فرق مسرحية ، وتصميم الملابس ، وفي حالة موريسون ، كان إنتاج الكتابة “لم تكن مثقَلة بتوقعات الآخرين. “لم يكن أحد منا يهتم فينا” ، كما تتذكر، “لذلك أصلحنا أنفسنا”.
العقبات لا تتوقف أبدًا عن التصاعد. كيف تكتب وأنت تعملُ لوظيفةٍ بدوامٍ كامل؟ كيف تكتب في الحياة المشتركة؟ كيف تكتب مع الأطفال (أو كما فعلت لورين غروف حيث أنها ترفض أن تسأل عن ذلك على الإطلاق) كيف تكتب في مواجهة الكارثة السياسية؟ كيف تكتب ، كما يسأل ليز لينز على وجه السرعة ، في سن اليأس؟ ربما يكون كوخي الصغير قد أرسلني خارج عقلي ، ولكن للحظة وجيزة أنا أيضًا صنعته ؛ واحة غريبة في مدة زمنية متميزة بالفعل بين درجات ، تعيش في منزل والديّ وتؤلف صفحات من جمل باروكية وغير سياسية ، تقبع في حالة من النعيم الجمالي
أنا أكتب هذه المدونة في 11 سبتمبر – حدث يوافق نهاية قراءتي لرواية موشفيغ: صحوة من ثقافة التفاؤل الاضطرابي والتحسين الذاتي التي تدفع في كثير من الأحوال الراوي لسنة حافلة. أستطيع أن أصف الأحداث قبل قبل 11/9 كأنك مستيقظ وفي محاولة أن تبقي عينيك مفتوحتان بينما الآخرين نيام ، لكنني لا أستطيع أن أخبركم الأحداث العالمية الكبرى التي حدثت. إن كل ما تريده هو رؤية حافة المبنى” ، وبعد ذلك ، تحرص على إعادة بناء البقية بناءً على تلك اللمحة الواحدة. في روايتها، أجد موشفيغ تتكلم عني ، بقدر ما قد أكون أكافح يوميًا لتنمية نهجٍ أقل زُهدًا ، أكثر وعيًا. أنا أحافظ على الخيال الدائم للمنزل الريفي في الهروب ، كما أتصور الكثير منا يفعله. غالبًا ما أكون في حالةِ خوفِ عن طريق استشعار رقة الحد الفاصل بين إصدارات مسودات حياتي المحتملة – الشخص الذي يعملُ في مكتب المحاماة ويعود إلى المنزل لساعات متأخرة ، ويفشلُ ويصبح غير قادر على كتابة كلمة ؛ الآخر الذي يتخلى عن كل رابط للحياة ويُرحِّلها إلى كابينة مخفية ، ولكن ، يواجه ثقل الخلود ، لا يستطيع أن يُخرج الجملة. وما زال الحلم قائمًا! إذا سنحت لي فرصة أخرى في Cotswolds ، لا أعرف كيف أُعبّر لك عن زخم الكتابة الذي سأحصل عليه.
بقلم : تاججا إيسن | ترجمة : أفراح السيابية و مريم الغافرية | تدقيق الترجمة : فاخرة يحيى ومريم الغافرية | تدقيق لغوي : موزة الريامية | المصدر