في فلك القراءة

ريبيكا سولنيت حول التقدّم في العُمر والنُضج وقدرتنا على تشكيل أنفسنا

 

تقول مايا أنجلو في رسالة مُؤثّرة كتبتها لابنتها والتي لم تلدها قط:“إنني مقتنعة بأن أغلب الناس لا يكبرون. نحنُ نحمل آثار تراكمات السنين بداخل  أجسادنا وعلى وجوهنا، ولكن ذواتنا الحقيقية، الطفل الذي بداخلنا، يبقى دائمًا بريئًا وخجولًا، تمامًا كأزهار الماغنوليا “. وفي الموسم الثقافي نفسه وعلى مسرح إحدى الكُليات، ألقت توني مويسون خطابًا أمام الطُلبة الجُدد، قالت مما قالت فيه: “إن النُضج الحقيقي جمالٌ صعب المنال، إنهُ مجدٌ يصعب الوصول إليه”

من اللطيف أن نُفكّر بأنفسنا باعتبارنا أشجارًا. أشجارٌ وثيقة الجذور تتطلّع نحو الأعلى بعزمٍ وإصرار. كمخلوقات “تحيا بسلام، تمتلئ بالنور، وتُضيء وتُشرق” كما خطّت أنامل ماري أوليفر. ومع ذلك، حتّى لو كان أعظم بيت شعر يحتفي بهِ شاعرٌ ما بامرأةً عظيمة، بوصفها شجرة، فنحنُ لسنا بأشجار. إننا لا نتفرّع كأغصان ولا نمتد كجذور من نقطةٍ واحدة، إننا لا ننمو بشكلٍ خطيّ؛ إننا نتخلّى عن أنفسنا بمحض إرادتنا، وبخفقة قلب نُغذّي كُل مشاعر الحُب والفقد التي نمر بها، وتتشابك حلقات نموّنا في الغالب بتراخٍ مع الشكّ الذي يعتري ذواتنا، ومع محاولاتنا المُتقطّعة في مواصلة المسير، كل ذلك يكشفنا على حقيقتنا: بأننا بالرُغم من كوننا شظايا، إلا أننا لا نتجزأ. 

إن أصعب ما في التقدّم في العُمر، وأكبر إنجازاته هو أن يتمكّن المرء من تشكيل ذاته وكأنه فسيفساء.

لوحة من قبل آرثر راكهام لطبعة نادرة من حكايات الأخوان جريم عام 1917. (متوفرة كنسخة مطبوعة.)

تسبر ريبيكا سولنيت أغوار هذه الفكرة في كتابها بعنوان “ذكريات عدم وجودي” وهو عبارة عن سيرة مُبهجة مُفعمة بالتوق والعزم والصمود والثورات الشخصيّة والسياسية. وتكشف لنا سولنيت في مذكراتها هذه الخلفيات التي كوّنت إحدى أكثر العقول أصالةً في عصرنا. 

بعد قراءة ثلاثة أرباع الكتاب- أي وصولًا إلى منتصف عُمر سولنيت- تقول: 

نقول بأننا نكبر، كما لو أننا أشجار، كما لو كان كُل ما نصبو إليه هو أن نصل إلى أعلى قدرٍ من الارتفاع، ولكن النمو في الواقع هو أن نُلملم شظايانا، وما إن نفعل ذلك، نتكوّن ونجد أنفسنا. يُولد الأطفال بجماجم تتكوّن من أربع صفائح غير مرتبطة ببعضها البعض، لتتمكّن رؤوسهم الصغيرة من عبور قناة الولادة وبما يسمح لأدمغتهم فيما بعد بأن تتمدد. إن الطبقات المُكوّنة لهذه الصفائح مُعقّدة جدًا، كما لو أنها أصابع مُتشابكة، أو مثل تعرجات التندرا في أنهار القطب الشمالي. تتضاعف الجمجمة أربع مرات حجمها في السنوات الأولى من حياة الطفل، وإذا ما تشابكت العظام مع بعضها البعض في وقتٍ أبكر من المُفترض فإنها تحدّ من عملية نمو الدماغ. وإذا لم تنمو على الإطلاق، يظل الدماغ غير محمي. وتمامًا مثل ذلك، ينبغي أن تكون الحياة: منفتحة بما يكفي لتنمو، و منغلقة بما يكفي لتلملم أجزاءها. نحن نُلملم أشلاءنا لنكون ما نحنُ عليه. نبحث عن أشلاءنا لنُشكّل منظورًا للعالم، ولنجد بشرًا لنحبهم وأسبابًا لتدفعنا للعيش، ونربط هذه الأشلاء ببعضها البعض لنحصل على حياة ثابتة بمبادئها وتطلّعاتها- على الأقل إن كُنّا محظوظين بما فيه الكفاية. ريبيكا سولنيت

 

فن من الأشجار في الليل بقلم آرت يونغ ، 1926. متوفرة كنسخة مطبوعة


بقلم: ماريا پوپوڤا | ترجمة: منال الندابية | تدقيق: سحر عثماني | المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى