كيف يؤثر الجو الأكثر دفئًا ورطوبة على الحشرات وغذائها
أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) تقريرًا حديثًا حول ظاهرة تغير المناخ؛ وهي الجهة المعنية بنشر آخر الأبحاث حول التغييرات الحاصلة لكوكب الأرض وأثرها في المستقبل.
يوضح التقرير وجود زيادة كبيرة في مستويات ثاني أكسيد الكربون وارتفاع درجات الحرارة، مشيرًا إلى أنه من المحتمل أن تزيد درجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية في أوائل العقد الثالث من القرن الحالي. ويشير إلى أن ثمة تغييرات جذرية في كمية هطول الأمطار.
بصفتي عالم حشرات، أدرس الحشرات وكيف تؤثر ضغوطات تَغيُر المناخ – مثل الفيضانات والجفاف – في غذاء الحشرات. أنا أيضًا مُناصر لقضية الأمن الغذائي.
دفعتني توقعات التقرير إلى التفكير في العديد من التأثيرات المباشرة وغير المباشرة التي سَيُحدثها عالم أكثر دفئًا ورطوبة في الحشرات وأعدائها الطبيعيين والنباتات والأمن الغذائي الأفريقي.
أظهرت السنوات الأخيرة تأثير هذه المخاطر عبر القارة الأفريقية مما أثبت مدى خطورة المشكلة.
على سبيل المثال، ، استمر غزو دودة جيش الخريف لجنوب أفريقيا في عام 2016 بسبب ارتفاع كمية هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة – وهي ظروف مثالية لتكاثرها ونموها بسرعة. كما دعمت هذه الظروف نمو أكثر من 70 نباتًا عائلًا تتغذى عليها دودة جيش الخريف.
هناك أيضًا غزو لجراد الصحراوي لشرق أفريقيا والذي بدأ في عام 2019. انتشر الجراد بسبب هطول الأمطار الغزيرة بشكل غير عادي مما خلق بيئة مثالية لتكاثره وزيادة أعداده وحجمه. كما تُساعد الأمطار في زيادة مساحة الغطاء النباتي المُناسب لإطعامهم.
يُظهر التقرير كيف يمكن للتغييرات أن تؤثر في الحشرات وعلينا أيضا ولكن بشكل غير مباشر.
ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون
المستويات العالمية لثاني أكسيد الكربون مرتفعة بالفعل، ومن المتوقع أن تستمر في الارتفاع. في حين أن الارتفاع في ثاني أكسيد الكربون لا يؤثر بشكل مباشر في الحشرات، إلا أنه يمكن أن يغير القيمة الغذائية للنباتات والكيمياء الخاصة بها. وبالتالي سيؤثر ذلك بشكل غير مباشر في الحشرات آكلات العشب.
وفقًا لبحث حديث، ومثالًا على ذلك، فإن ارتفاع ثاني أكسيد الكربون يقلل من القيمة الغذائية للأنسجة النباتية عن طريق تقليل تركيزات البروتين وبعض الأحماض الأمينية في الأوراق. وللتعويض عن ذلك، تأكل الحشرات العاشبة أكثر.
يمكن أن تؤثر مستويات ثاني أكسيد الكربون المرتفعة أيضًا في نمو الحشرة، مما يؤدي إلى انخفاض أعدادها – كما هو موضح في هذه الدراسة التي أجريت على خنافس الروث.
ارتفاع درجات الحرارة
يقول التقرير أن الاحتباس الحراري سيرتفع خلال القرن الحادي والعشرين ما لم يحدث انخفاض كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيرها من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العقود القادمة.
تُنَظم درجة الحرارة فسيولوجية الحشرات وتمثيلها الغذائي. تؤدي زيادة درجة الحرارة إلى زيادة النشاط الفسيولوجي وبالتالي زيادة معدلات التمثيل الغذائي. يجب أن تأكل الحشرات أكثر لتحافظ على بقائها ومن المتوقع أن تستهلك الحشرات العاشبة أكثر وتنمو بشكل أسرع في المستقبل.
سيؤدي ذلك إلى زيادة أعداد بعض الحشرات. ولأنها تنمو بسرعة سوف تتكاثر أكثر. وعندما تتضاعف أعدادها؛ سيؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى مزيد من الضرر على المحاصيل.
تنبأت الأبحاث السابقة بأنه مع كل زيادة بمقدار درجة واحدة في درجة حرارة الكرة الأرضية؛ ستزداد خسائر المحاصيل بسبب الحشرات من 10٪ إلى 25٪.
الفيضانات والجفاف
من المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى تغيير نمط هطول الأمطار. ويتنبأ التقرير أيضًا بحدوث فيضانات وتصحر بشكل مُتزايد ومُتكرر في جميع أنحاء العالم. سيكون لهذه الضغوط البيئية تأثير في إنتاجية النباتات والكيمياء الخاصة بها ووسائل حمايتها وقيمتها الغذائية وكذلك نكهتها وسهولة هضمها.
ونتيجة لذلك، فإن الحشرات ستأكل المزيد من النباتات وهذا يمكن أن يؤدي إلى تعرض المحاصيل لضرر أكبر.
من ناحية أخرى، يمكن أن يساعد ارتفاع كميات هطول الأمطار في نمو نباتات طازجة تصلح غذاءً للحشرات وبالتالي يمكن أن يسمح بتكاثرها. كما رأينا مع الجراد الصحراوي، على سبيل المثال، سمحت الأمطار الكثيفة لهم بالحصول على الطعام والتكاثر والانتشار. هذا هو ما حدث بالضبط مع دودة جيش الخريف؛ ساعدت الأمطار الغزيرة في نمو النباتات العائلة لها. يستمر تكاثر الحشرات عندما يكون غذاؤها متوفرا.
تقليل فعالية الأعداء الطبيعيين
جميع الحشرات لها أعداء طبيعيون أو مفترسات. على سبيل المثال، فإن حفار ساق الذرة – وهي آفة حشرية تستهدف الذرة في أفريقيا – لها العديد من الأعداء الطبيعيين، مثل Cotesia flavipes. تقلل هذه المفترسات من أعداد الحشرات وتقلل بشكل أكبر من الحاجة إلى استخدام المبيدات الحشرية.
يمكن أن تتأثر المفترسات بالتغيرات المناخية بطرق مختلفة. مثلًا، يمكن أن تكون حساسة للارتفاع في درجات الحرارة أو في كمية هطول الأمطار، مما يؤدي في النهاية إلى تقليل أعدادها. قد يؤدي تقليل الأعداء الطبيعيين إلى المزيد من الآفات الحشرية. أظهرت إحدى الدراسات الخاصة بتأثير التغيرات في درجات الحرارة على آفات جذوع النباتات في شرق إفريقيا، زيادة في أعدادهم وانخفاض في تأثير الأعداء الطبيعيين عليهم.
بالإضافة إلى ذلك، وبسبب تغير المناخ، ستتغير نطاقات توزيع المحاصيل والحشرات. تنتقل الحشرات إلى مناطق أخرى بحثًا عن بيئة تناسبها، والتي قد تفتقر إلى وجود أعدائها الطبيعيين وهو ما سيؤدي إلى زيادة أعدادها، وبالتالي تضرر المحاصيل بشكل أكبر..
المزيد من الطعام اللذيذ
من المحتمل أن تحدث ظواهر طقسية متناقضة في آن واحد بسبب تغيرات المناخ.
ووفقًا للأبحاث، فإن النباتات التي تتعرض لضغوط طقسية مزدوجة قد تصبح أكثر عُرضة للآفات الحشرية. هذا لأنه عندما يحدث عاملان من عوامل الإجهاد (مثل الجفاف والحشرات الآكلة للعشب والفيضانات أو ارتفاع ثاني أكسيد الكربون والحرارة المرتفعة) معًا، يمكن أن يكون تأثيرهما في المحاصيل مُضاعفًا. هذا من شأنه قد يؤدي إلى تلف المحاصيل بشكل أكبر وانخفاض غلة المحاصيل.
كيف نتعامل مع هذه الأزمة؟
سيؤثر تغير المناخ في النباتات الزراعية والحشرات المرتبطة بها. تُعتبر هذه التأثيرات مُبهمة، لكن من المؤكد أن خطورة الآفات ستزداد. لذلك نحتاج إلى مراقبة الحشرات بشكل أكبر ومحاولة التنبؤ بتحركاتها بجانب التخطيط حتى نتمكن من تطوير استراتيجيات التكيف.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على البلدان الاستمرار في المراقبة وتبادل المعلومات واستخدام البيانات والنماذج التاريخية للتنبؤ والاستعداد لمستقبل مُبهم، من المتوقع أن يكون فيه آفات حشرية أكثر شراسة، بجانب التأثيرات في إنتاجية المحاصيل والأمن الغذائي.
بقلم: إستر ندومي نغومبي | ترجمة: سلمى سلطان | تدقيق: آلاء الراشدية | المصدر