إنه لمن المُبهر أن يتبادر إلى ذهن شخص ما هذه المقولة “هل تعلم أنك تستخدم نسبة 10٪ فقط من دماغك؟”
تُنسب هذه الإحصائية بطريقة ما إلى ألبرت أينشتاين، أو – إذا كان المتحدث متحمسًا جدًا – إلى عالم النفس الحديث ويليام جيمس. لا أحد منهما بالطبع قال شيئا من هذا القبيل، ولسبب وجيه للغاية؛ فإن هذه المقولة ليست صحيحة.
الرقم ليس معروفًا على وجه الدقة؛ فهو يتفاوت وحسبما سمعت إن هذه النسبة قد سقطت من 5٪ إلى 0.٪ وعاودت الصعود إلى نسبة 11٪، وهو عدد مثالي مصمم لإضفاء شئ من المصداقية للفكرة. على الرغم من أن هذا العدد الذي لا يُعرف مصدره، والذي يختلف وفقًا لأهداف المتحدث هو أمر شائع جدًا في عالم التدريب ويعد من خرافات التعلم الحديثة.
ومثلها مثل خرافات التعلم الأخرى، فإن هذه الخرافة تأخذ تجربة عامة وتحاول أن تمنحها الشرعية العلمية من خلال إضافة كلمة “إحصائية” لها. يشعر بعض الناس أن خرافة “أنت تتذكر فقط 10٪ مما تقرأه” تضيف ثقلا إلى التجربة العامة للتعلم عبر التفاعل العملي أكثر مما هو عن طريق القراءة. إضافة إلى ذلك؛ فإن خرافة “أنت تستخدم 10٪ فقط من دماغك” تجعلنا نشعر بأننا لا نتمتع بكامل إمكانياتنا الفكرية.
إذن، هل تمتُّ هذه الخرافة للحقيقة بصلة؟ هذا الأمر ليس صحيحًا على الإطلاق ، لنكن واضحين. فحقيقة كهذه تتطلب الكثير من البحث العلمي لإثباتها، ومثل تلك الأبحاث ليست بالشيء الذي يسهل القيام به. فهو عمل شاقٌ للغاية وعادة ما يكون لأغراض محددة. ولا توجد أي بحوث أو مقالات مُحتمة تدل على أنك تستخدم نسبة 10٪ فقط من دماغك.
الدكتور “إيريك شندلر” من جامعة واشنطن قام ببعض العمل لدحض هذه الخرافة؛ فوفقاً لما ذكره فإن أحد المصادر الممكنة هي تجربة قام بها كارل سبنسر لاشلي في عام 1935. ووفقاً لما قاله الدكتور شاندلر فإن لاشلي وجد أن إزالة ما يصل إلى 58٪ من القشرة الدماغية لن تؤثر على أشكال معينة من التعلم. ومن الممكن أن التفسير المبالغ به لهذه البيانات أدى إلى الاعتقاد بأن جزءًا صغيرًا من الدماغ مستخدم.
دكتور شاندلر ليس الأكاديمي الوحيد الذي يدحض هذه الخرافة؛ فقد كتب الدكتور باري بايرشتاين عالم النفس الأمريكي حول هذه المسألة على نطاق واسع. أيضًا كتب عنها الدكتور إتيل درور في المملكة المتحدة وهو من كبار المحاضرين في علم الأعصاب الإدراكي في جامعة ساوثامبتون، ويقول: إن هذه الخرافة ليس لها أي أساس علمي في الواقع، ولا تمتُّ للصحة بصلة. قمنا بإجراء العديد من العمليات الممنهجة لوظائف الدماغ للتأكد من ذلك. لذا يجب على الناس أن يأخذوا وقتاً كافيًا لفهم هذه العلوم وليكرِّسوا هذا العلم لتوجيه وإدارة أعمالهم عوضًا عن اختلاقهم وتكرارهم قصصا خرافية وخيالية تحت مسمى “حقائق” عن الدماغ.
إن فكرة صغيرة قد تكشف سخافة هذه الخرافة. إذا كان صحيحًا أن نسبة 90٪ من الدماغ لا يتم استخدامها؛ فإن معظم إصابات الرأس لن تكون قاتلة، ومن الواضح أنها ليست كذلك. وحسب ما ذكره رايشل وجوسنارد فإن الدماغ يشكل 2٪ من وزن الجسم ومع ذلك يستخدم 20٪ من طاقته -إذن- لماذا يُهدر 90٪ من هذه الطاقة؟
هل يمكن أن يكون نسبة 10٪ فقط من الدماغ تستخدم في آنٍ واحد؟ إذا كان صحيحًا؛ فالأدلةُ تشير إلى عكس ذلك، وقد أجرى الباحثان رايشل وجوسنارد تقييمًا لاحتياجات الدماغ من الطاقة، من خلال معاينة مجموعة بيانات تم التقاطها عبر مجموعة متنوعة من عمليات المسح وأجهزة التصوير، وتوصلا إلى أن الدماغ يعمل بشكل متواصل؛ فقالا: إن هذا النشاط الأيضي العالي يكون حاضرًا عندما نكون خاملين تمامًا وفي حالات الراحة، وكذلك عندما نقوم بشكل ملحوظ بفعل شئ. وهذا ليس لأن الدماغ بحاجة للكثير من الطاقة فقط لإبقائه على قيد العمل. وقد صرحا في البحث قائلَين: إن حفظ جهد الراحة يمثل أقل من 15٪ من إجمالي استهلاك الطاقة.
ولِدعمِ هذه النقطة، توضح الصورة المرفقة هنا من بحث آخر لنفس المؤلفين:
من الواضح أن الدماغ مشغول للغاية حتى في حالة الوعي عند الراحة، لذا هل من الممكن عندئذٍ أن نستخدم 10٪ فقط من عقلنا الواعي؟ ربما! ولكن يقع عبء إثبات هذا الادعاء على عاتق الشخص الذي يقترحه. من الممكن قيامهم بعمل عظيم إذا تمكنوا فقط من تحديد مكان الإدراك في الدماغ، ومن ثَمَّ عزل نشاطه الإدراكي عن جميع أنشطة الدماغ الأخرى، وإذا ظهر أن 90% من الدماغ ليس مستغلا بعد القياس؛ فيجب أن يخرجوا من تلك الحانة (حيث من المحتمل أن يقدموا مثل هذا الادعاء) للتوجه إلى ستوكهولم للحصول على جائزة نوبل.
في الحقيقة إن أدمغتنا المعقدة والمتعطشة للسلطة غالبًا ما تكون مشغولة، وهذه الخرافة ببساطة تعكس رغبة الإنسان الطبيعية لتحقيق إمكانياتنا الفكرية، هذا مثير للإعجاب حقاً! فارتفاع هذه الأرقام لتبدو وكأنها تعطي هذه الرغبة الكثير من القيمة، وفي الواقع هي ليست كذلك.
إذن، من الذي يُعظم هذه الخرافة؟ على الرغم من أنه شائع بما فيه الكفاية العثور عليه في عالم التعلم والتطوير، واستخدامه منتشر بشكل كبير خاصة في مجال الإعلانات ووفقاً لما قاله ك.وانجك: فقد ظهر للمرة الأولى كإعلان في الأربعينات من القرن العشرين لرواية المزرعة الباردة المريحة للمؤلفة ستيلا جيبونز.
ولكن عند الإعلان مثلا عن المنتجات المعنية بالمساعدة الذاتية؛ فمن الطبيعي أن تنتشر مثل هذه الخرافات. على سبيل المثال: سلسلة Mind Secrets صرحت بأن: “الدماغ أداة فعالة جدا، ولكن مع ذلك فإن أينشتاين قدر بأنك فقط تستخدم 5% من قوة دماغك الإدراكية”. المنتج عبارة عن كتاب مرفق بقرص مدمج للمساعدة الذاتية بقيمة 67 دولارًا، حزمة مساعدة للبرامج الذاتية. وهناك العديد من الأمثلة المشابهة لاستغلال هذه الخرافات.
قد تعمل هذه المنتجات بالفعل، ولكن قد لا يدرك الجميع أن هذه الإدعاءات ليست صحيحة، لكن ألا يجب أن يعوا أنها ليست صحيحة بعد لحظة تأمل تظهرها كذلك؟! وهذا ما يجعلنا نتساءل: كيف نريد أن نرى حقل التعلم والتطوير؟
لنفرض أنك شخص معروف من قبل الشركة التي تعمل بها، وإذا كررت على غفلة شيئاً قد يعكس للحظة بأنه عديم الفائدة، حينها فأنت لست أفضل من أي دجال يعمد إلى تكرار نفس الخرافات بغرض كسب المال بعرض الخدعة الخرافية: الـ 90% الزائدة من إمكانات الدماغ.
فالعمل الحقيقي يكمن بمساعدة الناس للحصول على المزيد من إمكانياتهم الفكرية، ويمكن تحقيق هذا عن طريق الموجهين والمدربين والمديرين والزملاء والمهنيين في مجال التعليم والتطوير، الذين يعملون بجد والذين يساعدون الناس يوميًا لتطوير أنفسهم. وإننا نعلم أنه ليس دائمًا بالشيء السريع أو السهل، ولكن على الرغم من ذلك؛ فمن الممكن -عندما يكون جيدًا- أن يكون ممتعًا ومرضيًا وفعالًا، ولا تحتاج للتسويق الذي لا معنى له للترويج لها؛ فمحترفو التعلم والتطوير الحقيقيون لا يحتاجون إلى تكرار هذا الهراء، والحقائق الثابتة والممارسات الجيدة كافية بالنسبة لهم.
تدقيق الترجمة : حاتم العامري | تدقيق لغوي : محمد الشبراوي | المصدر