الطب والصحةالعلوم التطبيقية

التباعد الاجتماعي: هذا ليس يومًا جليديًّا

بقلم: د. عساف بيتون

 

أعلم أن هناك حيرة ما بشأن ما ينبغي فعله فيما بعد،  في خضم هذا الوقت غير المسبوق للوباء وإغلاق المدارس والاضطراب الاجتماعي واسع النطاق. وبصفتي طبيب الرعاية الأولية وطبيب الصحة العامة، فقد سألني الكثير عن رأيي، وسوف أقدم هذا المقال أدناه استنادًا إلى أفضل المعلومات التي تتوفر لي اليوم. هذه هي آرائي الشخصية، والخطوات اللازمة في المستقبل.

وما أستطيع أن أقوله بوضوح هو إن ما سنفعله أو نتجنبه على مدى الأسبوع المقبل سوف يخلّف تأثيرًا هائلًا على المستوى المحلي وربما الوطني لمسار ڤيروس كورونا. 

نحن خلف إيطاليا تقريبًا بأحد عشر يومًا، وإننا بشكلٍ عام نحذو حذوَها ونعيد للأسف ما حدث هناك وفي باقي أوروبا قريبًا جدًّا.

وفي هذه المرحلة، فإن الاحتواء من خلال تتبع التواصل وزيادة الفحوصات ليس سوى جزءًا من الاستراتيجية اللازمة. ويتعين علينا أن نسعى لتخفيف الوباء من خلال تطبيق التباعد الاجتماعي على نطاق واسع وشامل. وهذا لا يعني إغلاق المدارس والعمل (قدر الإمكان) والتجمعات الجماعية والمناسبات العامة فحسب، بل يعني أيضًا اتخاذ اختيارات يومية للبقاء بعيدًا عن بعضنا بقدر الإمكان لتسطيح المنحنى.

لن يكون نظامنا الصحي قادرًا على التعامل مع الأعداد المتوقعة من الأشخاص الذين سيحتاجون إلى رعاية مركزة إذا لم نحشد الصرامة والإرادة لتطبيق التباعد الاجتماعي عن بعضنا البعض بدءًا من الآن.

نملك في الأوقات العادية حوالي 45000 سرير مزود بوحدة العناية المركزة على الصعيد الوطني، ويمكن أن يصل عددها وقت الأزمة إلى حوالي 95000 سرير.

وحتى التوقعات المعتدلة تشير إلى أنه إذا استمرت الاتجاهات المعدية بنسقها الحالي، فقد تكون طاقتنا (محليًا ووطنيًا) قد سُحقت في وقت مبكر من منتصف إبريل إلى أواخره .

وبالتالي، فإن الاستراتيجية الوحيدة التي يمكن أن تُبعدنا عن هذا المسار هي تلك التي تجعلنا نعمل معًا مجتمعًا واحدًا للحفاظ على الصحة العامة من خلال بقائنا بعيدًا عن بعضنا.

هنا يمكن العثور على الحكمة والحاجة الملحة لهذا الشكل العدواني والمبكر والصارم من التباعد الاجتماعي. أدعوك للاطلاع على الرسوم البيانية التفاعلية التي ستوجهك إلى ما يجب فعله في الوقت الحالي لتفادي الأسوأ لاحقًا. لقد أظهرت لنا الدروس والتجارب التاريخية للبلدان حول العالم أن اتخاذ هذه الإجراءات مبكرًا يمكن أن يكون له تأثير كبير على حجم التفشي. فماذا يعني هذا الشكل المعزز للتباعد الاجتماعي بشكل يومي عندما تُلغَى المدارس؟

في ما يلي بعض الخطوات التي يمكنك البدء في اتخاذها الآن للحفاظ على أمان عائلتك وتأدية دورك لتجنب تفاقم الأزمة:

1. نحتاج إلى حث مسؤولينا المحليين والوطنيين لإغلاق جميع المدارس والأماكن العامة وإلغاء جميع الفعاليات والتجمعات العامة في الوقت الحالي.

لن يكون للاستجابة المحلية، بمستوى بلدة إلى جانب أخرى التأثير المطلوب الكافي. وإنما نحن بأمسِّ الحاجة لمنهج دولي وقومي في هذه الأوقات العصيبة. تواصلوا مع مفوضيكم وممثليكم وذلك لحضهم على سنِّ عمليات إغلاق على مستوى الولاية. وحتى اليوم،  أجرت ست ولايات ذلك. وأن تكون إحداها. كما يجب حض القادة أيضًا على توفير المال تأهبًا لحالات الطوارئ وإعطاء الأولوية والسعة الأكبر لاختبار الفيروسات التاجية (كورونا). كما أننا بحاجة إلى مشرّعين لإعطاء إجازة مرضية مدفوعة الأجر وإعانات لغير العاملين حتى يساعد ذلك في دعوة الناس  للبقاء في المنزل الوقت الراهن.

2. منع تجمعات الأطفال وحفلاتهم وزيارات العوائل والأصدقاء لمنازل بعضهم البعض.

يبدو الأمر متطرفًا لأنه كذلك. نحاول أن نبني مسافةً بين الأسر والأفراد أيضًا.. قد يكون هذا غير مريح للعائلات تحديدًا، وأطفالهم الصغار ذوي القدرات التفاضلية أو التحديات، وللأطفال الذين يحبون ببساطة اللعب مع أصدقائهم. ولكن حتى إذا اخترت صديقًا واحدًا تتردد إليه بين الحين والآخر خلال هذه الفترة، فأنت ما تزال  تنشئ روابط وإمكانيات جديدة لنقل العدوى التي تُبذل الجهود لمنع انتشارها بإغلاق المدرسة والعمل وإلغاء المناسبات العامة. تبدأ أعراض فيروس كورونا بالظهور بعد 4 إلى 5 أيام، لذلك يمكن للشخص الذي لم تظهر عليه أعراض المرض وما يزال بصحة جيدة أن ينقل هذا الفيروس. إن مشاركة الطعام أمر محفوف بالمخاطر؛ لذلك لا أوصي بأن يتشارك الناس طعامهم مع أفراد خارج أسرتهم.

لقد اتخذنا بالفعل تدابير اجتماعية صارمة لمواجهة هذا المرض الخطير، لذا علينا ألا نرمي جهودنا وذلك بمستويات عالية من التفاعل الاجتماعي في منازل الناس بدل المدارس أو أماكن العمل. أؤكد مرة أخرى بأن الحكمة من التباعد الاجتماعي على هذا النحو الحاد والمبكر هي أن بوسعه تسطيح المنحنى أعلاه ومنح نظامنا الصحي فرصة ألا يكون ضحية، وقد يقلل أيضًا امتداده والحاجة لفترات أطول من التباعد الاجتماعي المتطرفة لاحقًا (انظر لما حدث في إيطاليا وَ ووْهان). علينا أن نؤدي جميعًا دورنا في هذه الأوقات، حتى وإن كان يسبب لنا ذلك الانزعاج لفترة قصيرة.

3. اعتن بنفسك وعائلتك، ولكن أبقِ مسافةً اجتماعيةً

مارسْ الرياضة، امشِ واجرٍ بالخارج وابقَ على اتصال بالهاتف والفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى،  ولكن عند خروجك ابذل قصارى جهدك للحفاظ على مسافة مترين على الأقل بينك والأشخاص الغرباء عنك. وإذا كان لديك أطفال حاول عدم استخدام المرافق العامة مثل الملاعب، حيث يمكن لڤيروس كورونا العيش على البلاستيك والمعدن لمدة يومين إلى ثلاثة أيام، ولا تُنظَّف هذه المنشآت بانتظام.

سيكون الخروج مهمًا خلال هذه الأوقات العصيبة والطقس يتحسن أيضًا. اذهب إلى الخارج كل يوم إذا كنت قادرًا على ذلك، ولكن ابتعد فعليًا عن الأشخاص من خارج عائلتك أو زملاء سكنك. إذا كان لديك أطفال، حاول لعب كرة القدم معهم ولتكن لعبة عائليةً بدلاً من لعبهم مع أطفال آخرين، لأن الرياضة غالبًا ما تعني الاتصال الجسدي المباشر مع الآخرين. ورغم أننا قد نود زيارة كبار السن في مجتمعنا، إلا أنني أزور دور رعاية المسنين أو المناطق الأخرى التي يقيم فيها عدد كبير من كبار السن، حيث أنهم أكثر عرضة لخطر الإصابة بالمضاعفات والوفيات الناجمة عن فيروس كورونا.

يمكن للتباعد الاجتماعي أن يؤثر سلبًا (فـ في النهاية، أغلبنا كائنات اجتماعية). لهذا يقدم مركز السيطرة على الأمراض (CDC) نصائح ووسائل لتخفيف هذا العبء، كما توفر المصادر الأخرى استراتيجيات للتعامل مع التوتر الزائد في هذا الوقت. 

نحن بحاجة إلى إيجاد طرق بديلة للحد من العزلة الاجتماعية داخل مجتمعاتنا عن طريق الوسائل الافتراضية بدلًا من الزيارات الشخصية.

4. قلل من الذهاب إلى المتاجر والمطاعم والمقاهي للوقت الحالي.

بطبيعة الحال، يُعد الذهاب إلى البقالة أمرًا ضروريًّا، لكن حاول أن تقلل من مرات ذهابك، واذهب في الأوقات التي تكون فيها المتاجر أقل ازدحامًا. وفكر في أن تطلب من محلات البقالة أن تجعل الناس يصطفون في طابور عند الباب، حتى تحد من أعداد الناس داخل المتجر في وقت واحد. وتذكر أن تغسل يديك جيدًا قبل ذهابك وبعده . واترك الأقنعة والقفازات الطبية للعاملين في القطاع الطبي- فنحن بحاجة إليها لرعاية المرضى. أبقِ مسافة بينك والآخرين أثناء التسوق، وتذكر أن تكديس المؤن يؤثر سلبًا على الآخرين، لذا اشترِ ما تحتاجه واترك بعضًا منه للآخرين. تعد الطلبات الخارجية للأطعمة أكثر خطورة من إعداد الطعام في المنزل نظرًا لوجود اتصال بينك والذين يعدونه ويوصلونه. كما أن من الصعب معرفة مدى خطورة الأمر، لكنه بالتأكيد أكثر خطورة من الإعداد في المنزل. ولكن يمكنك مواصلة دعم المشاريع المحلية الصغيرة (وخاصة المطاعم وتجار التجزئة الآخرين)، بل ينبغي عليك أن تستمر في ذلك خلال هذا الوقت العصيب عن طريق شراء قسائم من الإنترنت والتي يمكنك استخدامها في وقت لاحق.

5. إن كنت مريضًا، اعزل نفسك وابق في المنزل وتواصل مع أحد موظفي الرعاية الصحية.

إذا كنت تشعر بأعراض المرض فحريٌّ بك أن تعزل نفسك عن بقية أفراد أسرتك التي تقطن معك قدر الإمكان. وإن تساءلت عن وجوب خضوعك لاختبار الكشف عن ڤيروس كورونا، عليك الاتصال بمقدم الرعاية الصحية الأساسي. يجب ألا تذهب مباشرة إلى عيادة الطوارئ بل يجب أن تتصل بهم أولًا وأن تستمعَ إلى ما عندهم من نصائح قيّمة فقد تُنصح بالتوجه إلى مركز فحص لا يستوجب ترجلّك السيارة بل يقدم لك الفحص لتجريه  في منزلك أو ربما بزيارة افتراضية أو الفيديو أو الهاتف. وبطبيعة الحال، إن كانت حالتك طارئة فعليك أن تتصل برقم الطوارئ.

وأعلم أن مقدار المعلومات التي تنطوي عليها اقتراحاتي هذه تجعل الأمر معقدًا وقد تشكل عبئًا على عدد كبير من الأفراد والأسر والمشاريع والمجتمعات. إن التباعد الاجتماعي صعبٌ وقد يؤثر سلبًا على العديد وخاصة على من لا يملك متطلبات الحياة الكريمة أساسًا في مجتمعاتنا. وأدرك أيضًا نقص عنصر المساواة في هياكلنا ومجتمعاتنا مما يؤثر فعليًا على عملية التباعد الاجتماعي. يتوجب علينا وباستطاعتنا أن نوّحد النداء لإعانة الأشخاص الذين يعانون من نقص الأمن الغذائي والعنف الأسري والتحديات في الحصول على مسكن وغيرها من العقبات الاجتماعية.

وأعلم أن قدراتنا على العطاء لا تتساوى بطبيعة الحال، ولكن المحاولة شرفٌ لا بد من نيله باسم مجتمعاتنا وبدءًا من اليوم. 

إن تطوير الأساليب المتبعة في التباعد الاجتماعي،حتى وإن حصل ذلك ليوم واحد فحسب، قد يحمل فائدة عظيمة.

الفرصة الوقائية بيدينا الآن لصون الأرواح من خلال الوعي بأفعالنا الآنية والتي قد لا نكون قادرين على السيطرة على عواقبها خلال الأسابيع القليلة القادمة. أصبحت المسألة أمرًا يمسُّ بالصحة العامة ونحن مسؤولون، كوننا مجتمعًا واحدًا، أن نختار الأفعال الأصح قبل فوات الأوان وبينما ما تزال عواقب أفعالنا الفيصل في سير الأمور.

لم يعد لدينا أيُّ وقت لنضيِّعه في الانتظار.


بقلم: د. عساف بيتون | ترجمة: فريق ترجمات كلمة | تدقيق: عهود المخيني | المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى