العلوم الاجتماعيةعلم النفس

النضجُ العقليُّ: كيف تشكِّلُ معتقداتُنا الخاصةُ نطاقَ تفكيرِنا ؟

مترجم عن اللغة الإنجليزية

“على مدى عشرين عامًا، أظهر بحثي أن النظرة التي تنظر فيها لنفسك تؤثر بشكل عميق على الطريقة التي تقود بها حياتك”

يمكننا أن نتفق جميعًا على أن الأنشطة المدرسية الهادفة تعزز فهم الطلاب للمحتوى الأكاديمي. لكن لماذا علينا التوقف عند هذه النقطة تحديدا؟ حيث أن تلك الأنشطة المدرسية الهادفة أيضًا تعلم الطلاب على مواجهة التحديات، وتمكنهم من التمتع بالجهد، والمرونة، بالإضافة إلى تحسين مهاراتهم الفردية. وبعبارة أخرى، يمكننا تصميم وتقديم واجبات تعليمية بطريقة تساعد الطلاب على تطوير عقلية النمو  لديهم، الأمر الذي لا يؤدي إلى تحقيق الإنجازات على المدى القصير فحسب، بل إلى النجاح على المدى الطويل أيضًا. هذا ما توصلت إليه نتائج عدة أبحاث مؤثرة أجرتها الكاتبة، ، كارول دويك، في كتابها “طريقة التفكير: السيكولوجية الجديدة للنجاح”، وهذا ما يميز ذلك الكتاب عن كتب التنمية الذاتية التي تزعم أنه إذا كنت ” تفكر بشكل إيجابي أكثر قليلاً”؛ فسترى النتائج العظيمة تتجلى أمامك.

 

خلال العقود الماضية، أجرت دويك وزملاؤها بحثًا يحدد طريقتين متميزتين ينظر فيهما الأفراد إلى الذكاء والتعلم. يعتقد الأفراد ذوو العقلية الثابتة أن ذكاءهم محدود القدر وهو ليس إلا مجرد سمة فطرية. في المقابل، يعتقد الأفراد الذين لديهم عقلية النمو أنهم يستطيعون تطوير ذكائهم مع مرور الوقت.

 

” كيف يمكن أن يؤدي أحد المعتقدات إلى كل هذا؛ حب التحدي، والإيمان بالجهد، والمرونة في مواجهة الانتكاسات، وأكثر النجاحات عظمة وإبداعا؟ “

 

على الرغم من أن فرضيات ونتائج أبحاث دوك تنطبقان بشكل واسع على أي هرم بشري ، فمن المحتمل أنهما ينطبقان بشكل أكثر وضوحاً على فئة الشباب. هذا لا يعني أنه يمكن تجاهل السلوكيات في مقابل الأفكار والمعتقدات بشكل أو بآخر. التغيير هو عملية متواصلة وهذا واحد من أكثر الجوانب احياءً للأمل والتي ذكرتها الباحثة في دراستها. وهذا التحول والتغيير في المعتقدات والمواقف يمكن أن يحدث في الواقع للجميع ولا يقتصر على فئة معينة.

تتيح مقدمة كتاب “طريقة التفكير: سيكولوجية النجاح الجديدة”   للقارئ فهم السلوك النرجسي للإنسان- الأنانية والغطرسة. الأمر لا يتعلق فقط بالشعور بـ “انعدام الأمان” ، ولكنها ضرورة متجذرة تؤكد على مكانة المرء الخاصة في العالم حيث ” العقلية الثابتة أو المحدودة”  تقود المرء إلى الاعتقاد بأن المرء هو أفضل من الآخرين من بني جنسه. إنها نوع من الإصرار على إثبات الذات. إن البحث المنهجي الذي قامت به دويك وزملاؤها يركز على الطلاب ، ومعظمهم من الشباب. إذ تهدف دويك  من خلال التركيز على فئة الشباب العمل على تغيير نظام التعليم لدينا ، وبالتالي الجيل القادم.

” العقلية الثابتة تقف في طريق التطوير والتغيير. تمثل عقلية النمو نقطة انطلاق للتغيير ، لكن الناس بحاجة لأن يقرروا لأنفسهم أين ستكون جهودهم نحو التغيير أكثر قيمة “

 

الاختلاف فی العقليات، أي بين العقلية الثابتة والعقلية النامية يحدث تغيرا في السلوك المدرسي. فمن ناحية عندما ينظر الطلاب لذكائهم على أنه ثابت فإنهم يثمنون ظهورهم بمظهر ذكي أكثر من أي شئ آخر. وقد يفوتون فرصا مهمة للتعلم حتى ولو كانت مهمة لنجاحهم الأكاديمي، تلك الفرص التي تتطلب منهم مخاطرة عبر إظهار عيوبهم لا سيما العيوب المرتبطة بمستوى الذكاء. في المقابل فإن الطلاب بعقلية نامية يعتبرون العمل ذو طابع التحدي كفرصة للتعلم والتطور.

لاحظت دويك، خلال أربعة عقود من البحث في اختلاف العقليات ، عندما واجه الطلاب الذين يمتلكون عقلية النمو صعوبات كثيرة بعد استلامهم للواقع، بدلاً من التفكير في أنهم فشلوا (كما فعل الطلاب ذوو العقلية الثابتة) ، قاموا بالإيحاء لأنفسهم بعد تجربة الفشل بعبارات مثل “أنا أحب التحدي” ، “الأخطاء هي أصدقاؤنا” ، و “كنت أتمنى أن يكون ما مررت به مفيدا لي !”. بينما الطلاب الذين لديهم عقلية ثابتة يحبون الركون للراحة وعمل المطلوب. وعند شعورهم ببذل مجهود فإنهم يتوقفون عن العمل لإيمانهم بأن قدراتهم لا تستطيع عمل أكثر من ذلك، إنهم يعتقدون أنه” إذا كان لديك القدرة ، يجب أن يأتي كل شيء بشكل طبيعي”. يخبروننا أنه عندما يضطرون للعمل بجد ، يشعرون بالغباء.

“نحب أن نفكر في أبطالنا ومن نحبهم  كأبطال خارقين ولدوا مختلفين عنا. لا نحب أن نفكر فيهم كأشخاص عاديين جعلوا من  أنفسهم استثنائيين “

 

يدرك الطلاب الذين يمتلكون عقلية النمو أنه حتى العباقرة عليهم أن يعملوا بجد لتطوير قدراتهم وتقديم مساهماتهم.  بينما يميل الطلاب الذين لديهم عقلية ثابتة إلى عدم التعامل مع النكسات بشكل جيد. ولأنهم يعتقدون أن النكسات تجعل ذكاءهم محط تساؤل ، فإنهم يصبحون محبطين أو دفاعيين عندما لا يؤدون أو لا يفهمون الأمور كما ينبغي. قد يسحبون بسرعة جهودهم ، يلومون الآخرين ، يكذبون حول درجاتهم ، أو يفكرون في الغش. من المرجح أن يستجيب الطلاب الذين لديهم عقلية نمو للعقبات الأولية من خلال المشاركة المتبادلة ، ومحاولة استراتيجيات جديدة ، واستخدام جميع الموارد المتاحة لهم للتعلم.

بعد إجراء سبع تجارب مع مئات الأطفال، ظهرت للباحثة بعض النتائج الواضحة بشكلٍ متفرد: إن مدح ذكاء الأطفال يضر بدوافعهم  و بأدائهم. كيف يمكن أن يكون هذا ؟ ألا يحب الأطفال الإشادة بهم؟ نعم، الأطفال يحبون الثناء. وهم يحبون الإشادة بذكائهم المتوقد ومواهبهم المتعددة بشكل مستمر، إذ يعطيهم دفعة معنوية قوية، وبريقًا خاصًا -لكن فقط في الوقت الحالي. في اللحظة التي يواجهون فيها  أي عقبة، تخرج ثقتهم من النافذة و يتدنى مستوى دافعيتهم إلى الحضيض. “إذا كان النجاح يعني أنها ذكية، فإن الفشل يعني أنها غبية. هذه هي العقلية الثابتة”.

إنها خطوة تصحيحية ضرورية للضغط المستمر الذي أحدثه الخبراء في التسعينات مشددين على أهمية مدح الأطفال. تركز أفكار الكاتبة على أن الأمر لايتعلق بکیل المديح، ولا حول جعل الطرف الآخر مميزا بطريقة ما. إنها تتعلق بالإشادة بالجهد والعمل الشاق ، وهما جزء من لغز النجاح الذي غالبًا ما يتم تجاهله تمامًا. في الواقع ، ألا يمكن القول أنه من البطولة أن تعمل “بجد” من أجل شيء أفضل من العمل بشكل “طبيعي ومعقول” طوال الوقت! داوم على تغذية أفكارك!


بقلم: تشاد بريفوست | ترجمة: مريم الغافرية | تدقيق: حاتم العامري | المصدر

مريم الغافري

مترجمة وكاتبة محتوى إعلامي. أترجم هنا في مختلف المجالات، والأدب شغفي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى