يميل الأشخاص الذين لديهم حس عالٍ من التعاطف الذاتي إلى أن يكونوا أكثر حماسًا وأقل كسلاً وكذلك أكثر نجاحًا مع الوقت. ولكن بنفس القدر من الأهمية هم يحبون أنفسهم حتى وإن قصّروا. توضح أخصائية علم النفس (سوزان ديڤيد) كيفية صقل هذه الصفة.
هذا المنشور هو جزء من سلسلة “كيف تكون شخصًا أفضل” التابعة (لـ تيد). وتحتوي كل سلسلة على نصائح مفيدة من شخص ما في مجموعة (تيد)، للتصفح جميع المنشورات توجد هنا.
يعد الكذب على نفسك من إحدى الخرافات الشهيرة المرتبطة بالتعاطف الذاتي. أو إنه مرتبط بالضعف أو الكسل. وهنالك خرافة أخرى توضح أن الأمر يتعلق بتجاهل الصعوبات و قول “سأخبر نفسي عن خمسة أمور إيجابية.”
هذا ليس تعاطفا ذاتيا. عندما تتعاطف مع ذاتك فإنك بهذه الطريقة تفعل شيئًا مميزًا لها – ستلاحظ الأفكار الصعبة وتواجهها وتخلق شعورا بالأمان النفسي لذاتك .
عندها ستُنشئ مساحتك التي تشعرك بأنك قادر على خوض المخاطر. وإذا لُمت نفسك عندما تفشل أو تُقصر فإنك بطبيعة الحال ستمتنع من تجربة أشياء جديدة ولن تقتنص الفرص. ولكن عندما تتعاطف مع ذاتك حتى وإن فشلت فستظل تُقدّر نفسك. وبهذه الطريقة سيمنحك التعاطف الذاتي القدرة على التجربة والاستكشاف ولأن تكون شجاعًا.
أوضحت الدراسات بأن الأشخاص الذين لديهم حس عالٍ من التعاطف الذاتي يميلون إلى أن يكونوا أكثر حماسًا وأقل كسلاً وكذلك أكثر نجاحًا مع الوقت. والمتعاطف الذاتي يدرك أين قد أخطأ، ولكن بدلًا من لوم نفسه والحكم عليها فإنه يتعلم من تجربته ويتأقلم فيغير مساره في المرة القادمة.
كيف تُنمي تعاطفك الذاتي؟ ابدأ بإنهاء حرب شد الحبل التي بداخلك. أجريت دراسة لأكثر من 70000 شخص ووجد بأن ثلثهم حكموا على تجاربهم العادية وعواطفهم على أنها “جيدة” أو “سيئة”، “إيجابية” أو “سلبية”. عندما تقيّم حياتك بمفهوم الأبيض والأسود فإنك تدخل في حرب داخلية أشبه بلعبة شد الحبل – وتنتقد نفسك عندما تشعر بمشاعر “سيئة” أو “سلبية” وكذلك عندما لا تشعر بالمشاعر “الجيدة” أو “الإيجابية”.
ببساطة اترك الحبل وسينتهي هذا الصراع. فالبعض منا عندما يخوض صراعًا عاطفيًا مثل الحزن أو خيبة الأمل فإنه يتجاوب مع الوضع بإخبار نفسه: ” إنه لأمر سيء، لا ينبغي أن أشعر بهذا الشعور. لماذا لا يمكنني أن أكون إيجابيًا أكثر؟” وبعدها نتبع هذا الحكم بمزيد من الأحكام — ومن ثم نوبّخ أنفسنا لعدم تعاطفنا مع ذواتنا. فعندما يحدث ذلك في المرة القادمة حاول أن تخبر نفسك “أنا أشعر بالحزن. ولكن هذا الحزن علامة لماذا؟ وما الذي يخبرني به عن ما هو مهم بالنسبة لي؟ وما الذي سأتعلمه من الحزن؟
فكر بمشاعرك وأفكارك الصعبة كأنها بيانات. تلك الطريقة تمنحك معلومات ثمينة عن ذاتك وما الذي يُهم حقًا. إن التعاطف الذاتي يتيح لك معرفة جميع مشاعرك والقبول بها، حتى عندما تكون سلبية. على سبيل المثال، قد تلاحظ أنك محبطًا حقا في العمل. إذن اسأل نفسك: ” ما الذي يرمي إليه شعوري بالإحباط؟ ما الذي يخبرني به هذا الشعور عن ما هو مهم بالنسبة لي؟”
قد يكون الشعور بالإحباط لدى شخصٍ ما دليلا على أن صوته غير مسموع من قبل الآخرين. و قد يترجم الإحباط عند شخص آخر على أنه علامة لتقاعسه في العمل. عندما تطرح أسئلة حول مشاعرك غير المريحة فإنك ستنظر لنفسك من منظور أعظم وسيثير ذلك فضولك حول شخصيتك ومن أنت بصفتك إنسانا.
عندما تشعر بالفضول حول تجاربك، فإنك في الطريق الصحيح إلى التعاطف الذاتي بنسبة 50%. لأنه بدءًا من تلك اللحظة لن تحكم على نفسك ومشاعرك بتلك الطريقة. بل ستبحث عنها وتتعلم منها. وبإمكانك استخدام هذه الطريقة لمعرفة أفضل تصرف يمكنك اتخاذه. تابع ملاحظاتك بسؤال نفسك: “ما الذي يمكنني فعله في هذا الموقف الذي من شأنه أن يخدمني و قيمي وأهدافي على أكمل وجه؟”
لا تقسُ على نفسك إذا واجهت مشكلة مع التعاطف الذاتي. من المهم جدّا أن لا تنتقد نفسك عندما تواجه يومًا ينقص فيه تعاطفك الذاتي مع نفسك. يجب أن تنظر إلى نفسك من زاوية مختلفة فهذه الطريقة التي قد تساعدك. لدينا جميعًا طفل يعيش بداخلنا.
تخيل لو جاء أي طفل وقال لك: “لا أحد يريدني” أو “أنا أشعر بالحزن” أو “حاولت جاهدًا لحل هذا المشروع ولكنني أخفقت،” هل ستعاقبه؟ بالطبع لا. بل ستحتضنه وتقدّره وتستمع له، وكذلك ترى محاولته. في بعض الأحيان، بصفتنا أشخاصًا بالغين فإن افتقارنا للتعاطف الذاتي قد يساعدنا للتواصل مع الطفل الذي بداخلنا ومعرفة ماذا يريد. لذلك عندما تناضل للوصول إلى مرادك من التعاطف الذاتي اسأل نفسك: “أدركت بأنني أشعر ببعض المشاعر. ما الذي يريده الطفل الذي بداخلي في هذا الوقت؟”
وفي نهاية المطاف إن التعاطف الذاتي يتمحور حول معرفتك ما الذي يعنيه أن تكون إنسانًا. إن الشعور بعدم الراحة والإجهاد وخيبات الأمل والفقد والألم ما هو إلا جزء من رحلة الإنسان. ولكن إذا لم نستطع عقد مساحة للتعاطف مع ذواتنا، فإننا نضع أنفسنا في خلاف مع واقع الحياة. إن عدم الكمال هي سمة يتصف بها الإنسان: كونك إنسانًا فإنك بالطبع لست كاملاً وسترتكب الأخطاء. إن التعاطف الذاتي جزء ضروري من رحلتنا البشرية، ويتعلق الأمر بمعرفة أفضل ما يمكنك تقديمه لنفسك — مع ذاتك، ومع ما تملك، وكذلك الإمكانيات التي مُنحت إليك.
بقلم: سوزان ديفيد| ترجمة: مريم الفزارية| تدقيق الترجمة: لمياء العريمية| المصدر