“الكتب – كالكلاب – من بين حفنة من الأشياء على هذا الكوكب ترغب فقط بأن تُحَبَّ، وعندئذٍ ستبادلك هذا الحب بسخاءٍ وتفانٍ، راجيةً في المقابل القليل جدًا”.
في روايتها الرؤيوية الخيالية “الرجل الأخير” 1826- رحلة كارثية لنهاية البشرية، تتجلى في تأمل فلسفي رفيع حول كيفية العيش مع انفرادية وجودية تَجُلُّ عن الوصف- تطرح ماري شيلي، التي تُوُفيَت والدتها العبقرية وهي تلدها والتي دفنت ثلاثة من أطفالها وأختها وحب حياتها في سن الخامسة والعشرين، لبطلها المستند على سيرتها الذاتية التحدي الأسمى للوجود: في عالم أصبح مهجورًا بسبب الطاعون الذي انتزع منه جميع أحبائه،وجميع أبناء وطنه، وفي نهاية المطاف جميع إخوانه من البشر، تاركًا له النهاية الانفرادية للكائنات، كيف سيستمر في العيش؟ أين سيجد القوت، ليس فقط من أجل العملية البيولوجية ولكن أيضًا لبقائه العقلي والعاطفي والروحي؟
فترسله شيلي إلى روما ـ المدينة التي فاقت فيها تدريجيًّا من الحزن بعد أن وضعت جثة طفلتها الرضيعة في قبر بلا علامة. وفي تجواله في شوارع المدينة الخالدة، ذاق أول طعم للمواساة وشعر بأول بصيص رغبة في العيش، في شعر فيرجيل و في الكتب في مكتبة روما العريقة، التي تحتوي على حصيلة الحكمة الإنسانية – لأن عمل الأدب والفلسفة، كما يذكرنا مونتين عبر هاوية العصور، يتلخص في تعليمنا كيف نعيش مع الموت.
حين قرأت “الرجل الأخير” في فصل بائس من حياتي ورأيت فيها المواساة الفائقة التي وجدها بطل شيلي في الأدب، وجدتني ممتنًا فجأة مجددًا لقدرة الكتب على إنقاذنا من حفرة الوجود. كما تذكرت عندها أيضًا مساهمة ديبلي ميلمان المذهلة في كتاب A Velocity of Being: Letters to a Young Reader (public library).
كتبت:
“عزيزي القارئ،
أود أن أخبرك بأن الأمور ستكون على ما يرام.
أود أن أخبرك بأن الأمور ستتحسن.
أود أن أخبرك بأن كل الأمور ستتحقق في النهاية.
ولكن في بعض الأحيان لا يحدث ذلك.
وفي معظم الأحيان، يكون الأمر صعبًا وغالبًا ينتهي بنا المطاف إلى أن نعتادَ عليه. إلا أن هناك ما يمكنك القيام به لمواجهته: اقرأ.
اقرأ حتى ينفطر قلبك ولا يمكنك تحمله أكثر. اقرأ حتى يكون لديك جروح من تقليب ورق الصفحات أو بثور من تمرير الشاشات.
هل ترى، هنا تكمن المسألة: حتى في أسوإ حالاتها، لن تتخلى عنك الكتب. وإن دفعتك للبكاء فذلك فقط لأنها في غايةِ الروعة.
يمكنك أن تثق بالكتب. ستكون دائمًا هناك حاضرة لأجلك. فصبرها لا متناهٍ، كما يُعرف عنها إنقاذها للأرواح. وإعانتها على أن تصبح شخصًا أكثر ذكاءً وتميزًا. وقد تفيدك الكتب في الحصول على مواعيد، ولو أنني لا أوصي بأن تطلب الكثير منها (فأنت لا تريد أن تحد من قوتها).
الكتب- كالكلاب – من بين حفنة من الأشياء على هذا الكوكب ترغب فقط بأن تُحب، وعندئذ ستبادلك هذا الحب بسخاءٍ وتفانٍ، راجيةً في المقابل القليل جدًا- وريثما تنهيها، يُرَفرفُ نورها وحكمتها وجوهرها لخاتمةٍ لا بد منها وموحشة”.
بقلم: ماريا بوبوفا | ترجمة: لمياء العريمية | تدقيق الترجمة: عهود المخينية | المصدر