هل يمكن لألعاب الفيديو مساعدتي في الرؤية بأبعاد ثلاثية؟
مقال لـ نك فليمينغ
اكتشف نك فليمنغ في سن الثانية والأربعين أنه لم يسبق له أبداً الرؤية بالأبعاد الثلاثية. هل يمكن للأساليب العلاجية الحديثة التي تعتمد على استخدام ألعاب الفيديو أن تعالج الكسل البصري لديه وتمنحه لمحة أولى عن الحياة بتقنية الأبعاد الثلاثية ؟
أجلسُ في المقعد الخلفي من الطابق السفلي في الحافلة رقم 37، خارج برج الساعة المصنوع بالحجر والطوب الأحمر في مدينة بورتلاند، جنوب لندن. لقد شعرت بأنّي تائه على الرغم من أنني أعلم تماماً أين أنا. لم أعد أثق بما تراه عيناي. حيث أخبرني أحد علماء البصر الخبراء أنني لا أملك عمقا بصريا حقيقيا، بمعنى آخر: لم يسبق لي أبداً الرؤية بأبعاد ثلاثية كما يرى معظم الناس.
العين الكسولة التي لطالما عانيت منها منذ طفولتي تعني أن دماغي يتجاهل بدرجة كبيرة الإشارات البصرية التي ترسلها عيني اليمنى، وبذلك يرسم لي صورة مختلفة عن الصورة التي يراها أغلب الناس. والآن أتساءل كيف يبدو شكل برج الساعة بعيون الركاب الآخرين في الحافلة، ما الذي يمكن أن تراه المرأة التي تجلس في الكرسي الأمامي مع ابنها الذي تحتضنه والذي لا يمكنني رؤيته؟ أي السلاسل الجبلية والطيور البحرية والمناظر الطبيعية الأخرى التي لا يمكنني رؤيتها؟ وهل يفسر هذا سبب سوء معدل الأهداف التي أسجلها في ملعب كرة القدم ؟
التقيت بروبرت هيس من جامعة ماكجيل، في مونتريال بكندا خلال رحلة إلى لندن لأعرف عن بحثه الذي يستخدم فيه ألعاب الفيديو لمعالجة الكسل البصري. وأفاد اختبار تجريبي أنه بإمكان هذه الطريقة مساعدة البالغين ممن يعانون من هذه الحالة، ولكن غالباً ما يكون التحسن بهذا العلاج فعالاً حتى سن السابعة فقط (أي قبل اكتمال نضوج العين). و أظهر بعض المشاركين في بحث هيس والبحوث ذات الصلة بشكل ملحوظ نتائج مذهلة للرؤية بأبعاد ثلاثية لأول مرة.
و تُعد مجموعة هيس واحدة من بين ما لا يقل عن خمس مجموعات تستخدم ألعاب الفيديو كطريقة علاجية لما يدعى ب “الغمش أو الكسل البصري”. وكان يحدوه الأمل بأن هذا العمل سيتمكن قريباً من معالجة الأطفال الذين يعانون من هذه الحالة بشكل أقل وطأة، ومن المحتمل أن يتمكن كذلك من تقليل خطر الإصابة بالعمى أو نقص النظر الحاد بالنسبة للبالغين ممن يعانون من هذه الحالة.
ولكن الأهم من ذلك هو أن العلماء قد أدركوا من خلال المعلومات التي أظهرها هذا البحث أن العقل البشري يوصل الإشارات أكثر في المرحلة المتأخرة من الحياة عِوضاً عن المرحلة المبكرة كما كانوا يعتقدونه سابقاً. والاحتمال المحيّر هو أن التدخلات التي من شأنها أن تسهل التغلب على الأمراض المرتبطة بالإدراك ناتجة بسبب عوامل مثل السكتة الدماغية والإصابات المتعلقة بالدماغ. حين تحركت الحافلة بدأت أتساءل فيما إذا كانت ألعاب الفيديو قادرة على معالجة الكسل البصري الذي أعاني منه ومنحي تجربة الرؤية ثلاثية الأبعاد الحقيقية لأول مرة.
يقوم الدماغ بتطوير الإشارات التي تسمح لنا برؤية الأشياء من حولنا بتركيز شديد وبأبعاد ثلاثية في السنوات 3-5 الأولى من حياتنا. ولكن في حالة انعدام الرؤية أو ضعفها في عين واحدة في المرحلة المبكرة من الطفولة كما يحدث لـ 3% من الناس فقط فإنه يطلق على هذه الحالة اسم “الحَوَل” أو الأكثر شيوعاَ “الغمش أو العين الكسولة”.
أوضحت الدراسات أنه يمكن للأشخاص الذين يعانون من “الغمش” أن يصبحوا أبطأ حركة ويرتكبون أخطاء أكثر من غيرهم حين يحاولون الوصول لأجسام معينة، كما يمكن أن يكونوا أكثر عرضة لخطر الإصابة بالعمى أو فقدان سريع لقوة البصر على المدى البعيد. وعلاوة على ذلك من المرجح أن يؤثر هذا الخطر على العين السليمة أكثر من ضعف تأثيره على العين الكسولة، ربما لأن العين السليمة هي التي تتحكم بحدة البصر.
ثمة سببان رئيسيان للإصابة بالغمش أو ما يدعى ب “العين الكسولة”. السبب الأول هو الحول، وهي حالة تظهر بها كل عين في اتجاه مختلف. والسبب الثاني هو العيوب الانكسارية في العين، وهذه تتمثل في حالة قصر أو طول النظر في عين واحدة أو كليهما، أو حالة اللَّابُؤْرِيَّة (القرنية المنحنية بشكل غير متساو أو العدسة)، حيث يكون الاختلاف بين الإشارات البصرية التي تسببها كبيرا للغاية. و في حالتي الحول والعيوب الانكسارية في العين، لا يستطيع الدماغ التعامل مع التفاوت الحاصل بين الصورتين، ولذلك فإنه يعتمد على الصور التي تأتي من عين واحدة فقط ويتجاهل صور العين الأخرى.
لطالما كانت طريقة تغطية العين السليمة العلاج الرئيسي للغمش أو ما يسمى ب “العين الكسولة” لأكثر من حوالي 200 سنة. ولكن يصعب تقدير مدى نجاح هذه الطريقة العلاجية، ذلك لأنها تختلف باختلاف عمر الشخص الذي تُجرى له عملية تصحيح النظر، ومدى سرعة إجرائها بعد تشخيص الإصابة بالغمش، وفيما إذا كان الأطفال يرتدون الرقعة المغطية للعين بشكل صحيح أم لا. وتفيد بعض التوقعات أن فاعلية هذه الطريقة تكون بين ربع الحالات إلى نصفها فقط.
يرى هيس أن تغطية إحدى العينين كطريقة علاجية صعبة على الطفل لأنها بذلك تجعله يرى العالم جزئياً، أي بعين واحدة فقط. ويقول: إن الأطفال يصبحون مصدر للاِسْتهْزاء من قِبل البعض، وتظهر نتائج العلاج في حوالي نصف الحالات فقط وحتى خلال فترة التحسن لا يسمح لهم بالكشف عن العين إلا بعد انتهاء مدة العلاج.
أعرف حق المعرفة عن تدني معدلات النجاح والجوانب السلبية الأخرى لتغطية العين. حيث يحتوي ألبوم صورالعائلة الذي يملكه والدي قطعة من صحيفة محلية قديمة تعود لعام 1977 تقريباً، أظهر فيها أنا وديفيد – زميل دراستي – بجانب جيمس هانت الفائز ببطولة العالم للفورمولا 1 في مرآب لتصليح السيارات في بلدة ديننجتون، جنوب يورك شاير. إنه من العدل القول بأن هذه الصورة تتسم بالتناقضات، حيث يظهر فيها هانت بشعره الأشعث ذا اللون الأشقر، وبهيئة نجم سينمائي ولون بشرته السمراء، وترتسم على وجهه ابتسامة عريضة، ويظهر ديفيد مرتدياً نظارات طبية رخيصة من مؤسسة الخدمات الصحية الوطنية (بريطانيا) غير ملائمة له، وأظهر أنا واضعاً على عيني اليسار الأقوى بصراً رقعة من قماش مأخوذة من ملابس بيضاء اللون.
لمدة السنتين اللتين اضطررت فيهما تغطية إحدى عينيَّ، كرهت الرؤية المظلمة والضبابية التي كنت أراها من خلال عيني الأضعف بصراً تقريباً ككرهي لسخرية زملائي في الدراسة. وغالبا ما كنت أخلع الرقعة بعيداً عن أنظار والداي وأساتذتي. وقد ارتحت كثيراً بعد أن أنهى الأطباء معاناتي البائسة بتصريحهم أن العلاج فاشل، وقد كنت حينها في الثامنة من عمري.
تعد الرؤية واحدة من الوظائف العديدة التي تمر بما يدعى بالفترات الحساسة والحرجة، عندما تكون دوائر الدماغ ذات الصلة بحاسة البصر-على غير العادة- قابلة للتشكل بالتجارب الحسية.
الأفكار الحديثة عما يدعى بالغمش والليونة البصرية (أو المرونة) مترسخة في بحوث عالمَي فسيولوجيا الأعصاب ديفيد هوبل و تورستن ويزل اللذان حازا على جائزة نوبل في عام 1981 لبحثهما حول كيفية عمل الدماغ في تشكيل المعلومات البصرية. ولا سيما أنهما أوضحا كيف يمكن لحرمان عين واحدة من الرؤية أن يؤدي إلى ضعف بصري دائم. عندما ينفتح جفن عين القطة الصغيرة بعد أن كان مغلقاً لعدة أسابيع من لحظة الولادة فإن خلايا الدماغ تستجيب فقط للإشارات المستقبلة من العين التي ما زالت مفتوحة. ومن الأمور الحاسمة أنه يمكن لحاسة البصر أن تتحسن إذا ما تم الكشف عن العين المغطاة وتغطية العين المفتوحة خلال المرحلة المبكرة من حياة القطط، ولكن لن تتحسن الرؤية إذا تم ذلك في مرحلة لاحقة من الحياة.
لم يطبق هوبيل و ويزل هذه النتائج البحثية على الجنس البشري، ولكن طبقها علماء آخرون. والآن يتم علاج حالات الغمش فقط حتى سن السابعة ذلك أن الدماغ – كما يفترض الكثيرون – غير قادر على تقبل هذا العلاج بعد السابعة من العمر(أي بعد مرحلة نضوج العين).
يقول دينيس ليفي، وهو عالم مختص بالبصر من جامعة كاليفورنيا أن “الكثير من الناس فسروا جهودهم تفسيراً خاطئاً كقولهم أن المرونة البصرية متاحة حتى سن محدد فقط”. “حيث أصبحت فكرة أنك ستكون غير قادر على تقبل العلاج بعد بلوغك سن السابعة هي الحقيقة التي أدركها الأطباء.”
قبل حوالي 20 سنة ظهرت طرق تفكير جديدة حول مرونة الدماغ. حيث وجد ليفي خلال منتصف تسعينات القرن الماضي، أنه يمكن اكتساب بعض أشكال وضوح الرؤية مجدداً بالنسبة للبالغين ممن يعانون حالات الغمش أو الكسل البصري إذا قاموا بتكرار تمارين معينة لتقوية البصر لفترات طويلة، وهي طريقة تدعى الإدراك الحسي. و يقول ليفي: “لقد حصلنا على نتائج مشجعة ولكن بنشاط تكراري يبعث الملل حيث استلزم تكراره آلاف المرات لساعات وساعات، وكان السؤال المطروح: كيف يمكن أن نجعل تأدية هذا النشاط أكثر متعة؟”
وما كان اكتشاف الجواب سوى محض صدفة عجائبية يزخر بها تاريخ الاكتشافات العلمية. ففي عام 1999 ذهلت دافني بافيلير الأستاذة في علم الأعصاب في جامعة روشستر بولاية نيويورك، بالنتائج العالية التي حققها باحث وزملاؤه في قسمها خلال اختبار يجرى بالحاسوب كان هدفه دراسة آثار الصمم الخلقي على الانتباه البصري. ومؤخراً ربطت هذا الحدث بشغفهم الشديد بألعاب الفيديو التفاعلية مثل لعبة “Counter-Strike” ولعبة “Team Fortress Classic”.
وقررت بافيلير توضيح أن أداء لاعبي ألعاب الفيديو أفضل من أولئك الذين لا يلعبونها في سلسلة من التدابير المعرفية التي تتضمن معالجة سريعة لمعلومات معقدة وتقدير أعداد الأشياء وتغيير مركز الانتباه بين المهام والتركيز على الأمور المهمة مع تجاهل المشتتات. كما أوضحت أن أداء الأشخاص الذين لم يعتادوا اللعب بألعاب الفيديو طُلب منهم قضاء بعض الوقت في تجربة لعبة فيديو معقدة بعض الشيء مثل لعبة (التصويب من منظور الشخص الأول) التفاعلية ولقد أظهروا أداء أفضل في التصويب من أولئك الذين لعبوا ألعاب فيديو أكثر بساطة وتجريداً. حيث كان اكتشافها الذي مفاده أن لعب ألعاب الفيديو له دور في إمكانية تحسين حساسية التباين – القدرة على تمييز الفروقات البسيطة في الأماكن المظلمة- محط اهتمام، لأن جميع الآراء أجمعت على أنه لا يمكن معالجة هذه الحالة من خلال التمارين البصرية.
تقول بافيلير إن جزءا من الذي كانوا يقومون به أدى إلى التشكيك في مدى أهمية الفترات الحرجة والحساسة التي تحدث عنها العالمان هوبيل و ويزل في بحثهما. وتقول إنهم يعتقدون بوجود طرق تسمح بمساعدة الدماغ على تجديد وصلاته العصبية، الأمر الذي من شأنه أن يعالج البالغين ممن يعانون حالات الغَمَش (ضَعْفُ الرُّؤْيَةِ دُونَ سَبَبٍ عُضْوِيّ واضح) أو ما يدعى “بالكسل البصري”.
بدأت إحدى المجموعات في المملكة المتحدة بالفعل بتطبيق علاج يعتمد على استخدام ألعاب الفيديو. ففي عام 2003 تشكل فريق مكون من مجموعة من علماء الحاسوب وباحثين في علم البصريات في جامعة نوتنجهام من أجل البت في إنشاء I-BiT وهو نظام علاج تفاعلي للغَمَش يعتمد على استخدام نظر كلا العينين. و تمحورت فكرة هذا النظام في تدريب الدماغ على التركيز على المحتوى التفاعلي والأكثر إثارة للاهتمام في اللعبة أو الحدث الأساسي من مقاطع الفيديو التي تتكون صورتها لدى العين الكسولة على حساب الصور المرئية الأقل إثارة للاهتمام والهامشية المتكونة لدى العين الأقوى بصراً.
قد يسخر أولئك الذين جربوا ارتداء نظارات الواقع الافتراضي الحديثة من الوصف الذي أطلقه الفريق على النموذج الأولي المسمى ب “الواقع الافتراضي”. لقد كانت كصندوق خشبي للشاي بفتحة في مقدمته حتى يتمكن المرضى من رؤية شاشتين مختلفتين واحدة لكل عين.
في طريق العودة عبر المحيط الأطلسي كان ليفي مذهولاً بما توصلت له بافيلير، حيث اكتشفت أنه يمكن زيادة كفاءة مجموعة من الوظائف المعرفية بما فيها الوظائف البصرية من خلال لعب ألعاب الفيديو. وقد أظهر اختباره التجريبي الذي قام به في عام 2011 ، أن مستوى وضوح الرؤية لدى البالغين ممن يعانون من العين الكسولة تحسن بشكل كبير بعد أن قاموا بلعب ميدل أوف أونر Medal of Honor – وهي لعبة فيديو من نوع تصويب من منظور الشخص الأول- لفترة تتراوح من 40-80 ساعة كانت خلالها عينهم الأقوى بصرا مغطاة.
على الرغم من تلك النتائج المبكرة والمبشرة بالخير على ما يبدو إلا أنه سرعان ما أصبحت هذه الطريقة غير مؤيدة والسبب الرئيسي لهذا الأمر هو اكتشاف طريقة أخرى بشكل مفاجئ و غير مخطط له.
ففي عام 2006، اكتشف هيس أمراً مخالفاً للرأي السائد. عندما تم تغيير الإشارات المرسلة إلى العينين من أجل مراعاة ضعف بصر العين الكسولة، استطاع الأشخاص الذين يعانون من الغَمَش الاستفادة من المعلومات البصرية المستقبلة من كلتا العينين. يوضح هذا الأمر أن السبب وراء تلك الحالة هو إلغاء الدماغ للإشارات القادمة من العين الأضعف بصراً. وخلال محاولة هيس لإيجاد علاج للمشاركين الذين خضعوا لجلسات متعددة في مختبره باذلاً جهده لاتخاذ تدابير علاجية لمشكلة إلغاء الدماغ للإشارات المرسلة من العين الأضعف بصراً، اتضح له في الحقيقة أن هذه المشكلة تتلاشى مع مرور الزمن. يقول هيس: “لقد شرعنا في اتخاذ التدابير العلاجية لمشكلة تجاهل الدماغ للإشارات وانتهى بنا المطاف بحلها.
أنا في ممر رمادي أحاول الحصول على الكنز، آخذا حذري من الروبوتات التي توجد في الخارج والتي تحاول الإمساك بي. لقد مضت خمسة أشهر منذ أن أوضح لي هيس سطحية عالمي. وبعد أن حسمت رغبتي في اكتشاف مدى ملائمة هذه الطريقة العلاجية للغمش الذي أعاني منه توجهت إلى مكتب ليفي في مدرسة بيركلي للبصريات التابعة لجامعة كاليفورنيا بالقرب من مدينة سان فرانسيسكو.
ومن أجل تجربة اللعبة التي ابتكرها ليفي و بافيلير أمعنت النظر في مجسم عبارة عن إطار معدني يحتوي على عدد من المرايا التي تعكس صورتين مختلفتين متكونتين في شاشة منقسمة وتظهر عيناي فيها كل على حدة. وقد تم تعديل مستوى السطوع والتباين ومحاذاة الصورة من أجل مراعاة عيني الأضعف بصراً. ومن الناحية النظرية هذا يعني أنه بإمكان عقلي الآن دمج الصورتين المرئيتين المتكونين في كلتا العينين، ونتيجة لهذا يفترض أن أكون قادراً على التركيز على البقع الرمادية المتحركة والمعروضة بشكل دوري لعيني الأضعف بصراً فقط. وفي الواقع هناك احتمالان: إما أن أفشل في رؤيتها تماماً أو أن أتمكن من رؤية مجرد ومضات ملونة غامضة. وبالتالي -بالنسبة لي- تتحول تلك البقع المزعجة إلى وحوش تحاول القضاء علي.
لا شك أن نجاح العديد من الأساليب العلاجية يختلف من مريض لآخر. يخبرني إيريك جيليت البالغ من العمر 52 عاماً كيف كانت تجربته قبل 3 سنوات عندما حظي برؤية ثلاثية الأبعاد لأول مرة بعد خضوعه لعدد قليل من الجلسات العلاجية مستخدماً نظام ليفي. كان جيليت الذي كان يعمل محللا ماليا في مدرسة بيركلي التابعة لجامعة كاليفورنيا في طريقه لتناول وجبة الغداء مع أحد زملائه، وكان ماراً بين أشجار السكويا والصنوبر والأوكالبتوس الشاهقة التي تضفي منظراً جميلا في الحرم الجامعي. وبينما كان ينظر لأعلى شجرة البلوط أدرك أن شيئاً ما قد تغير. يقول إيريك: “فجأة استطعت رؤية المسافة بين أفرع الشجرة والسماء. ولم تعد تبدو مسطحة وملتصقة ببعضها كالسابق. كانت مجرد ثوان معدودة ولكنها مؤثرة للغاية.”
تم تشخيص حالة الغمش لدى جيليت في وقت متأخر حين كان يبلغ السادسة من عمره في بلدته ببلجيكا، وقد أدرك أن لديه ضعفا في الرؤية بأبعاد ثلاثية قبل 10 سنوات تقريباً خلال فحص نظر معياري. وفي عام 2012 أصبح واحداً من بين 38 شخصاً بالغاً ممن يعانون من الكسل البصري الذين شاركوا في دراسة تجريبية أجراها ليفي وخاضوا اللعبة التجريبية العلاجية التي ابتكرها. ولكن هذه المرة تخلى ليفي عن طريقته العلاجية الأحادية السابقة -أي التي تعتمد على الرؤية بعين واحدة فقط- (والتي تتمثل في معالجة العين الأضعف بصرا بينما تكون العين الأقوى بصرا مغطاة) لصالح طريقة علاجية ثنائية أي تعتمد على العَينَين (تتمثل في تجاهل الصور المرئية المعروضة أمام العين الأقوى بصرا محاولاً حث الدماغ على الاعتماد أكثر على العين الكسولة).
بعكسي أنا استطاع جيليت -كما يقول- أن يلعب اللعبة وقد تمكن من رؤية شجرة البلوط بوضوح ثلاثي الأبعاد بعد خضوعه لما بين 5 إلى 10 جلسات خلال الأربعين ساعة التي قضاها في المختبر. وبعد ثلاث سنوات سألته عن الآثار الطويلة الأمد التي حصلت فرفع يده اليسرى وابتسم ابتسامة عريضة ثم قال: ” أستطيع رؤية يدي بصورة ثلاثية الأبعاد رؤيتي الثلاثية الأبعاد ضعيفة ولكنها متاحة معظم الوقت.”
على الرغم من حماس جيليت، إلا أن نتائج التجربة كانت محبطة بالنسبة لليفي. لقد تحسن مستوى وضوح الرؤية في العين الأضعف بصراً للبالغين الذين لعبوا تلك اللعبة لمدة 40 ساعة بمعدل سطر واحد فقط في المخطط البياني لاختبار فحص النظر لدى طبيب العيون- أقل من السطر ونصفه الذي تحقق في تجربته السابقة التي اعتمدت على الرؤية بعين واحدة (تجربة أحادية الرؤية) التي أجراها عام 2011.
التقيت بـ ديلون توماس الذي يبعد عن مكتب جيليت أقل من 100 ياردة. لقد حظي برؤية ثلاثية الأبعاد والفضل يعود للإصدار الأول من ألعاب الفيديو التي تم تصميمها لملائمة الجيل الجديد من نظارات الواقع الافتراضي مثل نظارات “Oculus Rift”. في يوم ما من السنة الماضية كان توماس يتجول مع كلبه موردي –وهو من فصيلة كلاب الهاسكي التي تجيد الصيد- في متنزه الكلاب بحي في سان فرانسيسكو حين رمى شخص ما كرة تنس دون قصد باتجاه وجهه. يقول توماس: ” بدون التفكير أو الاضطرار للنظر من أجل تتبع مسار الكرة علمت بالضبط أين كانت ومدى سرعة تحركها.”
“حركت رأسي فقط للجانب ورأيتها تمر. أقسم أن الوقت قد تباطئ حينها كما في فيلم الخيال العلمي The Matrix. عندما يكون لديك إدراك حسي عميق فإنك لا تحتاج للتفكير بالأمر الذي تريد حدوثه، فهو سيأتيك ببساطة”
خضع توماس خلال طفولته لعدة عمليات جراحية من أجل تصحيح مشكلة الحَوَلٌ الإِنْسِيّ التي تسببت له برُؤْيَةٍ مُزْدَوِجَة. جهوده المبذولة مؤخرًا والمتمثلة في تطبيق العلاج البصري، الذي يتطلب ممارسة تمارين بصرية باستخدام وسائل كالموشور ومرشّحات ذات أشكال كسرية، أظهرت نتائج بسيطة. وبعد ذلك صادف خلال فصل الربيع الماضي تقريرا عن أحد المطورين المقيمين في سان فرانسيسكو يدعى جيمس بالاها والذي قد ابتكر لعبة مصممة خصيصاً من أجل معالجة العين الكسولة باستخدام نظارات الواقع الافتراضي “Oculus Rift”.
جرب توماس في فصل الربيع الماضي نموذج بالاها الأولي داخل أحد المكاتب في مدينة سان فرانسيسكو. ويقول توماس: ” قام بتقليل السطوع المشع أمام عيني اليسرى وزاده أمام عيني اليمنى، وبعدها فجأة تكونت صورة مسطحة أمام عيني. كان المكعب يتحرك على مقربة من وجهي، وبالرغم من علمي أن ما رأيته لم يكن سوى ضرب من الرسومات الحاسوبية إلا أني تراجعت للوراء لأن الصورة بدت كما لو أنها حقيقية. لقد أذهلني ذلك بشدة “.
و قد أعاره بالاها العدة لكي يمارس تلك التمارين البصرية بمعدل عشرين دقيقة في اليوم لعدة أسابيع. يقول توماس أنه يحظى الآن بإدراك حسي عميق وفعال على بعد بضعة أقدام وهذا يعتمد على مقدار الراحة التي يشعر بها. وتوسع نطاق عالمه الثلاثي الأبعاد إلى “اثنين أو ثلاثة أحياء سكنية” ويصف زياراته الأخيرة للغابات بأنها تجارب “جميلة ومدهشة بكل تأكيد”.
عَمل بالاها كمطور ويب، وإلى جانب ذلك كان يمارس هواية ابتكار ألعاب الفيديو قبل ثلاث سنوات. وبسبب معاناته من العين الكسولة منذ طفولته فقد كانت إحدى مؤتمرات تيد مصدر إلهام له، حيث تحدثت في المؤتمر سوزان باري عالمة بيولوجيا الأعصاب التي تمتعت -بفضل العلاج البصري- بإدراك حسي عميق ثلاثي الأبعاد وهي في عمر الثامنة والأربعين. ويتضمن كتابها Fixing My Gaze الذي ألفته في عام 2009، وصفاً حياً عن الجمال الذي لم تره من قبل في الغابات ومناظر تساقط الثلوج.
لقد سبق لبالاها القيام بالعلاج البصري لمئات الساعات عندما كان طفلاً ولكن بنسبة نجاح أقل. وبعد اطلاعه على الأعمال التي أجراها ليفي و هيس وآخرون قرر بالاها أن يشق طريقه نحو تحقيق نتائج مماثلة لباري بطريقة لعب ألعاب الفيديو عوضاً عن طريقة ممارسة التمارين البصرية المكررة . بعد إصدار أول نسخة مطورة من نظارات الواقع الافتراضي “Oculus Rift” في عام 2012، ظن بالاها أن من شأن البيئة ثلاثية الأبعاد المثالية التي سوف تتيحها هذه النظارات أن تكون الحافز الأكثر فعالية لإعادة برمجة أدمغة الأشخاص الذين يعانون من الكسل البصري.
في يوم ما من أيام نوفمبر عام 2013، كان مشغولا بشيء كبير أثناء اختباره لبرنامج حاسوبي كان قد كتبه من أجل تصميم لعبة مكعب الالوان. يقول بالاها: “كنت أزيد سطوع الصورة الموجهة لعيني الأضعف بصراً أكثر فأكثر، وعند حد معين ظهرت بصورة ثلاثية الأبعاد”. وحين امتدت الزاوية نحوه تراجع جسدياً وقال : “لم يسبق لي أبدا رؤية أي شيء بأبعاد ثلاثية كهذه المرة”. ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأ في التمتع بإدراك حسي عميق فعلاً للوحة مفاتيح حاسوبه وأشياء أخرى في الواقع أيضاً.
وبعد مضي بضعة أيام، نشر إعلانا -على المنصة الإعلانية في موقع انديجوجو للتمويل الجماعي- يلتمس فيه الحصول على ألفي دولار، وتعهد باستخدام هذا المبلغ من المال لكي يبتكر نسخة علاجية من لعبة كسر الطوب Breakout التي صممت في سبعينات القرن العشرين. وفي غضون أسابيع تعدت قيمة التبرعات المالية المقدمة له عشرين ألف دولار. و فور انتهائه من ابتكار الإصدار الأول من اللعبة انتقل من مسقط رأسه في شرق لانسينج بولاية ميشيغان إلى مدينة سان فرانسيسكو لأنه وافق على قبول عرض تمويل وتوجيه وتدريب بالإضافة إلى الحصول على حيز مكتبي واسع من أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية في المجالات التقنية لدى شركة SOSventures مكافأة لما اتسم به من عدالة في شركته. وبعدها استطاع أن يقنع صديقه مانيش غوبتا الذي درس معه في المدرسة الثانوية بترك وظيفته كمحلل أعمال في شركة آي بي إم (IBM) من أجل العمل معه.
لقد وظفوا عشرين شخصاً من أجل تجربة لعب الإصدار الأول من اللعبة التي ابتكرها لأكثر من ثلاث ساعات لمدة 4-6 أسابيع. وأشارت النتائج إلى أن ممارسة هذا النشاط – مع مرور الوقت- كان يؤدي إلى تقليل تجاهل الدماغ للإشارات التي ترسلها العين الأضعف بصراً. لذلك قاموا بابتكار لعبة أخرى مصممة خصيصاً لزيادة آثار العلاج، وبحلول شهر سبتمبر من عام 2011 استطاعوا جذب اهتمام المستثمرين فحصلوا على 700,000 دولار كتبرعات منهم. لقد حذرهم أطباء العيون من احتمالية خطر الإصابة بالرؤية المزدوجة من جراء تقليل تجاهل الدماغ للإشارات البصرية. وفي ضوء ذلك يتم اختبار نظام بالاها في 8 عيادات للعيون في الولايات المتحدة وتخضع لتجارب في جامعة كاليفورنيا بمدينة سان فرانسيسكو تتضمن مشاركة 50 شخصا بالغا ممن يعانون حالة الكسل البصري المتوسط.
يقول بالاها: ” ثمة العديد من الأشخاص البالغين الذين تم إبلاغهم بعدم وجود علاج لتحسين الرؤية لديهم”. ويقول: “أود العيش في عالم يستطيع فيه الأطفال لعب ألعاب الفيديو ذات الواقع الافتراضي لمدة 30 دقيقة في اليوم عوضا عن تغطية إحدى عيونهم من أجل العلاج. هذا هو العالم الذي نسعى لصنعه”
يقول غوبتا وعلى مُحياه ابتسامة عريضة: ” باستثناء القراصنة” وهو ينظر لشريكه في العمل “ما يزال يتعين عليهم تغطية عينهم”.
إذن من المحتمل أن جرعة من الواقع الافتراضي هو ما تحتاجه عيني الكسولة. سأذهب لملاقاة بالاها في مكتبه الجديد بالمركز التقني المكتظ بالناس في سان فرانسيسكو بحي South Of Market.
يبلغ عمر بالاها و غوبتا 27 سنة، وهما من كبار موظفي التكنولوجيا في شركتهما التي تدعى Vivid Vision. ويجلسان على جانب واحد من مكتب خشبي طويل أمام شاشات حواسيبهم المحمولة بينما أرتدي أنا نظارة الواقع الافتراضي. وبعد سلسلة من إجراء الاختبارات لتصحيح البصر في عيني وجدت نفسي في واقع جديد رحب، حيث كنت أقوم بتوجيه سفينة فضائية في حقل كويكبات. ونجاحي في التنقل عبر سلسلة من الحلقات مع تجنب الصخور العملاقة المتطايرة نحوي يدل على أن عقلي يستفيد من كلتا عينيَّ. ولكني بعد اللعب شعرت بالترنح قليلاً وصداع خفيف لمدة تراوحت من 15-20 دقيقة.
وبعد مضي ساعتين كنت في أحد المقاهي جالساً على كرسي مطلا على النافذة وأفكر بالرؤية الضبابية التي أراها بعيني اليمنى الأمر الذي بات يضايقني والذي أتجاهله في أغلب الأحيان، ولكن بات يزداد وعيي بهذه المشكلة. إنه لشعور مزعج ويبعث على القلق إلى حد ما، لا سيما أنه قبل بضعة أسابيع منصرمة حذرني أحد أطباء العيون المختصين في مستشفى مورفيلدس لطب العيون في لندن من المجازفة بتجربة أي علاج يدعي إنهاء مشكلة تجاهل الدماغ للإشارات التي ترسلها عيني الأضعف بصرا نتيجة اعتماده على إشارات العين الأقوى بصرا. وخلال احتسائي للاتيه كنت أتساءل فيما إذا كان ما أواجهه مؤشرا يبشر بتحسن نظري في المستقبل أو تحذير بالإصابة بالرؤية المزدوجة.
نظرا لنجاح مشروع بالاها الاستثماري في استقطاب العروض، فإن الإمكانات التجارية لهذه التقنيات التكنولوجية كانت واضحة للعيان. أعلنت يوبي سوفت (Upisoft) وهي شركة متعددة الجنسيات متخصصة بنشر وتطوير ألعاب الفيديو، والتي حققت نجاحاً باهراً كتصميم لعبة الفيديو المعروفة (Assassin’s Creed) في شهر مارس أنها قد أكملت تطوير لعبة Dig Rush وهي لعبة فيديو مصممة خصيصا لعلاج مرض العين الكسولة، ويمكن لعبها على الأجهزة العاملة بنظامي أندرويد أو iOS . في هذه اللعبة يرتدي اللاعبون نظارات ثلاثية الأبعاد تعرض صورا مختلفة لكل عين ولا يمكنهم اجتياز المراحل في اللعبة إلا باستخدام نظر كلا العينين.
تم تصميم لعبة Dig Rush بالتعاون مع Amblyotech وهي شركة ناشئة في مجال تصميم الألعاب الطبية حاصلة على حقوق هيس للتكنولوجيا. في عام 2011 حصل أعضاء مجموعته على براءة الاختراع من الولايات المتحدة مكافأة لاكتشافهم المفاجئ عام 2006 طريقة تحدُّ من تجاهل الدماغ للإشارات. وخلال المشروع التجريبي الذي نفذه عام 2013 والذي يتضمن مشاركة 18 شخصا بالغا توصل هيس إلى أن الأشخاص الذي لعبوا (Tetris) وهي لعبة فيديو كلاسيكية على شكل أحجية وهم مرتدين نظارات الواقع الافتراضي التي كانت تعرض لكل عين أجزاء/مراحل مختلفة من اللعبة قد تحسن نظر عينهم الأضعف بحوالي خطين/سطرين في المخطط البياني لاختبار فحص النظر لدى طبيب العيون. كما انخفضت لديهم نسبة تجاهل الدماغ للإشارات وتحسنت رؤيتهم ثلاثية الأبعاد. وقد تم الشروع في إجراء اثنتين من التجارب السريرية السنة الماضية.
وأظهرت مجموعة I-BiT في نوتنجهام نتائج مبكرة ومبشرة بالخير. حيث صمموا نظارت ثلاثية الأبعاد مغلقة وطوروا لعبة إطلاق النار في الفضاء تدعى “Nux” فحصلوا عام 2012 على براءة الاختراع من أوروبا. يقول ألكساندر فوس قائد المجموعة، إن الاختبار التجريبي الذي تضمن مشاركة 75 طفلا تتراوح أعمارهم ما بين 4-8 سنوات أثمر نتائج حِيادِيَّة. ولكنهم يقومون بإعادة تصميم نظامهم ويأملون في إجراء تجربتين إضافيتين مبكرا في السنة المقبلة.
بينما اختارت مجموعة بريطانية أخرى أن تتخذ مساراً آخر. يستخدم باحثون في مستشفى Moorfields للعيون ومعهد طب العيون التابع لكلية لندن الجامعية نظارات الواقع الافتراضي المغلقة من أجل الموازنة بين الإشارات البصرية التي يستقبلها الدماغ بواسطة عرض صور ضبابية للعين الأقوى بصرا. وقد تحسنت جودة وضوح الرؤية لدى سبعة أطفال يعانون من غَمَش تَفَاوُتِ الانْكِسار بعد خضوعهم لجلسات دامت لمدة ستين يوما بمعدل ساعة لكل جلسة. وبعدها تم التخطيط لإجراء تجربة سريرية بمشاركة مائة طفل.
إن نتائج الدراسات التجريبية البسيطة التي تم إجراؤها حتى الآن تعد واعدة، وتم نشر أبحاث كافية لتوضيح أن فرق العمل حققت اكتشافا عظيما. ولكن لم تتم الإجابة عن بعض الأسئلة الأساسية. والأهم من ذلك لا يوجد توافق في الآراء بشأن إمكانية تحسين الوظيفة البصرية باستخدام ألعاب الفيديو بالتحديد.
يرى هيس أن اكتشافه الذي حققه عام 2006 يوضح أن السر يتمثل في التخلص من مشكلة تجاهل الدماغ للإشارات المرسلة من العين الأضعف بصرا. في حين يرى آخرون أن المسألة أكثر تعقيدا من ذلك. حيث وجد ليفي – في دراسته الأحدث للعبة الفيديو- أن التحسن الذي طرأ على جودة وضوح الرؤية لدى المشاركين لم يكن مرتبطاً بمستوى تجاهل الدماغ للإشارات في بداية الدراسة ولا بانخفاضه في نهاية الأمر .
يضيف ستيف داكين مطور نظام Moorfield-UCL والذي يعمل الآن في جامعة أوكلاند في نيوزيلندا، قائلاً : إن مجموعته قد لاحظت حدوث تحسن في وضوح الرؤية دون انخفاض مستوى تجاهل الدماغ للإشارات البصرية. ويقول إنه بسبب قيام المشاركين في دراسة ألعاب الفيديو باستخدام نظارات تصحيحية مسبقاً، فإنه من المحتمل أن يكون هذا السبب الحقيقي وراء التحسنات التي لاحظوها في حالة عدم استقرار بصرهم بالكامل بحلول وقت إجراء البحث.
ودعونا نواجه الأمر- إن الأساليب العلاجية التي تعتمد على لعب ألعاب الفيديو تعد أكثر متعة من تلك التي تعتمد على طريقة تغطية العين. يقول داكين: “لست متأكداً من وجود الكثير من الخيارات الموجودة بين ألعاب الفيديو ومشاهدة الأفلام وربما حتى تغطية العين. يمكن أن يكون تقبل الأطفال لهذه الأساليب العلاجية هو سبب نجاحها بشكل كبير.”
أي المرضى الذين سيستفيدون أكثر من غيرهم من هذه الأساليب العلاجية الجديدة؟ إن النتائج الرئيسية الواعدة للتجارب المبكرة عبارة عن قيم متوسطة تخفي غالباً اختلافات شاسعة في التأثيرات الناتجة بين الأشخاص. واستثنى الباحثون في بعض الحالات الأشخاص الذين لديهم حالة كسل بصري حاد. في حين لم يتم الإبلاغ حتى الآن عن أي حالة رؤية مزدوجة نتيجة لهذه العلاجات التجريبية، إن إجراء رصد دقيق يتطلب استجابة للمخاوف التي أعرب عنها بعض المختصين في أمراض العيون.
ينبغي أن تزود التجارب الجارية الأعظم من السابقة أفكارا حول آلية عمل هذه الأساليب العلاجية، وبشكل أعم حول سبب كون الدماغ أكثر تقبلاً لإعادة التشكل بواسطة التجارب الحسية مما كان يعتقد في السابق، مع توضيح الآثار المشوقة التي قد تترتب على علاج الوظائف المفقودة الأخرى في الجسم. يقول هيس: “إن حقيقة أن الشخص البالغ يملك نسبة متبقية من مرونة الدماغ تعني أنه سيكون بوسعنا فعل شيء ما من شأنه أن يساعد في علاج الكثير من الظروف المكتسبة التي تؤثر على الدماغ مثل السكتة الدماغية و إصابة دماغية رضية (إصابة داخل الجمجمة).
يقول داكين أن الغمش أو ما يعرف بالكسل البصري قد أصبح موضوع اللوحات الجدارية الخاصة بالأطفال للأبحاث التي تجرى حول مرونة الدماغ. ويقول: “فهمنا لكيفية عمل إعادة التخطيط سيمنحنا رؤى متعمقة حول طريقة عمل المعالجات البصرية الأساسية. وبمجرد معرفتك بمكان حدوث المرونة في الدماغ سيكون بوسعك معرفة المكان المُستهدف من أجل تحفيزه”
شعرت بالدهشة حيث كنت أتأمل هذه القصة. هل يمكنني بالفعل التمتع برؤية ثلاثية الأبعاد بمجرد لعب ألعاب الفيديو؟ باختصار، لا. يبدو أن الغمش الذي أعانيه من نوع آخر. كشفت الاختبارات التي تم إجراؤها في مستشفى مورفيلدس Moorfields أن عيني اليسرى السليمة المصابة بقصر النظر بشكل طفيف (2,25- ديوبترات) وعيني اليمنى الكسولة المصابة بطول النظر بشكل معتدل (+5 ديوبترات) هما سبب الاختلاف الكبير الحاصل في الصور التي يستقبلها الدماغ. بالإضافة إلى ذلك لدي حالة بسيطة من اللابُؤْرِيَّة أو انحناء قرنية العين اليمنى بشكل غير متساوٍ و حَوَل جزئي ولم يسبق لي أبداً تصحيح نظر عيني الأضعف بصراً. ولكن ببساطة كنت مرشحاً فقيراً لم أستطع تحمل تكاليف العلاج حيث رفضت بتردد جلسات اللعب العشر التي عرضها علي دنيس ليفي في مختبره.
في البداية شعرت بالقلق حينما أدركتُ أنني أرى الأشياء بشكل يختلف عما يرونها الناس، إلا أنني الآن أعده أمراً مثيراً للاهتمام أكثر من كونه مثيراً للقلق. أنا واثق تماماً بأنّي لا أعاني من مشاكل خطيرة متعلقة بـ التآزر البصري الحركي. صحيح بأن مهاراتي في ركل كرة القدم سيئة جدا، ولكن أدائي أفضل في خط الدفاع وخط منتصف الملعب. لقد مارست ألعاب الخفة برمي الكرات لفترة طويلة جداً وقد يعتبره الكثيرون أمراً ليس هيناً بالنسبة لطالب ونتيجة لذلك يمكنني رمي خمس كرات (بأنماط/بحركات تعاقب بسيطة إن كنتم تتساءلون.)
في الحقيقة، إن الفرق البسيط بين الإشارات البصرية المرسلة من كل عين هو فقط جزء مما يمنحنا العمق البصري. تتضمن الدلائل/الإشارات/التلميحات الأخرى مقارنات بين الحجم والتظليل والافتراضات حول مصادر الضوء وطريقة تغير الأجسام بمرور الوقت. قد لا يستطيع عقلي أن يمنحني تلك الرؤية ثلاثية الأبعاد التي يتمتع بها الآخرون، ولكنه يُعوّضني باستخدام مصادر المعلومات هذه أكثر.
من حسن حظي أن الوعي المتزايد بالرؤية الضبابية التي تعرضت لها بعد استخدامي نظام بالاها للواقع الافتراضي لفترة وجيزة قد تلاشى في اليوم التالي. منحتني قدرتي على لعب اللعبة كما جعلتني أتشبث بأمل أنني سأحرز تقدما في يوم من الأيام من خلال استخدام تقنيتها أو تقنية أخرى مشابهة لها، لكن أعتقد أنني سأتريث أولا لمعرفة نتائج بضع تجارب إضافية.
على الرغم من فشل محاولاتي في علاج نظر عيني المصابة حتى الآن إلا أن الدلائل تشير إلى إمكانية الأساليب العلاجية التي تعتمد على استخدام ألعاب الفيديو إثبات فاعليتها بالنسبة للأشخاص الآخرين في المستقبل القريب، ويمكن حتى أن تُستخدم كبديل لطريقة تغطية العين. وإذا حدث هذا حقاً سيكون المرضى اليافعين من الأجيال القادمة ممتنين جدا.
بقلم: نك فليمنج | ترجمة: فاطمة الدفاعي | تدقيق الترجمة: فاخرة يحيى و فاطمة الدلالي | تدقيق لغوي: محمد الشبراوي | تحرير: بسام أبو قصيدة | المصدر