هل ستحل الروبوتات محل الكتّاب مستقبلًا وتنتزع منهم وظيفتهم في نهاية المطاف؟ هل سنرى الحواسيب تكتب أعظم الروايات الأمريكية القادمة؟ ربما لا، على الأقل ليس في وقت قريب. على مدار العقد الماضي أو نحوه، تطور الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد. وأصبح يؤثر على عالم الكتابة بطرق مثيرة للاهتمام.
ما هو الذكاء الاصطناعي على أي حال؟
تتمثل فكرة الذكاء الاصطناعي في تعلم الآلة وتكييفها، فبدلًا من برمجتها بالتفاصيل الدقيقة التي تحتاجها لتأدية مهام معينة، فإنها مبرمجة بطريقة تسمح لها بالتعلم من تجاربها مثل ما يفعل الناس. ليس هناك تعريف موحد للذكاء الاصطناعي ولكن موقع ZDnet في تصريحه يلخص بعضا من المزايا التي تتميز بها أنظمة الذكاء الاصطناعي:
“وعادة ما تُظهِر أنظمة الذكاء الاصطناعي بعض من السلوكيات التالية المرتبطة بالذكاء البشري مثل: التخطيط والتعلم والتفكير وحل المشكلات وتمثيل المعرفة والإدراك والحركة والتأثير وربما لدرجة أقل الإبداع والذكاء الاجتماعي”
وفيما يلي 6 أوجه رئيسية يظهر من خلالها كيف سيغير الذكاء الاصطناعي عمليتي القراءة والكتابة:
1. الترجمة من لغة إلى أخرى
في الماضي، إذا كنت ترغب في ترجمة نص ما من لغة إلى أخرى –لنقل على سبيل المثال من الإنجليزية إلى الأسبانية- فإنك بحاجة للبحث عن شخص يجيد التحدث بكلتا اللغتين. وقبل 10 سنوات، كان بإمكانك استخدام خدمة مثل ترجمة جوجل التي كانت أساسًا تمرر الكلمة ومقابلها باللغة الأخرى من خلال قاموس إنجليزي أسباني وتظهر لك نتائج مشكوك فيها أو في بعض الأحيان نتائج مضحكة.
وفي عام 2016م، تطورت خدمة ترجمة جوجل بشكل كبير، وبدلًا من أن تترجم كلمة بكلمة، فقد أصبحت تترجم عبارات أو جمل بدقة كبيرة وذلك من خلال نظام الذكاء الاصطناعي. كما أنها اخترعت لغتها الخاصة بالمساعدة. ويمكن للكتاب اليوم ترجمة كتبهم بالكامل مجانًا إلى لغة أخرى.
ملاحظة: أنا لا أنصح بالقيام بذلك، إلا إذا كان لديك مترجم متحدث أصلي باللغة يقوم بعمليتي التدقيق والمراجعة الدقيقة والمكثفة !
ومع تطور التكنولوجيا على مدى السنوات القادمة بشكل أكبر، فقد يكون هذا الخبر مفرح بالنسبة للناشرين والمؤلفين المستقلین ، ولكنه خبر مقلق بالنسبة للمترجمين المحترفين.
2. التدقيق اللغوي والمراجعة الآلية
ربما اعتدت على رؤية الخطوط الحمراء المتعرجة في Microsoft Word أو غيرها من برامج معالجة النصوص والتي تشير إلى الأخطاء المطبعية أو اللغوية. ومع ذلك توجد العديد من الأدوات التي يمكن أن تقدم ما هو أبعد من مجرد اكتشاف أخطائك المطبعية. وعلى سبيل المثال: يستخدم برنامج مثل Grammarly الذكاء الاصطناعي للكشف عن العبارات المحشوة بالكلمات الزائدة واللغة الغامضة وملاحظة المبني للمجهول وبعض الأخطاء الصياغية وغيرها الكثير.
هذا خبر عظيم للكتاب، بالأخص الذين يكتبون بلغة أخرى غير لغتهم الأم والذين قد يحتاجون لمن يساعدهم فيما يعملون عليه سواء في كتابة المقالات أو منشور في مدونة، أو مجرد كتابة بريد إلكتروني مهم. وربما ذلك لن يكون خبرا جيدا بالنسبة للمحررين المحترفين، ولكن حتى الآن لا يوجد هناك أي أداة يمكنها مراجعة وتدقيق النصوص تدقيقًا جوهريًا بنفس الدقة والكفاءة التي يقدمها المحرر المحترف.
3. التحقق من السرقة الأدبية
تواجه الجامعات ودور النشر مشكلة كبيرة وهي إمكانية السرقة الأدبية. ويكفي إجراء بحث سريع لبضعة أسطر من المستند في Google لفضح مختلف أشكال السرقة الأدبية، فإذا كان الطالب أو الكاتب قد غير، مثلًا كلمة واحدة من كل 5 أسطر فإنه من الصعب جدًا الكشف عنها.
وعندما يتعلق الأمر بمقالات الطلاب، فربما تكون مسروقة من أعمال طلاب آخرين لم تنشر بعد بدلًا من مصادر نُشِرَت مسبقًا. وفي مثل هذه الحالة قد يكون من السهل الكشف عن السرقة الأدبية داخل مؤسسة واحدة، ولكن قد يتعذر ذلك إذا أخذ الطالب أو حتى اشترى عملًا من زميل له أو اشتراه من زميل في جامعة أخرى.
واليوم أصبح هناك العديد من الحلول التي تقوم بذلك مثل Turnitin والذي يقوم بمقارنة الأعمال المقدمة بتلك الموجودة في قاعدة بيانات ضخمة خاصة بالنظام حيث يقوم Turnitin بالإبلاغ عنها إذا كان هناك تطابق بين الأعمال المقدمة والمصادر المتوفرة.
ولكن أيضًا شاع استخدام الذكاء الاصطناعي كثيرًا في هذا المجال وذلك من خلال برنامج آلي التشغيل يستخدم الذكاء الاصطناعي ويسمى Emma Identity (سبق لموقع LifeHacker أن نشر عنها تقريرا) ويستخدم للكشف عن ملكية نص لكاتب ما. في حين تعتبر هذه أداة للتسلية الآن، فربما تستخدم مستقبلا لمكافحة الغش والسرقة الأدبية.
لكن الأمر الأكثر مدعاة للقلق أنه يمكن استخدام مثل هذه التقنية للكشف عن الكتّاب الذين يكتبون باسم موحد أو للكشف عن الهويات الحقيقية لبعض الكتاب الذين يكتبون في الإنترنت تحت أسماء مستعارة أو أسماء مزيفة.
4. البحث عبر الملفات الصوتية
على الرغم أنه أنتج الكثير والكثير من المحتوى المرئي والصوتي خلال العقد الماضي، إلا أن قنوات YouTube والبودكاست لم يقلصا حجم النصوص المتاحة على الإنترنت. وإن من أهم المزايا في النصوص هي إمكانية البحث فيها بسهولة في حين لا يمكن فعل ذلك في مقاطع الفيديو أو الصوت. فإذا كنت ترغب في البحث عن معلومة معينة أو التعمق في نقطة مثيرة للاهتمام فإن النصوص بالتأكيد هي الوسط الذي يجب أن تعمل عليه.
ومع ذلك، أصبح البحث في الملفات الصوتية ممكنًا اليوم من خلال قوة الذكاء الاصطناعي، حيث أصبح بإمكان أجهزة الكمبيوتر فك تشفير الصوت خذ مثالا على ذلك برنامجي Siri أو Alexa وأبعد من ذلك توجد تطبيقات عديدة مثل: Castbox.fm والذي يقدم نفسه على أنه “محرك البحث للصوتيات المنطوقة”.
ماذا يعني هذا للكتاب؟ ليس بالضرورة أن تكون هذه أنباء سيئة فربما تظهر هناك حاجة ملحة لأنواع جديدة من النصوص مثل نصوص التعليق في مقاطع الفيديو أو النصوص الملخصة للبودكاست. وبالإضافة إلى مساعدتها على البحث الصوتي، يمكن للذكاء الاصطناعي توفير تطبيقات أفضل للإملاء الصوتي مما يجعل إنشاء المحتوى المكتوب أسرع بكثير.
5. صياغة نصوص الأخبار العاجلة
قد تتساءل في هذه النقطة إذا كان من الممكن استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة، نعم … ولكنه لم يُستَعمَل في إنتاج محتوى أدبي مذهل حتى الآن. وعلى مدار العامين الماضيين، كتبت بعض النصوص الأخبارية العاجلة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وهناك سرد رائع على موقع Wired لإحدى التجارب شارحا عن إحدى الحالات التي أنشئ فيها نص إخباري بواسطة الذكاء الاصطناعي:
“وظهرت الأخبار بنفس الوضوح والحيوية التي يُعرَف بها مراسلو صحيفة بوست مع اختلاف رئيسي واحد وهو:أنها أنتجت بواسطة هيليو جراف، وهو برنامج آلي التشغيل (بوت) والذي ظهر لأول مرة على موقع بوست في العام الماضي وأبرز مدى تطور استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة حتى يومنا هذا.”
وأصبحت مزايا استخدام الذكاء الاصطناعي في وكالات ومواقع الأخبار واضحة جدًا: فإذا كان الذكاء الاصطناعي قادرا على صياغة خبر عاجل أو نص خبري فإن بإمكانه أيضًا أن يقوم بإعداد مقال وينشره بشكل فوري دون الحاجة لأن يكتب الإنسان كلمة واحدة.
وعلى الرغم من ذلك فإن هناك جانبا مظلما لاستخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال فلن تحل محل الصحفيين فحسب ولكنها يمكن أيضًا أن تؤدي إلى إنشاء محتوى ردئ الجودة تماما كالمحتوى الذي تولده مواقع توليد المحتوى Content Spinners لقاء أجر زهيد.
6. التأثير على القراء في شراء الكتب
تعتمد بعض متاجر بيع الكتب الكبيرة مثل أمازون على خوارزميات معقدة للتنبؤ بالكتب التي قد تثير اهتمام شخص ما استنادًا إلى ما اشتراه سابقًا. فإذا اشتريت كتابا في يوم من الأيام عبر أمازون، فأنا متأكد أنك قد رأيت ذلك فعليًا.
وبشكل عام ينظر إلى هذا أنه استخدام إيجابي للذكاء الاصطناعي إذ أنه من الممكن أن يساعد القراء على اكتشاف كتب ربما يستمتعون بقراءتها كما تساعد على اكتشاف المؤلفين وإبرازهم للقراء الذين لم يصادفوا أعمالهم من قبل.
وعلى الرغم من ذلك قد يعتبر ذلك أمرا سيئا ، فعلى سبيل المثال بالنسبة لمتاجر بيع الكتب المستقلة وأمناء المكتبات، فلماذا تستعين بخبير وتستشيره حول ما يمكن أن تقرأه إذا كانت الخوارزميات تستطيع أن تفعل ذلك؟!
وأيا كان ما تكتبه، فإن هناك فرصا كبيرة من أن يصبح الذكاء الاصطناعي جزءا من تجربتك الكتابية شيئًا فشيئًا مع مرور الوقت حتى ولو بالكاد لاحظت ذلك. ربما ستستخدم أداة مثل Grammarly على سبيل المثال أو ربما ستعتمد على برنامج للإملاء الصوتي لإنتاج محتوى بشكل سريع.
وأنت عزيزي القارئ، كيف تعتقد أن الذكاء الاصطناعي يغيّر من طرق الكتابة؟ هل تعتقد أنه إيجابي أو سلبي بالنسبة للكتاب والمحررين والناشرين والصحفيين؟
بقلم: علي هيل | ترجمة: شيخة الجساسية | تدقيق: حاتم العامري | المصدر