خلال الخمس عشرة عامًا المنصرمة من تدريس آلاف الرجال والنساء والأزواج وتأهيلهم ومساعدتهم حول العلاقة والألفة والجنس، توصلت الى أن الكرم هو حجر الزاوية في أي علاقة طيبة. و بغض النظر عن مدى حبك لشخص ما أو لأي مدى هم رائعون، سيكونون هم “اللحظة التي لا أريدها”، كما يحلو لي تسميتهم. وهي اللحظات التي أكون فيها جامحًا أو سئمًا أو مجروحًا أو ممتعضًا. و هذه اللحظات التي يجب أن يحضر الكرم فيها.
فمن السهل أن تُعطيَ وأنت بحال جيدة أو عندما تريد فعلاً أن تُعطي أو عندما يٌطلب منك ذلك، لكن اللحظات الصعبة هي من تحسم حقَا. فالكرم هو الأساس في كل دروسي حيث أني أؤمن بشدة أنك لو تبنيت ممارسة الكرم، فإن جميع علاقاتك ستتبدل. هنا اختصرت أربع نكهات مميزة للكرم:
1- هل أنت مستعد لعرض نواحٍ من ذاتك، يصعب عليك مشاركتها، إذا كنت تعلم أنها ستفتح قلوب الناس من حولك؟
في عام 2003، كنت في ورشة عمل مع أحد المعلمين وقد جلبت مجموعة من الناس على المنصة، وطلبتُ من الجمهور أن يقدموا ردود فعلٍ حول مدى عمق اتصالهم معهم، حينها تلقى رجل ردود فعلا من الجمهور بطريقة ما، وفورا انحنى المعلم باتجاه الرجل وهمس شيئاً في أذنه موجها إياه إلى ما يمكنه القيام به ليثق به الجمهور في تلك اللحظة. سمِع الرجل الكلمات، عالجها، ثم رد: نعم ولكن هذا لا يمثلني، ولا يبدو حقيقيًا، توقف المعلم للحظات ثم أطلق ردًا لن أنساه حيث قال: إذا علمت أنه سيفتح قلوب الناس من حولك، هل ستفعل ذلك على أي حال؟
وعلى طول تلك السنوات اللاحقة، ما زلت أفكر في تلك اللحظة بشكل مستمر وأسأل نفسي هذا السؤال: هل سيكون بإمكاني ان أكون كريما، حتى عندما لا أشعر بأنني كريم، أو أنني سأكون منزعجا اذا علمت بأن هذا الأمر سيفتح قلوب الأشخاص من حولي؟
الكرم فرصةٌ، وليس التزامًا. أنت لست ملزمًا بفتح قلوب الناس من حولك، حتى لو علمت أنك تستطيع. هذا ما يجعلك بحكم طبيعتك كريماً!
2- أعط الحب بالطريقة نفسها التي تريد الحصول عليه
إذا كنت ترغب حقًا في شيءٍ ما، أَعطِه. هذا صحيح في العلاقات كلها عمومًا، وفي العلاقات الحميمة على وجه الخصوص. وإذا أردت جذب الانتباه أو المدح، فإن ذلك بإمكانك ، إما بطلبه و إما بإعطائه و هي الطريقة الأقوى.
في السنة الماضية، كان لي حبيبٌ جديد أحاول جذب انتباهه. كنت أبحث عن الثناء، أود أن أعرف إن كان يفكر بي. اتجهت مباشرة إلى هاتفي لأرسل إليه رسالة كتبت فيها قائمة بالأشياء جميعها التي أقدِّرها وتعجبني فيه. حينها أعطيته الثناء الذي أريده أنا وشعرت حالًا بتحسن! شعرت بحريةٍ أكبر و حنينٍ أقل.
وبعد خمس دقائق فقط، حصلت على ردٍ رائع لا يصدق جعلني أشعر كيف أثرت رسالتي فيه، وحصلت على حبٍ كبير وتقديرٍ وثناءٍ عظيم.
3- قدم الحب كما يريدون هم
هل بإمكاننا أن نحب الآخرين كما يريدون هم و إن كانت طريقتهم تختلف عن تلك التي نفضلها نحن؟
طفلي ترنت جعلني أفكر في ذلك، حيث كان على خلاف مع ابنة جارنا عندما كان يحاول التحدث معها و هي تتجاهله ، كاد أن يقوده ذلك إلى الجنون، بدأ يصرخ بأشياء غريبة مثل :أنت غبي!
في إحدى المرات أحضرته إلى الداخل، وأظهرتُ التعاطف الشديد معه وهكذا قدمت له الحب بالطريقة التي أريدها أنا خاصة عندما كنت طفلة. في ذلك الوقت، كنت أريد فقط من يتطلع إلى ما يحدث لي. لذلك قلت له: “يا الهي! هذا حقًا محبط. أفهم أن هذا جارح لمشاعرك.” أجاب: “نعم، وأريدك أن تخبريها أنها غبية”. و أدركت حينها أنه يريدني فعلا أن أكون حيوية وأعمل لأجله.
لذلك قلت له: هل تود أن أقول لها شيئًا معينًا إذا تكرر ذلك ؟ أجاب: نعم ،وأدركت أني من الممكن أن أقول شيئا لأم هذه الفتاة. كنت أتعامل معه بالطريقة التي أتمنى لو كانت أمي تستخدمها معي عندما كنت طفلة، لكن ترنت أراد مني أن أدافع عنه بشكل أكثر صراحة وليس فقط داخل عائلتنا. آخر ما أرغب فيه هو لفت الانتباه إلى أن الصراع الذي اشترك فيه أو أتحدث عنه، فقط شعور غير مريح للغاية بالنسبة لي لكن ترنت هكذا يريد أن يكون محبوبًا. حقيقةً إن الأمر ليس كما أريد ولكن المهم هل أستطيع أن أحبه بالطريقة التي يريدها هو؟ هل أستطيع أن أستمع إليه بعمق للحد الذي أسمع فيه أنه يريد ما لا يعقل بالنسبة لي؟ هذا نموذجٌ جبارٌ للسخاء!
4- قدم لشخص ما شيئا قد لا يعلن أنه بحاجته
وهذه من أصعب الطرق لتكون كريمًا. لقد تعلمنا أن الجميع يعلم ما هو الأفضل لأنفسهم، وأنه من التعجرف والغرور والجهل أن نتصور أنه بإمكاننا أن ندرك ما يحتاجه الآخرين. لكن من خلال تجربتي اتضح لي أن الآخرين يستطيعون أن يرونا بصورة أكثر وضوحًا من أنفسنا .إنه لمن السخاء أن تقدم لشخصٍ ما شيئا قد لا يدرك هو شخصيًا أنه بحاجته.
دعوني أرسم لكم صورةً كمثالٍ بسيط.
كنت أتعامل مؤخرًا مع إحدى العميلات ، وكانت تتحدث عن مدى الإرهاق الذي يشعر به زوجها عند رجوعه للبيت من العمل، وكيف كانت أغلب خلافاتهم لأن كليهما لا يجيدان البحث للحصول على احتياجاتهما.
فعوضًا عن سؤاله عما يحتاجه، أو انتظاره ليوضح ذلك بنفسه، اقترحت عليها أن تقدم له شيئا يحبه مثل: عزيزي،ماذا لو تستلقي لمدة خمس دقائق؟ سوف أضع لك المنبه و أوقظك بنفسي. ما سمعته منه هو: يالروعة!
إنك تعلمين انني مرهق، وتعلمين ما احتاجه، وسوف تقومين بكل شيء من أجلي دون أن أقوم بأي شيء! وهنا السخاء بعينه؛ أن ترى ما قد يخدم الشخص في تلك اللحظة، وأن تقدمه له كهدية. ليس فقط لأنه ليس بحاجه أن يطلبه منك، بل من الممكن لأنه غير قادر أن يرى أنه فعلا يحتاجه. السخاء هو المكون الرئيسي في علاقاتك الحميمية. لا يمكنك أن تخلق المودة بدون سخاء، إذا لم تكن مستعدا أن تجلب نفسك الى عالم السخاء ، فستكون هناك حدود للعمق الذي تتجه إليه علاقتك.
لا تنتظر أن تكون جريئا لتكون كريمًا لأن الشجاعة غالبًا ما تأتي من العطاء.
أتمنى أن نقدم السخاء لمصلحة علاقة حميمة جريئة.
بقلم : Kendra Cunov | المصدر