في فلك القراءة

كيف تتذكر ما قرأت؟

من مدونة Farnam Street

 

لم أعد قادراً على تذكّر الكتب التي قرأتُها بقدر ما أتذكر الوجبات التي تناولتها، بالرغم من أنني قد تأثرت بتلك الكتب رالف والدو إيمرسون

لماذا يمتلك بعض الناس القدرة على تذكر تفاصيل كتاب لم يقرؤوه إلا لمرة واحدة طيلة حياتهم؟ بينما يستصعب البعض الآخر ذات الأمر. الجواب في ذلك بسيط، ولكن في الوقت ذاته ليس بالأمر اليسير ؛ فلا يتم الاكتفاء بالنظر إلى  ما تم قراءته فقط وإنما التوجه يكون بكيفية إنجاز ذلك . لا تعلمك طريقة القراءة الجيدة على أن تقرأ أكثر، بل تساعدك أيضا على القراءة بشكل أفضل.

القراء النشيطون والقراء الخاملون

القارئ الخامل عادة  ينسى الأشياء التي قام بقراءتها بسرعة ، على خلاف القارئ النشط، فهو يحتفظ بحصيلة كبيرة مما قام بقراءته ، الاختلاف الآخر بين القارئين هو أن كمية التأثر بما تتم قراءته تكون مختلفة . فالقارئ الخامل الذي يقرأ كثيراً والذي يقرأ قليلاً هما على حد سواء ؛ أما إذا كنت قارئا نشطا فالأمر يختلف تماماً .  

فكلما قرأ القراء النشطون أكثر كلما أصبحوا أفضل ؛ فقراءتهم  تسهل عليهم مهارة ربط النماذج العقلية بعرض الأفكار، مما يساعدهم على الاحتفاظ بما قرؤوه لمدة أطول. كما يتعلمون أيضاً التمييز بين البراهين الصحيحة والخاطئة . علاوة على ذلك ، يتخذ القراء النشطون قرارات بشكل أفضل ، والسبب في ذلك يرجع إلى  أنهم يعرفون كيف يسخّرون العالم  لإنجاز مهامهم . كما أنهم يتجنبون المشاكل. بالإضافة إلى أنهم يحضون بميزة أخرى وهي زيادة سرعة قراءتهم كلما قرأوا أكثر .

فكر في الكتب التي درستها في المدرسة، معظمنا يتذكر الكثير عن تلك الكتب “بالرغم من مرور الوقت، “حتى وإن كانت التفاصيل غامضة، نستطيع أن نتذكر بدون شك الأحداث الأساسية، الشخصيات، المواضيع المهمة والزخارف، لماذا؟ أحد الأسباب هو أننا لم نقرأ تلك الكتب ونمر عليها مرور الكرام، بل قرأناها كاملة بفاعلية مع مناقشة صفية، حيث تبادلنا الأدوار لقراءة بعض الأجزاء والفقرات بصوت عال ومثلنا المشاهد، بل و شاهدنا أفلام محاكية. لا يهم كم من الوقت مر منذ أن غادرنا المدرسة، فمن منا لا يتذكر رواية مزرعة الحيوان على سبيل المثال ؟

عادات القراءة الفعالة

وجود استراتيجية معينة ومعتمدة لتطوير أي ممارسة تتطلب منا الكثير من الوقت هو النهج الصحيح. في حال أننا قد نقضي الكثير من الوقت في القراءة واستهلاك المعلومات ,قد يطور القليل منا مهارة القراءة بجدارة .

للاستفادة من أي كتاب قمنا بقراءته ينبغي علينا التخطيط للتسجيل، والتصور ، والتنفيذ على أرض الواقع وذلك من خلال رسم المعلومات التي اكتسبناها على سبيل المثال .

في هذا المقال سوف نقوم بعرض كيفية الاستفادة من كل ورقة  قمنا بقراءتها :

أولاً, سنبدأ بتوضيح بعض المفاهيم الخاطئة عن القراءة. هنا أستعرض بعضا مما أعرف:

  • الكيفية أهم من الكمية. إذا قرأت كتاباً واحدًا في الأسبوع ولكنك قمت بإدراكه واستيعابه استيعاباً كاملا ستكون أفضل من الشخص الذي يمر على معظم الكتب في المكتبة بدون تركيز.
  • القراءة  السريعة لا تجدي نفعاً . الطريقة الوحيدة لتحسين سرعة القراءة هي عن طريق القراءة بشكل أكبر.
  • خدمات ملخصات الكتب تفقد الكتب معناها. حيث  تتقاضى الكثير من الشركات أسعاراً مبالغا فيها من أجل أن يقوم أشخاص لا تتجاوز أعمارهم الـ 22 عاماً ، ولا يمتلكون الخبرة في موضوع الكتاب بتلخيص الكتب، والذي يترتب عليه فقدان موضوعية الكتاب وطريقة تعلمنا .
  • الزخارف والأدوات ليست بتلك الأهمية. فقد تكتفي بالكمبيوتر المحمول والبطاقات المفهرسة والقلم. أما بالنسبة للأشخاص الذين يريدون الحصول على طريقة بحث سهلة، فتطبيق Evernote مثلا سوف يساعدهم في ذلك .
  • لا تقرأ كتبا تجعلك تشعر بالضجر.
  • إنهاء قراءة الكتاب هو أمر اختياري. فقد تبدأ بقراءة الكثير من الكتب وتنتهي من البعض فقط.

 

في كل مرة أقوم بقراءة كتاب عظيم أشعر أن القراءة عبارة عن خريطة ،خريطة كنز، والكنز الذي أنقاد إليه ينتهي بمعرفة نفسي . ولكن كل خريطة غير مكتملة تماما. فكي أحصل على الكنز ينبغي عليّ قراءة جميع الكتب. لذا فإن طريقة التعرف إلى نفسي هي طريق غير منتهية. الكتب هي التي تعكس هذا المنظور. لهذا نجد أن الحبكة في كل كتاب تهيج شخصاً للوصول إلى شيء  معين أسباب للبقاء حيا ، مات هيغ

يقوم الكثير من القراء الناجحين بالتحضير قبل القراءة. فالعمل الذي تقوم به قبل البدء بالقراءة له تأثير أكثر مما تظن.

قم بانتقاء كُتبك

لا توجد قواعد عندما يتعلق الأمر بالقراءة. فلا يجب علينا أن نقرأ أفضل المبيعات أو الكتب الكلاسيكية أو كتابا يتحدث عنه الجميع. في الحقيقة هنالك ميزة يتم اكتسابها من قراءة مواضيع لا يقرأها أناس آخرون، فهذه ليست مدرسة ولا توجد قوائم مطلوبة للقراءة. ركز على بعض الفئات من الكتب والتي:

  • تقف أمام اختبار الزمن.
  • تثير اهتمامك.
  • تتوافق مع ظروفك الحالية.

كلما وجدنا الكتاب ممتعا وذو علاقة مع اهتماماتنا كلما زادت احتمالية تذكرنا لمحتويات الكتاب في المستقبل.

أما بالنسبة للكتب القديمة أو تلك التي لم تتم ترجمتها، فتحقق من أي نسخة تعد الأفضل، على سبيل المثال، (ترجمة هيز لكتاب التأملات لـ ماركوس أوريليوس) تعتبر الأقرب للنص الأصلي، وفي ذات الوقت تتميز بإحساس ولمسة عصرية (مقبولة).

افهم سياق الكلام  

الطريقة الجيدة للبدء بالقراءة هي البحث الأولي عن الكتب. فبعض الكتب يختلف معناها تماماً بمجرد أن تعرف معلومات عن حياة  الكاتب وخير مثال على ذلك (تحالف الأغبياء  و The Palm-Wine Drinkard )

بالنسبة للكتب القديمة، حاول أن تدرس الوضع التاريخي وقت الكاتبة. أما الكتب التي كُتبت في دول غير معروفة، فمن المهم أن تدرس الوضع الثقافي آنذاك. كما يمكنك الاستعانة ببعض من هذه الأسئلة:

  • لماذا قام الكاتب بالكتابة؟  
  • ما الخلفية العامة ” للكاتب “؟
  • ماذا كتب أيضاً؟
  • أين قام بالكتابة؟
  • ما الحالة السياسية والاقتصادية والثقافية وقت الكتابة؟
  • هل تُرجمت كتبه؟
  • هل طرأت أحداث مهمة وقت كتابته مثل الحروب، الكساد الاقتصادي، تغير الحكام، أو اختراع تكنولوجي جديد؟

تعرف إلى أسبابك

لماذا تريد قراءة هذا الكتاب؟ هل هدفك الاستمتاع؟ أم أنك تريد أن تفهم شيئا تجهله؟ هل لتصبح أفضل في مهنتك؟ أم لتحافظ على صحتك؟ هل من أجل تعلم مهارات جديدة ؟ أم من أجل الأعمال التجارية؟

ينبغي عليك أن تعرف غايتك من قراءة أي كتاب . فأنت لا تقرأ من أجل تجميع أكبر قدر من المعلومات اللانهائية التي لا تعود عليك بالفائدة.

ألقِ نظرة سريعة ذكية  

قبل أن تبدأ بقراءة كتاب، بالأخص إذا كان واقعيا، خذ نظرة عامة من خلال الاطلاع على الفهرس ومحتويات الكتاب لتتمكن من معرفة ما إذا كان الموضوع يهمك أم لا. هذا المقال الذي يدور حول كيفية تذكر ما قرأت هو عبارة عن مقدمة للقراءة السريعة.

قد يعرِّفك الفهرس على أسلوب ونمط الكتاب. فغالباً ما يقرأ الكُتاب الناجحون المئات من الكتب لكل كتاب يكتبونه؛ لذلك فإن البحث الجيد عن الكتاب يجب أن يحتوي على مراجع مليئة بالمواضيع الشيقة.

بعد أن تقرأ الكتاب، تابع المراجع وقم بأخذ الملاحظات للكتاب التالي الذي تريد أن تقرأه.

اربط الكتاب بالمحيط الخارجي

بالرغم من أنه شيء عملي ولكن ربط الكتاب الذي تقرأه بموقعك وظروفك هو أمر مهم. الكتاب له صدى وتأثير كبير علينا، فهو يعتبر جزءا من الخبرات التي نكتسبها عوضا عن أن يكون شيئا إضافياً فقط  .

عندما تختار كتابا لتقرأه، ضع بعين الاعتبار حالتك التي تعيشها، ثم اختر الموضوع والكاتب الذي سيساعدك على تخطي هذه الحالة ومواجهة التحديات. أياً كانت حالتك و مخاوفك فحتماً هناك آخرون سواك مروا بهذه الحالة. وهنالك شخص مر بنفس التجربة وعاش نفس الإحساس فقرر أن يلخص تجربته في كتاب .

وعلى سبيل المثال :

مسافراً كنت أو في إجازة. اربط الكتاب الذي تقرأه بموقعك، ولتوضيح ذلك يمكنك أن تقرأ جاك كيرواك أو جون موير لأمريكا ، مكيافيلي لإيطاليا، أو جورج بيريك لفرنسا وهكذا. إذا لم تحدد وجهتك بالتحديد فعليك بقراءة فلاديمير نابوكوف أو هنري ثورو .

إذا كنت مهموما اقرا عندما تتحول الأنفاس إلى هواء لـ بول كولانثي أو  Torch  لـ شيريل ستريد  أو أي من مؤلفات تارا براتش

تواجه أزمات بسبب ازدياد معدل الوفيات حولك؟ (هذا يحدث لنا جميعاً). في هذه الحالة يمكنك قراءة On the Shortness of Life لـ سينيكا أو The Hidden Pleasures of Life لـ ثيودور زيلدين

تواجه مصاعب؟ فقدت وظيفتك؟ قم بقراءة تأملات لـ ماركوس أوريليوس أو العقبات طريق النجاح لـ راين هوليداي.

غير راض عن وظيفتك؟ اقرأLinchpin لـ سيث غودين ، الإتقان لـ روبرت جرين، أو Finding Flow لـ ميهايلي تشكزنتميهالي.

لو كنت أعمل كطبيب لكنت نصحت بالكتب ، فقوة وتأثير الكتب تضاهي قوة الأدوية.

استذكار المقروء

سوف تتذكر ما قمت بقراءته بسهولة في حالة اتباعك لسبع استراتيجيات أثناء قراءتك .

تدوين الملاحظات

تودينك للملاحظات يعد أمرا أساسيا لتحليل وتفسير ما قمت بقراءته في عقلك. وتعد أفضل الطرق لتدوين الملاحظات هي الطريقة الأسهل بالنسبة لك والأكثر فعالية. في حين أن هناك المئات من الطرق والاستراتيجيات على الإنترنت عليك أن تتبع الطريقة التي تلائمك وتداوم عليها حتى تصبح جزءا من قراءتك. يفضِّل البعض تسجيل الملاحظات في بطاقات الفهرس أو في مكان مألوف في الكتاب، بينما يفضل البعض الآخر النظام الرقمي. تعد الملاحظات مفيدة خصوصاً إذا كنت تكتب بشكل منتظم، الجميع (وليس فقط الكاتب) يمكنهم الاستفادة منها.

ابدأ بكتابة ملخص قصير من كل فصل لكل العبارات والمقاطع ذات معنى. إذا لم تكن متأكدا من كيفية تبسيط أفكارك، فتخيل أن شخصا استند على كتفك وطلب منك أن تلخِّص له الفصل الذي انتهيت من قراءته للتو; علماً بأن هذا الشخص لم يقم بقراءة الكتاب من قبل، وليس لديه أدنى فكرة عن الموضوع. كيف ستقوم بشرح الكتاب؟

هنالك ثلاثة أسرار ساعدتني على الكتابة والتفكير. يلخص روبرت جرين العملية التي اتبعها لتدوين الملاحظات :

عندما أقرأ كتابا أقوم بالبحث عن العناصر المهمة في هذا العمل، والتي من الممكن أن أستخدمها كي أنتج استراتيجيات وقصصا في كتبي. كما أنني أقوم أيضا بتحديد الفقرات المهمة وأكتب ملاحظاتي على الجانب.

بعد الانتهاء من القراءة، غالباً ما أقوم بوضع الكتاب لمدة أسبوع وأبدأ بالتفكير بعمق في الدروس التي يمكن الاستعانة بها لكتاباتي، وبعد ذلك أرجع للكتاب مرة أخرى وأدوِّن الفقرات المهمة في بطاقات

يوصي ديفيد فوستر والاس بنوع مماثل من القراءة النشطة ( للمزيد راجع  Quack This Way: David Foster Wallace & Bryan A. Garner Talk Language and Writing) :

الأمر لا يتعلق بكثرة القراءة فقط، بل أيضا بالتركيز على طريقة ربط الجمل ببعضها البعض، تنظيم الجمل، وطريقة ربطها لتشكيل فقرات متكاملة. عندما  تقرأ كتابا ويعجبك حقا قد تقوم بقراءة بعض الصفحات لثلاث أو أربع مرات، كل ما عليك هو أن تقوم بوضع الكتاب جانبا ومحاولة تقليد الكلمات المستخدمة، وعندها ستشعر أن عضلاتك  تحاول جاهدة أن تحقق بعضا من التأثيرات التي تسعى تلك الصفحات إلى الوصول إليه. إذا كنت مثلي فسيكون من فشلك أن تكون قادراً على أن تكرر العملية، لكنك ستتعلم كيف تجري الأمور. يبدو الأمر غريبا وغير منطقي، ولكن في الحقيقة، يمكنك فعلا قراءة صفحة من كتاب وتكون مؤثرة، ولكنك لا تشعر بأي شعور أو تأثير حتى تبدأ بإعادة إنتاجها بنفسك.

أثناء قراءتك لكتاب ما قم بكتابة ملخص للفصل الذي انتهيت منه مباشرة في نهاية الفصل. سيساعدك ذلك على تجميع ما قرأته عند انتهاء جلسة قراءتك. وعندما تلتقط الكتاب غدًا ابدأ بقراءة ملخصات الفصلين السابقين لمساعدتك في تحديد وجهتك في الكتاب.

حافظ على تركيزك

قرر أن في الوقت الذي ستقرأ فيه ، سيكون” الكتاب ” نصب عينيك، ولن ينشغل ذهنك بشيء آخر. ففي هذه الفترة لا تتفقد حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر أو بريدك الإلكتروني، لا تستخدم الهاتف أو تنشغل بالتلفاز ؛ وذلك لأن استيعاب وفهم الكتاب يتطلب منك تركيزاً عميقا، خصوصا إذا كان الموضوع معقداً. تذكّر دائماً أنك تهدف لأن تصبح قارئا نشطا؛ وكي تُحقق ذلك يجب عليك التركيز والتفاعل مع الكاتب .

إشارة إلى الوقت ما قبل الإنترنت، كتب نيكولاس كار : “في المساحات الهادئة الممتدة لفترة طويلة، تكون قراءة الكتاب قراءة متكاملة، وذلك لأن ارتباط الناس بالكتاب يكون ارتباطا تاما، مما يسهل عليهم استخراج الدلالات منه و إبداء آرائهم. حيث أن القراءة المتعمقة تجعلهم يفكرون بعمق أكثر”.

إذا كنت لا تستطيع أن تبقي تركيزك على الكتاب بالأخص إذا كان صعبا وطويلا ً، فعليك أن تقرأ 25 صفحة في اليوم الواحد فقط. القراءة على هذا النحو قد تستغرق منك شهورا ، ولكنك على الأقل ستكمل القراءة دون الشعور بالضجر.

دوِّن في الكتاب

تعلمنا في صغرنا أن نعامل الكتاب كشيء مقدس، زوايا الكتاب غير قابلة للطي والكتابة على الهوامش ممنوعة. ومع ذلك إذا أردت أن تتذكر ما قرأت فعليك أن تنسى كيف تجعل الكتاب نظيفاً. لقد استغرقت الكثير من الوقت لمساعدة أطفالي لنسيان قاعدة عدم الكتابة في الكتب. في الواقع، عليك أن تصبح مجنونا للهوامش. فكلما كتبت أكثر كلما أصبح عقلك أنشط أثناء القراءة.

دوّن الأفكار العرضية باختصار ، ضع خطاً تحت الفقرات الرئيسية واجعل من عادتك أن تصيغ حواراً مع المؤلف. يقترح البعض كتابة فهرس خاص بالصفحات الرئيسية والاختصارات. على سبيل المثال تكتب ماريا بوبوفا من موقع brain pickings الاختصار “BL” إشارة إلى اللغة الجميلة Beautiful Language

قد تفقد ثقتك بنفسك للمرة الأولى عندما تكتب في الكتاب، ولكن على المدى الطويل ستفهم النص أكثر وسيكون هنالك اتصال بينك وبين الكاتب.

وقد كتب بيلي كولين قصيدة رائعة في الهوامش:” استولت أناملنا على المساحات البيضاء كأننا الأسياد \ و أمسكنا بالقلم لنزداد تباهياً \  تزاحمت أفكارنا على الطريق دون أن نكتفي بالاسترخاء على الأريكة وتقليب الصفحات \ تزاحمت أفكارنا على الطريق \ تركنا بصمتنا وانطباعتنا في كل زاوية \ …. عذرا على الكلام الغريب، لكنني واقعٌ في الحب”

ارسم صورة واضحة في مخيلتك

تخيُل صورةٍ واضحةٍ تعتبر واحدة من أهم من الاستراتيجيات الفعالة لتذكر أي شي. عندما تقرأ فقرة أو فكرة مهمة توقف قليلاً و تخيلها في عقلك. اجعلها صورة مميزة وفريدة قدر ما تستطيع.

قم ببناء روابط عقلية

الكتب لا وجود لها في الفراغ. كل مفهوم وحقيقة يمكن ربطهما بعدة أشياء. بذل الجهد لصياغة روابطنا الخاصة هو الطريق المثمرة لنتذكر ما نقرأه بشكل أفضل.

كتب نيكولاس كار في كتابه (The Shallow) :

لطالما كانت الرابطة بين القارئ والكاتب متكافئة بإحكام، وهي وسيلة للتلاقح الفكري والفني. حيث يعمل كلام الكاتب كحافز في ذهن القارئ، ملهماً روابط وتصورات جديدة، وأحياناً قد تلهمنا الكلمات لأداء طقوس جديدة أيضا. و وجود قارئ يقظ وناقد يعطي حافزا لعمل الكاتب. إنه يمنح المؤلف الثقة لاكتشاف أشكال جديدة من التعبير، وإشعال مسارات التفكير الصعبة والمتطلبة للمغامرة في منطقة مجهولة وأحيانًا خطرة.

ضع النماذج العقلية نصب عينيك

تساعدنا النماذج العقلية على فهم الكتاب بشكل أفضل. هنا نستعرض بعض الطرق الرئيسية التي يمكننا استخدامها والتي تشمل:

التحيز: أي من أقسام الكتاب قمت بتجاهلها؟ هل هذا الكتاب يوافق رأيك؟ هل يساند معتقداتك  أم أنك ترى ما تريد فقط؟ إذا كنت لا تستطيع التفكير في نقطة واحدة في الكتاب، والتي لا تتماشى مع تفكيرك ،  فإن التحيز يشوه منطقك .

تحديث النظرية الافتراضية: ما المعتقدات التي ينبغي علي أن أغيّرها في ضوء هذا الكتاب؟ كيف يمكنني أن أغير نظرتي للعالم باستخدام المعلومات المتوفرة في الكتاب؟ ضع في اعتبارك كلمات جون ماينارد كينز :”عندما تتغير الحقائق، أغيّر تفكيري” ماذا عنك ؟

مبدأ باريتو: أي قسم من الكتاب هو الأهم والذي يحتوي على المعلومات الأكثر؟ إذا كان علي أن أستقطع 99% من الكتاب بماذا سأحتفظ؟ معظم الكُتّاب يسعون كي يصلوا إلى عدد كلمات وصفحات معينة، مما يجعلهم يحشون بعض الصفحات والفصول. حتى أفضل الكتب الخيالية تكون غالبًا أطول من اللازم لكي يوُصل الكاتب فكرته. (مبدأ باريتو أقل تطبيقا على الكتب الخيالية)

التأثير الايجابي: كيف يمكنني أن أستخدم الدروس في الكتاب لاكتساب المنافع؟ هل يمكنني الاستفادة من هذه المعرفة الجديدة بطريقة ملموسة؟

الحوافز: ما المحفزات التي تحفز الشخصيات والكاتب؟ عن ماذا يبحثون؟ ما هدفهم؟ هنا كيف شرح كورت فونيجوت أهمية الحوافز في الكتاب : “عندما كنت أُدرِّس الكتابة الابداعية، كنت أطلب من طلابي أن يجعلوا شخصياتهم تبحث وتسعى لتجد شيئا معينا، حتى وإن كان كوبا من الماء”

الانحياز للمتاح:  هل تؤثر الكُتب التي قرأتُها مؤخراً على كيفية إدراكي لهذا الكتاب؟ كيف تؤثر التجارب الجديدة على قراءتي؟ هل أولي أهمية للأقسام المهمة في الكتاب لأنها بارزة ولا تُنسى؟

الميل للصورة النمطية: هل حقا أنسجم مع الكاتب أو الشخصيات أو الكتاب بشكل عام بدون وعي؟ أم أن الكاتب يغير تصوير الشخصيات؟ تذكر أنه لا توجد هنالك صورة نمطية صحيحة.

البرهان الاجتماعي :  كيف يؤثر عدد المبيعات، أفضل المبيعات وآراء الآخرين على وجهة نظري للكتاب؟ هل يستخدم الكاتب البراهين الاجتماعية لجذب القراء؟ ليس من غير المعتاد أن يتبع المؤلفون قوائم الكتب الأكثر مبيعًا، و يستشهدون على ذلك بالبراهين الاجتماعية، مما يؤدي إلى تزايد مبيعات كتبهم. نتيجة لذلك، يمكن أن تصبح الكتب العادية شعبية. وهذه تعتبر حالة كلاسيكية لحاكم بلا ملابس، وهو ما يعرفه القراء الأذكياء.

موهبة السرد: هل يغيّر الكاتب الأحداث الحقيقة لتتلاءم مع طريقة سرده؟ هذا الأمر شائع  جداً في السير الذاتية والمذكرات والنصوص التاريخية. ويشرح هايدن وايت في كتاب: قيمة السرد في تمثيل الواقع، أسباب الميل إلى خلط التاريخ في قصة: “في الأغلب يكون الدافع هو السرد، لذلك لا مفر منه، وهو يعتبر شكلا من أشكال السرد لأي تقرير عن الأمور التي حدثت بالفعل”. قد تسبب “طريقة السرد مشاكل فقط إذا غاب الكاتب عن ثقافة معينة. وقد يشكل السرد إشكالية أيضاً عندما تسرد الأحداث الحقيقة وكأنها قصة. تنشأ هذه القيمة المرتبطة بالسرد في تمثيل الأحداث الحقيقية من الرغبة في عرض أحداث حقيقية، تلائم الرواية، استقامة النص وإغلاق صورة الحياة التي يمكن أن تكون وهمية فقط. إن مفهوم  تسلسل الأحداث يملك سمات القصص الخيالية التي نحكيها، والتي قد يكون أصلها مجرد رغبات وأمنيات .

هل يعرض العالم حقيقته على هيئة قصص متقنة مع وجود فكرة رئيسية، مقدمة ملائمة، وسط ونهاية، وتماسك يعرض لنا النهاية في كل مقدمة بالفعل؟ أم أنه يعرض حقيقته على هيئة سجلات الأحداث،  إما عن طريق تسلسل الأحداث بدون مقدمة وخاتمة أو عن طريق تسلسل المقدمة التي ليس لها نهاية؟ وهل يقوم العالم، حتى العالم الاجتماعي، بالإقدام إلينا ويتحدث عن نفسه كما روى بالفعل. يتحدث إلينا من وراء أفق قدرتنا على الفهم العلمي له. أم أنه عالم خيالي، عالم قادر على التحدث عن نفسه، وإظهار نفسه كشكل من أشكال القصة.

الخلود: هل تعرض القصص الخيالية حقائق أم أن المؤلفين ملؤوها بالمفهوم العام؟ الخلود شائع في الأعمال التجارية، المساعدة الذاتية والسير الذاتية. قد تكون هناك حالة معينة لفرد أو شركة ناجحة كقاعدة عامة، وليست استثناء.

المنفعة: إذا كان الكتاب يقدم نصيحة يمكن تطبيقها عملياً . في أي نقطة تتناقص المنافع؟

توقف عند الشعور بالملل

كقاعدة عامة، أولئك الذين يحبون القراءة لن ينتهوا أبدا من قراءة كتاب سيء الجودة. كما كتب ذات مرة شوبنهاور: “لا يمكن للمرء أن يقرأ القليل من الكتب السيئة أو الكثير من الكتب الجيدة، فالكتب السيئة هي عبارة عن سم فكري يدمر العقل”. فقصر الحياة لا يسمح بقراءة كتاب سيء.

تنصح نانسي بيرل بقاعدة الخمسين. هذا يتطلب منك قراءة أول خمسين صفحة من الكتاب ثم اتخاذ قرار ما إذا كان الكتاب يستحق إتمام القراءة أم لا. تمتاز قاعدة الخمسين بخاصية ممتعة: “عندما تكون فوق سن الخمسين اطرح سنك من ١٠٠ وأقرأ ذلك العدد من الصفحات”.

تقول بيرل: وإذا كان في أسفل الصفحة رقم ٥٠ و كل ما تهتم بمعرفته هو من تزوج الآخر أو من هو القاتل، فانتقل إلى الصفحة الأخيرة واكتشف ذلك. وإذا لم يكن ذلك في الصفحة الأخيرة، فانظر إلى الصفحة قبل الأخيرة أو الصفحة التي قبلها. عندما يكون عمرك ٥١ سنة أو أكثر، اطرح سنك من ١٠٠، والرقم الناتج (والذي بالتأكيد يقل كل عام) هو عدد الصفحات التي ينبغي عليك قراءتها قبل أن تنسحب من قراءة كتاب ما. عندما يصبح عمرك ١٠٠ سنة، فأنت مخول بواسطة قاعدة الخمسين بأن تحكم على الكتاب عن طريق غلافه.

تؤكد نسيم طالب أيضاً على أهمية عدم إتمام كتاب دون المستوى المطلوب: اللحظة التي كنت أشعر فيها بالملل من قراءة كتاب أو موضوع ما، كنت أنتقل إلى قراءة كتاب أو موضوع آخر، بدلاً من الانسحاب من القراءة كليا. عندما تكون مقتصرا على كتب المدرسة وتشعر بالملل، يكون لديك ميل للتخلي عن القراءة وأن لا تعمل شيئاً أو تلعب هوكي بسبب الإحباط. الحيلة هي أن تشعر بالملل من كتاب معين بدلاً من أن تشعر بالملل من عملية القراءة. لذلك قد يزيد عدد الصفحات المستوعبة بشكل سريع وبالتالي ستعثر على الذهب، وستجده حتماً، إذا جاز التعبير، دون عناء ، تمامًا كما هو الحال في الأبحاث المنطقية القائمة على التجربة والخطأ.

 

كل الأشياء التي تبحث عنها موجودة في العالم، ولكن معظم هذه الأشياء وبنسبة 99 % ستجدها في الكتب راي برادبري،  فهرنهايت451

 

عملية التعلم  

يعتقد معظم الناس أن المعلومات المستهلكة هي نفس المعلومات التعليمية. ولا توجد فكرة أبعد من الحقيقة. تحتوي عملية التعلم الأساسية على الاستبطان والتغذية الراجعة. نحن نتعلم الأفكار المكتسبة خلال الخبرات – لنا أو لغيرنا – التي تبقى بدون منازع ما لم نجعل الوقت للتفكير فيها. إذا كنت تقرأ شيئا ولا تخصص وقتًا للتفكير في ما قرأت، فستكون استنتاجاتك متزعزعة.

واحد من الأسباب التي تجعلنا نقرأ الكتب هي أن الكتب تقدم نسيجا غنيا من التفاصيل التي تسمح لنا بأن نرى العالم كما لو أنه كاتب ذاهب  في رحلة ويعرض لنا الصور . هذا يسمح لعقلنا أن لا يتعلم فقط تجريدات المؤلف بل أن يتعلم متى تعمل تلك التجريدات على الأرجح و متى يحتمل أن تفشل ( بفضل الكم الهائل من التفاصيل ).

طبق ما تعلمته

والآن وبعد أن انتهيت من القراءة. ماذا ستفعل؟ كيف يمكنك أن تستخدم ما تعلمته من الكتاب؟ لا تقل “علي أن أفعل كل ما قاله الكاتب” خذ وقتك وفكر في الدروس التي يمكنك أن تستفيد منها.

القراءة وحدها لا تكفي. فعلينا أن نطبق ما نتعلمه على أرض الواقع عندما تتاح لنا الفرصة. أين يمكنني تطبيق ما تعلمته؟ ما هي التغيرات؟ إذا كنت قادرا على تطبيق ما قراءته فابدأ على الفور فذلك يعزز ما تعلمته.

تقنية فاينمان

سميت تقنية فاينمان على العالم الفيزيائي الحاصل على جائزة نوبل ريتشارد فاينمان. يمكنك أن تنظر إليها كمبدأ الخوارزمية . هناك أربع خطوات بسيطة : اختار المفهوم ، قم بتعليمه للأطفال، حدد الثغرات ثم عد مجددا إلى مصدر المواد واستعرضهم وبسطهم.

يعد تعليم الآخرين طريقة فعالة لترسيخ المعلومات في العقل. هذا جزء من تقنية فاينمان. فور الانتهاء من الكتاب، أخبر أقرب شخص لك ماذا تعلمت منه. أنت غير مطالب بشرح المصطلحات والمعنى من المعلومات في الكتاب أو التحدث عن منطق أو مبدأ الكاتب . يبدو الأمر سهلا . ولكن عندما ستجرب للمرة الأولى ستدرك أنه ليس كذلك . إذا لم تجد شخصا مهمتماً حولك، حاول أن تتحدث إلى نفسك. هذا ما أفعله شخصياً. ربما أُصبت بالجنون. إذ لم يُجدِ ذلك معك؛ حاول أن تكتب ملخصا في موقع أمازون أو موقع Goodreads أو قم بالنشر عنه في أي مكان يتواجد فيه بعض المهتمين بالقراءة .

أحد فوائد مجموعتنا للقراءة الافتراضية هي أنها تجعل الناس يفكرون فيما تعلموا. حيث نقوم بطرح أسئلة بشكل أسبوعي عن الفقرات المحددة، وتكون الأجوبة متنوعة ومدروسة . يتخلى القُراء عن المصطلحات المستخدمة في الكتاب ويبتعدون عن الغموض. أنه حقا أمر لا يصدق. يقول البعض عن نتائج القراءة معنا:  ” لقد احتفظت بما قرأت أكثر مما لو كنت أقرأ لوحدي”

كما قال شوبنهاور : ” عندما نقرأ، شخصاً آخر يقوم بالتفكير بدلا عنا:  نحن نقوم بإعادة عمليته العقلية”. ولكي تتجاوز هذا يجب عليك أن تفكر بمنظورك الخاص،  وتدرك كيف أن معتقداتك وتفكيرك تشكل ردة فعل” .

اجعل ملاحظاتك قابلة للبحث

يوجد العديد من الطرق المختلفة لتنظيم ملاحظاتك. إما عن طريق الكتاب، أو الكاتب، أو المواضيع، أو عن طريق وقت القراءة. لا يهم أي نظام تتبع ما دُمتَ قادرا على إيجاد ملاحظاتك في المستقبل .

استخدام فهرس يتضمن كل ما تعلمته من الكتب التي قرأتها يجعلك تقتني موردا لا يقدر بثمن، والذي سيصبح مرجعك كلما احتجت الى أفكار، وإلهام أو التأكد من معتقد ما. وعلى مر السنين، ستجني الكثير من الحكم التي ستحتاجها وقت الأزمات أو عند الشك بشي معين. من الصعب  التعبير عن مدى أهمية هذا الأمر للقارئ.

كما كتب جنرال ماتيس : “شكراً لقراءتي، لم يسبق لي أن وقفت عاجزاً في موقف ما أو احترت في كيفية معالجة المشاكل. قد لا تعطيني الجواب الكامل، ولكنها تنير لي الدرب كي أمضي قدماً”

تشمل خيارات فهرسة ملاحظاتك ما يلي:

– جدول يحتوي على بطاقات الفهرس، مرتبة حسب المواضيع ، الكاتب أو وقت القراءة.

– كتاب حسب المواضيع، أو الكاتب أو وقت القراءة.

–  استخدام النظام الرقمي مثل Evernote, OneNote, أو حتى مجلدا فارغا في Microsoft Word. تتمتع الأنظمة الرقمية بميزة إضافية تتمثل في إمكانية البحث وسرعة إيجاد المعلومات بشكل أسرع، مما يوفر علينا الكثير من الوقت في حالة ترتيب الملاحظات على أساس معين ومنظم.

خصص وقتا لقراءة ومراجعة هذه الملاحظات

أعد القراءة (إن كان ذلك ضروريا)

يجب قراءة الكتب العظيمة أكثر من مرة واحدة. بينما يظن البعض أن إعادة قراءتها قد تبدو مضيعة للوقت لأن هناك الكثير من الكتب الأخرى لتتم قراءتها، يعد هذا سوء فهم للعملية التعليمية. أفضل وقت لبدء إعادة قراءة كتاب عظيم هو مباشرة بعد الانتهاء منه. الهدف هو ليس قراءة أكبر عدد ممكن من الكتب ، لقد جربت ذلك ولكنه لا يجدي نفعاً . وإنما الهدف هو اكتساب أكبر قدر من الحكمة .

تعد إعادة قراءة الكتب الجيدة ذا أهمية كبيرة إذا أردنا تكوين ذكريات دائمة لمحتويات الكتاب. التكرار أمر حاسم لبناء الذكريات. كما كتب سينيكا: “يجب أن تمتد إقامتك بين الكتاب الذي لا يوجد شك في عبقريته ; وذلك إن كنت ترغب في الاحتفاظ بما قرأت في عقلك بشكل دائم”

لا توجد طريقة أفضل لإنهاء هذه المقالة سوى بكلمات هنري ثورو الحكيمة :

الكُتب هي ثروة العالم والميراث الأفضل الذي تتوارثه الأجيال والأمم على مر السنين. أمهات الكتب هي الأفضل، فهي تميل للطبيعة أكثر. فالكُتاب ليس لهم أسباب خاصة يتوسلون من أجلها، لكنهم ينيرون درب القارئ ويحافظون عليه، بل إن حواس القارئ لا ترفض الانسجام مع الكتاب. مؤلفوها هم أرستقراطية طبيعية لا تقاوم في كل مجتمع، ولهم تأثير على البشرية أكثر من الملوك.

 

ترجمة: مريم النيادي | تدقيق الترجمة: مريم الغافري | تدقيق لغوي: محمد الشبراوي | المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى