العلوم الاجتماعيةفنون

كيف تساعدنا أفلام أسـتـوديـو غيـبـلـي في إعادة اكتشاف دهشة الطفولة الأولى عبر علاقتنا بالطبيعة

إن للأفلام ذات السرد الهادف المتمحور حول الطبيعة القدرةَ على أن تغيّر من فكرنا وتوطّد علاقتنا بالطبيعة بطرق لا يمكن للبحوث العلمية أن تفعلها؛ فعلى سبيل المثال، تروي أفلام أستوديو غيبلي – وهو أستوديو أفلام ياباني مشهور شارك في تأسيسه رسام الرسوم المتحركة Hayao Miyazaki– قصصاً مرئيةً معقدة عن علاقة الإنسان بالطبيعة التي تتخطى حواجز الثقافة أو العمر. تتمحور أعمال ميازاكي حول فكرة احترام الطبيعة– أو مواجهة الدمار الذي خلفناه.
تمنح أفلام ميازاكي للمشاهد لحظات من الهروب إلى عوالم الخيال، بينما تعكس في ذات الوقت مشاكل معاصرة بصورة توضح إمكانية تصوير القضايا البيئية الشائكة من خلال الرسوم المتحركة وبطريقة تحافظ على الإقبال العام.

كعالمة في مجال الحفظ البيئي ومحبة لأفلام أستوديو غيبلي، حللتُ الموضوعات البيئية في ثلاثة من أكثر أفلامه صيتاً:
Nausicaä of the Valley of the Wind (1984)، و My Neighbour Totoro (1988(، و Princess Mononoke (1997).

Nausicaä (ناوسيكا)
أُنتج فيلم Nausicaä of the Valley of the Wind بتوصية خاصة من الصندوق العالمي للحياة البرية للطبيعة، حيثُ تدور أحداثه حول نهاية الحضارة البشرية وانتشار الفوضى في الأنظمة البيئية العالمية، ويتوجب على الناجين التعايش جنبا إلى جنب مع الغابة السامة، وهي منطقة خطرة مليئة بالفطريات السامة. يخافُ معظم الناس من الغابة السامة ويسعون إلى إبادتها، ولكن ما لا يفهمونه هو إنها تطهّر البيئة من أجل منفعتهم.

صمم ميازاكي الفيلم لينقل صورة عن مجتمعنا، حيثُ من المتوقع أن يؤدي اختيار النمو المادي قصير المدى على حساب الاستدامة البيئية طويلة المدى إلى الهلاك. يُذكّرنا الفيلم بأن معركتنا مع الطبيعة ستنتهي كلياً بانتهائنا، ولكي نصنع مستقبلا مُستداماً، لا بد منا أن نعمل مع الطبيعة وليس خلافها.

My Neighbor Totoro (جاري توتورو)
في فيلم My Neighbor Totoro، تنتقل شقيقتان صبيتان للعيش في منزلٍ ريفي مع والدهما بينما ترقد والدتهما في المستشفى لتستعيد عافيتها من المرض، تستكشف الفتاتان منزلهما الجديد والغابة المجاورة وتكوّنان صداقة مع مخلوقٍ ضخمٍ يعيش في الغابة يدعى توتورو.

A drawing of a large fluffy creature with a small girl playing on its stomach
تصويري لـ Totoro (روح الغابة) ، كما هو موضح في My Neighbor Totoro.

خلال فترات الحجر في المملكة المتحدة، أصبحت المساحات الخضراء المحلية ملاذًا لصحتي النفسية يذكرني بعلاقتي الجوهرية مع الطبيعة والناس. وعندما رأيتُ الأطفال يقضون وقتًا أطول في اللعب على العشب أو تسلق الأشجار، أدركتُ أهمية وقت اللعب المستقل في الطبيعة؛ في الواقع، تشيرُ مجموعة متزايدة من research إلى أن تفاعل الأطفال مع العالم من حولهم له عظيم الأثر على صحتهم وسلامتهم.

في فيلم ميازاكي، تصبح الأختان الصغيرتان صديقتا توتورو، بينما تستكشفان مُحيطهما وارتباطهما الذي يكبر شيئًا فشيئًا بالبيئة المحيطة بهما. يجسدُ توتورو شخصية الأم الدافئة والحاضنة، مؤكداً ومشجعاً على أهمية الأثر الشفائي للتواصل مع الطبيعة: والذي أرستّه مجالات البحث والثقافة.

Princess Mononoke (الأميرة مونونوكي)

تدور أحداث فيلم Princess Mononoke في اليابان في القرن الرابع عشر، في عالم تؤدي فيه المعركة المستمرة بين البشر وأرواح غابة الكامي إلى وقوع ضحايا في كلا الطرفين. وفي الشينتو – وهي ديانة يابانية تقليدية – تعتبر هذه الأرواح (الكامي) جزءاً من الطبيعة، ولكنها ليست بالأرواح السهلة؛ فعندما يرفض البشر احترام بيئتهم، يمكنها اللجوء إلى الانتقام.
وأقوى كامي في الفيلم هو روحُ الغابة (Shishigami)، وهو مخلوق ليس بطيب وليس بشرير، ولكنه يمثل قوة الطبيعة النقية. يظهر الشيشيجامي خلال النهار على هيئة حيوان الأيّل، وعند حلول الليل، يتحول إلى متجول ليلي مخيف (سائر الليل). يمثل هذا التحول ازدواجية الطبيعة كجالبة للحياة والموت، مؤكداً قدرة الطبيعة الهائلة على ازدهار البشرية وهلاكها معاً.

A
تصويري لـ Shishigami و Night Walker ، وجهان لعملة واحدة.

على حدٍّ سواء، فإن الشخصية التي تلعب دور الشرير في الفيلم، السيدة إيبوشي، ليست في الحقيقة شخصية شريرة واضحة المعالم، على الرغم من أنها تبتغي قطع أشجار الغابة لإطعام مناجم الحديد، فهي أيضًا الزعيمة الكريمة والرائعة لمدينة آيرون تاون (مدينة الحديد)، التي توفر ملاذًا للمنبوذين الاجتماعيين وتعتمد المساواة بين الجنسين. وعلى الرغم من رغبتها في بناء مجتمع أفضل، فحتماً ستسوق أفعالُها الغابةَ ومنازلَ الكامي إلى الهلاك، بغض النظر عن حسن نواياها.
إن هذا الوضع هو نموذج مصغر لقضايا العدالة البيئية التي تحدث في أنحاء العالم، حيث يعاني الفقراء والفئات المهمشة، بما في ذلك السكان الأصليون والنساء، من تصرفات الأثرياء. على وجه الخصوص، وعلى الرغم من أن البلدان الثرية تساهم بأكبر قدر في تغير المناخ، إلا أن البلدان الأكثر فقراً هي التي تتحمل أكبر الأعباء المتعلقة بالمناخ.

كمشاهدين، يشجعنا الفيلم بأن نتخطى ازدواجية فكرة ” نحن ضد هم”، وهي فكرة تسمح للمجموعات التي تتمتع بقدر أكبر من القوة من إبعاد نفسها عن تلك الأضعف منها، وقد يصل الحال إلى إقصائها بصورة غير إنسانية نهائيًا.
تعتبر أعمال ميازاكي درساً في البحث عن القواسم المشتركة المتأصلة – ما الذي يربطنا عوضاً عن ما الذي يفرّق بيننا – والاستفادة منها لتصور مجتمعات أكثر عدلاً ومساواة تعيشُ في وئامٍ مع الطبيعة.


بقلم : يوان بان | ترجمة: سميرة المخمرية | تدقيق: منال الندابية | المصدر

 

سميرة المخمرية

مترجمة ومحبة للقراءة والمعرفة وتعلم اللغات والثقافات ولطيفة بعض الشيء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى