قراءة في “نارنجة” جوخة الحارثية
عنوان الكتاب: نارنجة
مؤلف الكتاب: جوخة الحارثية
دار النشر: دار الآداب للنشر والتوزيع
سنة الطبعة: 2016
رقم الطبعة: الأولى
مقدمة: الدكتورة جوخة الحارثية كاتبة عمانية يُشار إليها بالبنان، لها عدة مؤلفات سابقة كـ”سيدات القمر” والتي حصدت جائزة البوكر مان العالمية للأدب المترجم في عام ٢٠١٩ و “منامات”، و “نارنجة” الفائزة بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب عام 2016
عندما تتأمل غلاف الرواية ستجد ثمرة شجرة النارنج ذات الثمار الحامضة، رمز الحكاية، حيث ارتبطت الأحداث بها ارتباطاً وثيقاً، وأخرجت لنا الحارثية أحداث الرواية وشخصياتها من البيئة العمانية.. وهكذا كانت أحداث الرواية كطعم ثمار النارنج بالنسبة لشخصيات الرواية، فحلاوتها لحظية لا تدوم..
نبذة عن الكتاب وشخوصه: طريقة السرد تتميز بالتنقل الزمني بين أحداث الرواية، حيث توحي للقارئ بأنها ومضات من ذاكرة الراوية .. حيث أنها لم تأتِ بترتيب زمني معين .. وإنما كانت تذكر بعض الأحداث البارزة في حياة إحدى العوائل العمانية.. تروي الحارثية الحكاية على لسان فتاة عشرينية تُدعى “زهور”؛ المفتونة بجدتها “بنت عامر” وحكايتها الآسرة، والتي تسافر إلى المملكة المتحدة لغرض الدراسة، تمسك بتلابيب قلمها وتصف لنا شخصيات الرواية من وجهة نظرها وحسب ما تراه من خلال تفاعلها معها.. الجدة “بنت عامر” ذات الشخصية المهيبة الساحرة ذات الأنَفة، والتي فرضت احترامها على الجميع بترفعها عن سفاسف الأمور، حياتها كالخيال، تحيا لأجل أشخاص لا تربطها بهم علاقة دم مباشرة، تربيهم كأبنائها الذين لم تحظَ بهم، فتقوم بدور الأم والجدة ومدبرة المنزل، يدها الخضراء التي كانت تتوق لامتلاك مزرعة، ولكن الفقر والعوز يحول بينها وبين حلمها.. أبوها “منصور” الذي وُلد بعد عناء، وتعرض لرفض والدته، بينما احتضنته الجدة “بنت عامر”، وعاملته كابن لها لم تلده من رحمها، وكيف كانت حياته حافلةً بالمغامرات وطيش الطفولة والمراهقة، واشتعال حب الشباب وزواج فاشل، وكيف صقلت هذه الأحداث هذه الشخصية الفريدة، فجعلته عطوفاً ورؤوفاً بهذه الأم التي منحته الحياة.. أختها “سمية الدينامو” كما أسمتها الكاتبة، ذات الروح المشتعلة، والطفولة المشبعة بالمغامرات والأحداث المثيرة، وبعد أن تزوجت بذلك الشاب الوسيم الذي درس في أستراليا، وأحال حياتها جحيماً لا يُطاق، وتحكّم بها كدمية مسلوبة الإرادة، وكيف تحولت من بعد موته إلى فتاةٍ بلا روح ولا صوت، كئيبةً كآبة القبور.. صديقتاها الباكستانيتان “كحل وسرور” المنحدرتان من إحدى العائلات الأرستقراطية الباكستانية، أختان تخبئان سراً خطيراً عن ذويهن.. حيث تعيش إحداهن قصة حبٍ جارفة تنتهي بزواجٍ سري من شابٍ يقل عنهما مستوىٍ اجتماعياً ومعيشياً، بعيداً عن أعين الأهل، فتعيشان حالة من الترقب والخوف من وقع الخبر على والديهما. وكيف جمع هذا الزواج بين النقيضين، فكيف تجتمع أميرة بفلاح، والرفاهية بالبساطة، والغنى بالفقر، والنعومة بالخشونة؟ إنه الحب! أعمى! يجمع بين النقيضين، حتى يصبحا قالباً واحداً..
الرأي الشخصي: رواية “نارنجة” تزخر بعبق الماضي، وبذكريات الطفولة الجميلة، المرتبطة بالألعاب القديمة، وبالدمى القطنية، وبكراريس المدرسة والأقلام الملونة، بحكايات الجدات، وبرائحة التاريخ المعتق، تنقلنا من زمن حكم السيد سعيد بن تيمور، حين ارتفعت أسعار المؤن والحاجيات الضرورية، فضرب العمانيون أصقاع الأرض يبحثون عن لقمة العيش.. أسلوب الكاتبة في السرد يفيض بالجمال والعذوبة، وطريقة دمجها للكلمات العمانية العامية في الحوارات أعطت للرواية طابعاً وطنياً وبعداً تقليدياً باذخاً بالروعة.. اختيارها للعبارات وللصور الجمالية ممتاز وموفق .. ولكن يُحبذ لو اختارت الكاتبة حبكة أقوى تستند إليها الرواية، وتحتاج الرواية للقليل من عامل التشويق والترقب، وهو ما نحتاجه في كل عملٍ روائي، من حق القارئ بأن يشعر بخطف أنفاسه حين يقرأ الرواية، وتحتاج للقليل من عنصر الدهشة الذي يجعل أعيننا وقلوبنا مشدوهة في ترقب القادم من الأحداث..