مراجعة | رائعة غابرييل ماركيز : الحب في زمن الكوليرا
الكتاب: الحب في زمن الكوليرا
الكاتب: غابرييل غارسيا ماركيز
دار النشر: التنوير
الطبعة: الأولى (2017)
ترجمة: صالح علماني
الصفحات: 448
صدرت الرواية للمرة الأولى بالإسبانية في عام 1985 وحُوّلت إلى فيلم سينمائي يحمل الاسم ذاته.“ماركيز” الحائز على جائزة نوبل للآداب، يصف الأحداث والمشاهد بشكل دقيق لتبقى حاضرة في الذاكرة وتقنعك بأي شيء مهما بدا غير واقعي. أحداث الرواية متداخلة ومبهرة، يعيش القارئ معها التطورات الحاصلة في منطقة الكاريبي من حروب وتكنولوجيا وغيرها، تدور أحداثها حول ثلاث شخصيات أساسية: “فلورنتينو أريثا”، المراهق العاشق الذي يكبر ويتغير عبر الرواية، لكن حبه وإصراره على الفوز بحبيبته الأبدية لا يتغير أبداً، تلك الحبيبة هي “فيرمينا داثا” التي أحبت “فلورنتينو” في صبى وعنفوان المراهقة حتى تزوجت “خوفينال أوربينو”، الدكتور العائد من دراسة الطب في فرنسا الذي سيعمل على معالجة الكوليرا في بلده والتي حالما وصل إليها لم يجدها جديرة بمشاعر الحنين التي كانت تملؤه.
الرواية تعبّر عن الحب الصافي الرائع الذي ابتدأ في المراهقة برسائل دون لقاء، حتى يكتشف والد “فيرمينا داثا” هذا الحب ويقتله بالمعارضة لأنه لا يرى في “فلورنتينو أريثا” الصهر المناسب، لذلك كانت “فيرمينا” مجبرة على الزواج من “خوفينال أوربينو”. عندها اتخذ “فلورنتينو أريثا” قراره الصارم بالحصول على لقب وثروة ليصبح جديراً بـ “فرمينا داثا”. “قُدماً تمضي هذه الأمكنة إذ صار لها ربّة مُتوّجة” ، “فيرمينا” هي الربة المتوجة لـ “فلورنتينو” الذي أسماها هكذا كتعبير عن أزلية الحياة طالما أنها تزهو بها –بالحب-.
“فلورنتينو” كرّس حياته كلها من أجل الظفر بـ “فيرمينا”، منذ زواجها عاش على أمل أن زوجها لا بد له أن يموت يوماً ما وستعود له، بدون أن يضع احتمالية موته هو أو “فيرمينا” قبله، كان دائماً متأهباً لموت “خوفينال” لأنه لا بد لحبه لـ “فرمينا داثا” أن يُخلّد. بعد واحد وخمسين سنة وتسعة أشهر وأربعة أيام من اعترافه الأول بالحب عاد ليعترف بحبه ثانيةً بعد جنازة زوجها “خوفينال” مباشرةً. “فيرمينا” التي كانت تنام ليلتها الأولى كأرملة تمنت أن يخطفها الموت في نومها لأنها لم تحتمل ألم فراق زوجها والاستيقاظ بدونه والتعامل مع أشيائه الباقية وحيدة “على الناس الذين يحبهم المرء أن يموتوا مع كل أشيائهم”. عندما استيقظت في يومها التالي كان “فلورنتينو” هو أول ما شغل تفكيرها.
رغم كل التغيرات الحاصلة في المنطقة وصعود “فلورنتينو أريثا” المهني ورغم علاقاته الغرامية التي فاقت الست مائة، ظل حبه لـ “فيرمينا داثا” خالداً واحتفظ بقلبه لها وحدها وظلّ يترقب الأيام وحضورها الدائم فيها.
“فلورنتينو” استطاع كتم هذا الحب عن الجميع إلا أمه، “ترانسيتو أريثا” –المؤمنة بالحب- والتي قالت له: “انتهز الفرصة لتتألم بقدر ما تستطيع الآن وأنت شاب، لأن هذه الأمور لا تدوم مدى الحياة.” لكنها عندما لاحظت شدة ألم ابنها ظنت أنه مصاب الكوليرا فخلطت الألم النفسي بالجسدي. “لا يمكن للضعفاء دخول مملكة الحب، لأنها مملكة قاسية وصارمة.”
كان “فلورنتينو” في عمله يعجز عن صياغة رسالة رسمية واحدة لكنه كان يكتب رسائل الحب بكل سهولة وهو الخبير بها حتى أصبح سكرتير العاشقين، كانت بداية سنين حبه لـ “فيرمينا” بتبادل الرسائل التي لم تكن “فيرمينا” شغوفة بها مثله: ” لقد كانت في الواقع رسائل لهو، تسعى إلى الاحتفاظ بالجمر متقداً ولكن من دون أن تضع يدها في النار، فيما “فلورنتينو أريثا” يحترق ويتحوّل إلى رماد في كل سطر يخطُّه.” يقول: “ما يؤلمني في الموت هو ألا أموت حباً” ، كان يظن أنه عاش أفضل حياة لأن سنوات حياته كانت سنوات حب.
الحب الذي ابتدأ في المراهقة يعود في السبعين بكل أصالته ليؤكد لنا “ماركيز” عظمة الحب الصادق : “كانا ينسابان بصمت كزوجين قديمين كَوَتهما الحياة، إلى ما وراء خدع العاطفة، إلى ما وراء ميل الأوهام القاسية وسراب خيبة الأمل: إلى ما وراء الحب. لقد عاشا معاً ما يكفي ليعرفا أن الحب هو أن نحب في أي وقت وفي أي مكان، وأن الحب يكون أكثر زخماً كلما كان أقرب إلى الموت”.
هذه الرواية ليست مجرد قصة حب، أنصحكم باقتنائها لأن هذه الروعة التي تحملها الرواية والأسلوب الفذ لصاحبها لا بد أن يبقى معكم للأبد.