لماذا تنزفُ لِثَّتي؟ وهل يستدعي الأمر القلق؟
بالرغم من أن نزيف اللثة أمر شائع إلا أنه لا ينبغي علينا تجاهُله إذْ عادةً ما يكون هذا النزيف علامة على اعتِلال اللثة.
ويمكن التعافي من أمراض اللثة بسهولة إذا عُولِجَت في مراحلها المبكرة. أما إذا تعكّرَت وأصبحت أكثر حِدّة فقد تُؤدي إلى فِقدان الأسنان، كما يصبح علاجها أكثر تعقيدًا ويستوجب فترة أطول، كذلك تَزيد هذه الأمراض من خطر الإصابة بمرض السكري وغيره من الأمراض المُزمنة الأخرى.
يتعرض مُعظم الناس في حياتهم لدرجة من درجات أمراض اللثة، إذ تُشير دراسات أسترالية لصحة الفم إلى أن شخصًا مِن بين كل أربعة أشخاص بالِغِين مصاب بمرض اللثة من الدرجة المتوسطة إلى الحادة. ويزيد احتمال الإصابة بأمراض اللثة مع التقدم في العمر، حيث يُعاني أكثر من نصف الأستراليين الذين تجاوزت أعمارهم 65 عامًا من درجات متوسطة إلى حادة من هذا المرض.
ويُعرف مرض اللثة في شكله الطفيف باسم التهاب اللثة السطحي، ويَحدُث عندماَ تَتراكم طبقة جُرثومِية بيضاء خفيفة تسمى بلاك على طول خط اللثة حيث تلتحم اللثة بالسن، وإذا لم تُزَال هذه الطبقة، فيمكن للبكتيريا التي توجد بها أن تُسبِّب التِهابًا لأنسجة اللثة.
إنّ أول علامة من علامات اللثة المصابة هي النزيف الذي يحدث أثناء تنظيف الأسنان بالفرشاة أو بعده. كما يؤدي التهاب اللثة السطحي عادة إلى احمِرار اللثة وتورمِها حيث يبدو سطح اللثة لامعا وأمْلس، في حين أن اللثة السليمة تظهر بِلون المرجان الوردي وتكون مرقّطة قليلا كقِشر البرتقال.
يُمكِن التعافي من حالات التِهاب اللثة السطحي وذلك بإزالة طبقة البلاك من خلال تنظيف الأسنان بعناية وبشكل يومي باستخدام الفرشاة والاستعانة بخَيْط التَنْظيفِ. إذ يعمَل معجون الأسنان بِمثابة مقشِّر لطيف يُساعد في إزالة طبقة البلاك. ومن المُهم أن يحتوي على مادة الفلوريد حتى يُساعد على منع شكلٍ شائع آخر من أمراض الفم ألا وهو تسوس الأسنان.
بينما يُشجِّع البعض على استخدام الماء المالح مع فرشاة الأسنان كمحفِّز لإزالة طبقة البلاك، إلا أن الأدلة تُشير بكل وضوح إلى فعالية معجون الأسنان في إزالة هذه الطبقة وفي الحد من التسوّس عندما يحتوي على مادة الفلوريد لوحدها.
وعندما تُنظِّف أسنانك بالفرشاة، عليك أن تركز بشكل لطيف على طول خط اللثة، وإذا استمر النزيف فقد تحتاج إلى مراجعة طبيب الأسنان أو اختصاصي الصّحة قصد إزالة طبقة البلاك من المناطق التي لا تصل إليها عندما تنظف أسنانك بنفسك.
يمكن لالتهاب اللثة السطحي أن يتحول إلى التهاب لثوي مُزِمن، خاصة إن لم تَكن تُنظف أسنانك بالفرشاة والخيط بانتظام. ويحدث الاتهاب اللثوي المُزمن عندما يتسبب الالتهاب السطحي المتواصل للثة في انهيار العظم السِّنخي، وهو العظم الذي يشكِّل التجويف الذي يَدعَم السن.
كما يؤدي هذا الالتهاب إلى تراجع اللثة، ومن هنا جاءت العبارة الإنجليزية “الأسنان الطويلة” فكُلما تعرّت الأسنان أكثر بدت وكأنها تزداد طولًا. ومن دون عظم مثبّت بالقدر الكافي فإن الأسنان تفقد ثباتها، وغالبًا ما تكون هذه المرحلة مصحوبة بالآلام.
يتمثل علاج الالتهاب اللثوي المُزمن في الوقت الحالي في نظام تنظيف مكثَّف، وقد تتطلب بعض الحالات جراحة اللثة.
ولسوء الحظ، فإنه من الصعب إزالة البكتيريا المسبِّبة للمرض بعدما تستوطن في اللثة. وغالبًا ما يحتاج الأشخاص الذين يُعانون من الالتهاب اللثوي المزمن إلى علاج منتظم ومتواصل على يد طبيب مختص لمنع تفاقم المرض.
يُطوِّر زملاؤنا في مركز البحوث التعاونية لصحة الفم والأسنان بِجامعة ملبورن علاجًا للالتهاب اللثوي المتقدم. ويستهدف هذا العلاج أحد العناصر الرئيسة المسبِّبة للمرض وهو ما يسمى ببورفيوروموناس اللثة. وقد أحرزت الأبحاث تقدُّما ملحوظًا في هذا المجال كما تبدو النتائج الأخيرة واعِدة للغاية.
وبينما يُعَد الالتهاب الذي ينجم عن وجود طبقة البلاك أول مسبِّبٍ لنزيف اللثة، إلا أنه من الممكن لهذا النزيف أن يحدث نتيجة لأمراض أخرى مثل السكري وبعض أمراض الدم وداء الإسقربوط الذي أصبح نادرًا في زماننا هذا.
ولا تزال بعض الأفكار الخاطئة عالقة بموضوع نزيف اللثة وفقدان الأسنان، فعلى سبيل المثال، لا يزال البعض يُردِّد المثل الذي يقول “تفقد الأم سنًّا مع كل ولادة”.
ليس هذا الأمر صحيحًا بالضرورة، فبينما تتسبب التغيّرات الهرمونية الناجمة عن الحمل في جعل اللثة أكثر عُرضة لِمُخلّفات البلاك (وبالتالي في تزايد احتمال النزيف)، إلا أن الحمل في حدِّ ذاته لا يؤدي بشكل مباشر إلى أمراض اللثة أو فقدان الأسنان الناتج عنها.
كذلك ثمة فكرة شائعة تعد نزيف اللثة ظاهِرة بسيطة وعادية إلا أن هذه الفكرة خاطئة لأن نزيف اللثة دائما ما يكون علامة على المرض.
ورغم كل هذا، فبإمكانك التوقي من معظم أمراض اللثة من خلال اعتماد العادات الصحية السليمة لتنظيف الفم بالإضافة إلى الفحص الدوري للأسنان. ويمكن لاختصاصي صحة الأسنان أن يقدم لك النصائح اللازمة حتى تستخدم الفرشاة والخيط بفعالية أكبر.
ما حاجتنا للقاح لمرض اللثة؟
لقد طَوَّرَ علماء من جامعة ملبورن بأستراليا أول لقاح لعلاج مرض اللثة. وقد بلغ البحث الذي نُشِرت نتائجه في مجلة أن بي جي فاكسنز مرحلة التجارب على الفئران.
وإذا كُلِّلت التجارب على البشر بِالنجاح فسيكون هذا اللقاح قادرًا على الوقاية من مرض اللثة المزمن – أو الالتهاب اللثوي – الذي يُعد السبب الرئيس لفقدان الأسنان لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 30 عامًا وذلك على مستوى العالم.
ما مرض الالتهاب اللثوي؟
يُسبّب الالتهاب اللثوي تآكلاً لا عكوسًا للعظم واللثة اللذين يدعمان الأسنان ويثبِّتانها في مكانها، وإذا لم نعالجه فإنه يؤدي في آخر مراحله إلى سقوط الأسنان.
يُصيب مرض اللثة المُزمن ما بين 10 و15% من سكان العالم على أن بعض الدراسات الحديثة في الولايات المتحدة تُشير إلى أن نصف سكان العالم قد يكونون مُصابِين بدرجات متفاوتة الشِّدة بهذا المرض.
يزداد احتمال الإصابة بالالتهاب اللثوي مع تقدم العمر إذ أن نحو 53 % من الأستراليين الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر مُصابون بهذا المرض بدرجات متوسطة إلى حادة.
وبالنسبة لمعظم الناس فإن هذا المرض يتطوَّر بِبطء على مدى فترة تتراوح بين 20 و 30 سنة يَبدأ بعدها المُصاب بفقدان أسنانه. وباستثناء مراحل المرض الأخيرة قلَّ ما تكون الإصابة بالالتهاب اللثوي مصحوبة بآلام وهذا ما يجعل الكثير من الناس غير مدركين بأنهم يُعانون من مشاكل في اللثة.
يمثل نزيف اللثة عند التنظيف بالفرشاة والخيط علامة على المرض وذلك من بداية الإصابة وخلال جميع مراحلها. كما أن عددا من المرضى يشيرون إلى حالات نزيف أثناء الأكل وعند النوم ليلًا.
ومع تفاقم الحالة، فمِن المُمكن أن تصبح الأسنان غير ثابتة. وتكون هذه الأعراض مُتزامنة مع تورُّم اللثة المتكرر والمذاق السيئ والرائحة الكريهة في الفم. كما يمكن أن تبدأ اللثة في هذه المرحلة بالتراجُع عن السن مما يؤدي إلى أعراض الحساسية من الأطعمة الساخنة والباردة والحلوة. وفي كثير من الحالات لا تُشَخَّصُ المشكلة إلا عند زيارة طبيب الأسنان.
ما الذي يُسبب أمراض اللثة؟
تتمثل نقطة البداية للاتهاب اللثوي في تراكم للبكتيريا وتشكّل طبقة تسمى البلاك على طول خطِّ اللثة. ويعتقِد المختصون أن استجابة جِهاز المناعة للجسم ضد هذه البكتيريا هي التي تسبب الأضرار اللاحقة.
تؤدي هذه الاستجابة إلى التهابِ اللثةِ مما يجعلها تنزف وتنفصل عن الأسنان مشكِّلة جيوبًا لثّوية. بعدz`S تنمو طبقة البلاك داخل هذه الجيوب أسفل مستوى اللثة. وعند بلوغ هذه المرحلة، يُصبح التنظيف بالفرشاة والخيط غير كاف لإزالة الطبقة الجرثومية.
تُدعى المرحلة الأولى من الالتهاب الناتج عن تَكَوُّن طبقة البلاك بالتهاب اللثة السطحي.
وبِمرور الوقت، تزداد الجيوب عُمقًا كما تتآكل العِظام المحيطة بالأسنان وتتراجع اللثة. وعدم علاج الحالة سيؤدي إلى سقوط الأسنان في مراحل لاحقة.
وتشمَل العوامل المسبِّبة لأمراض اللثة قِلّة الاعتناء بنظافة الفم والانتماء إلى فئة الذكور وانخفاض مستويات الدخل والتعليم والتدخين ومرض السكري وعدم مراجعة طبيب الأسنان.
ويبدو أن تأثيرات الاستجابة الالتهابية التي تكون البكتيريا نُقطة انطلاقٍ لها لا تقتصِر على اللثة فحسب. ففي الآونة الاخيرة اكتُشِفَ ترابطٌ بين التهاب اللثة وأمراض القلب والسكري لدى بعض المرضى.
كيف يُعالَج؟
جميع أطباء الأسنان مؤهلون لتشخيص مشاكل اللثة، مما يؤكد الحاجة إلى إجراء فُحوصات دورِيّة للأسنان. وإذا كانت الحالة مُتَعكرة، فغالبًا ما يُحوّل المُصاب إلى اختصاصي اللثة أو اختصاصي الالتهاب اللثوي.
وبصورة عامة، يقتضي علاج اللثة زيادة الاعتناء بنظافة الفم وإزالة الرواسب الموجودة تحت اللثة وتنظيف الأسنان من طبقة البلاك والجير وهو البلاك الذي يتصلّب مع مرور الوقت. وهذه كلها إجراءات طبيب الأسنان أو اختصاصي صِحة الأسنان.
والأسنان الميؤوس منها غالِبا ما تستوجب القلع.
إن المتابعة الدوريّة بعد كل ثلاثة أو أربعة أو ستة أشهر ضرورية للاستمرار في الشفاء وبالتالي للحفاظ على الأسنان.
ويُمثِّل التحكم في مسبّبات المرض أمرًا أساسيًّا؛ إذ يكون العلاج أكثر نجاعة عند الإقلاع عن التدخين والتّحكم بمستوى السكر لدى مرضى السكري.
وغالِبا ما يُلجَأ إلى المُضادات الحيوية أو جراحة اللثة في الحالات المتعكرة التي لا تَستجيب بشكلٍ جيد لأشكال العلاج التقليدي. وحتى بعد الشفاء، تبقى هناك أرضية ملائمة للانتِكاس. فبِمجرد التوقف عن المتابعة الملائمة والمنتظمة، سيظهر المرض ثانية وسيؤدي إلى تساقط الأسنان.
وفيما يتعلق بنسبةٍ صغيرة من المرضى، فإن الرِّعاية المنتظمة لن تَحول دون تفاقم المرض ويكون تساقط الأسنان نهاية حتمية.
كيف يمكن الوقاية من هذا المرض؟
تُعَدُّالعناية الجيدة بنظافة الفم عنصرًا أساسيًّا في الوقاية من أمراض اللثة. وبينما يكتفي أغلب الناس بتنظيف أسنانهم باستخدام الفرشاة، يمثل التنظيف الإضافي بين الأسنان أهمية بالِغة للمساعدة في الوقاية من مشاكل اللثة. ويمكن ذلك باستخدام الخيط أو عود الأسنان أو الفرشاة الخاصة.
تُعدُّ الزيارة الدورية لطبيب الأسنان أو اختصاصي صحة الأسنان لِغاية فحص اللثة وتنظيفها أمرًا ضروريًّا؛ إذ أن مُعالجة أمراض اللثة في مراحلها الأولى تكون أبسط وأيسر.
يَكمُن سِرُّ التغلُّب على هذا المرض في مُعالجة البكتيريا التي تُمثِّل نقطة انطلاقٍ لِسلسلة من الأعراض التي تؤدي إلى الالتهاب اللثوي. وهنا تكمن جدوى لقاح اللثة المُبتكر.
لقد حُدِّدَ نوع من البكتيريا يعدُّه الباحثون المسبِّب الرئيسي للمرض. ووجود أعداد كثيرة منها يؤثر على أنواع البكتيريا المتراكمة في هذه المنطقة. كما تؤثر على استجابة مناعة الجسم التي تزيد بدورها من تَلف اللثة.
وبناء على هذا، يكون من الممكن نظريًّا التقليل من عدد الإصابات بهذا المرض أو من احتمالية الانتكاس إذا تمكنّا من السيطرة على هذا النوع من البكتيريا. وهنا يأتي مفعول اللقاح الجديد حيث يَدفَعُ جِهازَ المناعة لإنتاج أجسام مضادة لهذا النوع من البكتيريا مُعيقًا بذلك تكاثُرها مما يؤدي إلى التقليص من الاستجابة الالتهابية والأضرار الناجمة عنها.
وسيؤدي هذا إلى تحسين مفعول العلاج على المدى الطويل وجعله أسهل بكثير وأقل تكلُفةً.
بقلم: مايك مورغان وستيوارت داشپر وإيڤان داربي | ترجمة: أماني السعدية | تدقيق: د. رفيق الجموسي وعهود المخينية | المصدز 1 – 2