كيف تقدّم تعليقًا جيدًا عندما لا تكون المسؤول
هل تعمقتَ يومًا في التفكير حول الطرق المناسبة لتقديم التعليقات للآخرين؟ رغم أننا جميعًا نودُّ القيام بذلك بشكل جيد إلا أن معظمنا يفشل في ذلك في نهاية المطاف.
متى كانت آخر مرة شعرتَ فيها بأن تعليقاتك قد أضفت بالفعل تحسينا على حياة شخص ما ، سواء كان طبخ زوجتك أو أداء موظفيك؟
تكمن المشكلة في أننا ننسى أن من نقدم له التعليقات هو كائن بشري، وليس إنسانًا آليًا يستقبل التعليمات والأوامر. حتى وإن كانت نوايانا جيدة، فقد تضيع الرسالة حال إيصالها، وهذا يشبه القول المأثور:” ليس المهم ما يُقال ، بل ما يُسمع”. فنحن نستجيب عاطفيًا للنقد حتى وإن كان ضمنيًا مثل: هل أنتِ متأكدة أن ذلك الفستان يناسبكِ؟ مثلُ هذا التعليق، لا يساعد الآخرين على التطور، بل يجعله أكثر صعوبة، مما يعني أننا فشلنا في فهم وتقدير الطبيعة البشرية. لهذا يتناول روجر فيشر وآلان شارب الطبيعة البشرية في التعليقات في كتابهما “إنجاز المهمة: كيف تقود عندما لا تكون مسؤولًا”.
الأنواع الثلاثة للتعليقات
تكمن الفكرة الرئيسية في اعتقادنا بأن التعليقات هي مجرد تعليقات ، في حين أن هنالك ثلاثة أنواع مختلفة للتعليقات، وينبغي استخدام كل منها على حدة، وبطريقة مناسبة لضمان مساعدة الآخرين بشكل فعّال.
هنالك على الأقل ثلاثة أنواع من التعليقات التي تكون مناسبة في مواقف معينة:
- التقدير: وهو تعبير عن الامتنان والرضى عن الجهد المبذول من الآخر، وهو إظهار للعاطفة يهدف إلى تلبية احتياج عاطفي عند الآخر.
- النصيحة (أو التوجيه): وهو عبارة عن اقتراحات حول تصرف معين يجب الالتزام به أو تغييره و عادة ما يركز على الأداء بدلاً من الحكم على الشخص.
- التقييم: وهو ترتيب أو تصنيف تأدية الموضوع وفقًا لأداء الآخرين أو مقابل مجموعة من المعايير الصريحة أو الضمنية.
العادة التي يجب عليك تطويرها هي معرفة أهدافك من تقديم التعليقات وصياغتها بطريقة مناسبة لتحقيق ذلك الهدف.
وهذا إطار عمل قيّم للغاية لأنه يجلب دوافعنا إلى السطح.
هل نحن نحاول إظهار تقديرنا، أم تقديم نصيحة، أم عرض تقييم؟ (مثل الدرجات أو مراجعة أداء)، فنحن نعتقد أنه بإمكاننا فعلها جميعًا بنفس الوقت، ولكن ذلك يؤدي إلى نتائج عكسية. خذ على سبيل المثال عندما توزع أستاذة جامعية الدرجات:
تقضي الأستاذة في الكلية جزءًا كبيرًا من إجازة نهاية الأسبوع في كتابة تعليقات شاملة على ورقة أحد طلابها. وعندما تُسلّم إليه الورقة ينتقل إلى الصفحة الأخيرة ليرى الدرجة، فإذا كان قد حصل على درجة امتياز فسيكون سعيدًا، وإذا حصل على درجة جيد سيكتئب طوال اليوم متذمرًا أن الدرجة كانت غير عادلة. في كلا الحالتين سيقضي وقتا قليلا ليتعلم من جميع الاقتراحات التي وضعتها الأستاذة. ويميل التأثير العاطفي من كونك مُقَيِّمًا بالدرجات إلى دفعك نحو طمس النصيحة الخاصة بتطوير الأداء.
حيث تتفوق مشاعر استقبال التقييم -سواء كان جيدًا أم سيئًا- على قيمة التوجيه، وهذان هدفان تتقاطع أغراضهما؛ ولذلك يجب علينا تعلم كيفية استخدامهما بشكل استراتيجي.
ومن الجيد عرض تعليقات متنوعة في مواقف مختلفة، وعلى أقل تقدير، لن يتوجب عليك سوى الإشارة بكل وضوح عند انتقالك من هدف إلى آخر. وقبل كل شيء، يساعد ذلك في فصل النصيحة والتقدير عن القلق المصاحب لمراجعة الأداء، أي التقييم. ففي معظم الأحيان، يكون التقييم هو الأقل إفادة، ومن المرجح أن يصرف الانتباه عن هدفيك الآخرين.
وهنا بعض الطرق التي تساعد في فصل الأنواع المختلفة من التعليقات واستخدامها على نحو أكثر حكمة وعقلانية.
1. عبّر عن التقدير لغرض التحفيز
متى يجب عليك إظهار تقديرك؟ دائمًا. من الجيد دائمًا قضاء بعض الوقت في تعزيز مزاج أحدهم مما يؤدي إلى تعزيز إنتاجيته. وتكلفة ذلك قليلة، فلن يستغرق منك الأمر سوى دقائق معدودة للذهاب إلى مكتب أحدهم وقول “أنا ممتنٌ لعملك الجاد”.
وهذا يعكس قول ديل كارنيجي المأثور” كن عذبًا في استحسانك وسخيًا في مدحك”. من منا لا يتمنى الشعور بالتقدير؟! بغض النظر عن مستوى جهده؟ هذا احتياج عاطفي عميق وسهل التلبية، وقد قال تشارلي مونغر مرةً أن الامتناع عن الثناء المستحق هو أمر غير أخلاقي بتاتًا. وحينما ندركُ أن التعبير عن التقدير هو أمر يمكن فصله عن تقديم تعليقات مفيدة أو نقد بنّاء، تصبح لدينا الحرية في تقديمه دون الحاجة إلى المخاطرة بفرصة للضغط من أجل تحسين معين.
ومن المهم كذلك تقديم الثناء الصادق، حيث يتمكن معظمنا من فهم الثناء المزيف مما يؤدي إلى نتائج عكسية مثل قول “لقد قمتَ بعمل رائع!” لشخص قد أخفق بكل وضوح، فهي لا تعتبر فكرة جيدة حتى وإن بدت لطيفة. وبدلاً من ذلك حاول أن تخبرهم أنهم عملوا بجد، وأنك تقدّر ذلك، واسألهم ما إذا كانوا يودون سماع نصيحتك لتساعدهم على تطوير أدائهم، وبهذه الطريقة تكون قد قدمت التقدير الصادق والمساعدة من غير إطراء فارغ.
2. قدم النصيحة من أجل تطوير الأداء
في نطاق التقدير نحاول دوماً توجيه تعليقاتنا مباشرة للشخص كقول: أنا أقدّرك وأقدّر جهدك ولم يذهب جهدك سدى.
في حين يختلف دور النصيحة؛ حيث تقتصر تعليقاتنا حول المهمة، وكثيرًا ما يطلق أحد معلميّ على هذه المرحلة “بالفصل بين المسألة والأشخاص” أو أن تكون “صلبًا مع القضية، سهلًا مع الأشخاص”. وفي كلا الحالتين، نحن نبني الشخص عاطفيًا بينما نحسّن من أدائه أيضًا، ومفتاح ذلك أن نكون محددين.
وكلما كانت النصيحة التدريبية أكثر عمومية، زاد أخذها كاتّهام شخصي وليس تحليلًا احترافيًا للسلوك فمثلاً قول” عملٌ جيد” لا يساعد في معرفة الأشياء المحددة التي يجب تكرارها. فالتخصيص إذن يتيح للأشخاص فهم ما فعلوا، و لمَ أحببتَ ذلك، مما يؤدي إلى جعله جزءاً من تفكيرهم. وتذكّر أن الهدف هو إيجاد طرق أفضل وليس أن تكون على صواب، وأن مشاركة البيانات المحددة تجعلنا شركاء في مهمة البحث عن طرق أفضل.
لاحظ الفرق الطفيف في التركيز بين:” دعنا نبحث عن طرق أفضل معًا” والتي تكون مجدية أكثر من” لقد أخفقت وهذا السبب”.
الصنفان المحددان من التعليقات اللذان نود عرضهما هما التعزيزات على ما نجح بشكل جيد، واقتراحات على ما يمكن فعله بشكل مختلف. ونحن نميل إلى التركيز على الصنف الثاني بعمق بينما نتجاهل في كثير من الأحيان مسؤوليتنا في تعزيز ما نجح الشخص بفعله. وإذا أمعنا التركيز في كلا الصنفين معًا وكنا محددين ودعمنا آراءَنا بالمنطق، يمكننا مساعدة الشخص ليشعر بتحسن تجاه نفسه، آملين في تشجيعه على تغيير بعض الجوانب المحددة في أدائه.
وتجنب الترتيب العام مثل قول:(“لقد قمت بعمل عظيم!”) وأخبر الشخص ما الذي أجاد فعله تحديدًا: ” لقد تعاملتَ مع تلك المحادثة بهدوء كبير لدرجة أن العميل علم أنك تقف إلى جانبه. وأعتقد أن ذلك ما ساعد في زيادة شعورهم بالراحة معنا وإبرام الصفقة”. وبعد ذلك يمكننا المضي والبدء في توضيح التغييرات التي يمكن إحداثها.
كل خطوة في العملية – بداية من إظهار التقدير، وتعزيز الطرق المجدية، إلى تشجيع العمل الجماعي – تخفف الضربة النهائية للوصول إلى” هذا ما يمكنك تغييره”، وهذه هي الطريقة التي تزيد من فرص إيصال رسالتنا بنجاح. لذا، يجب علينا دوماً وضع أنفسنا مكان مستقبل الرسالة.
3. قيّم فقط عند الحاجة
وهذه عملية بسيطة: فالتقييم في كثير من الأحيان ليس الطريقة الأفضل لتحسين الأداء. وإذا فصلنا التوجيه عن التقييم -كما ناقشنا سابقاً- فسيصبح ذلك أكثر وضوحاً ، فنحن لا نحتاج إلى تعيين درجات للأداء طوال الوقت ما دمنا نعمل باستمرار على تعزيز عادات جيدة وتثبيط عادات سيئة بطريقة فعالة. ومن هنا، فإن التعليقات الفورية والواضحة تكون أكثر فاعلية من مراجعة الأداء المؤجلة.
فالمراجعات تكون ضرورية بالفعل حينما يتوجب علينا اتخاذ قرارات ملموسة حول الموظفين كالتوظيف والطرد والترقية وما إلى ذلك. وفي مثل هذه الحالات اعمد إلى أن يكون تقييمك سلساً و عادلاً. وبخلاف ذلك، ابتعد عن استخدام التقييم كأداة رئيسية للتحسين والتحفيز ما لم تكن تحاول إيصال رسالة ما على وجه التحديد.
التقييم أحيانًا ضروري لتحسين تصرف شخص ما ـــ أو لجعله يعمل بجد. خلال سيمنار أو ندوة تفاوض متقدمة عُقدت لاختيار أي من طلبة الحقوق يجب دعوته ليصبح من مساعدي التدريس ، طلب روجر من الاثني عشر طالبًا ترتيب جميع الطلاب في صفهم دون الكشف عن هويتهم لاختبار قدرتهم على أن يصبحوا مساعدي تدريس جيدين، ولم يتم إعطاؤهم أية فرصة للتواطؤ أو المساومة. رتب أحد عشر طالبًا أحد الطلاب في الصف على أنه في المركز الثاني عشر، بينما وضعه أحدهم في المركز الأول. وقد أشارت النتائج إلى أن هذا الطالب بحاجة إلى بعض التقييم الصريح حول طريقة أدائه.
4. لُم نفسك أولاً
في النهاية، ما يجب علينا فعله حقاً كقادة، سواء أكنا فنيًا في منصب قيادي أم لا، هو خلق بيئة يتم فيها مشاركة التعليقات بطرق مفيدة وعملية. ولعل الطريقة المُثلى لفعل ذلك إلى جانب تقديم التعليقات هو التطوع لتلقي بعضٍ منها أيضاً؛ وكما يقال في أيكيدو، كن مستعدًا ” لتلقي اللوم”.
إن أفضل طريقة لخلق بيئة لمشاركة التوجيه والتدريب لا تكون بلوم الشخص الآخر، وإنما بالتطوع في لوم نفسك. يمكنك تشجيع الآخرين سواء أكانوا رؤساء أو زملاء دراسة أو مرؤوسين على ذلك من خلال طلب ملاحظاتهم حول أدائك. طلب النصح سيكون له بالغ الأثر على الأشخاص من مستواك أو من هم دون ذلك. فإذا كنت تريد من مرؤوسيك أن يطلبوا تعليقًا ما من مرؤوسيهم، فإن أفضل ما يمكنك فعله هو أن تظهر لهم أنك على استعداد للقيام بذلك أيضًا.
بقلم: شين باريش | ترجمة: سارة الزيدية | مراجعة: لمياء العريمية | تدقيق لغوي: وفاء المعمرية | المصدر
مقال ثري جدا شكرا علي الترجمة التي اتت بالجديد لي