الأدب

الترجمة وعائلات الأشياء

حيث تكتشف كاتبة يافعة سر جدتها الأدبي.

في إحدى أيام الشهر الماضي ألقت أمي قصيدة ماري أوليفر ” الإوزات البرية” على مسمعي عبر الهاتف. وجدتني أقف في منتصف واشنطن أفنيو في بروكلين عندما تلكأت عند نطق كلمة “prairie” أو المرج؛ تخيلت لسانها وهو يحاول أن يتخذ الهيئة المناسبة لنطق مثل هذه الكلمة الأعجمية.
هاجرت أمي إلى الولايات المتحدة قبل ثلاثين عامًا ولكن ثقتها بنفسها فيما يخص لغتها الثانية لم تتحسن خاصة في نطق حَرفَي الراء واللام باللغة الإنجليزية. ” اقترحت صديقتي أن أقرأ الشعر باللغة الإنجليزية لأحسن من مخزون مفرداتي خاصة بما أنني أنا أيضًا أكتب الشعر،” برّرتْ أمي باللغة الكورية.

سألتني عن كيفية نطق الكلمات التي تصعب عليها مثل despair, prairie, unrelenting ما كان مني إلا أن أقوم بتكرارها على مسمعها تارة ببطء وأخرى بسرعة سواء أردفت النطق بمعنى الكلمة أو لم أفعل، ودائمًا ما كنا نتحدث عن القوافي والمجاز وأشعار ماري أوليفر السهلة الممتنعة.
وددت حينئذٍ أن أجهش بالبكاء؛ كانت الكورية لغة التواصل الأساسية بيني وبين أمي ونادرًا ما كنا نتحدّث عن الأدب. وعلى الرغم من التعقيد الذي يشوب علاقتي بها إلا أنني شعرت بدُنوها على نحو لم أعهده من قبل، دُنو ناتج عن رغبة لا تفرضه صلة القرابة. وأراني أمتلك ارتباطا بأولئك الذين كرّسوا أنفسهم لشيء يستحيل استحالة الكتابة.
” أيًا كنت، ومهما كان مقدار وحدتك \ يقدّم لك العالم نفسه قربانًا لمخيلتك\ ويناديك بزعيق يشابه الوزات البرية في صخبه وحماسته. ” عندما سمعت هذه الكلمات بصوت والدتي الذي لا يخالجه شعور يُذكر سوى خجلٍ رتيب تذكرت جميع الثغرات التي نخرت حواراتنا طوال السنين الماضية. تذكرت جميع الاحتمالات- تلك البذور التي وأدناها قبل الزراعة لأننا كنا نقف على ضفتين متقابلتين حيث كان للمعنى حدود تحرسها الحواجز اللغوية.
تخيلت لحظتها كيانينا القاطنين بين ذراعي ظلالنا – كيانان لا يحتاجان للانتقال عبر اللغة الكورية إلى اللغة الإنجليزية جيئة وذهابًا لكي يصبح للشعور معنًا نجد له كلمات تعبّر عنه.
باعتباري ابنة لعائلة من المغتربين فإنني دائمًا ما ألوك الكلمة وأعيد عجنها قبل أن أنطق بها أمام والدّي؛ فعلى الرغم من اكتسابهما اللغة الإنجليزية على مدار السنين التي قضياها هنا إلا أنهما يشعران بارتياح أكبر للتحدث باللغة الكورية. أما أنا، فبالرغم من أن اللغة الكورية هي لغتي الأم إلا أنني أجد راحتي في التحدث باللغة الإنجليزية، ولذا فإننا نلتقي في نقطة المنتصف غير أن هناك أحيانًا لا مفر منها من خذلان اللغة؛ يضيع ما نودُّ قوله بين طيات ما لا تقدر عليه الترجمة.
ولمدة طويلة كنت أرى الترجمة حاجزًا يقف بيني وبين والديّ. عندما كنت في الصف الخامس الابتدائي تعلمنا عن الجينات في حصة العلوم وأدهشني موضوع الأصول والوراثة وكيف يمكن أن تنتقل الخصائص من جيل إلى جيل، وطرأ على بالي ألف تساؤل وتساؤل ولذا عندما عادت أمي من العمل قلت لها باللغة الإنجليزية: ” ثمة أنواع عديدة من الجينات <بالانجليزية تنطق الجينات جينز>!” فأجابتني بالكورية قائلة ” نعم! هناك أنواع جينز واسعة الساقين وهناك أنواع بقصة راعي البقر وهناك أنواع داكنة وأخرى فاتحة!” فما كان مني إلا أن أضحك في وجهها، ولكن أنا الأخرى لم أكن أعرف الكلمة الكورية المرادفة لكلمة “جين” ولذا حاولت أن أشرح لها الكلمة بخليط ركيك من اللغتين: “هي الخصائص التي تعطيها لأبنائك مثل لون الشعر.” ولكن في تلك اللحظة اختفى بريق المرح من عينيها وقالت إنها لا تعرف عما كنت أتحدث. ظللنا نحدق إحدانا في الأخرى لبرهة من الزمن إلى أن التقطت إحدانا القاموس الإنجليزي-الكوري من على الرف.
فتحته على مصراعيه فوق ركبتّي ووجدت الكلمة المترجمة ” يو جون جا” (유전자) ولكن شعورًا بالإحباط ألمّ بي إثر استيعابي أن الحوار انتهى قبل أن يبدأ؛ لم يكن هناك طائل من طرح أي أسئلة أخرى عليها حول موضوع الجينات وطريقة عملها لأن ذلك سيتطلّب جهدًا كبيرًا من كلينا نهدره بحثًا عن ترجمة الكلمات.
كان عندي هوسٌ كبير باللغات على صغر سني ولذا أجد بأن من الغريب كوني لم أستمتع بتلك المواقف التي حدثت مع أمي. كنت أكتب القصائد والقصص وأتفنن في ترصيعها بالكلمات البليغة وتنميقها بنكهة يستشعره اللسان من تلحين وتنسيق. المأخذ الوحيد هنا هو أن طريقة الكتابة نفسها التي جعلت مني كاتبة هي تلك التي أضاءت الثغرات القابعة في حواراتي مع والديّ. أثارت المفقودات في عملية الترجمة حنقي؛ فكنت أرنو إلى حوار سلس لا تشوبه تفسيرات. أنا ووالداي – جميعنا – كان لدينا ما يكفي من الزاد اللغوي من لغة الآخر، إذًا لم كان من الصعب علينا أن نفهم بعضنا البعض؟
عندما كنت في العشرينات من عمري وبالتحديد عندما كنت طالبة دراسات عليا في مجال الكتابة الإبداعية، بدأت بكتابة رواية تقع أحداثها أثناء الحرب الكورية. سألت عائلتي وقتها عن أي ذكريات يملكونها عن نشأتهم في كوريا، ووقتها وصلنا أنا وهما إلى قاع بئر الحوار حيث لا مجال للمحادثات السطحية.
حدثني والداي عن متعة امتصاص العصير الغني للبون دي جي (번데기)، إحدى المأكولات الخفيفة التي تباع في الأسواق الشعبية الكورية المصنوعة من شرانق دودة الحرير، وحدثاني عن المرة التي وقف فيها والدي احتجاجًا على سياسة الرئيس بارك شُنغ هي حول طول الشعر المسموح به للرجال، حدثاني عن قرارهما لترك كل ما يعرفانه خلفهما والاغتراب في الولايات المتحدة الأمريكية. وهنا شعرت بالحاجز اللغوي يتقوَّض بيننا، فيملأ الثغرات بالحكايات.
ولكن -وبالرغم من ذلك- أثناء عطلة الشتاء الأولى لي طالبةً في الجامعة، شعرت بألم شديد في بطني مما جعلني أتوجه إلى غرفة الطوارئ وأقضي الليلة هناك، وفي الصباح الباكر استرددت ما يكفي من عافيتي ليسمحوا لي أعود إلى المنزل.
بعد عدة ساعات كنت مستلقية على أريكة في شقتي مثقّلة بالمسكنات عندما تلقيتُ اتصالا من الطبيب: أخبرني أن علي العودة مجددًا إلى غرفة الطوارئ لعملية استئصال الزائدة الدودية. ما كان مني وقتها إلا أن اتصل بوالديّ ولكن أثناء محاولة شرحي لما كان يحدث اكتشفت أنني لما أكن أعرف الكلمة الكورية للزائدة الدودية. كنت أحاول ارتداء بنطالي بينما أشرح لهما:” هو جزء يتدلى من الأمعاء وليس له فائدة” قائلة باللغة الكورية. وقتها كانت كلماتي تخالط دموعي بسبب الألم الذي لا يطاق في بطني وذلك الشعور بأنني خذلت نفسي ووالديّ بعدم إلمامي باللغة التي علّماني إياها قبل أي شيء آخر.
حالما انتهت أمي من إلقاء “الوزات البرية” استوعبت أن قدميّ قد ساقتاني إلى مكتبة بروكلين العمومية. وبعد أن أنهيت المكالمة، دخلت المكتبة.
تحسست أناملي جذوع الكتب المرصفة على الرفوف وانصرف فكري إلى الأسطر الأخيرة من القصيدة: ” دون كلل أو ملل، معلنًا مكانك \ ضمن عائلة الأشياء”.

أذكر أنه خلال الجلسة الافتتاحية لروايتي الأولى ” إن تركتني” وصلتني العديد من الأسئلة حول ما إن كان والداي فخورين بوجود روائية في العائلة. لكن الواقع لم أكن الروائية الوحيدة في عائلتي. مكاني هو ما شكّلته ملامح النساء اللواتي سبقنني. بدأت أمي بكتابة الشعر باللغة الكورية عندما كنت في مرحلة الدراسات العليا. كانت أمي الرابط بيني وبين اللغة وبينها مع أمها هي الأخرى.

لطالما أحبت جدتي لعب دور الحكواتي ولكنها أيضًا امرأة عاصرت فترة الاستعمار الياباني والحرب الكورية ولم تتلق قط تعليمها الثانوي. ولم يخطر ببالها أن أحدًا خارج نطاق أسرتها الصغيرة أو الممتدة قد يرغب في الاستماع إلى حكاياها. وعندما كانت في السابعة عشر من عمرها، أُكرهت على الزواج من طرف حماة وعدتها في المقابل أن تسمح لها بإكمال دراستها والتي سرعان ما نكثت وعدها بعد انتهاء حفل الزفاف. وبعد وفاة زوجها الأول، لم يكن بحوزتها سوى طفل ولا شيء يُذكر من المال. وعندما توّسلت أمها لتترك طفلها عندها بينما ترتاد هي مدرسة تصفيف الشعر رفضت أمها ذلك تمامًا.
هكذا كانت حكاياتها التي سمعت عنها طوال حياتي، ولسبب ما، لم يكن التحديث معاه يصيبني بالإحباط ذاته الذي كنت أشعر به أثناء حديثي مع والديّ، ربما لأن الثغرة القابعة بيننا كانت ثغرة أجيال لا نستطيع فعل شيء حيالها أو ربما لأنها لم تتحدث سوى اللغة الكورية أخذت على عاتقي عبء الترجمة.
وفي شهر مايو من عام 2019، نشرت جدتي التي تبلغ من العمر 84 عامًا أول ديوان شعري لها باللغة الكورية.
قبل ذلك بسنتين سجلت جدتي في أحد صفوف تعليم الكبار حيث تقطن في هونغسونغ. انضمت إلى مجموعة غنائية ومجموعة لعزف الهارمونيكا وحلقة دراسية لكتابة الشعر، وبدأت بكتابة الشعر في مركز الترفيه العمومي الذي كانت ترتاده. ولأن جودة كتابتها -برأي معلمها- كانت مدعاة للفخر أرسلها إلى مجلة أدبية محلية. واختيرت من بينها ثلاث قصائد قابلة للنشر مما فاجأنا جميعًا.
” قبيل غروب شمس حياتي، تلقيت هدية رائعة،” كانت تقول لي.
أرسلت لي خالتي نسخة من المجلة الأدبية “مون هاك سي غي \عالم الأدب” < 문학 세계> حالما صدر العدد. مسحت بيدي على الغلاف الأخضر الباهت ومن ثم قلّبت الصفحات وصولًا إلى قصائد جدتي بداخلها. قرأتها مرة واثنتين فثلاث. لم أفهمها.
خلال حديثنا، كنا نتطرق إلى جملة محدودة من المواضيع: الصحة والغذاء ومقدار حبنا لبعضنا البعض، ومتاعبها. كانت دائمًا ما تكرر القصص ذاتها والعبر ذاتها لكن هذه القصائد انطوت على صور ومجاز وكانت تغصّ بالتشبيهات بما ينم عن ذكاء ومخيلة لم أتوقعها، ووقتها أحرجني قصر نظري.
نسخت قصائد جدتي على مستند وورد فارغ وأطرقت محدقةً في كلماتها. كنت وقتها على استعداد تام بأن أترجم هذه القصائد حتى أفهمها. أردت من اللغة أن تربطني بعائلتي بدلاً من أن تكون حاجزًا بيننا، أردت أن أفهم مقدار جهلي وأحيط به، وأردت أن أستوعب مقدار سطحيتي في تخيلي البائس لعقل أمي وعقل جدتي.
وكلما زاد عمق محاولاتي، ازداد خوفي. أردت أن أكون على مقدار عالٍ من الدقة دون المساس بكون المترجم مؤولًا وحق المترجم في النص الكائن بين يديه. كان يقلقني ما إن كان علي الامتثال إما إلى القوافي أو إلى الأصوات أو ربما المعاني؟ هل يجب أن تكون القصيدة سلسة في اللغة المستهدفة؟ أم كان علي الحفاظ على ملامح النحو المستخدم في اللغة الأصل؟
يقول جوناثان إي آبيل في مقال تحت عنوان ” الترجمة مجتمعًا: سُمك الحداثة في ترجمة غينجي مونوغاتاري” < Translation as Community: The Opacity of Modernizations of Genji monogatari>:
” إن الترجمة التي تحتوي على جمل خاطئة نحويًا أو على كلمات مستعارة من اللغة الأصل تجعل تجربة القراءة غير مريحة للقارئ المتلقي باللغة الثانية، حيث يخلق هذا وعيًا بطبيعتها الترجمية وبالتي استحالة الترجمة.”
وتكتب ساواكو ناكاياسو في “أن تحافظ على غرابة ما يبدو غريبًا” < Keeping it Sounding Seal (Strange)> ” ليس للقصيدة كيان مستقل بل هي مجموعة من الوحدات التي تشكلها لغتها ونوعها والثقافة التي تنبع منها ولذلك فإن الأمور المقابلة لهذه الأخيرة والتي تتعرض لها القصيدة أثناء نقلها من لغة لأخرى تقلقني بعنادها وإصرارها، ومع ذلك يبقى جانب من المحبة والاحترام في الطريق إلى أي لغة جديدة.”
نقلت هذه النصوص وجهة نظري حيال المغزى من الترجمة؛ فأذنت لي حين كنت أعتقد أن الحوارات التي تلامسها “صبغة ترجمية” بيني وبين والدتي كانت دليلًا على تواصل معطوب ولكن مقال آبيل ضرب برغبتي في إيجاد حوار سلس عرض الحائط كما واستني مخاوف ناكاياسو حيال المخاطر المحتملة والمترتبة على النقل الخاطئ للمعنى عبر اللغات.
اعتبرت الترجمة مستحيلة وغير مثالية وشيئًا سيظل دائمًا عرضة للضياع ولكن ذلك لم يعد يزعجني فما كان يهمني وقتها هو شرف المحاولة.

الأبيات التالية منسوخة من قصيدة جدتي:
한 계단 한 계단 땅에서 하늘까지
가을빛 주홍색 사다리를 엮어 올려
영원히 보아야지

الكلمة الأخيرة “بواياجي” <보아야지> تترجم إلى “يجب أن أرى” أو “يجب أن أشهد” أو بكل بساطة ” يجب أن أنظر إلى ….” وعندما قلّبت الاحتمالات كلها في عقلي تذكرت ذلك المساء مع والدتي وكيف ضحكت على تصنيفها للجينات إلى أنواع عريضة الساقين أو ذات قصة راعي البقر أو ذات اللون الداكن أو الفاتح دون أن أدري أن لساني أنا ولغتي أنا هي من جعلت منها حمقاء. ومرت علي العديد من الأيام في مراهقتي كنت أعمل فيها مترجمة لأمي على مضض عندما تتواصل مع شركات التأمين أو عند زيارة الطبيب أو في اجتماعات أولياء الأمور بالمدرسة.
بسبب هذه القصيدة، تخيلت نفسي أمسك “جو هونغ سيك”주홍색 على طرف لساني وأذيبها إلى “أحمر-برتقالي” أو “قرمزي قانٍ”.
كيف كان لي أن أختار؟
اتصلت بأمي وبدلًا من الاعتذار طلبت منها أن تشرح لي قصائد والدتها. وفي كل مرة تماشى تأويلي مع شرحها زاد في قلبي شعور الندم.
ومع مرور الأيام ومما أدهشني أنني عندما كنت أترجم المقاطع بمفردي وجدتني أحبذ الكلمات التي لا يكون الانتقال فيها عبر اللغات سلسًا نظيفًا. كان الفضاء الضبابي بين اللغات بمثابة مساحة للحرية و في النهاية فرغت من ترجمة الأبيات التي كتبتها جدتي كما يلي:
خذ خطوة لتتبع الأخرى من الأرض إلى السماء
وانسج سلّم الخريف القرمزي القاني من نور

لكي نكون عليه شهودًا للأبدية
كلمتا “قرمزي قاني” و”شهودًا” هي من اختياري بناء على الصوت الذي يصدر عند نطقها وبناء على العروض والنبرة، ولكن ليس ذلك فحسب فقد فكرت مليًا في كل ما كنت أعرفه عن جدتي: كان لديها نوع من الهوس بالحديث عن الموت فما قد يشغل بال شخص عاش خلال فترة من الجوع والاستعمار والحرب والفقر؟ كانت تلك طريقتها في فرض نوع من السيطرة على أمر لا يمكن السيطرة عليه من الأساس، ولكنها عندما كانت تحدثني عن الموت بأبسط معانيه وما ينجرّ عنه من صورة توضع في دار الجنازة وكيف يجب أن تبدو وما عليها أن ترتديه داخل النعش وكيف يجب علي أن أنجب أطفالًا لأنها ستموت قريبًا. كانت أسبابها واقعية وعملية ولكن لم أكن أستطيع قول الشيء نفسه عن أشعارها التي احتوت على لمسة من الروعة فيما يتعلق بالموت ووصفه سلمًا قرمزيًا قانيًا من نور. إن جدتي مسيحية كاثوليكية وهذا باعث على الطمأنينة كونها تؤمن بوجود حياة بعد الموت وبوجود طريقة تكون فيها شاهدة للأبد.
كنت دائمًا ما أشعر بالنقص، ضائعة بين ما كنت أريد أن أقوله وما كان من السهل أن أعبر عنه. كنت أعتقد أنني إن لم أكن قادرة على إيصال رسالتي بوضوح فلا طائل من المحاولة. كنت قد أخفيت أي نوع من الفضول الذي قد يراودني واستبدلته بملاحظات بسيطة وربما كان ذلك أحد الأمور التي ساعدتني لأصبح كاتبة أو ربما انحسر التأثير على جعلي كتومة للأسرار – حقيقة لا أعلم ما إن كان هذا أو ذاك. ولكن الشعر سواء كان كوريًا أو إنجليزيًا أو كان مكتوبًا أو مقروءًا أو مترجمًا – مهما كان – ساعدني للوصول إلى معانٍ جديدة ضمن الحدود اللغوية وما وراءها.
الثغرات الكانهة في قصور اللسان عن التعبير بلغة أخرى لن تختفي وخلالها سيضيع الكثير، ولكن الخسائر في هكذا مسألةٍ قيّمة؛ فمن خلالها بإمكاننا بذل جهد أكبر لفهم بعضنا البعض.
وفي اللحظات التي يزيد توقي إلى الدقة اللغوية بما يفيض وينضح أتذكر سلالتي وكل الأمور التي نريد أن نقولها لبعضنا البعض عبر المسافات المتمثلة في حيواتنا.

 

بقلم: كريستال هانا كيم | ترجمة: سحر عثماني  | تدقيق: آلاء الراشدية | المصدر

سحر عثماني

سحر عثماني هي مترجمة تحريرية وفورية تونسية الأصل عمانية الهوى. يخيل لها أنها تعيش حياة ازرا باوند بتنقلها بين القارات؛ تارة للدراسة وتارة للعمل. تترجم سحر من الإنجليزية والفرنسية وتتحدث الكورية واليابانية. إيمانها بصدق الرومي في قوله: "إنّ ما تبحث عنه يبحث عنك" يشدُّ على روحها طموحا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى