الطب والصحةالعلوم التطبيقية

نَعم، ما زِلنا بحاجةٍ لتقليل استهلاكنا من اللحوم الحمراء والمُصَنَّعة

الإكثارُ من تناول اللحوم الحمراء يزيد من خطر الإصابة بالسرطان وعددٍ من الأمراضِ المُزمِنَة. Sailing Gypsy/Shutterstock

تَتَحقَّقُ هذه الأبحاث من الدراسات حديثة النشر، وكيف تُذكر في وسائل الإعلام. ويُحللها أكاديميٌ واحدٌ أو أكثر من غيرِ المشاركين في الدراسة، ويُراجعها غيرهم للتَّأكدِ من صِحَّتِها.

بالنَّظرِ إلى بعضِ عناوين وسائل الإعلام خلال هذا الأسبوع، فإنَّه من الطبيعي الاعتِقاد بأنَّ الباحثين والأطباء والإرشادات الغذائية الأسترالية مُخطِئون تمامًا فِيما يتعلَّقُ بتناولِ اللحوم الحمراء والمصنَّعة:

لكن هذه ليست القضية.

إنَّ الصندوق العالمي لأبحاث السرطان يُقيّم الأدِلَّة باستمرار. فلتقليل خطر الإصابة بسرطان الأمعاء، يُنصح بالحد من الاستهلاك الأسبوعي للحوم الحمراء المطبوخة غير المصنَّعة إلى 350-500 غرام. أما بالنسبة للحوم المصنَّعة، فيُنصح بتناول القليل جدًّا منها.

يَتوافقُ هذا مع النصائح الواردة في الإرشادات الغذائية الأسترالية لتقليل خطر الإصابة بالأمراضِ المُزمِنَة، مثل أمراض القلب، والسكري من النوع الثاني، وبعض أنواع السرطان.

إذن، لم كل هذه العناوين الرئيسية؟

تأتي تغطية هذا الأسبوع من أربع مراجعات منهجية نُشِرت في مجلة Annals of Internal Medicine. نظرت المراجعات الأربع في خطر الإصابة بأمراض القلب، والسكري من النوع الثاني، وبعض أنواع السرطان، والوفاة (خلال فترة المتابعة) بين أولئك الذين يستهلكون كميات كبيرة من اللحوم الحمراء والمصنَّعة والذين يستهلكون كميات أقل.

ونَشر الكُتَّاب أيضًا توصيات تنص على أنه لا يجب على الناس تغيير عاداتهم الغذائية في تناول اللحوم، مما يعني أنه لا ينبغي لهم التقليل من اللحوم. وفي هذا معارضة مباشرة للإرشادات الدولية والقومية.

لنلقِ نظرة فاحصة على ما تقوله الأدلة وكيف توصَّل الكُتَّاب إلى استنتاجاتهم.

المراجعة 1: أمراض القلب، والسكري، والسرطان

نظرت هذه المراجعة المنهجية المكونة من 105 دراسات موجودة في العلاقة بين الاستهلاك المرتفع والمنخفض من اللحوم الحمراء والمصنَّعة معًا، ومعدلات الوفاة أثناء متابعة الدراسة، والإصابة بأمراض القلب والسكري والسرطان.

عندما جمع الكُتَّاب البيانات من جميع الدراسات، وجدوا أن تناول كميات أقل من اللحوم الحمراء والمصنَّعة كان مرتبطًا بمخاطر نسبية أقل بكثير للعديد من الحالات، على الرغم من أن المخاطر المطلقة كانت قليلة.

يُقارن الخطر النسبي معدلات المرض لدى مجموعة واحدة (آكلي اللحوم بكثرة) بمجموعة أخرى (آكلي اللحوم بكميات قليلة)، بينما يأخذ الخطر المطلق في الاعتبار مدى شيوع المرض أو احتمالية الوفاة من الحالة في المقام الأول.

ومقارنةً بالأشخاص الذين تناولوا أكبر كمية من اللحوم الحمراء والمصنَّعة، كان الأشخاص الذين تناولوا كميات أقلَّ:

  •       24% أقل عرضة للإصابة بالسكري من النوع 2.
  •       14% أقل عرضة للوفاة من أمراض القلب.
  •       قلَّت احتمالية وفاتهم من أي سبب بنسبة 13%.
  •       قلَّت احتمالية إصابتهم بالسكتة الدماغية غير المميتة بنسبة 15%.

المراجعة 2: السرطان

فحصت هذه المراجعة العلاقة بين استهلاك اللحوم الحمراء والمصنَّعة، وحالات الإصابة بالسرطان والوفاة. وشملت 118 دراسةً من 56 مجموعة من الأشخاص.

نَظَرَت هذه المراجعة في البيانات بطريقة مختلفةٍ قليلًا. فقد قُيِّمَ الخطر بناءً على تقليل تناول اللحوم إلى ثلاث حصص في الأسبوع. وعُيِّنَ هذا المستوى من الاستهلاك بناءً على استنتاج الكُتَّاب أنَّه من غير المحتمل أن يُقَلِّلَ الناس من استهلاكهم إلى ما دون هذا المستوى. ولكن من غير الواضح بالضبط ما مقدار اللحوم التي يستهلكها الأشخاص الذين “يتناولون كميات كبيرة”.

وأشارت النتائج إلى أنَّ تناول كميات أقل من اللحوم الحمراء كان مرتبطًا بانخفاض خطر الوفاة من أي سبب بنسبة 7% مقارنةً بالأشخاص الذين تناولوا كميات أكبر. أما بالنسبة للحوم المصنَّعة، فكان هناك انخفاض في خطر الوفاة من أي نوع من السرطان بنسبة 8% وانخفاض في خطر الوفاة بسرطان البروستاتا بنسبة 23%.

المراجعة 3: أمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري من النوع الثاني

فحصت هذه المراجعة المنهجية العلاقة بين اللحوم الحمراء والمصنَّعة، وانخفاض متوسط العمر المتوقع وأمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري من النوع الثاني. كانت هناك 61 دراسةً على 55 جماعة من الناس.

كما نظرت هذه المراجعة أيضًا في المخاطر الصحية، حيث تناولت مجموعة الاستهلاك المنخفض من اللحوم ثلاث حصصٍ في الأسبوع.

من الأفضل الحد من تناول اللحوم المصنَّعة بقدر المستطاع. MSPhotographic/Shutterstock

بالنسبة للاستهلاك المنخفض من اللحوم الحمراء، كان هناك انخفاض في الخطر النسبي للوفاة من أي سبب بنسبة 7%، وانخفاض في خطر الوفاة من أمراض القلب بنسبة 10%، وانخفاض في خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 6%، وانخفاض خطر الإصابة بالنوبة القلبية بنسبة 7%، وانخفاض خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني بنسبة 10%.

أما بالنسبة للحوم المصنَّعة، فقد ارتبط الاستهلاك المنخفض لها بانخفاض في خطر الوفاة من أي سبب بنسبة 8%، وانخفاض خطر الوفاة بأمراض القلب بنسبة 10%، وانخفاض خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 6%، وانخفاض خطر الإصابة بالنوبة القلبية بنسبة 6%، وانخفاض خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني بنسبة 22%.

المراجعة 4: الاستهلاك المنخفض مقابل الاستهلاك المرتفع في التجارب العشوائية

قيَّمت هذه المراجعة أَثر الاستهلاك المنخفض للحوم الحمراء مقابل المرتفع في الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والسكري ونتائج السرطان في 12 تجربة عشوائية.

إنَّ التجارب العشوائية نوع من الدراسة التي تُعطى فيها مجموعة واحدة علاجًا أو تدخلًا عشوائيًا، بينما يُجرى على المجموعة الأخرى تدخل مختلف أو لا شيء على الإطلاق، أو تُقَّدم لها الرعاية أو النصيحة الصحية المعتادة.

