الطب والصحةالعلوم التطبيقية

العالم يحذو حذو السويد في مواجهة ڤيروس كورونا .. قريبًا

تتسبَّب الصين بعزل ما يقارب 50 مليون شخص في مقاطعة هوبي ومنذ ذلك الحين اتخذت الحكومات الدِمُقراطية الليبرالية تدابيرَ حازمة لمحاربة ﭬـيروس كورونا المستجد.

في منتصف شهر مارس، وفي حين اتخذت دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مختلف الإجراءات للحد من انتشار الڤيروس والتي تضمَّنت غلق المدارس والجامعات وأماكن العمل والنقل العام بالإضافة إلى فرض القيود على الفعاليات العامة والرحلات المحلية والدولية، برزت دولة واحدة استثناءً.

عِوَضَ إعلان حالة الطوارئ أو تطبيق الإغلاق التَّام، وجَّهت السلطات السُّويدية المواطنين للالتزام بالتباعد الاجتماعي طوعًا. كما وضعت بعض القوانين للتخفيف من حدَّة الوضع ومنها، منع التجمع في الأماكن العامة لأكثر من 50 شخصا، ومنع خدمات الحانات، وتطبيق التَّعلم عن بُعد في المدارس الثانوية والجامعات وغيرها، وجديرٌ بالذكر أنها تجنَّبت الضوابط القاسية والغرامات وأعمال الشرطة.

وعلى الرغم من ملاحظة أن السُّويديين غيَّروا سلوكهم، فهم لم يحققوا النَّجاح الذي لوحظ بين سكان الدِمقراطيات الغربية. ظلت المطاعم مفتوحة رغم قلة عدد مرتاديها واستمر الطلبة في مزاولة دراستهم. وعلى عكس النرويج وبعض الدول الآسيوية، لم تَستعِن السُّويد بتقنيات تحديد المواقع أو تطبيقاتها، وذلك لتجنب انتهاك خصوصيات الآخرين.

لم يكن هدف السلطات السُّويدية الأول هو تحقيق المناعة الجماعية والتي تحدث – بإجماع عدد جيدٍ من العلماء –  بإصابة 70% من السكان بالڤيروس، ولكنه بالتأكيد جزء لا يتجزأ من استراتيجيتها الشاملة والتي من المرجَّح أن تتحقَّق من خلال إبقاء المدارس و المطاعم ومعظم الأعمال التجارية مفتوحة.

أشار أندرس تيجنِل؛ كبير أخصائي الأوبئة في وكالة الصحة العامة، أنه كان بإمكان مدينة ستوكهولم تحقيق المناعة الجماعية بداية هذا الشهر. ( أي شهر مايو 2020 ، وقت كتابة المقال. المترجمة )

وأشارت آخر المعلومات بشأن التوقعات السلوكية، أن عادات التباعد الاجتماعي غيَّرت سلوكيات السُّويديين. وبعد إجراء بعض الحسابات، أشار توم بريتُن -عالم الرياضيات بجامعة ستوكهولم- إلى أنَّ حصانة 40% من سكان العاصمة سيكون كافيًا لوقف انتشار الڤيروس، والمتوقع أن يحدث ذلك في منتصف شهر يونيو.

حازت السُّويد على الثّناء في بعض الأوساط لحفاظها على أبسط مظاهر الاقتصاد كما أنَّها تمكَّنت من الحفاظ على معدل منخفض للوفيات مقارنةً ببلجيكا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والولايات المتحدة. في حين انتقدها آخرون لارتفاع نسبة وفياتها من المهاجرين وكبار السن مقارنةً ببلدان الشمال الأوروبي.

بحسب إفادة تيجنِل، فإن تأخُّر توفير سُبل الرعاية ورعاية المسنين وتأخُّر فرض الإجراءات الوقائية كارتداء الكمامات، هي السبب وراء أكثر من 50% من وفيات ﭬـيروس كورونا في السُّويد.

واجه المهاجرون صعوبات أكثرَ من غيرهم في ظل هذه الظروف وذلك لكونهم أشدّ فقرًا مقارنةً بباقي سكَّان السُّويد كما يعمل أكثرهم في القطاع الخدمي الذي يقتضي القيام بمهام لا يمكن تنفيذها عن بُعد.

ولكن السلطات السُّويدية تزعم أنَّ معدل الوفيات العالي المسجل في ظلِّ هذه الظروف سيكون أقل نسبيًّا مقارنةً بالماضي.

باءت جميع الجهود للقضاء على الڤيروس بالفشل في العديد من الدول وسيُصاب الكثير من الناس به في نهاية المطاف.

لكنَّ السُّويد تنجح في تخطِّي الجزء الأسوأ من هذه الجائحة في الوقت الذي يتوقع العالم موجةً مُميتة أخرى من الڤيروس.

وعلى الرغم من أنَّ تصدِّي السُّويد للڤيروس لا يعدُّ الأفضل، إلا أنها نجحت في تعزيز مناعة الأشخاص الأقل عُرضة لأخطار الڤيروس ومن ضمنهم الشباب والأصّحاء، إضافةً إلى سعيها لتقليل حدَّة الوضع. ونتج عن ذلك استقرار الأوضاع في المستشفيات، إذ لم تكن هناك حاجة لتعزيز وحدات العناية المركَّزة ولم يضطر الأطباء لبذل جهود إضافية لرعاية الأطفال – إضافةً لضغط العمل لديهم – على الرغم من استمرار العمل في الحضانات والمدارس الابتدائية.

وبغض النظر عن تعبير الدول الأخرى عن إعجابها باستراتيجية تعامل السُّويد مع الجائحة، هناك بعض الدول التي تحاول محاكاة بعضٍ من جوانب هذه الاستراتيجية. فقد قررت كلٌّ من الدنمارك وفنلاندا فتح مدارس الأطفال، كما سمحت ألمانيا لبعض المتاجر بمعاودة مزاولة نشاطها، وتخطط إيطاليا لفتح حدائقها قريبًا في الوقت الذي خططت فيه فرنسا أيضًا السماح لبعض الأعمال التجارية غير الضرورية بمزاولة نشاطها؛ كأسواق المزارعين والمتاحف الصغيرة والمدارس والحضانات.

كذلك بالنسبة للولايات المتحدة التي سجَّلت أخيرًا أعلى رقم لوفيات ﭬـيروس كورونا، فقد خفَّفت بعض الولايات القيود حسب توجيهات الرئيس دونالد ترامب الذي وعلى الرغم من تقريعه للاستراتيجية السُّويدية إلا أنه يدفع بلاده للحذو حذوها.

هناك العديد من الأسباب التي تدعو الدول لتخفيف القيود.

نعلم جميعًا أنَّ حصر الأعداد الكلية للوفيات والإفلاس وتسريح العمال والانتحار ومشاكل الصحة العقلية وخسائر الناتج المحلي والاستثمارات وغيرها من الخسائر الناتجة عن انتشار الڤيروس وطرق مكافحته ستحتاج وقتًا طويلًا، ولكن حجم الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الهائلة  التي تسبّب بها الإغلاق التَّام واضحة رغم كل شيء.  بحسب إفادة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن الإحصائيات تشير إلى أنَّ اقتصاد الدول النامية سيتقلَّص بنسبة 2% خلال كل شهر تُفرض فيه هذه القيود. وأفادت ذات الإحصائيات أنَّ بعض الدول كفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ستشهد انخفاضًا بنسبة قد تفوق الـ 25% خلال سنة، وسترتفع نسبة البطالة لتُحقِّق أرقامًا لم نسمعها منذ عام 1930، وهذا بدوره سيؤجِّج ردَّات الفعل السياسية ويُفاقم الفروقات الاجتماعية.

لا يُعدُّ الإغلاق التَّام الوسيلة الأفضل للقضاء على الڤيروس مقارنةً بالوقت المتوقَّع لإنتاج اللقاح في حين أنَّ تخفيف القيود والإجراءات سيخفِّف الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما بوسعه مساعدة السكان لبناء مناعة جماعية يمكن عدُّها الطريقة الأقل ضررًا لمكافحة ﭬـيروس كورونا على المدى الطويل.

ما تزال الكثير من خبايا هذا الڤيروس مجهولةً عن العالم، ومن الممكن جدًّا أن تواجه الدول التي تطبِّق إجراء الإغلاق التام تفشِّيًا أكبر للڤيروس في حين أنَّ سَلْكَ هذه الدول مسلك السُّويد لنشر المناعة الجماعية سيُقلل الأضرار المترتبة عن هذه الجائحة ويُعجِّلُ في القضاء عليها.

يعكس نهج السُّويد في مواجهة ﭬـيروس كورونا الثقافة المميزة للبلاد مما يجعل نجاحه التام في دولٍ أخرى غير مضمونٍ؛ فثقافة الالتزام بالتوصيات الرسمية والمسؤولية الفردية قد لا تتعدى حدود شبه الجزيرة الإسكندناﭬية.

كما تتميز السُّويد بمستوى عالٍ من الثقة التي لا تقتصر على العلاقات بين شعبها، بل وتشمل العلاقة بين الشعب والمؤسسات الحكومية أيضًا، إضافةً إلى أنَّ السُّويديين يأخذون التوصيات الطوعية على محمل الجدِّ أكثر من سكَّان أي دولة أخرى كما هو معروف عنهم.

كما يُعرف عن السُّوديين حرصهم على صحتهم مقارنةً بشعوب الدول الأخرى التي سيكون عليها بذل جهدٍ أكبر لحماية كبار السن.

وعلى الدول التي تقرر رفع القيود المفروضة أن تتعلَّم من أخطاء السُّويد فيما يتعلق بالمسنِّين والمهاجرين وذلك بتوفير الأقنعة والمعدات الوقائية الأخرى على الفور في مراكز الرِّعاية، ولا بدَّ من التركيز بشكل أكبر على حماية العاملين في القطاع الخدمي الذين يعدُّون أكثر عرضةً لخطر الإصابة بالڤيروس نتيجةً للشيخوخة أو العجز، وعليه فإنَّ تركيز الجهود يجب أن يكون على حماية الأشخاص المعرَّضين للخطر وليس إغلاق المجتمعات.

في حين تتوسَّع معرفة العلماء بالڤيروس، تعمل السلطات على البحث عن طرقٍ جديدة أفضل للتعامل مع انتشار العدوى.

وحتى في الدول التي تضمُّ أعدادًا كبيرة من الأشخاص المعرَّضين للخطر كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فإن التكلفة لحماية هؤلاء الأشخاص تعد أقل بكثير مقارنةً بتطبيق الإغلاق التام.

تحقيق المناعة الجماعية معنيٌ في المقام الأول بحماية الأشخاص المعرَّضين للخطر والذي – كما أيقنت السُّويد مبكرًا – يعد الطريق الأصعب ولكنه السبب أيضًا خلف استقرار الأوضاع الآن.

مع تفاقم أضرار الإغلاق التَّام أدركت الدول أن إدارة الأزمة هي الحل الأكثر واقعية للتعامل معها عوضًا عن محاولة القضاء عليها ولذلك ستتوجه العديد من هذه الدول لتخفيف القيود.

يُساعد التباعد الاجتماعي المدروس الذي يخفف الضغط على أنظمة الرعاية الصحية وتحسين طرق علاج المصابين وتوفير سُبل حماية أفضل للأشخاص المعرَّضين للخطر على تقليل الخسائر البشرية.

ولكن في نهاية المطاف قد تكون زيادة المناعة الجماعية هي الوسيلة الأكثر جدوى لمواجهة المرض طالما تمكنت الدول من حماية الأشخاص المعرَّضين للخطر. وأيًّا كان التقدير الذي تستحقه السُّويد لتعاملها مع الجائحة فإنَّ الجميع بدأ يُدرك أنَّها باتت في الطليعة.


بقلم: نيلز كارلسون وتشارلوتا ستيرن ودانييل ب.كلاين | ترجمة: الشيماء العبري | تدقيق: عهود المخيني | المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى