العلوم الاجتماعيةعلم النفس

خمسة تمارين فعّالة لمساعدتك على التوقّف عن تصديق أفكارك غير المرغوب بها

يعيش أغلبنا مع سلسلة متواصلة من العبارات الداخلية والانتقادات والأوامر التي تدور في مخيلتنا. وكما يقول الباحث في علم النفس (ستيفين هايز) بأن لدينا خيار وهو بأننا لا يجب أن نسمح لهذه الأفكار أن تحدد ماهيتنا – أو مسار أيامنا. سيوضِّح المقال التالي كيف بإمكاننا التحرر من هذه الأفكار.

عندما نكون قَلِقين أو غير راضين، يبذل معظمنا ما بوسعهم لئلا يُحسوا بمثل هذه المشاعر. إننا عوض ذلك، نتجنبها أو نبحث عن شيء يشتت انتباهنا أو يهدئ نفوسنا أو نحاول حل المشكلة للتخلص من تلك المشاعر.

يتخذ العلاج بالتقبل والالتزام مسارًا مختلفًا – فهو يتمحور حول رعاية المرونة النفسية لكي نستطيع أن نتعايش مع ما يزعجنا وألا نجعله يدير دفة حياتنا. يقول ستيفن سي. هايز -أستاذ علم النفس في جامعة نيفادا برينو؛ وصاحب نظرية العلاج بالتقبل والالتزام وباحث رائد فيما يتعلق بها-: “إن تغيير علاقتنا بأفكارنا ومشاعرنا عوض محاولة تغييرها كليةً هو السبيل نحو المعافاة وإدراك إمكانياتنا الحقيقية”.

وجد هايز وزملاؤه بأن للمرونة النفسية ست مهارات أساسية، من بينها المهارة التي أطلقوا عليها مصطلح “التجزئة”. يوضِّح هايز أدناه المقصود بها وكيف يمكننا أن نتعلم تعزيزها.

يعيش أغلبنا في كثير من الأحيان في حالة من الاندماج العقلي؛ أي تحت سيطرة أفكارنا تماما بحيث نسمح لها أن تملي علينا أفعالنا وأن تحدد اختياراتنا. وهذا ما يحدث عندما نبرمج أنفسنا على ملاحظة ما يحدث في العالم كما ترتبه أفكارنا ولكن تفوتنا حقيقة أننا مَن نفكر بهذه الأفكار.

ينكشف الوجه الآخر لهذا الاندماج حين ندرك حقيقة أفكارنا، أي المحاولات المستمرة لجعل العالم ذي معنى، وأن نحصر تأثير أفكارنا فينا بالقدر الذي ينفعنا فقط. أن يغدو بإمكاننا الانتباه لعملية التفكير دون الغوص في أفكارنا أو التورط بها. وهذا تماما ما نعنيه بمصطلح “تجزئة”.

ومن المجدي عند تعلم التجزئة أن نفهم الرغبة التي تدفعنا نحو هوس الثرثرة مع الذات وحل المشكلات؛ إنها رغبة لفهم ذواتنا وجعلها تتماسك بتلك الطريقة، وهذا طبيعي بلا شك. إننا نشعر بالضعف عندما لا تلتحم أفكارنا بدقة مع بعضها البعض، وبالأخص عندما تتعارض هذه الأفكار.

إدراك مدى تعقيد عمليات التفكير لدينا هي الخطوة الأولى للتوقف عن تبني أفكارنا التلقائية؛ وللبدء في ذلك، عليك أن تطلق لعقلك العنان للتفكير لدقائق ثم تسجيل الأفكار التي واتتك.

مارست هذا التمرين عندما استيقظت ذات صباح وهممت بكتابة هذا الكتاب، إليكم أفكاري التي دونتها آنذاك.

إنه وقت الاستيقاظ. لا، ليس كذلك ما زالت الساعة السادسة صباحًا. لقد نمت لسبع ساعات حتى الآن، على أن هدفي أن أنام لثمان ساعات حسبما أحتاج. أحس بالتخمة. إنها كعكة الميلاد بلا شك. علي أن آكل من كعكة ميلاد ابني ربما، ولكن ليس قطعةً كبيرة مثل تلك. أراهن بأن وزني أصبح  196 رطلاً. وبحلول عيد الهالوين سيعود وزني ليصبح 200 رطل. لكن ربما لن يحدث ذلك. ربما ينقص ليغدو 193 رطلا.  ربما عليّ أن أتمرن أكثر. كل شيء يمكن أن يكون “أكثر”. يجب أن أركز، ثمة فصل لكتابته بعد. إنني أتقهقر، … ووزني يزداد مرة أخرى. ربما الاهتمام بالأصوات وتشغيلها بداية جيدة للفصل. من الأفضل أن أعود للنوم مجددا. ولكن ربما ينجح ذلك. يا للطف جاكيو على اقتراحها هذا. هي تصحو مبكرًا؛ ربما بسبب زكامها. ربما عليّ أن أنهض لأطمئن عليها. ما تزال  الساعة 6:15 صباحًا. أحتاج أن أنام لثمان ساعات فأنا نمت للآن سبع ساعات ونصف فقط.

ليست هذه الأفكار مضلِّلة على نحو لافت وحسب، بل أغلبها متعلق بالقواعد والعقوبات وكثير منها مناقض للأفكار التي سبقتها. وربما هذا النوع من فرِّ الأفكار وكرها مألوف بالنسبة إليك.

من الطبيعي أن نخوض جدالا مع أنفسنا؛ بل حتى الأطفال الصغار بإمكانهم فهم فكرة أن لكل إنسان ملاكٌ وشيطان التي تناولتها قصص الكرتون القديمة. عندما نصب جام تركيزنا على عمل ذهني، يدخل عقلنا في حالة مؤقتة من تدفق الأفكار والمشاعر والأفعال، عدا أننا في الوضع المعتاد، يشرد ذهننا في أمر واحد بعينه، وهذا ما ينتج عادة عن نزاع ذهني إبان خلو البال مما عداه.

امنح نفسك دقيقة لتوجيه أفكارك في أي اتجاه تختاره لإلقاء نظرة عليها وكيف تأتي على نحو تلقائي وغير مباشر. ثم تتبع هذه الأفكار حالما تصب في مجراها. دون كل ما تلاحظه.

وبعد إكمال هذا التمرين، كرره مرتين مع ترك أفكارك تتدفق لمدة دقيقة في كل مرة. في المرحلة الثانية، تخيل أن مهمتك هي تقصي ما إن كانت أفكارك تلك حقيقية أو مناسبة. في المرحلة الثالثة، تصور أن أفكارك أشبه بأصوات تنم عن مشاجرة بين أطفال الصف الأول الابتدائي. جرِّب هذا بدافع الفضول والمتعة، ولا تفعل شيئا عدا مراقبة أفكارك.

قد تحس بأنك لا إراديا تنساق وراء أفكارك في المرحلة الثانية، قد تزداد حدتها، وقد تفقد تركيزك في مضمونها، وتتنازع مع عقلك.

وفي المرحلة الثالثة، قد تلاحظ تدفق أفكارك بشكلٍ عام وربما يبدو لك بأن ما تحمله هذه الأفكار من مضمون أقل أهمية من ذي قبل. وستشعر بأنك بعيد عن أي نزاع كان.

والذي يفسره هذا التفاوت هي الكيفية التي تضعف بها تمارين التجزئة الرابط بين الأفكار التلقائية والتصرف إزاءها. وكلما تمرنَّا أكثر، زادت قدرتنا على تقليل أثر مثل تلك الأفكار. عندما نتعلم مهارات التجزئة، سيغدو باستطاعتنا مسك زمام رغبتنا تلك التي تجر علينا نتائج عكسية وتسخيرها لتعلم توجيهها رويدا رويدا بالتجارب.

لتبدأ في تنمية مهارة التجزئة، إليك مجموعة من تمارينها شائعة الاستخدام. يُعدُّ أول تمرينين منها لبناء المهارة بشكل عام، أما البقية فهي مصممة لتحرير الأفكار المثيرة للمتاعب تحديدا. هذه هي تمارين التجزئة الأساسية. في أول أسبوعين، كرر كل واحد منها مرة في اليوم على الأقل. وإن أحسست في خضم ذلك بأنك عالق في شباك فكرة ما، استرح للحظات للتحرر منها.

من الطبيعي بل ومن المفيد أن تشعر بالحرية وبمساحة ما عقبَ التمرين بدقائق، لكن مع ذلك، كن حذرًا؛ قد يحاول دماغك إقناعك بأنك حللتَ مشكلاتك. لا تصدقه. إنه الديكتاتور الذي في داخلك يأتيك بفكرة أخرى خطيرة لإخماد تلك المشكلات فقط.

حتى وإن كنت جيدًا في تمارين التجزئة فإن عقلك سيواصل بث أفكار جديدة ستندمج معها على نحو طبيعي. على سبيل المثال قد تفكر بأنك أبرع الناس في تمارين التجزئة؛ لذا من المهم أن تظل متيقظًا لميولك هذا. إني أمارس هذه التمارين منذ ٣٠ عاما، بيد أني إلى اليوم أتدارك نفسي لئلا أقع في شرك أفكاري. في بعض الأحيان أتمكن من السيطرة على أفكاري بدون أي جهد، ولكن عندما أفشل ألجأ لأحد هذه التمارين مباشرة. وبالرغم من ذلك، ما زالت الأمور تنزلق من بين يدي أحيانا؛ هدفنا هو إحراز التقدم وليس الوصول للمثالية.

وهنا تحذيري الأخير: قد تبدو بعض هذه التمارين غريبة عليكم، بل وتافهة حتى. لكننا نحن البشر كائنات عجيبة! قم بها فقط بعدِّها ضربًا من ضروب التعاطف مع الذات.

  • التمرد عن قصد

دعوني أبدأ بتمرين قد يبدو معقدا بلا شك. ثقوا بي فقط. هل لكم بالوقوف وحمل هاتف، كتاب أو أي شيء بينما تمشون داخل الغرفة، وأنتم تقرؤون الجملة التالية عدة مرات بصوتٍ عال. نعم، رددوا هذه الجملة عدة مرات أثناء مشيكم.

موافقون؟ جاهزون؟ هيا قفوا الآن. امشوا. اقرؤوا. انطلقوا!

الجملة هي: “أنا لا أستطيع المشي في هذه الغرفة.”

استمروا في المشي! ببطئ ولكن كرروا هذه الجملة 5 أو 6 مرات أثناء المشي على الأقل. ” أنا لا أستطيع المشي في هذه الغرفة.”

الآن يمكنكم الجلوس مرة أخرى.

إنه أمر هين، أليس كذلك؟ إنها وكزة صغيرة في عين الديكتاتور الذي بداخل كل واحد منا؛ أي المستبد على جزء حل المشكلات في أدمغتنا والذي يقترح لنا حلولا لآلامنا النفسية باستمرار.

هذا التمرين أحد أبكر الاكتشافات المتعلقة بمهارة التجزئة، وحتى إن بَدَا تمرينا ساذجًا، إلا أنه يرفع نسبة التسامح مع الألم المستحث مخبريا مباشرة بنسبة تقارب 40% وذلك حسب ما أوضحه فريق بحث إيرلندي مؤخرًا عقب إجراء تجارب مختبرية. أظهرت الدراسة أن بإمكان الناس وضع أيديهم على طبقٍ شديد الحرارة ( حرارة لا تتسبب بالحروق ولكنها كافية لإحداث ألم حقيقي) لمدة أطول بنسبة 40% بعد لحظات قليلة من قول شيء بينما يفعلون عكسه تماما.

حتى أصغر دليل يمكنه أن يوضح لك أن قوة العقل المسيطرة عليك ما هي إلا وهم وأنك تستطيع منح نفسك المزيد من الحرية لتنجز أصعب الأعمال. يمكنك بسهولة اعتياد ممارسة هذا التمرين في حياتك. (أنا أفكر الآن، “لا يمكنني كتابة هذه الجملة” ولكنني في الحقيقة أكتبها).

  • أطلق على عقلك اسمًا وأنصت إليه باحترام

عندما نستمع لشخص آخر فإننا إما أن نتفق معه أو لا. أود منك أن تتخذ هذا الموقف مع صوتك الداخلي، لأننا في العادة لا نشعر بأن لدينا حق الموافقة أو الرفض في هذه الحالة. أظهرت الأبحاث أن تسمية عقلك- غير اسمك أنت- تساعدك بالفعل. ولكن لماذا؟ السبب وراء ذلك هو أنك سميت عقلك باسم غير اسمك وهذا ما يجعله شخصا مغايرا “لك” الآن.

أطلقت اسم (جورج) على عقلي. يمكنك أن تختار الأسم الذي تُفضله – حتى وإن كان السيد دماغ أو السيدة دماغ وسيفي ذلك بالغرض. رحب الآن بعقلك مستخدمًا اسمه الجديد كما لو عُرفت إليه في حفلةٍ ما. إن كنت تقرأ هذا المقال -في الباص أو القطار- وثمة أشخاص آخرون حولك، افعل ذلك بداخل رأسك.

  • قدِّر جهود عقلك

بينما تستمع لأفكارك ستلاحظ أن عقلك بدأ يثرثر، عليك أن تجيب عليه مثلا بـ: “شكرًا لفكرتك يا جورج – إنني أشكرك حقًا.” إذا تحدثت مع عقلك بصيغة الرفض، فإنه سيواصل في حل المشكلات، لذا يجب أن تكون صادقًا. قد تود أن تقول لعقلك أيضا: “إنني أتفهم سعيك لأنْ تكون ذا نفع لي، شكرًا لك، لكنني توليتُ هذا الأمر بنفسي بالفعل.” قلها بصوتٍ عال إذا كنت وحدك أو بداخلك إذا كنت مع الآخرين.

سيحاول عقلك الضغط عليك بفكرة كالتالي، “إنه أمرٌ مضحك – ذلك غير مُجدٍ” رد عليه قائلًا، ” جورج، شكرًا لهذه الفكرة – إنني أقدرجهدك.” قد تسأله أيضًا ” هل لديك شيء آخر لتقوله؟”

  • تغنى به

لهذا الأسلوب تأثير قوي عندما تلتصق فكرةً ما بداخل عقلك كالغراء. حول الفكرة التي تجول في عقلك إلى جملة مفيدة وحاول غناءها– كررها بصوت عال إن كنت بمفردك أو رددها في ذهنك إن كنت برفقة أحدهم. لا تقلق بشأن الكلمات أو القافية لأنك لا تقدم عرضًا في برنامج مواهب أمريكا! ردد أفكارك فقط كما يحلو لك بأي لحن.

ابحث الآن عن فكرة تزعجك، وحاول تطبيق هذا التمرين. جرب مختلف الألحان عليها أو غير سرعة غنائها. كيف يمكنك معرفة ما إذا كنت قد “نجحت”؟ لا يتعلق الأمر باختفاء الفكرة أو أن تغدو غير قابلة للتصديق، بل رؤيتها بوضوحٍ أكثر من بقية الأفكار.

  • احملها معك

دون أفكارك المعقدة وغير المحببة على قصاصة من الورق. من الممكن أن تكون “أنا أحمق” أو “لست محبوبًا” أو “سأفشل.” بعد أن تفرغ من الكتابة، ارفع الورقة وانظر إليها كما لو أنها ورقة ثمينة مقتطعة من مخطوطة قديمة. هذه الكلمات هي صدى تاريخك.

عليك أن تسأل نفسك إن كان بإمكانك أن تفخر بوجود مثل تلك القصاصة ضمن تاريخك، حتى إن بدت لك هذه الفكرة مؤلمة. إذا كان جوابك “أجل،” فضع هذه الورقة في جيبك، أو المحفظة أو حتى الحقيبة واتركها تصاحبك لك في رحلتك. قد تربت على محفظتك أو حقيبتك (أو المكان التي تحفظ قصاصتك الورقية فيه) خلال الأيام التي تحملها معك لتقر بأنها جزء لا يتجزأ من رحلتك وترحب بها طول الطريق.

وبممارسة هذه التمارين، يمكنك البدء بإحالة الأفكار غير المجدية والتي أبعدتك عن الطريق لسنوات. قد نستفيد بشكل كبير إذا تعاملنا مع صوتنا الداخلي على أنه مستشارنا عوض كونه ديكتاتورا؛ وسندرك بأن عقولنا ليست خطيرة ما دمنا لا نسمح لها بالسيطرة على تصرفاتنا؛ فهي بلا شك سلاح ذو حدين.


بقلم: ستيفن سي هايز | ترجمة: فريق ترجمات كلمة | تدقيق: آلاء الراشدية | المصدر 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى