اعتمادنا على الأجهزة الرقمية قد يؤثر على النوم والذاكرة
في ظل انتشار الهواتف الذكية انتشارًا واسعًا، أعرب أولياء الأمور والمعلمون عن قلقهم بأنَّ نمط حياة أطفالهم المشبَّع بالتقنية قد يسبِّب لهم الضرر. وفي حين ما زالت الدراسات في هذه الشأن حديثة، إلا أنَّ فروعًا أخرى من البحوث قد تعطينا فكرةً عمّا قد نجده، فدراسات القلق والنوم والذاكرة تُظهر أنَّ التقنية الحديثة قد تؤثر في أدمغتنا وسلوكنا.
لا شيء سوى السرعة
تتطلَّب منَّا السرعة التي تتطوَّر بها التقنية الحديثة معالجة كمٍ أكبر من المعلومات أكثر من أيِّ وقتٍ مضى. ويتضاعف هذا التأثير عند استخدامنا لعدة أجهزةٍ في الوقت ذاته. حدَّة التحفيز هذه، مع السرعة التي تتطلبُّها معالجة المعلومات، تحدثان تأثيرات مختلفة على الجهاز العصبي.
يعمل هذا التحفيز على تفعيل نظام الاستجابة للتوتر في الجسم لنتمكَّن من التعامل مع الوضع معاملةً فاعلة، وقد تطور نظام الاستجابة في الإنسان ليساعده على التعامل مع مسبِّبات التوتر الآنية مثل مطاردة الحيوانات المفترسة له. ويعدُّ هذا النظام مفيدًا حين يكون مسبِّب التوتر قصير المدى، فبالنسبة لرياضيٍ على وشك الدخول في منافسة، أو لطالبٍ سيخضع لاختبار، أو لمحامٍ سيستجوب أحد الشهود، تعدُّ جرعة الأدرينالين والتركيز التي يزوّدنا بها نظام الاستجابة للتوتر مفيدةً لإتمام المهام بنجاح.
إلا أنَّ هناك أدلَّة متزايدة توضِّح أن تفعيل هذا النظام باستمرار يضرٌّ بصحتنا، فالاستجابة للتوتر يؤثر في وظائف مختلفة في أجسامنا، بدءًا من تخزين الطاقة وحتى نظام المناعة، وقد ينعكس التفعيل المستمر لهذا النظام على قابليتنا للتعرُّض إلى اضطرابات الأكل وأمراض المناعة الذاتية والاكتئاب وكذلك الإدمان.
وبالنظر إلى استمرارية التحفيز وسرعته الهائلة، فمن المحتمل أنَّ استخدمنا للتقنية يفعِّل نظام الاستجابة للتوتر. وإن كان الأمر كذلك، فقد تكون هذه الوسيلة الرئيسية التي تعمل التقنية من خلالها على تغيير وظائف أدمغتنا وسلوكنا.
لن تشعر بالسكينة دون أخذ قسطٍ من الرّاحة
يشكِّل النوم الوسيلة الثانية التي تُخِلُّ التقنية بها أدمغتنا وسلوكنا. ويؤثر الحرمان من النوم وانقطاعه، على الذاكرة والوظائف التنفيذية والمزاج. كما أنَّ الناس ينامون ساعاتٍ أقل بكثير مقارنةً بالسابق، ويتضِّح هذا جليًا في الأجيال الأصغر سنًا. وقد لوحظ أنَّ زيادة استخدام الحواسيب والهواتف خاصةً قبل موعد النوم ترتبط بزيادة انقطاع النوم؛ الأمر الذي يشير إلى أنَّ استخدام التقنية قد يساهم في المستويات الوبائية التي ينتشر بها الحرمان من النوم في مجتمعنا.
ولعلَّه من الصعوبة بمكان أن نشيح بأنظارنا عن مشاهدة الحلقة التالية أو ڤيديو يوتيوب أو من تصفُّح تحديثات فيسبوك ونُرغِم أنفسنا على النوم في حين أنَّ الإنترنت يعجُّ بالمعلومات ومصادر الترفيه اللامحدودة. ويمكن وصف الخبر الساخر الذي نشره موقع “The Onion” بالمضحك المبكي والذي حمل عنوان: “رجلٌ يصدِّق تمامًا بأنَّه سيخلد للنوم مكبرًا”
ذكرياتٌ مبعثرة هنا وهناك
إضافةً إلى التأثيرات غير المباشرة للتقنية على أدمغتنا من خلال النوم والقلق، فقد يكون لها تأثيرات أخرى مباشرة. فعلى سبيل المثال، تعدُّ الذاكرة العاملة مصدرًا محدودًا، والدِّقة التي تُخزَّن بها المعلومات تنخفض كلما ازداد حمل الذاكرة العاملة. لذلك فإنَّ توجُّهنا نحو استخدام تقنيات مختلفة في الوقت ذاته قد يؤثر على ذاكرتنا وقدرتنا على الانتباه.
وقد تكون سمتا السرعة والحدَّة التي يتَّسم بها نمط حياتنا التقنية مفيدتين، فمثلًا، تشير الدراسات إلى أنَّ التدرُّب على مهام الذاكرة العاملة، يحسِّن من قدرة الأشخاص على تركيز انتباههم، لذلك يمكن القول أنَّ التنقُّل بين تقنيةٍ وأخرى يساهم في تحسين قدرتنا على العمل في مهام متعدِّدة في الوقت ذاته.
لا يمكننا الجزم في الوقت الراهن ما إن كان لاستخدام الأجهزة الرقمية تأثيرًا سلبيًا أو إيجابيًا، فالتطوُّر الذي شهدته التقنيات الحديثة أسرع بكثير من أن يواكبه البحث في تأثيراتها، ولكن عليه أن يلحق بها قبل حدوث ما لا تُحمَد عُقبَاه.
بقلم: كليو كورن | ترجمة: بدور الجابرية | تدقيق: مريم الغافرية | المصدر
عن نفسي لما اريد انام بالليل افتح اليوتيوب وأنام.