السر الخفي خلف اسم موتسارت
إن موسيقى موتسارت ضربٌ من السحر. لطالما ارتبطَ اسمه بالعبقرية الموسيقية، وعلى الأرجح، هو المؤلف الموسيقيُّ الأشهر على الإطلاق. لقد كان إنتاجهُ الموسيقي وحياته الاستثنائية ونشأته الموسيقية موضوعات للعديد من الدراسات والكتب والأفلام الوثائقية. فعلى الرغمِ من وجود قائمةٍ طويلةٍ من الأطفالِ العباقرة في الموسيقى الكلاسيكية، إلا أن بيتهوڤن وبراهمز وسان-سانس نجحوا في ترسيخ أسمائهم كأطفالٍ نابغين، وبزغَ نجمُهم في عالم الموسيقى. لقد كانت طفولة موتسارت وحياته القصيرة -على وجه التحديد- تشبه إحدى مقطوعات الروك ان رول لمايكل جاكسون، صاحب النمطِ الموسيقي المختلف جدًا الذي يأخذ طابِعَ الألحان النمساوية. في الوقت الذي كان فيه الأطفال يتعلمون القراءة والكتابة، كان موتسارت قد خاضَ عالم الموسيقى بالفعل، حيثُ عُرِف عنه أنه ألّف عددًا من المقطوعات الموسيقية يفوق ما ألّفه موسيقيون آخرون خلال حياتهم، بما في ذلك سيمفونيته الأولى.
وقد ساعدته هذه الظروف ليصبح محبوبًا لدى الجميع، تحديداً لدى غير الموسيقيين، حيثُ تظل موهبته بالنسبة لهم غامضة وتكادُ تكون إلهية. أما بالنسبة للموسيقيين، فإن موتسارت بالنسبة لهم يملكُ سحراً خاصاً، لكنه أقل أُلوهيّة. و لكن ما الذي يجعل اسم موتسارت بعد ثلاثة قرون من وفاته مبهرًا أكثر من العديد من المؤلفين الموسيقيين الآخرين؟
ساهمت الكثيرُ من جوانب حياة موتسارت في تشكيل شخصيته الأسطورية. أولًا اسمه: يوهانس كريسوستوموس وولفجانجوس ثيوفيلوس موتسارت، والمعروف أيضًا فولفغانغ أماديوس موتسارت. ويرمز اسم ثيوفيلوس وأميدوس إلى صديق الرب وهو المُحب للرب.
ثانيًا، طفولته المُعجزة. أدرك والد موتسارت – المؤلف الموسيقي والمعلم – الموهبة الموسيقية التي يمتلكها موتسارت وأخته في وقت مبكر من طفولتهما، وسرعان ما جعل منهما موسيقيين رائعين، حيثُ شهدت طفولتهما سلسلة من التدريبات الموسيقية الشاقة والخوض في عالم الموسيقى والتأليف منذ نعومة أظافرهِما. يُقال أن موتسارت ألّف أول مقطوعة موسيقية وهو في سن الرابعة، وكتب سيمفونيته الأولى في سن الثامنة.
نجح موتسارت بتأليف ما يُقارب أكثر من ستمائة عملٍ موسيقي في عُمرٍ يناهزُ خمسة و ثلاثين عامًا.
و لم يقتصر هذا النجاح على سنوات حياته فحسب؛ بل حتى وفاته كانت حدثاً أسطورياً كما جاء في سياق تأليفه لآخر أعماله: قدّاس الموت – وهي طلبٌ خاص سري غير مكتمل.
يضاف إلى ذلك شخصية موتسارت غريبة الأطوار، وهو ما يمكن أن يُطلق عليه متلازمة بيتر بان – تصرفات طفولية وإلى حد ما شقيّة- جُسِّدت ببراعة في فيلم (Amadeus) لميلوس فورمان، في صورة مغايرة لموسيقاه الإلهية.
أخيرًا، ومما يؤكد على شعبية موتسارت، الموسيقيون البارعون الذين ساروا على خطاه، أمثال بيتهوڤن، أحد العباقرة الموسيقيين، والمعجبين والداعمين للمؤلفين الموسيقيين. المؤلف الموسيقي الألماني والذي يصغر موتسارت بخمس عشرة عامًا والذي حذا حذوه.
ولكن عندما يولي أحدٌ اهتمامًا كبيرًا لموسيقى موتسارت، تختلف الانطباعات التي يحصل عليها تمامًا. نعم هي موسيقى رائعة، خياليّة ومتوازنة، وتعكس شخصية المؤّلف، كما وتُعبِّر عن الزمن الذي عاش فيه. إلا أنه بالمقارنة ببعض العباقرة من الموسيقيين الأكاديميين أمثال بيتهوڤن مرة أخرى، فإن موسيقى موتسارت بسيطة جدًا على نحو مضلل، تكادُ تكون مُكررة، بُنيتها متشابهة، كما تستخدم الأفكار ذاتها بين المقطوعات.
الخلاصة ببساطة أنه على الرغم من عبقرية موتسارت ولكن لا يمكن اعتباره صانعًا للقواعد مثل باخ، أو موسيقيًا ثوريًا مثل بيتهوڤن. بمعنى أبسط، لم يُوجِد موتسارت الموسيقى أو أعاد إنتاجها، إنما عدّل عليها وأعاد استخدامها، وقد فعل هذا ببراعة لا جدل فيها. إذا كان ثمة نموذج على موسيقى استخدمت قواعد وتقاليد عصره فهو موتسارت.
إذا أراد أحدهم أن يتعرّف إلى ماهية وطريقة الموسيقى الكلاسيكية فعليه أن يستمع لموتسارت.
ألّف موتسارت للرعاة، يمكن القول بدافع الضرورة، ولذلك فإن عمله الموسيقي يتبع قواعد وبُنى مشتركة. كما أنه يهدف لتحقيق الرضا أكثر من إثارة الدهشة، وهو ما يُفسّر ربما اهتمامه البسيط بتحسين وتطوير موسيقاه.
بعد كل ما تم ذِكرهُ عن موتسارت في الفقرات السابقة، لا يمكن أن ننكر الدور الذي لعبه موتسارت في تطوير مجال الأوبرا، حيثُ جعلها مرتبطة بالبشرية والمجتمعات، بعيدة عن الخيال أو الكونشيرتو، وذلك من خلال التوازن المثالي بين العازفين المفردين والأوركيسترا على شكل سوناتا.
إذن ما السر وراء شعبية موتسارت؟ إنه السبب ذاته الذي جعل موسيقى بوب ديلان تحظى بشهرة عالمية، فهي بسيطة ومفهومة ومتاحة ومألوفة، وتتناول مفاهيم قريبة من إدراك الجميع. على سبيل المثال، لا تهدف موسيقى الأوبرا الخاصة به إلى إحداث تطور موسيقي أو إنتاج موسيقيٍّ فريد من نوعه، إنما يكمنُ السِّر في اللحن، واللحن هو سر النجاح، فهو متنوع ويلبي جميع الأذواق، ابتداءً من الأوبرا إلى موسيقى الحجرة والسمفونية. وأخيرًا، امتلاك رغبة موسيقية،. فخلف هذه البساطة المجرّدة ، كان موتسارت يحرص على أن تضمَّ موسيقاه مفاجآت وتحوّلات موسيقية مدهشة، وهو معروفٌ باستخدام الخاصية اللونيّة في وقتٍ كانت ما تزال تعتبر فيه هذه الخاصية نشازًا قويًا، وذلك منذ قرنين قبل أن يستخدمها تشارلي باركر وديزي جِلسبي كأساسٍ لموسيقى البيبوب.
بقلم: دوج توماس | ترجمة: جهينة اليعربية | تدقيق الترجمة: مريم الغافرية | تدقيق لغوي: وفاء المعمرية | المصدر