في فلك القراءة

خمسة أمور عليك تعلُّمها بشأن الكتابة

مع مرور الوقت والخبرة، فإنها تصبح أسهل بكثير، ولكن حتى ذلك الحين فإنها ليست بالشيء السهل.  إلا أن ذلك ليس محور اهتمامنا؛ لأنه إذا طلب منك الكتابة لا يمكنك تجاهل ذلك، بل عليك إنجازه.

حتى وإن كانت قواعد النحو والإملاء لديك ليستا جيدتين بقدر كبير. لا تبالِ ، فأنت فقط تكتب لأنك ترغب بالكتابة.

لقد بدأت بالكتابة في أواخر سن المراهقة، وكان معظمها من القصائد المبهمة التي سجلتها من خلال تجوالاتي المختلفة لأنحاء العالم، وانقطعت عن كتابتها عشر سنوات قضيتها فيها في الأشرام، ثم بعد ذلك عدت إليها من جديد. نُشرت مقالتي الأولى في عام 1991، وكانت مقالة مميزة للغاية في مجلة العصر الجديد مع تواجد اسمي على غلافها. سرعان ما ارتقيت إلى السماء عاليا بكل فخر واعتزاز، ولم يكن هذا فحسب فمنذ ذلك الحين نشرت ثمانية كتب وثلاثة مواضيع أدبية في النثر، وحوالي 250 مقالة. أخذت الفكرة الموجزة منها ولكنها ما زالت تبدو صعبة بعض الشيء.

تذكرت قراءتي لكتاب ناتالي غولدبرغ “الكتابة حتى العظام” في حوالي عام1987 أو نحو ذلك، وساعدني وأعطاني الطاقة والشجاعة ، وبطريقة ما أعطاني الحصانة لعزمي على الكتابة بالرغم من أنني لم أكن أعرف كيف وحتى ماذا أقول، وبالرغم من كل ذلك إلا أنها ما تزال صعبة.

أود أن أشارك خمسة من الأشياء العديدة التي تعلمتها عن الكتابة. التي لا تعتبر كنصيحة ولا حتى للكتَّاب المبتدئين. وإنما هي مجرد طبيعة الكتَّاب التي تجعلك تلقي نظرة خاطفة على الأجزاء الحساسة في روح الكاتب.

  1. تعتبر الكتابة عملا فرديا

كنت أكتب لساعات إضافية في النهار و الليل. لا يكترث مزاجي إلى حالتي التي أنا فيها سواءً كنت أشاهد فيلمًا أو نائمًا أو كنت أقضي بعض الوقت مع الأصدقاء. فعندما يحين وقت الكتابة فأنا أستغل لحظة حضور بنات أفكاري حتى لو كنت في عز انشغالي. ولكن تعلمت أن أرحب بهذا الإلهام الذي دائمًا ما يدعوني للانعزال للكتابة.

فإنها تشبه شيئا من الانضباط الروحي الذي يساعدني على استكشاف ذاتي للعثور على كل ما هو واقعي وصحيح، استنادًا إلى ما قاله الجميع لي فإنها صريحة وواقعية. أعتقد أنه من المهم جدًا للكتَّاب -والناس- تعلُّم الانعزال دون المعاناة من الوحدة أو الكآبة.

وإن أمكننا التأقلم مع العزلة ودون الحاجة الإجبارية للتسلية أوالترفيه فسوف نكتشف الشجاعة والثقة اللتان ستخدمانا جيدًا طوال حياتنا.

2. الكتابة هي عملية اكتشاف الذات والتعبير عنه

أنا لا أقوم بعرض أعمالي على أي أحد لكي لا يتلوث أسلوبي بآرائهم. لربما كان عليَ فعل ذلك، ولكنني لم أود، وإنما أريد أن أغوص إلى جوهر نفسي لأعرف ما عليّ كتابته. أريد أن أكتشف كلماتي الخاصة التي تمثل رؤيتي. إنه لمن المهم جدًا أن تعثر على بصيرة المرء وصوته وقوته الداخلية الخاصة به.

فلقد أُرْغِمَ الكثير من الناس للتخلي عن أحلامهم من كتابة أو غيرها في أساس حياتهم بسبب النقد وآراء الآخرين. فكيفية اكتشاف جوهر داخلنا تكمن بالنظر إلى جذور الأمور وليس ظاهرها. فنحن لا نعتبر بشرًا حتى و إن اجتهدنا في التحري واستكشاف هذا الجوهر. فنحن نكون بشرًا حين نجد ذلك الشيء المخبأ بداخلنا لنعطيه اسمه الحقيقي المسمى بالحب.

3. الكتابة عبارة عن اكتشاف المرء لصوته الأصلي

أنا لم أدرس الكتابة أو الأدب قط، ولم آخذ دروسا في الكتابة، بل تلقيت تعليمي من دروس الحياة. تعلمت كيف أصبح حرًا وإبداعيًا وقويًا وأصيلًا وإنسانًا رحيمًا؛ فالكتَّاب لا يحتاجون إلى تلقي الكثير من التعليم الأكاديمي. أعتقد أن روح الكاتب وجوهره بحاجة لحرية أكثر من تلك التي تقدمها المدارس.

فالكاتب بحاجة لتجربة الحياة الحقيقية وبحاجة للاختلاط بالنهار والليل مع تقاطع الخوف والشجاعة. فيما يتعلق بحياتي الأكاديمية فقد أنهيت فقط تعليمي الثانوي، وتلقيت الكثير من الدروس من تجاربي في العيش. الكتابة بالفعل تكتشف صوت المرء الحقيقي وقيمه ووجهة نظره وقبل كل شيء تكتشف العاطفة. فلا تتوقف أبدًا عن التعلم، ولا تتوقف أبدًا عن حب الاستطلاع، ولا تتوقف عن التساؤل.

تمسك بقيد الحياة وكن غريبًا ومتحمسًا ومرحًا ومبدعًا عفويًا وجريئاً حتى تلفظ أنفاسك الأخيرة. بعدها سواء قررت الكتابة أم لا ، فإنك ستكون إنسانًا حقيقيًا.

4. أعتقد أن المسؤولية الأساسية تكمن في قول الكاتب للحقيقة، الحقيقة برمتها دون تحريف؛ فلا شيء يضاهي الحقيقة

بالتأكيد فإنها تعتبر مجرد حقيقة ومع ذلك يجب أن نقولها دون الخوف من أي رأي أو رفض أو أي شيء آخر. لهذا السبب تبدو الكتابة صعبة للغاية. فهي تتطلب تلك الجرأة التي يخشاها الكثير من الناس؛ فالكتابة تتحدانا للتساؤل عن كل شيء.

وتتطلب عدم الرضا الزائد عن النفس، ويعتبر الكتَاب محاربين روحيين، لذلك عليهم التصدي لشياطينهم، وأيضًا للوصول لمبتغاهم. فالكتَّاب لا يستطيعون مراقبة كلماتهم لأنهم يراقبون وعيهم, و الذي قد يعتبر انتحاراً فنياً ومعنوياً. فالكتّاب لايخشون سماع ما يجول بداخلهم ولا يخشون قول أي شيء.

فنحن ككتّاب و أيضاً كبشر علينا أن نقول الحقيقة، حقيقتنا، علينا أن نعثر على ماهية هذا الصوت وكيف يبدو ذلك الشعور وكيف تكون تلك الأذواق. فهذه الحقيقة تكمن في إيجادك لذاتك.

5. كن أنت الملهم لذاتك والصديق للآخرين

كن غريباً كن شجاعاً. ولا تخف من السير بعيداً عن الطريق المألوف. ولا تخف من نفسك. أوه ، ولا تقلق حيال القواعد وعلامات الترقيم. دع الجمل التي تعبر عن حياتك تستمر و تستمر. مجرد جلبة — دع الهدير الواسع للكون يجتاحك. حتى بين مئات الكتاب ستبدو كلماتك فريدة من نوعها. أنت فقط الذي يمكنه كتابة ما يودّه. فالكتابة ليست منافسة. فأنت تنجح عندما تكون نفسك.


بقلم : روبرت رابين | ترجمة: فاطمة الدلالية | تدقيق لغوي: محمد الشبراوي | المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى