إن قصة الإبداع البشري مثيرة بحجم أثرها. فما تمّ إنجازه خلال آخر 60000 عام يدعو إلى الذهول. وما بين أول عقدة حبال محكمة عقدها إنسان النياندرتال وبين مصادم الهيدرونات العظيم في القرن الواحد والعشرين قصة تختصر عظمة الإنسان وتفوقه. ورغم صعوبة المغامرة، يحاول هذا الكتاب الإجابة عن الأسئلة الكبيرة: كيف استطعنا أن نفعلها؟ ولماذا نحن دون غيرنا استطعنا أن نفعلها؟ ولماذا لم نكتف بالطبيعة كباقي السلسلة الحيوانية ونرضى بحياة تقوم على الحظ والإذعان كمن يتنقل قافزا في كومة من الظلام؟ ولماذا أصبحت الطبيعة بسببنا نحن تتخذ أشكالا إبداعية مركبة وبالغة التعقيد؟ وكيف تسنى لنا أن نحيل حتى إخفاقاتنا التاريخية إلى إبداع ملموس؟ ولماذا امتلكنا كل تلك الحيل لنحيل المعرفة المجردة إلى أجسام إبداعية استثنائية؟ هل تسبب دماغنا البيولوجي وحده بكل هذا؟ أم أن المحاولة والخطأ خلال مجريات التاريخ الأنثروبولوجية كانت سببا في صناعة المعجزات الإبداعية البشرية؟ وهل كنا مخيّرين أم مسيّرين في رحلتنا الإبداعية؟ وإذا كنا مخيّرين، فلماذا اخترنا مسارًا دون آخر؟ وإن كنا مسيرين، فكيف تجاوزنا آلة التسيير الحتمية بكل عقباتها؟ من أجل الأجوبة عن تلك الأسئلة وغيرها كُتب هذا الكتاب. ولذلك جاءت فصوله الخمسة كتفاسير منفصلة؛ بغية تفسير الإبداع البشري من النواحي البيولوجية والأنثروبولوجية والمادية والإبستمولوجية والاقتصادية.
_