الكتاب | الأمير الصغير
تأليف | أنطوان دو سانت إكزوبيري
تصنيف الكتاب | أدب الطفل
الناشر | منشورات الجمل
ترجمة | سعدي يوسف
“الرواية بِيع منها أكثر من 185 مليون نسخة، وقام بطباعتها 1300 دار نشر في مختلف بلدان العالم، وتُرجمت إلى نحو 270 لغة، وتمت مسرحتها، وتحويلها إلى أفلام كارتون، وقال عنها كبار النقاد في العالم إنها إحدى أعظم روائع الأدب الفرنسي” هذا الوصف كان كفيلاً بإدراج هذا العمل ضمن قائمتي للقراءة هذا العام.
عندما أمسكتُ الرواية لأول مرة بدت لي كقصة أطفالٍ مثالية تزين عدد صفحاتها القليلة رسومٌ طفوليةٌ رسمها المؤلف بنفسه ،ولكنني ما إن بدأتُ بقراءتها حتى أخذني إكزوبيري إلى أعماق عوالم الطفولة الحالمة وأسرارها، التي لا تعرف الحدود وتسخر من المنطقية، هنا فقط أدركت أنها كُتبت للكبار قبل الصغار.
تدور أحداث هذه الرواية المرهفة بين شخصيتين رئيستين وهما البطل والأمير الصغير، البداية كانت عندما رسم بطلنا ذو الستة أعوام صورة لحيّة “بوا” تبتلع فيلاً ، ولكن للأسف لم يرَ الكبار في تلك الصورة إلا شكل قبعة رأس، مما أصاب الطفل بخيبة أملٍ بالغة جعلته يترك الرسم نهائيا، وكأن إكزوبيري يصّور ما يحدث لكثيرٍ من أطفال اليوم بعد محاولات الكبار لإبعادهم عن الخيال وجرّهم نحو الواقعية .
وهنا يقرر الطفل الطيران إلى عالم آخر يسهل فيه للكبار فهم ما يقول وما يفعل، ومن يقرأ سيرة المؤلف يجدُ هذه المفارقة الرائعة أن هذا العمل جزءٌ من حياته ، وما تلاه من امتهانه مهنة الطيران كان تعبيرًا عما كان يصبو إليه في طفولته، وهو التحليق بعيدًا عن كل التعقيدات والقيود التي فُرضت عليه.
بينما يسير البطل هائمًا في عمق الصحراء يظهر الأمير الصغير قادمًا من كوكبٍ صغيرٍ جدًا ، ليطلب منه بإلحاح أن يرسم له خروفًا جميلاً في محاولة جادة منه لإعادة ثقة بطلنا المهزوزة ، وعلى الجانب الآخر يقصّ عليه حكايته ومتاعبه مع الزهرة الفريدة التي أحبها في كوكبه.
يصف الكاتب حالة المُحب وهو ينظر لظاهر الأشياء قائلاً :”فأخذ كلماتٍ عديمة الأهمية على محمل الجد ،مما جعله يشقى كثيرًا” ، ليقدم لنا الأمير رائعًا في التخلي حينما اختار ترك أهم ما يملك عندما لم يكن مستعدًا له ،”فهو صغير ولا يعرف كيف يحُب الأزهار بعد” بهذه الصياغة اللطيفة عبّر الكاتب عن سبب هجرة الأمير لكوكبه.
إن رحلة الأمير الصغير بين الكواكب لم تكن رحلة عادية بل هي رحلة لإعادة رؤية العالم بزاوية أخرى ، سيجد القارئ نفسه متسائلاً عن معاني الحياة وسيبدو مايعتقد أنه منطقي مضحكًا بالنسبة إليه، وبالرغم من أن الرواية خيالية إلا أن الشخصيات التي مر بها الأمير في كل كوكب يمكن إسقاطها على أشخاصٍ من حياتنا الواقعية بل وقد نكون نحن تلك الشخصيات!
في محطته الأخيرة يعجب الأمير من اتساع مساحة الأرض وقلة سكانها، فيما أهلها يعبدون الأرقام ويتصورون أنهم مهيمنون و يشغلون مساحة هائلة ، ليكشف لنا الكاتب على هذا الكوكب سرًا انسانيا عظيمًا على عندما قال الثعلب مواسيًا أميرنا الصغير:” أن القلب وحده يمكن أن يبصر أما العين لا ترى الجوهري”، لنتعلم نحن تقدير ومحبة ما نملك حتى لو وجدنا صدفة حديقة مليئة بمئات الازهار الشبيهة بزهرتنا الوحيدة في كوكبنا الصغير.
ثم يودع الأمير الصغير صديقه الوفي بكلمات رقيقة فيخبره “أن الوقت شفاء الأحزان” ، ليكتب الكاتب بعدها النهاية كما يمكن أن تتصورها براءة الطفولة، لتبقى هذه الذكرى حيةً في ذاكرة إكزوبيري متسائلاً: هل أكل الخروف زهرة الأمير الصغير أم ما زالت تملأ حياته بالبهجة؟
في الختام لا أملك الإ الإعجاب بأسلوب إكزوبيري وذكائه حين سخر من واقعيتنا بكل برقةٍ وعذوبة، هذا العمل طرح في نفسي العديد من التساؤلات حول قيمة الأشياء حولي وماهية السعادة الحقيقية بالنسبة إلي ، قيّمتُها بخمس نجوم في تطبيق “goodreads” رواية تستحق منكم القراءة والاقتناء لكم ولأصدقائكم الصغار كذلك.
* ملاحظة: في يوليو من سنة 1944 كان هروب إكزوبيري الأخير حيث حلق في مهمة استطلاعية لصالح فرنسا لتسقط طائرته وتختفي فجأة ، ولم يتم العثور على جثمانه حتى عام 1988
