كيف أتجنبُ نسيانَ ما تعلمتُهُ بسرعة؟

مقال لـ وليام تشو

 

ما الجدوى من قراءة كل هذه الكتب ومنشورات المدونات إذا كنت ستنسى معظم ما ورد فيها خلال ساعات؟

جلستُ مرة في أحد المقاهي لساعتين أقرأ عددًا لا حصر له من المنشورات في منصة “Medium” وعندما أنتهيتُ من القراءة وأردتُ مراجعة ما قرأت، وجدتُ نفسي قادرًا على استرجاع فكرتين أو ثلاث فقط مما قرأت.

الذاكرة هشة، حاولتُ قراءة كتب بقدر استطاعتي، إلا أنني أستطيع فقط أن أخبرك الأفكار الرئيسية للكتب التي أنهيتها. العديد من طلاب الكليات يعانون من هذه المشكلة أيضًا.

يقضي الطلاب فصلًا دراسيًا كاملًا في دراسة الموضوعات المختلفة، ويمضون ساعاتٍ وساعات في تعلم المادة، إلى أن يجدوا أنفسهم قد نسوها بعد ساعاتٍ قليلة فور الانتهاء من أداء الامتحانات النهائية.

اكتشف عالم النفس الألماني، هيرمان إبينغهاوس، منحنى النسيان، وهو مفهوم يفترض تراجع الاحتفاظ بالذاكرة مع مرور الوقت.

يكون منحنى النسيان أكثر حدة خلال اليوم الأول، لذلك إذا لم تُراجع ما تعلمته مؤخرًا، فمن المحتمل أن تنسى معظم المعلومات وسيستمر أداء ذاكرتك في الانخفاض في الأيام التالية، وفي نهاية المطاف ستجد نفسك محتفظًا بعدد قليل من المعلومات فقط.

تحدثت مقالة “لماذا ننسى معظم الكتب التي نقرأها” المنشورة في “The Atlantic” عن كيفية تأثير الاستخدام المتكرر للإنترنت على ذاكرتنا بطريقة ضارة.

 

ربما كانت الذاكرة دائمًا هكذا، لكن جاريد هورفاث، زميل أبحاث في جامعة ملبورن، يقول إن طريقة تلقي الناس للمعلومات وطرق الترفيه الآن قد غيّرت نوع الذاكرة البشرية، وهذا ليس النوع الذي يساعدك على تذكر خط سير أحداث فيلم شاهدته منذ ستة أشهر.

في عصر الإنترنت، ذاكرة الاسترجاع -وهي القدرة على استدعاء المعلومات تلقائيًا في عقلك- أصبحت أقل ضرورة. يقول هورفاث إنه ما يزال من الجيد تذكر شريط الأشياء غير المهمة أو قائمة مهامك، ولكن ما يسمى بذاكرة الإدراك/ الاستيعاب أكثر أهمية إلى حدٍّ كبير. وأوضح أنه “طالما أنك تعرف مكان وجود هذه المعلومات وكيفية الوصول إليها؛ فإنك لا تحتاج حقًا إلى تذكرها”.

نحنُ نتعامل مع الإنترنت على أنه محرك يحفظ ذكرياتنا، إذ نعلم أنه إذا احتجنا في أي وقت إلى معلومات، يمكننا فتح حواسيبنا المحمولة والبحث عنها مباشرةً.

أصبح التعلم في أي وقت مناسب لنا أمرا شائعًا بشكل متزايد؛ لأنه أكثر كفاءة في البحث عن المعلومات الطارئة بدلاً من تخزين معلومات قد تكون مفيدة في المستقبل. المعرفة العميقة لم تعد ذات قيمة، إذ إن المعلومات السطحية والسريعة والعملية باتت أكثر فعالية في إنجاز الأعمال والمهام.

وبسبب امتلاك ذاكرة خارجية يمكننا الاعتماد عليها؛ فإننا نبذل جهدًا أقل في حفظ وفهم المفاهيم والأفكار التي نتعلمها.

أظهرت الأبحاث أن الإنترنت تعمل باعتبارها نوعًا من أنواع الذاكرة الخارجية؛ فقد أوضحت إحدى الدراسات أنه عندما يتوقع الناس أن باستطاعتهم الوصول إلى المعلومات في المستقبل، تكون معدلات تذكر المعلومات نفسها أقل لديهم”. وفي دراسة أخرى، أشارت إلى أنه حتى قبل ظهور الإنترنت، عملت المنتجات الترفيهية كذاكرة حفظ خارجية لهم. أنت لست بحاجة إلى تذكر اقتباس من كتابٍ ما، إذا كان بإمكانك البحث عنه، وبمجرد ظهور أشرطة الفيديو، أصبح بإمكانك عرض فيلمٍ ما أو برنامجٍ تلفزيوني بسهولة تامة. لن يكون لديك شعور أنك إذا لم تحفظ جزءًا من الثقافة في عقلك؛ فإنها ستضيع للأبد.

نحن أكثر عرضةً لنَهم المشاهدة، ولمنصات المحتوى الإعلامي القابلة للاستهلاك بسهولة كذلك. هل سبق لك البقاء في المنزل ليلة السبت لمشاهدة موسم كامل من مسلسلك أو برنامجك المفضل؟ هل ستكون قادرًا على تذكر سير أحداث القصة لكل حلقة؟ هل تستطيع أن تتذكر الصراع والحل؟

يشجعك نهم المشاهدة على تلقي المحتوى بلا دراية، فبدلًا من الاندماج بوعي مع كل محتوى إعلامي. إنهم يشجعوننا على التهام المحتوى بأقصى قدر ممكن، وكأنهم يشجعوننا على التهام كميات ضخمة من الطعام، حتى عندما نكاد نشعر بالتخمة.

إنه صحيح، يحشو الناس غالبًا عقولهم  بأكثر مما تحتمل بالفعل. في العام الماضي، وجد هورفاث وزملاؤه في جامعة ملبورن أن أولئك الذين يشاهدون العروض التلفزيونية خلال جلسة واحدة، ينسون محتوى تلك العروض بسرعة أكبر بكثير من أولئك الأشخاص الذين شاهدوا حلقة واحدة في الأسبوع. من جانبٍ آخر، حقق مشاهدو التلفاز خلال فترة متواصلة أعلى النتائج في اختبار حول تذكر ما شاهدوه بعد الانتهاء من المشاهدة مباشرةً، ولكن بعد 140 يومًا، سجلوا نتائج أقل من المشاهدين الذين يشاهدون بشكل أسبوعي. كما ذكر المشاهدون على فترة متواصلة أن استمتاعهم بالعرض كان أقل من استمتاع الأشخاص الذين شاهدوه مرة واحدة يوميًا أو أسبوعيًا.

الناس مغمورون بالكلمة المكتوبة أيضًا، ففي عام 2009م، تلقى المواطن الأمريكي العادي 100000 كلمة في اليوم، حتى لو لم “يقرأ” جميعها. من الصعب تخيل أن هذا الرقم قد انخفض في السنوات التسع التالية. في مقال نُشر في موقع The Morning News بعنوان “اضطراب القراءة الحاد” حللت نيكيتا باكشاني معنى هذه الإحصائية، وكتبت أن “القراءة هي كلمة دقيقة”، لكن من المرجح أن القراءة الأكثر شيوعًا هي القراءة الاستهلاكية: إذ نقرأ، خاصةً على الإنترنت، لمجرد الحصول على المعلومات؛ فالمعلومات لا ترقى لمستوى معرفة إلا إذا علقت في أذهاننا.

أو على حد تعبير هورفاث: “إنها مثل الضحكة السريعة التي ترغب بعدها بضحكة أخرى. إن الأمر لا يتعلق بتعلم أي شيء فعلًا، إنما يتعلق بتجربة سريعة تشعر فيها كما لو كنت قد تعلمت شيئًا ما”. 

نحن لا نقرأ للتعلم فعلًا، نشعر أننا نتعلم شيئًا من خلال قراءة الكلمات والتعرف إليها على الشاشة. المعلومات ليست تمام المعرفة، لكننا نخدع أنفسنا باعتقاد أن هذه المعلومات نُقِلَت إلى أدمغتنا وسوف تبقى هناك إلى الأبد.

التعلم المكاني  والأسئلة

إذن، كيف نحتفظ فعلًا بالأشياء التي تعلمناها؟ يجب أن تمنح نفسك وقتًا لمعالجة الأشياء التي تعلمتها.

الدرس المستخلص من دراسة المشاهدة النهمة هو أنه إذا كنت تريد أن تتذكر الأشياء التي تشاهدها وتقرأها، اترك مسافات بينها. يقول هورفاث: كنت أغضب  في المدرسة عندما يتوجب علينا في منهج اللغة الإنجليزية الدراسي قراءة ثلاثة فصول فقط في الأسبوع، ولكن كان هناك سبب وجيه لذلك. مضيفًا: إن الذكريات تثبت كلما تذكرتها وراجعتها. إذا قرأت كتابًا في جلسة واحدة -لنقل على متن طائرة على سبيل المثال- فإنك تحمل القصة في ذاكرتك النشطة طوال الوقت، “ولن تتذكرها فعليًا أبدًا”.

استمر في مراجعة واستحضار أجزاء المعلومات التي ترغب في الاحتفاظ بها؛ فغالبًا ما أجد أنه عندما أتعلم شيئًا مثيرًا للاهتمام وأكتب عنه، أجد نفسي قادرًا على تذكر المعلومات بسهولة أكثر مما لو كنت أحاول تذكر شيء تعلمته لمرة في كتاب أو مقالة ما.

تقول سناء أنه في كثير من الأحيان عندما نقرأ ينتابنا “شعور الطلاقة” الزائف، إذ نعتقد  أن المعلومات تتدفق، وأننا نفهمها، ويبدو أنها تتجانس بسلاسة في غلاف لتأخذ مكانها على رفوف أدمغتنا. “لكنها في الواقع لا تثبت إلا إذا بذلنا جهدًا وركزنا عليها واستخدمنا بعض الاستراتيجيات التي ستساعدنا على تذكرها”.

قد يفعل الناس ذلك عندما يدرسون، أو يقرأون شيئًا من أجل العمل، لكن يبدو من غير المرجح أن يدوِّنوا ملاحظاتهم في وقت فراغهم ويؤدوا اختبار Gilmore Girlsto في وقت لاحق. تقول سناء: “قد ترى وتسمع، لكنك قد لا تلاحظ أو تصغي”. وتضيف: “وهو ما أعتقد أننا نفعله في معظم الأحيان”.

إذا كنت تدرس لأجل اختبار ما أو تحاول تعلم معادلة معقدة أو مفهوم معقد؛ فإنك تعود إلى المعلومات نفسها، وفي كل مرة تُراجع فيها الموضوع الذي تحاول أن تتعلمه، فإنك تُثبِّتُ الفكرة أكثر في ذاكرتك طويلة المدى.

امنح نفسك بعض الوقت وحاول أن تسترجع المعلومات بنفسك دون النظر إلى مادة الدراسة. إذا شعرت بصعوبة، فاقرأ المعادلة أوالمفهوم مرة أخرى، وحاول تذكرها مرة بعد بضع ساعات.

كلما مارست هذه الطريقة، زادت قدرتك على الاحتفاظ بالمعلومات واسترجاعها في المستقبل.

سكوت هـ. يونج مدوِّن تحدى نفسه للعثور على إجابة للسؤال: “ما أفضل طريقة للتعلم؟”، ويرى أن التعلم مفتاح لحياةٍ أفضل، وقد تناول مسألة نسيان الناس لما قرأوه من خلال تقديم حل فعال.

عندما نقرأ الكتب، فإننا لا نندمج بفعالية في محتوى الكتب، فأعيننا تطفو (تتصفح) فوق الكلمات، ونستهلك جل وقتنا وطاقتنا في استيعاب ما يُقال.

لسوء الحظ، ممارسة المطالعة هو الشيء الوحيد الذي يفعله معظم الناس عند قراءة كتاب ما. عندما تقرأ كتابًا، تقضي معظم وقتك في استيعاب ما يُقال، ونادرًا ما يتعين عليك تذكر فكرة على وجه التحديد، إذا لم يُطلب منك. إذا كنت تقرأ كتابًا مكتوبًا جيدًا؛ فقد لا تضطر أبدًا إلى استخدام عملية الاسترجاع، لأن الكتّاب الجيدين يعرفون أن عملية استدعاء المعلومات صعبة، لذا سيكررون في كثير من الأحيان النقاط التي سبق تقديمها حتى لا يتشوّش عقلك.

بعد ذلك، بعد قراءة الكتاب، تريد فجأة أن تكون هذه المعرفة متاحة وقابلة  للاسترجاع، تريد أن تكون -خلال إجراء محادثة مع زميل في العمل، أو أثناء سؤال في أحد الاختبارات، أو أثناء قرار يتعين عليك اتخاذه- قادرًا على استحضار المعلومات التي سبق لك أن مررت بها وإدراكها.

بالنظر إلى هذا النمط، فلا عجب أن يفشل معظم الناس في استرجاع الكثير مما ورد في الكتب التي قرأوها.

من غير المعقول توقع خروج القراء بمعرفة كل كلمة وفكرة يتضمنها الكتاب. ذاكرتنا ذات عيوب، لكن الكثير منا يشعر بالإحباط عندما نجد أنفسنا ننسى العديد من الأجزاء والأفكار في الكتاب بأكمله بمجرد إغلاقه.

يقدم سكوت يونغ الحل: طريقة كتاب الأسئلة

متى ما قرأت شيئًا تريد أن تتذكره، دوّن الملاحظات. باستثناء الملاحظات التي تلخص النقاط الرئيسية التي تود تذكرها، وعوضًا عن ذلك، دون الملاحظات التي تطرح أسئلة.

إذا كنت ترغب في ذلك باستخدام هذا البريد الإلكتروني، فيمكنك كتابة السؤال مثلًا “س: ما العمليتان المختلفتان للذاكرة؟” والإجابة ستكون “ج: تذكر وإدراك”.

بعد ذلك، عندما تقرأ كتابًا، اذهب بسرعة واختبر نفسك حول الأسئلة التي دوّنتها من الفصول السابقة، وسيؤدي بك ذلك إلى تقوية ذاكرتك القابلة للاسترجاع، ويسهل الوصول إلى المعلومات عند الحاجة إليها.

بدلًا من تدوين الملاحظات أو إعادة صياغة كلمات المؤلف إلى كلماتك الخاصة، فإن طريقة طرح الأسئلة على نفسك من شأنها أن تساعدك على ممارسة استرجاع المعلومات.

مع نهاية كل فصل، يمكنك أن تسأل نفسك سؤالًا يلخص الفكرة الرئيسة أو المفاهيم المهمة التي تريد أن تتذكرها.

كما أضاف -سكوت يونغ- أيضًا بعض النصائح المفيدة لجعل هذا التمرين عمليًا قدر الإمكان.

إنه يعلم أن بعض الأشخاص سيحاولون اختبار أنفسهم بصرامة شديدة، وسيحاولون اختبار أنفسهم في كل جزء معرفي صغير في الكتاب. هذه الطريقة ستجعل القراءة مَهمّة روتينية وستثني القارئ في النهاية عن الاستمرار فيها.

أولًا: لا تتجاوز الحد المعقول. إن محاولة تذكر كل حقيقة ممكنة من كتابٍ ما ستجعل عملية القراءة مملة للغاية، وقد تقضي على حبك للقراءة. سؤال واحد لكل فصل ربما يكون أكثر من كافٍ لمعظم الكتب. بالنسبة للكتب المحببة والتي تحظى بشعبية، من المحتمل أن يكون عشرة أسئلة أو أكثر كافية للحصول على النقاط الرئيسة والأطروحة الرئيسة.

ثانيًا: ضع أرقام الصفحات التي تشير إلى الإجابة، حتى إذا نسيت نقطة ما؛ فستحتاج أن تكون قادرًا على التحقق منها، مع العلم أن معرفة وجود الإجابة على نقطة كبيرة على الصفحة 36 سيمنحك صحة عقلية لاحقًا.

ثالثًا: اجعل التقنية بسيطة. بالنسبة للكتب الورقية، أوصي باستخدام ورقة فهرسة، إذ يمكنك وضع جميع الأسئلة عليها في الأمام والخلف، بالإضافة إلى أن ورقة الفهرسة تعمل أيضًا كإشارة مرجعية، لذلك لن تضطر إلى البحث عن ملاحظاتك لاحقًا. إذا كنت تستخدم قارئ الكتب -Kindle- فاجعل أسئلتك كتعليقات توضيحية في الكتاب، ثم يمكنك رؤية التعليقات التوضيحية لاحقًا لاختبار نفسك.

يمكن أن تساعدك ممارسة طريقة التعلم المكاني (البصري)، ونشاط استدعاء المعلومات المكتسبة مؤخرًا على التوقف عن نسيان الأشياء التي تعلمتها.

على سبيل التمرين: لماذا لا تبدأ بطرح بعض الأسئلة على نفسك بعد ساعات قليلة من الانتهاء من هذه المقالة، مثل:

كيف يمكنني أن أتذكر ما تعلمته أكثر؟

كيف تؤثر المشاهدة بنهم على قدرتي على التذكر؟

كيف أثّر الإنترنت على طريقة تعلمنا واحتفاظنا بالمعلومات؟


بقلم: وليام تشو | ترجمة : موزة الريامي | تدقيق الترجمة : شيخة الجساسي و فاخرة يحيى | تدقيق لغوي : محمد الشبراوي | تحرير : بسام أبو قصيدة | المصدر

Exit mobile version