رابندرِناث طاغور ودوره في إعادة تشكيل الأدب الهندي وفلسفته

في شهر إبريل من هذا العام، كرم فريق دار نشر جامعة أُكسفورد رابيندرَناث طاغور ليكون فيلسوف الشهر. عُرف طاغور (1861-1941) بكونه شاعرًا وفيلسوفًا وكاتبًا ومربِّيًا، فضلًا عن غزارة معرفته وإنتاجه الفكري. كما وصل صيته لجميع أنحاء العالم كشخصية بارزة في عصر النهضة البنغالية؛ ومؤسسٍ لحركة قومية ثقافية ظهرت في المدينة، بالإضافة إلى كتابته للعديد من الروايات والمقالات والمسرحيات والأعمال الشعرية باللغة البنغالية العامية. ولد طاغور في كالكوتا في عام 1861 في عائلة كانت تولي اهتمامًا كبيرًا للفن والفكر والمعرفة، حيث لعبت دورًا مهمًا في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية في البنغال، وكان ابن دِبيندرَناث طاغور، زعيمًا دينيًّا هندوسيًّا مهمًّا ومتصوفًا.

تميز طاغور بحنكته الفذة في استخدام البنغالية العامية بدلًا من المصطلح الأدبي القديم للقصائد في مجموعته الشعرية الأولى (Manasi) في عام 1980، وفي مسرحية الفلسفية والرمزية Chitra  في عام 1895، والمجموعة الغنائية (SonarTari) في عام 1895. وبحلول مطلع القرن العشرين، أصبح طاغور أيقونة عالمية، وقد كان آنداك في الأربعين من عمره. وفي عام 1913، حاز الفيلسوف على جائزة نوبل في الأدب عن النسخة الإنجليزية لمجموعته الشعرية المشهورة جيتانجيلي: عروض الأغاني، وهي عبارة عن إعادة كتابة شعرية حرَّة لقصائده البنغالية تحاكي الأغاني الدينية الهندية في العصور الوسطى.

كما لعب طاغور دوراً محوريا في تحديد مسار تطور الفلسفة الهندية في أوائل القرن العشرين. وانطوت فلسفته وأعماله على مواضيع دينية وأخلاقية،  وقد جاء كتاب “دين الإنسان”،  ليصبح من أهم الكتب التي صاغها من فكره وقراءاته وفلسفته واستند على محاضرات هيبرت التي ألقاها في كلية مانشستر، أكسفورد، في عام 1930. ويعكس الكتاب تأملاته في مفهوم الدين والروحانية والذات الإلهية والخبرة وروح الإنسانية. تُعبر طبيعة أعماله الأدبية أيضًا عن النزعة الإنسانية العالمية، ولا سيما تعاطفه مع النسوية والفقراء البنغاليين. كانت وجهة نظره حول الطبيعة متماشية أيضًا بشكل وثيق مع الجوانب الفلسفية للتقليد الهندوسي حيث يُنظر إلى الطبيعة على أنها مظهر من مظاهر الإلهية. تعبّر تأملاته عن العالم الطبيعي عن إحساس عجب وشوق إنساني ليكون مع الإله. وبصرف النظر عن حب الطبيعة والإنسانية، كان يعتقد أن الدين الأعلى للإنسان هو محاولة تعزيز الإبداع، وأنه ما هو إلى “إضافة إلى روح الانسان”.

وبفضل فلسفته الاجتماعية وتوجهه التعليمي، رفض طاغور نظام التعلم التقليدي وسعى لأن يؤسس علم جديد يحث على الإبداع وإطلاق العنان للخيال مع الاستناد على الوعي الأخلاقي لدى الطلاب. وقد أُدرجت فلسفته في التعليم كتوليفة تضم التقاليد القومية والسلاسل الغربية والشرقية للفلسفة والعلوم والعقلانية والنظرة العالمية اللاقومية. في عام 1901، أسس مدرسة في شانتينيكتان في بلبور، وطورها فيما بعد إلى جامعة ’فيشفا- بهاراتي‘، والتي تُعد من أرقى جامعات الهند، وأكثرها انفتاحاً على تطوير التعليم العالي، وتعكس مبادئ تعليمه.

وبصفته صديقًا مقربًا من الماهاتما غاندي، الذي أطلق عليه “الحارس العظيم” للهند الحديثة، عارض طاغور الحكم البريطاني وكان له في البداية تأثير على الحركة القومية الهندية. ومع ذلك، تبنى طاغور لاحقًا نزعة إنسانية بين القوميات، مفضلًا بدلًا من ذلك موائمة وجهات النظر في العالمين الشرقي والغربي. وقد عبّر عن نقده للقومية وعنفها في مقاله الفلسفي الرئيسي “القومية” الذي دعا فيه إلى روح التعاون والتسامح بين الأمم.

حتى يومنا هذا، يُعد الفيلسوف طاغور أحد الرموز الثقافية للهند، وشخصية رئيسية للابتكارات والأدب البنغالي المعاصر وتأثيره التكويني على العديد من الفنانين الهنود المعاصرين.


بقلم: بانوماس كنج | ترجمة: مريم الغافرية | تدقيق: عهود المخينية | المصدر

 

Exit mobile version