كيف تدرِّسُ طفلًا انطوائيًّا؟
كيت تورغوفنيك ماي في حوار مع المحامية والكاتبة سوزان كَين
ماذا علينا أن نفعلَ مع الأطفالِ الهادئين؟ حوار مع سوزان كاين حول مستقبل التَّعليم الصَّفِّي.
تنحازُ سوزان كاين لجميعِ الانطوائيينَ في العالم. في الولاياتِ المتحدةِ الأميركية، يُصنَّفُ ثلثُ إلى نصفِ السُّكانِ على أنهم انطوائيُّون؛ ذلك يعني أنها تنحازُ لعددٍ كبيرٍ من الناس. قد يكونُ بعضُهم مهندسي بياناتٍ طغى عليهم ضجيجُ المكتبِ المفتوح وقد يكون البعضُ الآخرُ محامين على مشارفِ الثلاثينَ من عمرهم، ويُشعرُهم أصدقاؤهم بالخزيِ لرفضِهم تنظيمَ حفلةِ عيدِ ميلادٍ كبيرة. إلا أن كاين تنحازُ على وجهِ الخصوصِ لفئةٍ مُعيَّنةٍ من الانطِوائيينَ ألا وهم: الأطفالُ الهادئين في الصُّفوفِ الدِّراسيَّةِ.
تتذكَّرُ كاين طفولتَها المليئةِ باللحظاتِ التي حثَّها فيها معلِّموها وأقرانُها لتكونَ اجتماعيةً أكثر، رغمَ أن ذلك ببساطةٍ لم يكن من طبيعتِها. وحسب قولِها في حديثِها في TED [شاهد: The power of introverts] ، صُمِّمَتْ أكثرُ مؤسساتِنا المهمة مثل المدارسِ وأماكنِ العملِ لتلائمَ المنفتحين. “فاليوم، الصفُّ المثاليُّ هو الذي يحتوي على مجموعاتٍ من الطَّاولاتِ، ويعملُ الأطفالُ فيه على عددٍ لا يُحصى من الأنشطةِ والواجباتِ الجماعيَّةِ”. مع ذلك، إذا كان نصفُ السُّكان ذوي ميولٍ انطوائيَّةٍ، لماذا يُنظرُ إلى الأطفالِ الذين يفضِّلونَ الانعزالَ أو العملَ بمفردِهم على أنهم حالات شاذَّة؟”
أجرينا محادثةً هاتفيَّةً مع كاين لِنتحدَّثّ عن كيف يمكنُ لمدارسِ اليومِ أو المستقبل أن تهتمَّ باحتياجاتِ الطَّلبةِ الانطِوائيين. في الأدنى، نسخةٌ محررةٌ من تلك المحادثةِ وبعضُ الإجاباتِ المفاجئةِ جدًّا. هل يمكنُنا إعادةُ النَّظرِ في كافِتيريا المدرسةِ الفوضويَّةِ؟ ماذا عن الفُسحة؟ أو ما يُعرَفُ بـ “المشاركةِ الصَّفيَّةِ”؟ تُقدِّمُ لنا كاين أفكارًا جريئةً في هذا المجالِ وأكثر.
ما الرُّدودُ التي تلقَّيتِها على الجزءِ الذي تحدَّثتِ به عن أنَّ النِّظامَ التعليمي ليس بالنِّظامِ الأمثلِ للطلبةِ الانطوائيين في حديثِك في TED ؟
سمعتُ من معلمينَ كُثُر ومُديري مدارس وآباء وطلبة عن المشكلاتِ التي يشعرونَ بأنها تتخلَّلُ النِّظامَ التَّعليمي، وسمعتُ من الطلبةِ الذين يشعرونَ بأنَّ درجاتهم قد أُنقِصَتْ بشكلٍ غيرِ عادلٍ لأنَّهم لم يَستوْفوا مَعايير المشاركةِ الصَّفِّية. وسمعتُ من معلمينَ يُطلبُ منهم الآن وفي حالاتٍ كثيرةٍ بأن تُركِّزَ معظمُ حِصصِهم الدِّراسيةِ على العملِ الجماعِيِّ حتى وإن كانوا يروْنَ بأنها ليست فكرةً جيِّدة؛ عليهم تطبيقها إذ يُقيَّمُ المُعلمون وِفقًا لذلك. وليست لديهِم الصَّلاحيَّةُ لتعديلِ الأمرِ على الرغمِ من أنَّهم يروْنَ بأنَّ عليهم فعلَ ذلك.
بشكلٍ عام، وعلى ضوءِ حديثي في TED مباشرةً، رأيتُ أن هناك حاجةً ماسَّةً لِيَفهمَ الآباءُ والمعلِّمُون كيف يحبُّونَ الأطفالَ الانطِوائيين ويصْقُلونَهُم.
“يالهُ من فعلٍ جريءٍ بأن تذهبَ إلى المدرسةِ أساسًا. وفي صفٍّ مدرسيٍّ مُكتظٍّ بالطُّلابِ بتحفيزٍ مُستمرٍّ طَوالَ اليومِ”
ما الذي يمكن فعلُه على المدى القصيرِ لمساعدةِ المُعلمينَ على فهمِ كيفيَّةِ فعل ذلك بشكلٍ أفضل؟
أظنُّ بأن علينا أن نُقدِّمَ تدريبًا عامًّا ليعيَ المُعلمون فقط ما الذي يجعلُ الطَّالبَ انطِوائيًّا، وما الذي يعنيه ذلك وكيف نصْقُلُ مواهبَ هؤلاءِ الطَّلبةِ على نحوٍ أمثل. وتذكيرُهم بأنَّ الذَّهابَ إلى المدرسةِ أساسًا هو فعلٌ جريءٌ وأكثر انفتاحًا. فطوالَ اليومِ، تمكُثُ في صفٍّ دراسيٍّ مُكتظٍّ بالطَّلبةِ بتحفيزٍ مُستمرٍّ، وحتى بالنسبةِ للطَّلبةِ الانطِوائيين ممن يُحبُّون المدرسةَ يُعدُّ ذلك تجربةً ذات تحفيزٍ مُفرِط.
وبشكلٍ عام، يجبُ أن يتجنَّبَ المُعلمون وضعَ معايير لما هو طبيعي. فهُنالك أبحاثٌ ترى بأنَّ ثمَّةَ مشكلةً في الطَّالبِ الذي ليس لديه أصدقاء على الإطلاقِ -صِفر أصدقاء- ويجبُ معالجتها. ولكن لا ضيْرَ في أن يكونَ للطالبِ صديقٌ أو اثنان أو ثلاثة، ويُفضَّلُ التَّعمُّقُ في صداقاتِه على أن يكونَ فردًا من مجموعةٍ كبيرةٍ من الرِّفاق، وبعده مؤشرٌ على النُّضوجِ. بل ويُعدُّ هذا النَّمطُ من الحياةِ الاجتماعيَّةِ جيِّدًا تمامًا. وعلينا أن نعترفَ بالمُشكلاتِ عندما تكون كائنةً فعلًا- مثل أن يرغبَ طالبٌ بتكوينِ صداقاتٍ ولكنَّه لا يعرفُ كيف- وفي الآنِ ذاتِه، ليس علينا أن نخلقَ مشكلاتٍ من العدمِ بِقوْلِنا “عليك أن تكونَ اجتماعيًّا أكثر” فإذا كان الطِّفلُ سعيدًا وهو على سجِيَّتِه علينا أن نفهمَ الرِّسالة؛ أنه رائعٌ وهو على سَجِيَّتِه!
أظنُّ بأن على المُعلمينَ أن يضعوا في حُسبانِهم أنَّنا عادةً ما نعطي الكبارَ حُريَّةً ومرونةً باختيارِ حياتِهم الاجتماعية، ولا نُفكرُّ مرَّتينِ قبل أن نحْكمَ على امتلاكِهم صديقين أو ثلاثة. إلا أنَّنا لا نُعطي الصِّغارَ المُسْتوى ذاتِه من الحُرِّيَّةِ والمُرونةِ في ذلك. غالبًا ما أطلبُ من الناسِ أن يتخيَّلوا عيدَ ميلادِهم القادم – الذي يُشكِّلُ حدثًا مهمًّا – وكيف يرغبون بالاحتفالِ به. يرغبُ بعضُهم بحفلٍ كبيرٍ مع مجموعةٍ من الأصدقاءِ بينما يرغبُ بعضُهم الآخرَ باحتفالٍ صغيرٍ مع العائلةِ أو اثنين من أصدقائِهم المُقرَّبين. ولكن فكروا بما نتوقَّعُ أن يريدَ الأطفالُ فعلُه لحفلِ عيدِ ميلادِهم. نتوقعُ منهم دعوةَ الصَّفِّ بأكملِه وجعلِها حفلةً كبيرةً وصاخبة. أتلقَّى رسائل من الآباءِ طوالَ الوقت، يقولون فيها “دعَوْنا الصَّفَّ بأكملِه لحفلِ عيدِ ميلادِ ابنتِنا، وبدتْ سعيدةً للخمسِ عشرة دقيقة الأولى ثم ذهبَتْ إلى غرفتِها ورفضَتْ الخروج”. وما سأقوله هو: احتفِلوا بالطَّريقةِ التي يريدُها طفلُكم، ولا تُعطوهم فكرة أن هناك طريقةً واحدةً فقط للاحتفال.
ما التَّغييرات الصَّغيرة التي يمكن أن يتبنَّاها المُعلمون في صُفوفِهم الدِّراسيةِ وقد تُحدثُ فرقًا كبيرًا للطَّلبةِ الانطِوائيين؟
التغييرُ الأوَّل، الحرصُ على تخصيصِ وقتٍ للهدوءِ خلال اليومِ الدراسِيِّ بالأخصِّ عندما يكونُ الطَّلبةُ بِسنٍّ أصغرَ، بتخصيصِ خمس عشرة دقيقةً من كلِّ يومٍ يجلسُ فيها الطَّلبةُ للقراءةِ فحسب، مع الحرصِ على تغييرِ تصميمِ الصفِّ الدِّراسيِّ ليشملَ زوايًا وأركانًا مختلفةً ولا يقتصرُ على القراءةِ في مجموعاتٍ بل يُمكِنُك التكوُّرُ على الأريكةِ في الفصلِ الدِّراسيِّ مع كتابِك. عندما كنتُ أُعدُّ أبحاثي في “الهدوء”، سافرتُ وجلستُ كّذُبابةٍ على الجدارِ في مختلفِ الصُّفوفِ الدِّراسيَّةِ، وكثيرٌ منهم يفعلون ذلك بالفعلِ ولكن ليس جميعُهم، سيكونُ ذلك أمرًا سهلًا.
ويكمنُ التَّغييرُ الآخر في تعديلِ الفُسحة. على المُعلِّمين أن يُفكِّروا ببدائلَ أُخرى للفُسحةِ التي تُعدُّ -بالنِّسبةِ لكثيرٍ من الطَّلبة- فَوْضويَّةً وبِلا داعٍ وغير مُسلِّية. افتحوا صَفًّا من الصُّفوفِ الدراسيةِ ودَعُوا الطَّلبةَ يجلسونَ ويلعبون ألعابًا لوحيَّةً في مجموعاتٍ صغيرة، أو يقرؤون كتابًا، أو يقضون وقتَهم بالاسترْخاءِ؛ ففكرةُ أن يستجمِعُوا طاقتَهم من خلالِ الرَّكضِ إلى ساحةٍ كبيرةٍ تَعِجُّ بالضَّجيجِ تَحدُّ من خياراتِهم. سيُحبُّها بعضُهم ولن يُحبها بعضُهم الآخر، وسيُحبُّها بعضُهم في أيَّامٍ مُعيَّنةٍ ولكنَّهم سيُفضِّلونَ بدائلَ أخرى في الأيامِ الأخرى.
“الصَّفُّ الدِّراسيُّ بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى حَلٍّ يُناسبُ الجميعَ”
مُشوِّق! إذن يبدو أنَّ الموضوعَ يُعطي الطلبةَ خياراتٍ أكثر.
نعم، الفكرةُ في توسيعِ نطاقِ الخيارات. فجميعُ ما اقترحتُه هو في إطارِ توفيرِ العديدِ من البدائلِ لكيف تتعلَّمُ وكيف تسترجعُ نشاطَك. ليكن الأمرُ اختياريًّا بدل أن نقول “أوه، لنقضِها على هذا النَّحوِ”. هنالك دراسةٌ معروفةٌ لرجلٍ يُدعى رسل جين Russell Geen أعطى الأطفالَ فيها مهامًّا تعليميةً لحلِّها، إذ تصاحبُهم في الخلفيَّةِ أصواتٌ متباينةُ المستوى، فوجد أن المنفتحين منهم أدَّوْا بشكلٍ أفضلَ أثناء بروزِ الأصواتِ الصاخبة، وأن الانطِوائيين أدَّوْا بشكلٍ أفضل مع الأصواتِ الهادئة. إذا طَّبقتَ هذا البحث على الصفِ الدراسيِّ الذي يحتاجُ إلى حلٍّ يتناسبُ مع شخصيةِ الجميع، سيسمحُ ذلك للطلبةِ بأن يختاروا مقدارَ التَّحفيزِ المناسبِ لهم في تلك اللحظة.
كيف يمكنُ للمُعلمينَ أن يُشعِروا الطلبةَ الانطِوائيين بالرَّاحةِ أثناءَ الحصَّةِ الدراسيةِ؟
سأقول: التقليلُ من العملِ الجماعيِّ بشكلٍ عام. ينبغي على المُعلمين أن يجمعوا بين العملِ الجماعي والفردي وحثِّ الطلبةِ على العملِ الثنائيِّ أكثر وهي طريقةٌ تُمكِّنُ الانطِوائيين والمنفتحين معًا من النجاح. وثَمَّة تقنيةٌ أخرى يعرفهُا المُعلمونَ ولكن وجبَ التذكيرُ بها وهي think-pair-share أي فكر-زاوج-شارك؛ فما يفعلُه المُعلم هو أن يسألَ سؤالًا مثل “لماذا فعلَ روميو هكذا؟” أو “لماذا كانت ردَّةُ فعل جولييت على هذا النَّحْو؟” ثم يُفكرُ بالإجابةِ ويعطي الطلبةَ دقيقةً إلى اثنتين للتفكيرِ أيضًا، يناقشُ الطلبةُ آراءَهم في ثُنائيَّات. تَكْمُنُ المشاركةُ في مناقشةِ أفكارِهم في مجموعات؛ فالعديدُ من الطلبةِ الذين قد يكونون قليلي الكلام سيشعرونَ بالجرأةِ إذا ناقشوا أفكارَهم مع زميلٍ أولًا.
أودُّ أن أتحدَّى المُعلمين بأن يُعيدوا التفكيرَ في مفهومِ المشاركةِ الصَّفيةِ والبدءِ بالنظرِ إليها كالعملِ الصفيِّ عِوضًا عن ذلك. فالمشاركةُ تكافئُ الكمَّ، حيث يرفعُ الأطفالُ أياديهم بهدفِ التَّحدثِ فقط ولا يُعَدُّ ذلك مُفيدًا لأي أحد بينما العملُ الصفيُّ يعترفُ بأن هنالك طُرقًا عديدةً ومختلفةً للمشاركةِ والتفاعلِ مع المادةِ ومع زملائك. وإذا فكرتَ بالأمرِ باتِّساعٍ أكبر، سترى بأن الطالبَ الذي يُحسنُ الإنصاتَ أو الذي يُعطي تعليقاتٍ عميقةٍ وذكيَّةٍ يتلقَّى التقديرَ ذاتَه الذي يتلقَّاهُ الطالبُ الذي يرفعُ يدهُ باستمرارٍ.
وبالمناسبةِ، تَبَنَّتْ أكاديميةُ جرين ويتش في كونيكتيكت العديدَ من هذه الأفكار واستخدمتها، الأمرُ الذي عادَ بنتائج عظيمة.
هل كان خطابُكَ وكتابُكَ حافزًا لهذا الأمرِ؟
نعم، إذ كلَّفَ المُدرسُّونَ طلابَّهم بقراءةِ كتابِ “الهدوء” خلال الإجازةٍ الصيفيةِ كما كان لديهم مجموعةٌ من الطلبةِ الذين تقبَّلوا الأمرَ وبدأوا بِحَثِّ مدرسِّيهم وأقرانِهم على إيجادِ حلولٍ له. وبدأوا بحركةٍ صغيرةٍ في المدرسةِ. في مايو تحدثتُ إلى مُدونةِ TED عن ثورةٍ هادئةٍ Quiet Revolution بأكملِها حيثُ سيكون التعليمُ واحدًا من المشكلاتِ التي سنتناولُها لأن الحاجةَ تتطلَّبُ ذلك وهو المجالُ المقرَّبُ إلى قلبي. ومع ثورةٍ هادئةٍ Quiet Revolution، نُخططُّ بتنفيذِ الأمرِ ذاتِه في مدارس عدَّةٍ حول العالمِ ولكن علينا تنمية المواردِ من أجلِ ذلك. لا زلنا في البداية، إلا أن هدفَنا أن نتعاونَ مع المدارسِ الخاصَّةِ والعامَّةِ في الولاياتِ المُتحدة، وحولَ العالمِ في نهايةَِ المطاف، لِنضمنَ أن كل ما أسلفتُ بالحديثِ عنه يمكنُ تطبيقُه. ونحن نبحثُ عن القائدِ المناسبِ لهذه المُهمَّةِ حاليًا، وما إن نجدُه، أظن بأن الأمرَ سيتحقَّقُ بسرعةٍ كبيرةٍ إذ أنهيت الأعمالُ الأساسيَّةُ. ترقَّبُوا ما سيحدثُ قريبًا فنحن نحاولُ أن نبتكرَأمرًا سيمنحُ المدارس الوسائلَ التي تحتاجُها.
“علينا أن نبتعدَ عن تصاميمِ المدارسِ التي تُجبِرُ الطَّلبةَ على التَّكدُّسِ بأعدادٍ هائلةٍ في كتلةٍ بشريَّةٍ واحدةٍ”
الآن، انسَي المدرسةَ بالشَّكلِ الذي نعرفُه. إذا كنتِ ستُصمِّمِينَ مدارسَ المستقبلِ، كيف ستبدو؟
أُحبُّ حقًا نموذجَ سلمان خان لـ “الصَّفِّ المقلوب”، حيث يُنجزُ الطلبةُ في الليلةِ السَّابقةِ الكثيرَ من العملِ الدؤوبِ ويأتونَ في اليومِ التالي ليحظَوْا بفرصةِ مناقشةِ عملِهم مع زميلٍ أو في مجموعاتٍ صغيرةٍ ومع مُعلمٍ ليجيبَ على ما تبقَّى من أسئلتِهم. أظنُّ بأن ذلك مهمًّا جدًّا للطلبة، وبالطَّبعِ هي الطريقةُ الأمثلُ للتعلُّمِ.
كما أظنُّ بأنَّهُ علينا إعادةُ التفكيرِ بتصميمِ الفصلِ الدِّراسيِّ ليَشملَ بالتأكيدِ زوايًا وأركانًا ومساحاتٍ بديلة أخرى. كما يجبُ علينا إعادةُ التفكيرِ بتصميمِ المدارسِ بشكلٍ عام. فعلينا الابتعادُ عن التَّصاميمِ التي تُجبرُ الطلبةَ على التَّكدُّسِ بأعدادٍ هائلةٍ في كتلةٍ بشريَّةٍ واحدةٍ إذ لا ينجحُ العديدُ من الطلبةِ بهذه الطريقةِ.
إذن، عِوضَ القاعاتِ المُكتظَّةِ، تصميمٌ يوزِّعُ الطلبةَ في مساحاتٍ مختلفةٍ؟
نعم، أتخيَّلُ مساحاتٍ ذات مرونةٍ أكبرَ حيثُ يتسَنَّى لي في أيِّ لحظةٍ أن أختار: هل أريدُ أن أكونَ في مساحةٍ فرديَّةٍ؟ هل أريدُ أن أكونَ في مساحةٍ لمجموعاتٍ صغيرةٍ؟ هل أريدُ أن أكونَ في مساحةٍ لمجموعاتٍ أكبرَ وأكثرَ حيويَّةً؟ تصميمٌ يضعُ في الحسبانِ أن جميعَنا قد نرغبُ بهذه الأنماطِ الثلاثةِ خلالَ اليومِ الواحدِ. حاليًّا، صُمِّمَتْ مدارسُنا بمساحاتٍ ذات طابعٍ مُوَحَّد.
كيف سيختلفُ المنهجُ الدراسيُّ في المستقبلِ عمَّا هو عليهِ الآن؟
أظنُّ بأنَّ مستقبلَ التَّعليمِ سيضعُ في الحسبانِ أبحاثَ آندرز إرِكسُن، الذي ابتكرَ فكرةَ “التدريب الموزون“. آندرز إرِكسُن أخصَّائيٌّ نفسيٌّ درسَ الأسبابَ التي تجعلُ الناسَ خبراءَ ومؤدين ماهرين سواءًا في رياضةِ التِّنس أو الشَّطرنج أو الرِّياضيات. ووجدَ أنَّ السُّؤالَ لأغلبِهم لم يكن ما إذا كانت لديهم موهبةٌ سابقةٌ بل ما إذا قد كرَّسُوا ساعاتٍ طويلةٍ من وقتِهم للتَّمرُّنِ بتركيزٍ وتوازنٍ على الحرفةِ التي يوَدٌّونَ إتقانَها. وأضافَ أن السبيلَ للنجاحِ في التدريبِ الموزون هو تجنبُّ الممارسةِ في مجموعاتٍ حيث ستقضي وقتًا طويلًا جدًّا في العملِ على شيءٍ إمَّا صعب جدًّا عليك أو سهل جدًّا أو لا يُثيرُ اهتمامَك. عليك العملُ بمفردِكَ أو مع شخصٍ يمكنُه تدريبُك والإجابةُ عن أسئلتِك في الوقتِ المناسبِ. فمجموعةُ التَّمارينِ تلك -وهي شاملةٌ حاليًّا- يجبُ أن تُضمَّنَ في المناهجِ الدراسيةِ. ولهذا السبب، أُحبُّ فكرةَ الصفِّ المقلوبِ لأنني أرى بأنها تسيرُ بذاك الاتِّجاهِ.
برأيكِ ما نوعُ التَّغييراتِ التي ستطْرَأُ على طريقةِ تدريبِ المُعلمينَ وتقييمِهم؟
بالنِّسبةِ لتدريبِ المُعلمينَ، فعَليَّ القولُ بأنني لستُ مُعلمةً بل أتحدَّثُ من مَنظوريَ الخاصِّ حول الموضوع، أظنُّ أننا بحاجةٍ إلى تعليماتٍ أكثرَ حولَ الإلمامِ بطِباعِ الطلبة. إذ تسترعي أساليبُ التعلُّمِ المختلفة انتباهًا كبيرًا في التَّعليم، ولا أظنُّ بأن هنالك قدرٌ كافٍ من التَّفهُّمِ لاختلافِ الطِّباعِ وكيف يلعبُ دورًا في تشكيلِ شخصيةِ الأطفالِ وكيف يتعلمونَ ويتفاعلونَ مع الآخرين. أما بالنسبةِ لطريقةِ تقييمِ المُعلمينَ، فعلينا أن نعطيهم حريَّةً أكبرَ لتصميمِ مناهجَ دراسية يروْنَ أنها مُجديةٌ لطلبتِهم. لقد أخبرتُك سالفًا أن عددًا من المعلمينَ أخبروني بأنهم لا يُريدونَ تطبيقَ العملِ الجماعيِّ كثيرًا ولكن ليس ثَمَّة من خيارٍـــ يا إلهي، يجبُ أن يتغيَّرَ ذلك.
ما الأنشطةُ الاجتماعيَّةُ التي لا تُعَدُّ جُزءًا من اليومِ الدراسيِّ حاليًّا ولكنَّها ستصبحُ كذلك في المستقبلِ؟
التَّواصلُ الاجتماعيُّ على نطاقٍ صغيرٍ والتواصلُّ الاجتماعيُّ في ثُنائيَّاتٍ ومجموعاتٍ صغيرةٍ. إذا نظرنا إلى كافتيريا المدرسةِ المتعارفِ عليها فقد رُتِّبَت وفقًا لتوقُّعاتِنا بأن الطلبةَ سيَجلسونَ لتناولِ الغداءِ حول طاولاتٍ كبيرةٍ ومُكتظَّةٍ. لماذا؟ العديدُ منا يُفضِّلُ التفاعلَ مع شخصٍ أو اثنين على حِدَة. لذا يجبُ أن يكونَ ثَمَّة طاولاتٍ صغيرةٍ أيضًا. كما أظنُّ أن ساحاتِ اللعبِ يجبُ أن تُصَمَّمَ بطريقةٍ تشجِّعُ اللعبَ الفرديَّ أو في مجموعاتٍ صغيرةٍ أيضًا. يجبُ أن تضعَ جميعُ الهياكلِ الاجتماعيَّةِ طريقةَ العملِ هذه في الحُسبانِ.
لنتحدَّثْ عن التكنولوجيا، كيف يمكن تسخيرُ التكنولوجيا في الصفِّ الدراسيِّ في المستقبلِ لتعطي خياراتٍ أكثرَ وتكونُ حاضرةً بإيجابيةٍ للطالبِ الانطِوائي؟
من خلالِ تحدُّثي مع المُعلمين، أعرفُ بأن ثَمَّةّ وسائلَ يمكنُ أن تكونَ مفيدةً جدًّا؛ وسائلٌ تسمحُ للطلبةِ بالمشاركةِ من خلالِ أجهزتِهم الإلكترونية عِوضًا عن رفعِ أيديهم، وتطبيقات تسمحُ للطلبةِ بالمشاركةِ في المناقشاتِ الصفيَّةِ بدون الكشفِ عن أسمائِهم أحيانًا أو العكس في أحيانٍ أخرى. وكونُ الطالبِ يشاركُ في النِّقاشِ الصَّفيِّ أو المُدوناتِ على الإنترنت فيعملُ ذلك على إزالةِ حواجزِهم النفسيَّةِ للمشاركةِ الصفيَّة. فالطالبُ الذي قد لا يرفعُ يدهُ للمشاركةِ في الصفِّ قد يكتبُ شيئًا مثيرًا للاهتمامِ في التَّطبيقِ أو المُدونة، ويقرأ طلبةٌ آخرون أفكارَه ويبدأون بالتحُّدثِ عنها في الواقع. إنها جسرٌ للمشاركة.
أظن بأننا سنتجهُ نحو ما يشجِّعُ مشاركةَ الطلبةِ عبر وسيطٍ إلكتروني. وسيكونُ للطلبةِ الفنَّانين أو الكتَّاب -على سبيلِ المثال- فرصة للمساهمةِ في مُدونةٍ صفيَّةٍ أو شيء يسمحُ لزملائِهم بالاطِّلاعِ على أفكارِهم وعواطِفهم من منبرٍ آخر. أظنًُّ بأن ذلك سيُحدثُ فرقًا فعلًا.
بقلم: كيت تورغوفنيك ماي | ترجمة: مريم الريامية | تدقيق الترجمة: عهود المخينية | تدقيق لغوي: لجين السليمية | المصدر