العلوم الطبيعيةالفلك

هل ثمة حياة على كوكبِ الزهرة بالفعل؟

 

الاكتشاف الحصري للفوسفين الموجود على الغلاف الجوي لكوكب الزهرة أمر شائق جدًّا؛ إذ يشير إلى احتمالية وجود حياة هناك (من بين تفسيرات عدة).

لم يستطع العلماء – الذين نشروا نتائج أبحاثهم في مجلة نيتشر أسترونومي (علم الفلك الطبيعي) – تفسير الطريقة التي وصل بها الفوسفين إلى هناك. فقد درسوا كل الاحتمالات المقنعة؛ أيْ الصواعق، والبراكين، وحتى النيازك، إلا أن هذه المصادر لا يمكنها إنتاج الكمية التي عُثِر عليها من الفوسفين على سطح الزهرة.

وبما أن أغلب الفوسفين الموجود على الأرض أنتجته الميكروبات الحية، لا يمكن تجاهل احتمالية وجود حياة على كوكب الزهرة من وجود الفوسفين.
إلا أن العلماء – بقيادة عالم الفلك البريطاني جيم غريفس – قالوا بأن اكتشافهم “ليس برهانًا قويًّا لإثبات وجود حياة” على كوكب الزهرة.

بل هو دليل على شذوذِ كيميائي غير مُبرَّر للقاعدة القائلة إن للعمليات الحيوية أصلًا واحدًا ممكنًا فقط.

إن كان ثمة حياة على الزهرة، كيف حدث ذلك؟
يمكن أن نسلِّط الضوء على ذلك بتقصي أصول الحياة على الأرض

مكونات الحياة (كما نعرفها)

لا يعيننا فهم الطريقة التي تشكلت منها الحياة على الأرض على فهم أصولنا وحسب، بل يمكن أن يُبصِّرنا على أهم المكونات التي تحتاجها الحياة – كما نعرفها – لتتشكل.

ما يزال الغموض يلفُّ التفاصيل المتعلقة بأصل الحياة على الأرض، وثمة نظريات علمية عدة تتبارى لإثباتها، إلا أن أغلبها يضمُّ المجموعة ذاتها من الحالات البيئية التي تُعَدُّ ذات أهمية للحياة. وهي:

الماء السائل

الماء مهمٌّ لإذابة الجزيئات التي نحتاجها للحياة ولتسهيل حدوث تفاعلاتها الكيميائية، وعلى الرغم من وجود مذيبات أخرى بإمكانها دعم الحياة (الميثان مثلًا)، إلا أن الماء أهمها؛ وذلك لقدرته على إذابة مجموعة كبيرة من الجزيئات، ويمكن العثور عليه في أي مكان في العالم.

درجات الحرارة المعتدلة

تدمر درجات الحرارة التي تفوق 122 درجة سيليزية أكثر الجزيئات العضوية تعقيدًا؛ مما يجعل نشوء حياة معتمدة على الكربون أمرًا مستحيلا في بيئة حارة جدًّا.

عملية تكثف الجزيئات

بما أن نشوء الحياة يتطلب وجود كمية هائلة من الجزيئات العضوية، سيتطلب ذلك عملية لتكثيف الجزيئات المخففة الموجودة في البيئة المحيطة، إما عن طريق تشرب أسطح معدنية بها، أو التبخر، أو طفوها على سطح ماء تحته بقع زيتية.

بيئة طبيعية معقدة

لا تقوم الحياة إلا تحت ظروف مختلفة وعديدة تحكمها بيئة طبيعية معقدة (درجة الحرارة والرقم الهيدروجيني وتركيز الملح) بإمكانها خلق تعقيد كيميائي. الحياة نفسها أمر بالغ التعقيد، لذا حتى أكثر نسخها بدائية بحاجة لبيئة معقدة لتتشكل.

العناصر النزرة
ولتعزيز تشكُّل الجزيئات العضوية، إننا بحاجة لبعض العناصر النزرة التي تنتج عن تفاعلات تحدث بين الماء والصخور.

لذا إن كانت هذه الظروف الضرورية لنشوء الحياة، ما الذي نستمده من كل هذا حول إمكانية نشوء حياة على كوكب الزهرة؟

Photo of Venus
كوكب الزهرة لديه 90 ضعف الضغط الجوي للأرض. ناسا

بخلاف ذلك اليوم…

على حد علمنا، إن إمكانية نشوء حياة على سطح كوكب الزهرة الحالي ضئيلة جدًّا؛ فمتوسط درجات الحرارة هناك يفوق 400 درجة سيليزية مما يعني استحالة وجود ماء سائل، كما أن بإمكان درجات الحرارة العالية هذه أن تدمِّر أغلب الجزيئات العضوية.

Computer generated surface view of Eistla Regio region on Venus.
هذه صورة تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر لمنطقة Eistla Regio على سطح كوكب الزهرة. ناسا

إلا أن لغلاف الزهرة الجوي العلوي درجات حرارة منخفضة بما يكفي لتشكل قطيرات ماء، مما يعني إمكانية تهيؤ ظرف لنشوء الحياة.

أي أن هذه البيئة لها أنظمتها الخاصة، من بينها سحب حمض الكبريتيك الذي قد يقضي على أي جزيئات عضوية غير محمية بخلايا. على سبيل المثال، في كوكب الأرض، تتحطم جزيئات (الحمض النووي مثلا) بسرعة تحت الظروف الحمضية، ومع ذلك قد تنجو بعض أنواع البكتيريا في بيئات شديدة الحموضة.

أيضًا، يمكن لسقوط قطيرات الماء المستمر من غلاف الزهرة الجوي على سطحها شديد الحرارة أن يتلف أي جزيئات عضوية غير محمية في القطرات.

ومن الجانب الآخر، في حال لم يكن ثمة أسطح أو معادن تسمح بتكثف الجزيئات على الغلاف الجوي للزهرة، سيغدو من الصعب جدًّا تشكل الحياة من مواد كيميائية ستتحطم حتمًا إثر عبورها للغلاف الجوي البخاري.

… لكن من المرجح اختلاف الوضع الراهن عما كان عليه في الماضي

وبأخذ كل هذا في الحسبان، إن كان غلاف الفوسفين إشارة حتمية إلى وجود حياة على الزهرة، فثمة تفسيرات ثلاثة أساسية لكيفية تشكلها.
ربما تشكلت الحياة على سطح الكوكب في ظروف مختلفة تمامًا عما هي عليه اليوم.

يوحي هذا القالب بأن سطح الزهرة فيما مضى كان شبيهًا بسطح الأرض؛ أي به بحيرات (أو محيطات حتى) وبظروف معتدلة. كان هذا قبل أن يتحول الكوكب إلى الجحيم الذي هو عليه جراء (البيت الأخضر).

Computer generated surface view of Eistla Regio region on Venus.
هذه صورة تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر لمنطقة Eistla Regio على سطح كوكب الزهرة. ناسا

إن كانت الحياة قد تشكلت عندئذ، قد تكون هي الآن هذه السحب. وجراء تغير المناخ الكثيف تبخرت المحيطات تمامًا، وقتلت الحياة الموجودة على السطح، وقد تكون هذه الميكروبات في السحب هي آخر ما تبقى من أشكال الحياة على الزهرة.

ثمة احتمالية أخرى بأن تكون مظاهر الحياة (إن وُجِد أيًا منها) على الغلاف الجوي للزهرة قد وصلت إليها من الأرض.

أظهرت الوثائق بأن مواد كواكب النظام الشمسي الداخلي قد تغيرت في الماضي؛ فحينما تسقط النيازك على كوكب منها، تتطاير بعض الأحجار منه إلى الفضاء، والتي عادة تدخل في مدارات كواكب أخرى.

إن حدث هذا بين الأرض والزهرة فيما مضى، فربما احتوت الصخور التي تطايرت من الأرض إلى الزهرة على الحياة الميكروبية التي تكيفت مع سحب الزهرة عالية الحموضة (الشبيهة بالميكروبات المقاومة للحموضة على الأرض)

Rendered image of meteorite hitting Earth.
إذا دخلت صخور من الأرض تحتوي على حياة ميكروبية في مدار كوكب الزهرة في الماضي ، فربما تكون هذه الحياة قد تكيفت مع الظروف الجوية لكوكب الزهرة. صراع الأسهم

تفسير غريب حقًا

التفسير الثالث الممكن هو شكل غريب للحياة بحق (الحياة كما لا نعرفها)، وبأنها تشكلت هناك تحت درجة حرارة 400 سيليزية، واستمرت إلى اليوم.

قد لا تستند حياة غريبة عنا مثل هذه إلى الكربون؛ بما أن كل جزيئات الكربون المعقدة تتفكك في ظل وجود درجات حرارة شديدة.
ومع أن الحياة المعتمدة على الكربون تنتج الفوسفين على الأرض، إلا أن من المستحيل القول بأنها الوحيدة التي بإمكانها إنتاجه. ولذلك، حتى وإن وُجِدت حياة مختلفة تمامًا على الزهرة، قد تنتج جزيئات تشي باحتمالية وجود حياة.
لن نتمكن من معرفة ما إذا كان ثمة حياة على كوكب الزهرة، أو ما تزال إلا بإجراء بحوث أكثر ودراسة الأمر. كما قال العالم الشهير كارل ساجان: “بالبراهين الاستثنائية نثبت الافتراضات الاستثنائية”.
وهذا ما ستفعله ناسا في المرحلة القادمة، إذ ستمول اثنين من أصل أربعة مقترحات لاستكشاف الحياة على الزهرة.
من بينها فيرتاس؛ مركبة فضائية مصممة لرسم خريطة دقيقة لسطح الزهرة، ودافينشي؛ المهيأة لتقطِّر على سحب الكوكب وأخذ عينات من مختلف طبقات الغلاف الجوي أثناء مرورها.


بقلم: لوك ستيلر و مارتن فان كرانيندونك | ترجمة: آلاء الراشدية | تدقيق: عهود المخينية | المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى