الضريبة المُضافة على المشروبات السكرية: مشروع ناجح
آن الأوان لتطبيقه على الوجبات الخفيفة المُضرة
طبَّقتْ المملكةُ المتحدةُ الضريبةَ المضافةَ على المشروباتِ السُّكريةِ منذ ما يربو على العام، وحتى الآن تلوحُ بشائرُ نجاحِ نتائجِ هذه الخطوةِ في الأفُقِ. رُغمَ ذلك، ما يزالُ النُّشطاءُ ينادونَ بضرورةِ فعلِ المزيدِ، وأن يُستهدفُ الكعكُ والبسكويتات والوجباتُ الخفيفة في الخطوةِ التالية؛ لاحتوائِها على مستوياتٍ عاليةٍ من السُّكر.
ومنذ عام 2019 وحتى الآن، طُبِّقتْ هذه الضرائبُ في 28 دولة و 12 مدينة حول العالم. حيث تشيرُ الإحصائياتُ إلى أن هذه الضرائبُ نجحتْ في التخفيفِ من استهلاكِ السُّكرِ، والذي يؤدِّي بدوْرِه إلى خفضِ مستوياتِ الإصابةِ بالسُّمنةِ و السُّكرِي وتسوُّسِ الأسنانِ في المستقبل.
هذا، وقد تضاعفَ عددُ الأشخاصِ المُصابين بالسُّمنةِ ثلاثَ مراتٍ خلال الأربعين سنة الماضية. وهذه النسبةُ في تزايدٍ مستمر، خاصةً في المجتمعاتِ ذات الدَّخلِ المتوسطِ إلى المنخفض، الأمرُ الذي يضاعفُ من خطرِ الإصابةِ بسوءِ التغذيةِ والسُّمنة عندما يعيشُ السُّكانُ في ظلِّ وفرةٍ من الطعام، ولكنها أطعمةٌ غير صحية.
وتوصي منظَّمةُ الصحةِ العالميةِ بخفضِ استهلاكِ السُّكرِ في الأطعمة، إذ يرتبطُ معدلُ استهلاكِ السُّكرِ العالي ارتباطًا وثيقًا بارتفاعِ نسبِ الإصابةِ بالسُّمنة، وتُعدُّ المشروباتُ السُّكرية؛ مثل المشروباتِ الغازيةِ ومشروباتِ الطاقةِ أحدَ أكبرِ مصادرِ السُّكرِ الغذائي، خاصةً للأطفالِ والمراهقين، ولذلك كان استهدافُها أساسيًّا لخفضِ مستوياتِ استهلاكِ السُّكر، رُغم ما يحتاجُه الأمرُ من بذلِ جهودٍ أكبر.
نموذجُ المملكة المُتَّحدة
في عام 2018، أصبحتْ المملكة المتحدةُ إحدى الدولِ التي تُطبقُ الضريبةَ المضافة على المشروباتِ السُّكرية. وعلى نقيضِ النماذجِ الأخرى التي ترفعُ من سِعرِ المُنتجات، فإن ضريبةَ المشروباتِ الغازيةِ في المملكة المتحدةِ تعملُ على تشجيعِ مُصنِّعي المشروباتِ الغازيةِ لإعادةِ ابتكارِ المُكوناتِ وتقليلِ نسبةِ السُّكرِ في منتجاتِهم، وبالتالي لا داعٍ لأن يغيِّرَ المستهلكون عاداتِ شرائِهم للانتفاعِ من تقنينِ استهلاكِ السُّكر.
وبإمكانِ هذه الضرائب توْليدُ إيراداتٍ تُضَخُّ لتَمويلِ برامج الصحةِ العامةِ مثل برامجِ الأنشطةِ البدنيةِ وصحةِ الأسنانِ في المدارس.
وقد نشرتْ هيئةُ الصحةِ العامةِ في إنجلترا مؤخرًا تقريرًا يُسلطُ الضوءَ على مدى نجاحِ هذه الضريبةِ المضافةِ في خفضِ نسبةِ السُّكرِ في المشروباتِ السُّكرية، حيث انخفضتْ بنسبةِ 29% لكل 100 مل من المنتجاتِ التابعةِ لسلسلةِ متاجرِ التجزئةِ والمنتجاتِ ذاتِ العلامةِ التجاريةِ الخاصةِ بالمُصنِّعْ، بالإضافةِ إلى أنها دفعتْ المستهلكين إلى التوجُهِ إلى المنتجاتِ الخاليةِ من السُّكرِ أو تلك التي تحتوي على نسبٍ قليلةٍ منه.
ومع كلِّ هذه الجهودِ المبذولة، تبقى مستوياتُ السُّكرِ في المشروباتِ التي لم تُفرَضُ عليها الضريبةُ مثل الحليبِ المخفوقِ والوجباتِ الخفيفةِ كالبسكويت والكعك عالية. وهذا ما استنتجهُ باحثون من كليةِ كوين ماري من جامعةِ لندن؛ أن 97% من أنواعِ الكعكِ و 74% من البسكويتات تحتوي على نسبٍ عاليةٍ ولا داعٍ لها من السُّكر وهذا ما يؤكدُ مُجددًا على أن معدلَ استهلاكِ السُّكر، في المملكةِ المتحدةِ على الأقل، ما يزالُ مُعضلةً كبيرة.
وقد ظهرت العديدُ من المبادراتِ التطوُّعيةِ التي تدعو للتقليلِ من السُّكرِ وتشجيعِ مُصنِّعي المشروباتِ السُّكريةِ والوجباتِ الخفيفةِ إلى تقليلِ السُّكرِ في منتجاتِهم بنسبةِ 20% بحُلولِ عام 2020. وقد أثمرتْ هذه الجهودُ في تقليلِ نسبةِ السُّكرِ في بعضِ المنتجاتِ (وهذا يبيِّنُ إمكانيَّةَ نجاحِ الفكرة) فيما كانتْ هنالك منتجاتٌ لم تُغيَّرْ مكوناتُها بتاتًا، الأمرُ الذي يشيرُ إلى أن الشركاتِ المُصنِّعةِ لا تمارسُ التقييمَ الذَّاتي بشكلٍ تطوُّعي.
الضريبةُ المضافةُ على الوجباتِ الخفيفةِ
تلعبُ الضريبةُ المضافةُ على المشروباتِ السُّكريةِ دورًا في تقليلِ استهلاكِ السُّكرِ وخفضِ نسبِ الإصابةِ بالسُّمنةِ والسُّكري على المدى الطويل. وتؤكدُ دراسةٌ حديثةٌ منشورةٌ في المجلةِ الطبيةِ البريطانيةِ أنه في حالِ فرضِ الضريبةِ المُضافةِ على الوجباتِ الخفيفة، ستُسهِمُ أيضًا في التقليلِ من خطرِ الإصابةِ ولكن تبقى بعضُ العقباتِ في طريقِ تطبيقِ هذه الضريبةِ على مستوى عالمي.
من أكبرِ هذه العقباتِ هي المعارضةُ القويةُ من أقوى قطاعاتِ الأغذيةِ والمشروباتِ المعروفةِ ومسانِديهم، حُجتُهم في ذلك هي:
- أن السُّمنةَ مسؤوليةٌ فرديةٌ، لذا وجبَ التركيزُ على التَّثقيفِ وتعزيزِ النشاطِ الجسديِّ عِوضًا عن فرضِ الضرائب.
- أن نظامَ الضرائبِ نظامٌ “تراجعيّ” ؛ بمعنى أنه يؤثرُ بشكلٍ مباشرٍ على الطبقاتِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ الأدنى أكثرَ من غيرِها.
- أن الضرائبَ قد تُؤدِّي إلى خسارةِ وظائف وفقدانِها، وبالتالي تؤثرُ سلبًا على الاقتصاد.
هذه الحُجَجُ المستخدمةُ والتي تستهدفُ كُلَّا من الحكوماتِ وعامةِ الشعبِ هي نفسها التي يحاججُ بها صُنَّاعُ التَّبغِ ضدَّ الضرائبِ المفروضةِ على التَّبغ، والتي تقدمُ بشكلٍ مباشرٍ وصريحٍ في الاجتماعاتِ مع صُنَّاعِ القرارِ وبشكلٍ غير مباشرٍ في وسائلِ الإعلام.
هذه الاستراتيجيَّةُ هي نفسها التي تتبعُها الصناعاتُ الأخرى ضدَّ فرضِ الضرائب عليها، والتي أثَّرتْ على سياساتِ الغذاءِ العالميةِ من خلال تمويلِ البحوثِ التي تدعمُ سياساتِ الغذاءِ أو تناقضِها، أو من خلالِ الاشتراكِ في لجانِ بحوثِ التغذيةِ التي تقدمُ المشورةَ لأصحابِ القرار.
خفضُ نسبِ السُّمنةِ
فضلًا عن فرضِ الضرائب، للحكوماتِ خياراتٌ أخرى للتقليلِ من السُّمنةِ وصنعِ فارق في المجتمع؛ مثل كتابةِ التَّصنيفاتِ بشكلٍ أفضلَ، والحدِّ من تسويقِ المأكولاتِ السريعة. ولكن مسؤوليةَ التَّقليلِ من نسبِ استهلاكِ السُّكرِ لا تقعُ على عاتقِ الحكوماتِ فحسب، ولكنها مسؤوليةُ الجميع، بدءًا من القطاعِ الخاص، والمجتمعِ، وُصُولًا إلى الأفراد.
بإمكانِ بائعي التجزئةِ على سبيلِ المثال، التقليلُ من تسويقِ المنتجاتِ التي تحتوي على نسبٍ عاليةٍ من السُّكرِ لصالحِ البدائلِ الصحية، كما يمكنُ للمدارسِ والمراكزِ المُجتمعيةِ تقديمُ التوعيةِ التغذوِيَّةِ الجيدة، فهذه مشكلةٌ عامَّةٌ وتتطلَّبُ حلًّا مجتمعيًّا.
وفي الختام، فرضُ الضرائبِ على السُّكرِ والمشروباتِ السُّكريةِ لن يحدَّ من الإصابةِ بالسُّمنةِ أو السُّكريِّ أو تسوُّسِ الأسنانِ في ليلةٍ وضُحاها، إلا أن لهذهِ الضرائبَ القدرة على خفضِ نسبِ السُّكرِ في المُنتجاتِ الموجودةِ على رفِّ كلِّ بيت. هذا فضلًا عن أنها تعملُ على توْليدِ الإيراداتِ الاقتصاديةِ، وتثيرُ الأحاديثَ التي قد تُشعلُ فتيلَ التَّغييرِ في عاداتِ المجتمعِ فيما يخصُّ السُّكر، هذا التَّغييرُ الذي قد يُحقِّقُ فارقًا عظيمًا في صحةِ وسلامةِ الملايين من الأفراد.
بقلم: جيما بريدج | ترجمة: روان البداعية | تدقيق الترجمة: مريم الغافرية | تدقيق لغوي: لجين السليمية | المصدر