صمتًا أيا حياة: ترنيمات ملوّنة تدعونا للعيش بجوارحنا جمعاء

" صمتًا، صمتًا أيا حياة في انفلاق الفجر لنشعر بضياء الشمس عندما تعلو أناشيد الصباح" – ماريا بوبوفا

يرثي الشاعر والمفكر إِمِرسُن  الحياة بقوله إنها “تمضي على عجالة هذه الحياة”، ويجول فكره إلى أسلوب يجعل الفرد حاضرًا في خضمِّ حياته بينما نعيش اليوم ثقافة من الانشغال الدائم فيقول معلّقًا على استعجالنا المتمدّن “الآن قف للحظة، والآن صار التملك ضرورة، وكذلك تلك القوة الآنية التي تحثنا على الامتلاء بمكنونات قلوبنا بمقدار يفوق الشمس والقمر والنظام الشمسي بأسره، وبما يحوي من عمق متزايد”. وبعد ما يقارب نصف القرن من كتابات إِمِرسُن، حذّرنا هِرمان هسَّه  في كتاباته عن أهم العادات للعيش الحاضر قائلًا “إن القيمة المتزايدة التي نوليها لكل دقيقة من وقتنا – تلك الفكرة التي تحثّنا على الاستعجال كون استغلال الوقت أهم أهداف حياتنا – هي أكثر أعداء السعادة خطورةً.”

 

وبعد نصفِ قرنٍ آخر وحيث أصبحنا نعيش حالةً  من الذهول الثقافي المدفوع بالاستعجال في الانشغال، تضيف آني ديلارد الحطب إلى نار هذه المعضلة في حثّها الدؤوب على اختيار الحضور على حساب الإنتاجية بقولها “ما نقضي أيامنا فيه هو – بطبيعة الحال- ما نقضي حيواتنا فيه”.

ونلقى دعوةً تملأ مقلة العين ماء وتريح القلب ملء السماء لجعلنا حاضرين في كلِ يومٍ بحياتنا قلبًا وقالبًا في “صمتًا أيا حياة (في المكتبات العامة) وهي قصيدة مصوّرة ترويها صفحات كتاب ترسمه أوهارا هايل. ولطالما كان لأعمال هايل منزلة خاصة في قلبي؛ فلديها ألطف سيرة ذاتية تُكتب على الغلاف الخلفي لأي كتاب:

“أوهارا هايل رسامة بلا معلّم، يتجلىّ فنّها في صور ومواد مختلفة. ترسم وتغني وتكتب وتؤدي أصواتًا وكلماتٍ وألوانًا وحركاتٍ  – كلّها أسئلة عن الحب والحياة والطبيعة وكلّ مجهولٍ مهاب وغير مرئي يصاب وبينهما من المتشابهات في الأحلام. تعيش هايل على كوكب الأرض مع كلبها بانانا”.

ما بين الحلزون الحالم والنحل الهائم إلى وجهة هادئة معروفة إلى أوراق الشجر المتراقصة على أنغام النسيم، تدعو هايل قراءها لترتشف أذهانُهم وأعينُهم وقلوبُهم بلسمَ الحياة بفضول يفيض عطاءً، مذكرّة إياهم بقول سايمُن ويل “الاهتمام هو أنقى أنواع العطاء وأكثرها ندرة”.

فيخرج من صلب الاهتمام نسخة حديثة من قصيدة ثورو: “الطبيعة نوع من الصلاة” وتحمل الحيويةُ المعانيَ العميقةَ لهذه الرسالة ترتيلةً من أناشيد الحبور كلمةً وصورة (وربما يكون هذا الحال دائما مع كتابات هايل، فهي أيضُا موسيقار موهوب، ونحن نلقي بوجودنا كاملًا -بأوجهه المختلفة- في كل ما ننتج.)

وتذّكرني نهاية الكتاب بقصيدة مذهلة للشاعرة دينيز لڤِرتوڤ  تتحدث عن فصل الطبيعة عن عالمنا وكأنها مخلوقة في عالمٍ موازٍ لعالمنا الذي نقطنه، فتقول هايل في الصفحة الأخيرة “أنت جزء من جمال هذه الحياة” داعيةً قارءها – وقد يكون أيًا منّا: طفلًا أو كهلًا نشأ على وهم الحضارة المزمن – أن ينزع عباءة الانفصال الزائف عن العالم الطبيعي الذي فرضته علينا قواعد عالمنا الحديث وأن يرتدي لباس الحضور الكائن مع الحياة، المشع من أساس وجودنا البشري.

ولد كتاب صمتًا أيا حياةبين أضلع دار اينشانتد لايون للكتب المبدعة الظريفة، يسبقه إخوته الأكبر “ابك يا قلب ولكن إياك أن تنفطر“و “الذئب الصغير والذئب الكبير” و” الأسد والعصفور” و” هذه قصيدة تداوي الأسماك” و” برتلوت” ويكمّله كتاب “زهور على قارعة الطريق” وهو الآخر دعوة مصوّرة لأن نعيش بيقظةٍ على قيد هذه الحياة وكتاب مارغريت وايز براون المعروف “كتاب هادئ مزعج”  وطبعًا علينا أن نعرج على كتاب آلِن واتس حول ” كيف تعيش بحضور” وكتاب اختصاصية العلوم المعرفية ألكساندرا هورويتز عن “طريقة إيجاد مصادر الذهول في واقعنا اليومي”


بقلم: ماريا بوبوفا | ترجمة: سحر عثماني | تدقيق الترجمة: عهود المخينية | المصدر

Exit mobile version