العلوم الاجتماعيةعلم الاجتماع

كيف نجحت فنانة من أوائل القرن العشرين رغم سخرية الناس من وزنها؟

مترجم من اللغة الإنجليزية

إنه لأمر شائع، وخصوصًا للنساء المشهورات اللاتي تسلط عليهن الأضواء أن يتعرضن للنقد بسبب أوزانهن، وفنانات مثل سارة هوكابي ساندرز ولينا دونهام وريهانا قد تحملن الكثير من الاستهزاء.

ويأخذنا فيلم إيمي شومر الذي أطلق مؤخرا “I Feel Pretty” في رحلة عن الدور المحوري للوزن والجاذبية الجسمانية في تقدير واحترام الذات. يوضح الفيلم أن السبيل الوحيد الذي يجعل المرأة ذات الوزن الزائد مرتاحة هو أن تكون مغميًا عليها من الذهول وتصحو مع شعور جديد بالثقة.

تتابع هذا الحراك ونفس الوتيرة تجددت على مدى عقود لسوء الحظ. ولكن كما أشرت في سيرة الحياة التي نشرتها مؤخرا “Red Hot Mama” والتي تحكي عن امرأة ذات وزن زائد اشتهرت في العشرينيات من القرن الماضي. إنها المغنية والفنانة الكوميدية صوفي تكر التی کانت في المقدمة تواجه حشود الناقدين لها مساندة ذاتها المفعمة.

أحلام المسرح الكبير

ولدت تكر في عام 1886 لأبوين يهوديين فيما يعرف اليوم بـ “أوكرانيا”، وكان اسمها عند الولادة “سونيا كاليش”، وفي بدايات القرن التاسع عشر قررت عائلتها الفرار إلى الولايات المتحدة بسبب اضطهاد اليهود في أوكرانيا. استقرت عائلتها في كونيتيكت بهارتفورد وأداروا مطعمًا يقدم أطعمة متوافقة مع الشريعة اليهودية (كوشر).

في طفولتها كانت تكر تستقبل زبائن المطعم وتسليهم بالغناء. إن أشهر فناني فن الفودفيل المسرحي ومغني فن الياديش مثل بيرثا كاليتش وجاكوب ادلر قد تناولوا الطعام واستمعوا لتكر في مطعم أسرتها، وقدموا لها نقدا ونصائح تخص أداءها وعروضها.

بينما كانت تكر تواصل شحذ موهبتها، قررت أن تصبح نجمة وعقدت العزم على الانتقال إلى نيويورك. تكر لم تكن كبقية النجوم الصاعدين من الشباب في وقتها؛ فهي في الثالثة عشر من العمر وتزن 145 باوندا، وكغالبية بنات الجالية اليهودية في مطلع القرن الماضي، اضطرت تكر في النهاية مذعنة للضغوط التي لازمت الفترة بالزواج، ومن بعدها الإنجاب وهي في مراهقتها المتأخرة. ومع ذلك شقت تكر طريقها لتصبح فنانة.

وحينما بلغت عمر العشرين تقريبًا، هجرت تاكر زوجها وطفلها، وانتقلت إلى نيويورك لتشق طريقها ببطء. يذكر أحد مدرائها أنها كانت “سمينة وقبيحة جدًا” ولا تصلح للاستعراض لوحدها. وكشأن العديد من الفنانين اليهود في ذلك العصر، بدأت تكر في عروض “Black Face” وهي عبارة عن نوع من العروض المسرحية التي يستخدم فيها نوع من المكياج لتصوير شخصية شخص أسود.

ومع مرور الوقت استحوذت على حب الجمهور، ثم لاحظها بعض الفنانين مثل فلورينزي زيجفيلد. وحينها أشاحت السواد عن وجهها، وبدأت حياة جديدة بأداء أحدث الأغاني لكاتب الأغنيات ذائع الصيت إيرفينغ برلين، وتمکنت من الحصول على فرص للمشاركة في عروض الفودافيل الرائدة تحت إشراف وكيل أعمالها، ويليام موريس.

“لا أرغب في خسارة الوزن”

کانت تكر غير راضية عن مظهرها في بادئ الأمر، لا سيما وهي سمع إشادة الجماهير بوسامة النجمات مثل ليليان لورين، مما دفع تكر للتساؤل ببساطة عما إذا كانت “الفتاة الضخمة ذات الصوت الكبير التي ما زالت على بعد أميال من تحقيق أي بصمة”.

بعدها أدركت تكر أنه بسبب أنها لم تكن جميلة بالأساس، يمكنها أن تفلت من ذلك الشعور بالمصارحة مع نفسها وتقبل الأمر، على الرغم من أن الأخريات قد لا يتحملن ذلك. في حين أن أحاديثها المتكررة كانت تتضمن حكايات فاحشة عن الجنس والرومانسية، فقد أضافت حكايات أخرى عن وزنها كما فعلت عندما  أعلنت في تسجيل لها في عام 1929 قائلة: “لا أريد أن أصبح نحيفة”.

“لا أريد أن أخسر وزني / الشباب يقولون عني أنني عظيمة / وحبيبي يحبني كما أنا”

عندما أصبح وزنها جزءًا لا يتجزأ من هويتها الغنائية، جعل ذلك شخصيات مشهورة أمثال إدي كانتو وجورج جيسيل وإد سوليفان يسخرون من عنادها ومن مقاس خصرها. على سبيل المثال أخبر جيسيل يوما الحضور قائلا: “إن تغطية صوفي يلزمه الكثير من الأغطية”.

تكر فعلت أكثر من مجرد محاولتها لتغيير مسار السخرية؛ فقد دفعت وشجعت النساء للدفاع عن أحجامهن.

في عام 1923، كتبت في صحيفة لوس أنجلس تايمز أنها كانت تأمل في تكوين نادٍ للنساء البدينات، موضحة أنها تريد مساعدة النساء “ليضحكن ويتناولن الطعام دون الشعور بتأنيب الضمير”. بالنسبة لتكر، كان أعضاء ناديها يُلزمون على القسم برؤية مدى جمال “الذقن السمين”. لقد كانت تكر حريصة أن يستحسن الرجال مقاسها.

“كل الرجال المتزوجين الذين يلاحقوني لديهم نساء نحيلات في المنزل”

وعلى غير العادة، مزجت تاكر ما بين الأمومة والإثارة، واستطاعت تاكر لأكثر من خمسة عقود البقاء في دائرة الضوء من خلال الانتقال إلى الفودفيل، والإذاعة، والأفلام، والملاهي، وشارع برودواي والتلفزيون. وفي عام 1952 كانت تمزح بشأن رغبتها بالترشح للرئاسة وتوزع النشرات والأزرار على الجمهور كأنها في حملة انتخابية مكتوب فيها “صوفي تاكر لرئاسة الدولة ” ووعدت أن تكون بطلة للنساء.

“الرجال يديرون الولايات المتحدة الأمريكية/ لسنوات وهم أصحاب الهيمنة/ وأعتقد أنها جريمة ولكننا بمرور الوقت نحن سنسير في طريقنا للوصول لغايتنا”.

لم تكن تاكر ذات خبرة في العلاقات؛ فقد تطلقت ثلاث مرات، وارتبطت متاعبها العاطفية على الأرجح بشهرتها لا بوزنها، فقد وجد الرجال صعوبة في مواكبة ومواجهة نجاحها وطموحها.

في حين استخدمت تاكر طلاقها كجزء من روتينها الكوميدي، لم تختفِ النكات بشكل عام عن “السيدة السمينة”، وفي عام 1963 أعلن بول مكارتني أن فرقة البيتلز يفضلون “صوفي تاكر”، في حين كانت شخصية تاكر لا تزال موضع سخرية حتى عندما كانت تبلغ من العمر 80 عامًا تقريبًا.

وعلى الرغم من تذبذب وزن توكر طوال حياتها، إلا أنها كانت لديها الشجاعة للدفاع عن خيارها في اختيار نوع جسمها، وهو موقف، -كما اتضح لاحقاً- بأن المزيد والمزيد من النساء اليوم يتبنونه.

بإمكاننا اليوم أن نسمع صدى صوت شبح صوفي تكر حينما ردت الممثلة درو باريمو على تعليق أحد المعجبين الساخرين قوله بأنها تنتظر مولودًا  قائلة: “أنا لست حاملًا، أنا سمينة”.

بقلم : لورين ريبيكا سكلاروف | المصدر

محمد السنيدي

معلم سعودي أترجم لنادي كلمة شغوف بالعلوم الاجتماعية ومهتم في الفلسفة وقارئ في التاريخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى