أرجوك يا هاياو مايازاكي حوّل هذه الكتب الرائعة إلى أفلام
إن رواياتي المُفضّلة التي لم تُحَوَّل إلى أفلام أو مسلسلات تلفزيونية بعد تحظى بمكانة خاصة في قلبي، فالنسخة الوحيدة التي أملكها عن القصة هي تلك التي نسجتها في عقلي وأحتفظ بها في ظهر ذاكرتي. وحينما يتم الإعلان عن تحويل إحدى هذه الكتب إلى أفلام، أشعر وكأن جزءًا من عقلي يتم اقتطاعه. إن تحويل الكتب إلى أفلام ليس بهذه البشاعة بالضرورة، ولكنني لا أنفك عن الشعور بأن أحدهم قد سرق مني شيئًا ما.
ولكن، هنالك مخرجون تشعر وكأنه لا بد لكتبك المفضّلة أن تقع تحت أيديهم، وأن يجعلوا منها تحفةً فنيّة متحركة، لتصوّر الكتاب بشكلٍ مثالي. هاياو ميازاكي، الشريك المؤسس لشركة أستوديو غيبلي- شركة الإنتاج اليابانية العظيمة- هو أحد أولئك المخرجين البارعين. أسلوب الرسم، وأسلوب الكتابة، وتسلسل الأحداث والمشاهد في أفلام أستوديو غيبلي هو ضربٌ من السحر والخيال الماثل أمام عينيك. هنالك صبغة أدبية طاغية على كافة أعمال المخرج العبقري. وما تزال إنتاجاته ا لسينمائية في تطوّر أيضًا. فعلى الأقل، يتحدّث فيلم The Wind Rises عن مصمم طائرات ميتسوبيشي أثناء الحرب العالمية الثانية.
إذا ما كان ميازاكي يبحث عن أفكار لأفلامه الجديدة، فيسعدني أن أمنحه بعضاً من الكتب التي سأكون ممنونًا يأن يدمّر تصوّري لها في مخيّلتي!
1. البارون ساكن الأشجار The Baron in the Tree– إتالو كالفينو
تحكي هذه الرواية الجميلة قصة الفتى كوزيمو ذا الـ 12 عاماً، والذي يقطن في الريفيرا الفرنسية في القرن الثامن عشر. فبعد شجارٍ مع أخته المزعجة، يهجر كوزيمو الحياة على الأرض ليتخّذ من الأشجار موطناً له. في بداية الأمر يعتمد على المساعدة خصوصاً فيما يخص الطعام، ولكن لاحقاً، يصبح مستقلاً بالكامل. وبالرغم من أنه ترك الحياة على الأرض هرباً من المجتمع البشري، إلا أنه يكتشف أن كل ما يفعله في حياته فوق الأشجار هو مساعدة الآخرين. ومع كل هذا، يجد نفسه يقع في غرام فتاة، وهو أمرٌ لطيفٌ أيضاً.
إنها القصة المثالية لنزوات الشباب، تدور أحداثها في نسخة منحرفة بعض الشيء من عالمنا البشري. تبدو فعلًا أنه عمل يمثّل ميازاكي تمامًا.
2. حكاية للوقت الحالي A Tale for the Time Being – روث أوزيكي
تأتي هذه الحكاية على لسان شخصيتين، الأولى هي روث- وهي الكاتبة روث أوزيكي التي تقطن في مدينة فانكوفر، وبالمصادفة تجد مذكّرة جرفتها الأمواج لفتاة يابانية تُدعى ناو، وتبدأ بقراءتها. أما الشخصية الثانية فهي ناو ذاتها، التي أُجبرت للانتقال من كاليفورنيا إلى طوكيو بعدما خسر والدها عمله. تحكي الرواية عن التنمّر، والانتحار، والروحانية، وهموم المراهقين بشكلٍ عام ولكن بطريقة ممتعة ومضحكة. أتقنت أوزيكي إيصال صوت ناو للقارئ بكل تأكيد. تستطيع أن تحقق توازنًا بحيث لا تكون عبئًا حينما تتحدّث عن مواضيع ٍ قاسية. إنه أحد الكتب الرائعة التي عليك اقتناؤها!
وقد يستطيع ميازاكي أن يصوّر هذه الرواية تصويراً مثالياً كونها تمس عناصر من الثقافة اليابانية بطريقة غير مألوفة ومعاصرة. لا تعتمد حبكة القصة على التاريخ الياباني الغني بالأحداث التي في أغلب الأحيان يتم تأطيرها في الأساطير، بل تصف طوكيو كما هي في عالم اليوم- وهي ليست دائمًا لطيفة ورائعة.
3. السفن الطويلة The Long Ships– فرانس جنر بنجتسون
إن رواية بينجتسون ذات الحبكة البارعة هي بداية ونهاية كافة قصص الفايكنج التي نألفها، وليس هناك داعِِ بعد لأن تصنع حكايات أخرى، إذ تحكي الرواية قصة ريد أورام الذي يختطفه الفايكنجس، الذين بدورهم يختطفهم الأندلسيون، حيث يتخذون من ريد أورام عبداً لهم. وعبر عينيّ ريد أورام، يستطيع القارئ أن يرى أعجب التجليات واللحظات التي مر بها عصر الفايكنجس مثل التنصير، ودخول الألفية الجديدة، وفترة حكم هارالد بلوتوث، ومعركة مالدون، وغيرها الكثير من الأحداث المُذهلة. وليس ذلك فقط، فالرواية تتصف بحس دعابة ممتع وحذق.
ميازاكي و الفايكنجس؟ الفكرة تبدو لذيذة جدًا! سينجح ميازاكي في تصوير حقبة الفايكنجس هذه، من خلال رسوماته المليئة بالحياة والألوان والتي تعكس نبرة بينجتسون بشكلٍ رائع. إن قوم الفايكنجس يملكون تاريخاً حافلاً ولكن للأسف أغلب التصورات التي تتحدث عن حضارتهم تُقلل من شأنهم وتُقَوْلِبُهُم في صور نمطية . إن تبّني ميازاكي للسفن الطويلة كفيلم تاريخي وبطولي سيكون ضربة ساحقة!
4. لينكولن في باردو Lincoln in the Bardo– جورج ساندرز
بعد وفاة ابنه ويلي، يقوم الرئيس الأمريكي لينكولن بزيارة قبر ابنه بمفرده عدداً من المرات، ولكن ما لا يعرفه الأب الطيّب أن ويلي ليس ميتاً، بل عالقٌ بين الحياة والموت في أرضٍ روحية متوسطة، بين أرواحٍ أخرى عالقة بين الحياة والموت أيضاً. إن هذه الرواية الفائزة بجائزة بوكر تتسّم بالدعابة وصدق الشعور وهي غريبة بشكل رائع.
تبدو مقبرة ويلي كمكانٍ خارج من فيلم Spirited Away. إلى جانب الأرواح التي تعيش في جوٍ من الثقافة الشعبية، يستطيع ميازاكي أن يُعطي لقصة ساندرز بُعداً جديداً، كما أن حسه الفكاهي المفعم بالصدق سيضفي طابعاً مميّزاً.
5. هجوم المخبز الثاني- هاروكي موراكامي من كتاب الفيل يتلاشى The Elephant Vanishes
إن هذه القصة القصيرة الطريفة للكاتب الياباني هاروكي موراكامي تتحدّث عن زوجين حديثا الزواج يقرران أن ينهبا أحد أفرع ماكدونالدز، والسبب الذي يدفعهما لذلك مضحكٌ وغريب. فالزوج عندما كان مراهقاً نهب مخبزاً، وحينما لم يستطع أن يفلت من الخبّاز، حصلت هدنة بينهما، حيث دفع الخبّاز الزوج إلى أن يستمع إلى الموسيقي فاغنر مقابل حصوله على الخبز. ولكن الزوج لم يستطع الاستماع إلى فاغنر وبالتالي لم يحصل على الخبز. وتظن الزوجة أن هذه الحادثة ألقت بتعويذة على زوجها العزيز، ولهذا فعليه المحاولة من جديد. ولكن المعضلة الوحيدة أن في ذلك الوقت لا يوجد مخبزٌ واحد مفتوح، ولكن ماكدونالدز يفي بالغرض.
إنها قصة قصيرة جداً، وبالرغم من أنها مبنيّة على الواقع، إلا أن المنطق الذي تسير عليه الشخصيات هو منطق غير واقعي ومن عالمٍ آخر، وهو ما يميّز هاروكي موراكامي دائماً، وميازاكي في أحيانٍ كثيرة. الاثنان فنانان يابانيان عظيمان، ومن الرائع أن نرى تعاونًا بينهما حتى لو لم يكن بتحويل أحد كتب موراكامي إلى فيلم.
رجاءً ميازاكي، لا تتقاعد قبل أن تحوّل أحد هذه الكتب إلى فيلم سينمائي! وأنا أُرشّح كتاب السفن الطويلة. رجاءً؟
بقلم: كريس ايدر | ترجمة: منال الندابية | تدقيق: لمياء العريمية | المصدر