وبعد نصفِ قرنٍ آخر وحيث أصبحنا نعيش حالةً من الذهول الثقافي المدفوع بالاستعجال في الانشغال، تضيف آني ديلارد الحطب إلى نار هذه المعضلة في حثّها الدؤوب على اختيار الحضور على حساب الإنتاجية بقولها “ما نقضي أيامنا فيه هو – بطبيعة الحال- ما نقضي حيواتنا فيه”.
ونلقى دعوةً تملأ مقلة العين ماء وتريح القلب ملء السماء لجعلنا حاضرين في كلِ يومٍ بحياتنا قلبًا وقالبًا في “صمتًا أيا حياة“ (في المكتبات العامة) وهي قصيدة مصوّرة ترويها صفحات كتاب ترسمه أوهارا هايل. ولطالما كان لأعمال هايل منزلة خاصة في قلبي؛ فلديها ألطف سيرة ذاتية تُكتب على الغلاف الخلفي لأي كتاب:
“أوهارا هايل رسامة بلا معلّم، يتجلىّ فنّها في صور ومواد مختلفة. ترسم وتغني وتكتب وتؤدي أصواتًا وكلماتٍ وألوانًا وحركاتٍ – كلّها أسئلة عن الحب والحياة والطبيعة وكلّ مجهولٍ مهاب وغير مرئي يصاب وبينهما من المتشابهات في الأحلام. تعيش هايل على كوكب الأرض مع كلبها بانانا”.
فيخرج من صلب الاهتمام نسخة حديثة من قصيدة ثورو: “الطبيعة نوع من الصلاة” وتحمل الحيويةُ المعانيَ العميقةَ لهذه الرسالة ترتيلةً من أناشيد الحبور كلمةً وصورة (وربما يكون هذا الحال دائما مع كتابات هايل، فهي أيضُا موسيقار موهوب، ونحن نلقي بوجودنا كاملًا -بأوجهه المختلفة- في كل ما ننتج.)
وتذّكرني نهاية الكتاب بقصيدة مذهلة للشاعرة دينيز لڤِرتوڤ تتحدث عن فصل الطبيعة عن عالمنا وكأنها مخلوقة في عالمٍ موازٍ لعالمنا الذي نقطنه، فتقول هايل في الصفحة الأخيرة “أنت جزء من جمال هذه الحياة” داعيةً قارءها – وقد يكون أيًا منّا: طفلًا أو كهلًا نشأ على وهم الحضارة المزمن – أن ينزع عباءة الانفصال الزائف عن العالم الطبيعي الذي فرضته علينا قواعد عالمنا الحديث وأن يرتدي لباس الحضور الكائن مع الحياة، المشع من أساس وجودنا البشري.
ولد كتاب “صمتًا أيا حياة” بين أضلع دار اينشانتد لايون للكتب المبدعة الظريفة، يسبقه إخوته الأكبر “ابك يا قلب ولكن إياك أن تنفطر“و “الذئب الصغير والذئب الكبير” و” الأسد والعصفور” و” هذه قصيدة تداوي الأسماك” و” برتلوت” ويكمّله كتاب “زهور على قارعة الطريق” وهو الآخر دعوة مصوّرة لأن نعيش بيقظةٍ على قيد هذه الحياة وكتاب مارغريت وايز براون المعروف “كتاب هادئ مزعج” وطبعًا علينا أن نعرج على كتاب آلِن واتس حول ” كيف تعيش بحضور” وكتاب اختصاصية العلوم المعرفية ألكساندرا هورويتز عن “طريقة إيجاد مصادر الذهول في واقعنا اليومي”
بقلم: ماريا بوبوفا | ترجمة: سحر عثماني | تدقيق الترجمة: عهود المخينية | المصدر