في الحين الذي أصبح فيه مصادفة نظريات المؤامرة في منصات التواصل الاجتماعي أمرًا طبيعيًا، يبدو أن جائحة ڤيروس كورونا أفضت إلى ظهور نظريات أكثر من المعتاد. إليكم بعضا من أحدث الأمثلة على هذه النظريات المتداوَلة:
- إذا تلقيت حقنة الأنفلونزا خلال العشر سنوات الماضية، ستثبت إصابتك بڤيروس كورونا (لن يحدث ذلك).
- كان د. أنثوني فاوتشي يعرف بأن عقاري الكلوروكين والهيدروكسي كلوروكين سيعالجان المرض ويمنعان الإصابة به مرة أخرى منذ خمسة عشر عامًا (لم يكن يعرف، والعقار ليس ناجعًا).
- الأبراج الخلوية لشبكات الجيل الخامس 5G هي المسؤولة عن تفشي ڤيروس كورونا (لا، ليست كذلك).
- أنّ بيل غيتس – مسؤول عن ظهور ڤيروس كورونا بشكل أو بآخر(لا، بل أنه تبرع بأموال طائلة للمساعدة في التصدي للمرض).
ودُعّمت كل نظرية بحجتها المضلِلة الخاصة. فبعضها كنظرية المؤامرة التي تزعم بأن حقنة الأنفلونزا ستتسبب بإصابتك بڤيروس كورونا استندت على منشور لطبيب فقد مصداقيته، وبعضها الآخر كنظرية أبراج الجيل الخامس 5G جاءت استمرارًا لمؤامرات سابقة عن إنشاء أبراج خلوية لشبكات الجيل الثالث 3G ولكن بنسخة محدثة.
أما بالنسبة للنظريات الأخرى، فلا يتضح ما إذا دفعت مُنظّريها مخاوف سياسية أو غير ذلك، (فلو صحّت نظرية د. فاوتشي مثلًا ستثبت توصيات ترامب).
غير أن انتشار هذه النظريات وغيرها ليس هامشيًا. فعلى سبيل المثال، من يؤمنون بنظرية أبراج الجيل الخامس 5G أضرموا النيران في الأبراج في المملكة المتحدة.
والأسوأ هو أن ظهور مثل هذه النظريات ما فتئ يتسارع؛ فأثناء كتابتي لهذه الفقرة أُعلمت بوجود ثلاث نظريات مؤامرة عن لقاح محتمل لڤيروس كورونا، فقد تُوفيت أول متطوعة لتجارب اللقاح في المملكة المتحدة (لا، لم تُتوفى)، وأنه ثمة لقاح للكلاب ولم يُجرَّب على البشر (غير صحيح)، وأن هناك لقاحًا تم تطويره من قبل كجزء من تجارب اللقاح في المملكة المتحدة التي أسلفت بذكرها (غير صحيح كذلك).
وفي حين أن بعض هذه النظريات تزعم استنادها على أدلة علمية، فإن كثيرًا منها يبدو خارج نطاق المعقول حيث يصعب تخيّل أن يصدقها أحد، ناهيك عن أن يأخذها على قَدرٍ الجدية بما يكفي لأن يُضرم النار بالأبراج الخلوية.
إذن ماذا يحصل؟ لماذا يوجد هذا الكم من نظريات المؤامرة؟ ولماذا تكتسب هذا الزخم كله؟
هنالك بالطبع عدة تفسيرات محتملة لكيفية نشوء هذه النظريات وانتشارها. ولكن قد يُعزى جزء من السبب إلى تعدد نظريات مؤامرة ڤيروس كورونا على وجه التحديد إلى أن الكثير من الناس يشعرون بتوتر كبير.
لننظر إلى بعض البحوث الأخيرة التي تشير إلى أن تقبّل الفرد للأخبار الزائفة ونظريات المؤامرة المُروَّج لها عبر الإنترنت يَعتمد جزئيًا على القصص المشحونة بالعواطف. بعباراتٍ أخرى، ستكون القصص التي تجذب انتباهك بلُغتها التي تُشعرك بالغضب أو الحزن أو الدهشة…إلخ – في المتوسط هي التي تُنشر بين الأصدقاء والمتابعين.
وربما صادفت هذه الحيلة سابقًا من قِبل منتجي محتوى الويب الأقل سمعة؛ فعندما تُستخدم عبارات مثل “لن تُصدق!” في العناوين الإخبارية فإنهم يعتمدون على فضولك الذي يدفعك لتصفُّح موقعهم. وغالبًا ما يكون هذا مزعجًا فحسب، إلا أنه قد يكون أكثر خطرًا عندما يتعلق الأمر بالأخبار الزائفة ونظريات المؤامرة.
ويبقى السبب وراء كثرة انتشار القصص المشحونة عاطفيًا محلًا للنقاش. ولكن ثمة نظرية تفترض أنك عندما تكون مشحونا عاطفيًا فإنك لن تتمكن على الأرجح من التفكير بشكل منطقي وبكامل قدراتك العقلية.
فمثلًا، قد أروي لك قصة حزينة لأُحرك مشاعرك في محاولة لجعلك تصدق ما أقول؛ أو قد أعرض عليك عنوانًا مستفزًا لأُثير غضبك… إلخ.
وقد يؤدي إدخالك في حالة عاطفية معينة إلى عدم قدرتك على التعامل مع محتوى رسالتي بعين ناقدة، وقد يجعلك هذا تصدقها على الأرجح أو تنشرها (ففي نهاية المطاف، ليس ثمة طريقة أمثل للتعبير عن غضبك من التحدث عبر الإنترنت).
إذن فإن جزءًا مما قد يفسر كيفية استمرار فورة نظريات المؤامرة المتعلقة بڤيروس كورونا والقصص الإخبارية الزائفة بالانتشار هو أنهم يتلاعبون بالناس الذين يشعرون بالإجهاد العاطفي من الأساس.
وباعتبار أن الناس يشعرون بإجهاد وقلق لعدد من الأسباب المتعلقة بالجائحة، فلا عجب في أن تؤثر القصص والنظريات التي تهيّج مشاعر القلق والغضب وغيرها على قدرة الفرد على التفكير بوضوح.
وبالنظر إلى استمرار هذا الوقت العصيب، لا ينبغي أن نتوقع تقلُّص عدد نظريات المؤامرة عاجلًا. ولكن في الآن ذاته، ونظرًا إلى العلاقة بين التلاعب العاطفي وانتشار الأخبار الزائفة، قد تكون لدينا طريقة أخرى للتعامل مع المشكلة، ألا وهي زيادة الاهتمام بصحتنا النفسية.
لقد أصبح الاهتمام بالصحة العقلية الركيزة الأساسية للنصائح في زمن الجائحة، خاصة عند شعور الفرد بالتوتر والعزلة. وفي حين أنها نصيحة جيدة عمومًا – بغض النظر عن وجود جائحة أو عدمها- قد تكون لها فائدة تتمثل في أنها قد تساهم في التقليل من نشر الأخبار الزائفة ونظريات المؤامرة المتعلقة بالجائحة؛ فتعامُل الفرد مع ضغوطاته قد يمكّنه من التعامل بشكل ناقد مع المعلومات التي يتلقاها عبر الإنترنت بشكل أفضل.
بقلم: كينيث بويد | ترجمة: مريم الريامية | تدقيق: سحر عثماني | المصدر