عندما حدَّد الباحثون 12 تجربةً مؤهلة، وجدوا بأنها متنوعة للغاية، وتتراوح ما بين متابعة 32 مشاركًا فقط لمدة عام واحد إلى متابعة ما يزيد عن 48000 امرأةٍ على مدى 8 أعوام. مما يجعل نتائج المراجعة بلا معنى تقريبًا.

انتهى الأمر بأن تكون التوصية قائمةً بالدرجة الأولى على التجربة الكبيرة المكونة من نساء بعد انقطاع  الطمث نُصِحن باتِّباع نظام غذائي قليل الدهون. لم يجد الكُتَّاب أي اختلافٍ في النتائج الصحية عندما قارنوا بين مجموعة النساء اللاتي تناولن اللحوم الحمراء والمصنَّعة معًا في نظام غذائي قليل الدهون والمجموعة التي تلقت الرعاية الصحية المعتادة.

ما المشكلة؟

تشمل الدراسات عددًا من أوجه القصور.

أولًا، لم تُفصل اللحوم الحمراء والمصنَّعة باستمرار خلال المراجعات. هذه مشكلة؛ لأنَّ الأبحاث تُظهر أنَّ تناول اللحوم المصنَّعة بكميات قليلة للغاية يزيد من خطر المشكلات الصحية. أما بالنسبة للحوم الحمراء، فإنَّ المشكلات الصحية لم ترتفع حتى حد معين. لهذا لا يمكن إدراج اللحوم الحمراء والمصنَّعة تحت المجموعة الغذائية ذاتها.

ثانيًا، قَرَّرَ الباحثون استبعاد دراسة الأتراب (حيث يُراقَب المشاركون بمرور الوقت دون أي تدخل محدد) بعدد يقل عن 1000 مشاركًا. وهذا يعني أن بعض الدراسات الكبيرة إلى حد ما ستُستبعد، مما قد يُغير النتائج.

نعم، ما زلتَ بحاجة إلى وضع حد لتناول السجق المشوية. Encierro/Shutterstock

ثالثًا، عند التحدث عن الانخفاض الطفيف في الخطر المطلق، لا يُقر الباحثون بالتأثير المحتمل على مستوى السكان.

ففي هذه الدراسات، كان الفرق في العدد الفعلي للأمراض المُشخَّصة أو الوفيات صغيرًا نسبيًا بين الأشخاص الذين يستهلكون كمية أقل من اللحوم مقارنة بذوي الاستهلاك المرتفع. ويتراوح هذا الاختلاف بين ثلاثة أشخاص أقل لكل 1000 شخص مصاب بالسكتة الدماغية و15 شخص أقل لكل 1000 شخص توفوا من أي سبب.

لكن يمكن أن يُترجَم الانخفاض الطفيف في الأمراض على مستوى السكان إلى آلاف الأشخاص الذين لا يعانون من حالة صحية معينة مع مرور الوقت.

وأخيرًا، لا يُقدِّم الكُتَّاب رسومًا بيانيةً كاملة تسمى المخططات الغابية Forest Plots للسماح لنا برؤية مدى تأثير الدراسات الفردية على النتائج الإجمالية. وهذا سيُظهر ما إذا كان للدراسات جميعها التأثير نفسه تقريبًا، أو إذا ما كانت النتائج عائدة إلى دراسة واحدة أو دراستين معينتين فقط.

كيف توصَّلوا إلى استنتاجاتهم؟

وفي حين استخدم كُتَّاب هذه المراجعات بيانات مشابهة لمراجعات دولية أخرى، مثل تلك التي أجراها الصندوق العالمي لأبحاث السرطان، إلا أنَّ هناك اختلافًا كبيرًا في كيفية تفسير النتائج.

استخدم الباحثون نهجًا صارمًا للغاية لتقييم جودة الأدلة. وأدى هذا إلى انخفاض تصنيف كل نتيجة إلى أدلة ذات جودة”منخفضة” أو “منخفضة جدًّا”.

وبناءً على تقييمهم للأدلة، نَصح الكُتَّاب البالغين بمواصلة استهلاكهم الحالي من اللحوم المصنَّعة وغير المصنَّعة، التي وصفوها بأنها “توصية ضعيفة” بـ”أدلة ذات جودة منخفضة”.

وبينما يُشكِّك الكُتَّاب في صحة دراسات الأتراب الرقابية، فالحقيقة أنَّ التجارب العشوائية الخاضعة للمراقبة طويلة الأجل ستكون مستحيلة ومن غير الأخلاقي إجراؤها. فلا تستطيع تكليف أعداد كبيرة من الناس باتباع نظام غذائي غني باللحوم الحمراء والمصنَّعة لمدى الحياة مقابل نظام غذائي منخفض اللحوم، ومن ثم الانتظار لمدة تتراوح من 10 إلى 20 عام أو أكثر لمعرفة الأمراض التي يصابون بها وممَّا توفوا.

إنَّ اتباع الأنظمة الغذائية السيئة هي المساهم الرئيسي في الإصابة بالأمراض المزمنة، لذلك لا بد من معالجتها بسياسات الصحة الوقائية. فإذا أكل جميع الأستراليين بالطريقة التي يُنصح بها في الإرشادات الغذائية الحالية، فمن المتوقع أن ينخفض معدل الإصابة بأمراض القلب بنسبة 62% بالإضافة إلى انخفاض الإصابة بالسكري من النوع الثاني بنسبة 41% وانخفاض حالات الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 34% وانخفاض حالات الإصابة بسرطان الأمعاء بنسبة 22%. – كلير كولينز

تعليقات الزملاء المحايدين

إنَّ هذا نقد منطقي لهذه المراجعات، وقد توصّل إلى حقيقة أنَّ المنهجية المستخدمة لتقييم الدراسات صَنَّفت تلقائيًا نتائج تجارب الأتراب على أنها منخفضة أو غير مؤكدة. وهذا يتجاهل حقيقة أنَّ دراسات الأتراب الكبيرة طويلة الأجل التي أُجريت جيدًا وتضم أكثر من ستة ملايين شخص قد أسفرت عن بيانات قيِّمة عن الأنماط الغذائية والصحة.

وتشمل الانتقادات العديدة للمراجعات أنَّ الكُتَّاب:

  •     حذفوا بعض الدراسات ورفضوا دراسات أخرى، مثل Lyon Heart Study؛ لأن نتائجها بدت جيدة للغاية بحيث يصعُب تصديقها.
  •       استبعدوا دراسات تُقارن الأنظمة الغذائية النباتية بتلك التي تحتوي على اللحوم.
  •       تجاهلوا العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تؤثر على اختيار الأطعمة.
  •       تجاهلوا حقيقة أنَّه لا يمكن الحكم على أي نظام غذائي بناءً على نوع واحد من الطعام.

واستند جزء من التوصية إلى أطروحتهم التي وجدت أنَّ معظم آكلي اللحوم كانوا مترددين في التقليل من تناول اللحوم وشككوا في قدرتهم على تحضير وجبات خالية من اللحوم.

لم توافق اللجنة المُعينة ذاتيًا التي قامت بهذه المراجعات على النتائج، حيث أوصى ثلاثة من أصل 14 بالتقليل من اللحوم الحمراء والمصنَّعة. ومن المثير للاهتمام أنَّ اثنين فقط من أصل 14 استهلكا شخصيًا كمية أكبر من اللحوم الحمراء الموصى بها في معظم الإرشادات الغذائية.

ورفضت دراسة سابقة أعدها بعض الكُتَّاب ذاتهم الإرشادات التي تُوصي بالتقليل من استهلاك السكر. وبهذه المناسبة، فقد صرَّح أربعة من الكُتَّاب الخمسة أنَّ المعهد الدولي لعلوم الحياة قد موَّلهم خلال أبحاثهم، وهي مجموعة ضغط رائدة لشركات الأغذية المصنَّعة. – روزماري ستانتون


بقلم: كلير كولنز | ترجمة: نورة الدريهم | تدقيق: مريم الريامية | المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى