العائلة التي عاشت في عزلة تامة لـ 42 سنة

عائلة ليكوڤ من سيبيريا

تنتمي عائلة ليكوڤ إلى طائفة من طوائف الأقليات الدينية تُدعى الراسكال (The Rascal). تعرضت هذه الطائفة للاضطهاد إبان حكم الإمبراطورية القيصيرية ومن البلاشفة عقب عام 1918. هرب كارب ليكوڤ وزوجته أكولينا وطفلاهما ساڤـِن وناتاليا إلى سيبيريا، حيثُ لجأوا إلى منطقة معزولة تمامًا عن الحياة المدنية، وذلك في الثلاثينيات بعد مقتل شقيق كارب على يد جندي شيوعي. خلال اثنين وأربعين سنة من العزلة، أنجب كارب وأكولينا طفلين ولدا وترعرعا في غابة تايغا. وقد عُثِر على مستوطنتهم بمحض الصدفة عام 1978. 

اكتشاف بمحض الصدفة!

في عام 1978 عثر مجموعة من الجيولوجيين السوڤييت الذين خرجوا في مهمة مسح في سيبيريا على عائلة كانت تعيش في غابة تايغا لعقود عدة دون علم أحد بوجودهم. لم تكن عائلة ليكوڤ على اتصالٍ مع البشر الآخرين لمدة اثنين وأربعين عامًا، حتى إنهم لم يعلموا بأن ثمة حربًا عالمية ثانية قد قامت وانتهت. عُثِر على عائلة ليكوڤ في صيف عام 1978 بواسطة طيّار مروحية أثناء بحثه عن منطقة للهبوط، حيثُ شاهد الطيّار سراجًا مضيئًا وسط الغابة.

إن ذلك دليلٌ على أن المنطقة مأهولة بالسكان على الرغم من أن السووڤييت قد أخلوا المكان. توجد تلك المنطقة في غابة تايغا التي لم تكتشف حتى ذلك الحين وهي تبعد حوالي 250 كيلومترًا عن أقرب مدينة. ذُهل الجيولوجيون الأربعة الذين كانوا في مهمة مسح جويّة بالاكتشاف الذي توصل إليه الطيّار فقرروا تقصي الأمر. وبقيادة جالينا بيسمينسكايا تسلّح الجيولوجين كما أخذوا معهم بعض العطايا. 

جالينا بيسمينسكايا بصحبة عائلة ليكوڤ في عام 1978

عَثَر الجيولوجيون بجانب غدير ماء على كوخٍ صغيرٍ بنافذةٍ ضيقة لا يبدو أنه صالحُ للعيش فيه، وعلى الرغم من ذلك، كان يأوي خمسة أفرادٍ. رحّب رجل عجوز بالجيولوجيين واستدرجهم للدخول حين اكتشفوا أن ذلك الكوخ العاثر القذر كان منزلًا لخمسة أشخاص: كارب ليكوڤ ذو الـ77 عاما من عمره، وأبناؤه ساڤـِن وناتاليا ودميتري وأجافيا، أما زوجته أكولينا فكانت قد توفيت بسبب الجوع قبل خمسة عشر عامًا.

بشر مغتربون

أراد الجيولوجيون تقديم الطعام والشاي والخبز والسكاكر وبعض الأشياء الأخرى المألوفة بالنسبة للرجل العجوز، ولكن الأبناء لم يروها في حياتهم قط، بل أن أبناء عائلة ليكوڤ لم يسبق لهم أن رأو بشرًا سوى أبويهم. إنهم يعلمون بوجود أماكن بعيدة حيث يسكن الناس في أكوام من المباني الشامخة كما أنهم سمعوا بأن ثمة دول مجاورة لروسيا، لكن هذه الأفكار كانت غريبة بالنسبة لهم. علمتهم والدتهم القراءة والكتابة، وكان الكتاب المقدس والأناجيل هي الكتب الوحيدة التي رأوها في حياتهم، فهي كل ما أخذه والديهم حينما اعتزلوا للعيش في غابة تايغا. 

ديمتيري (الابن)، وكارب (الأب)، وناتاليا (الابنة) في عام 1978

لقد واجهت عائلة ليكوڤ حياةً قاسية خلال الاثنتين والأربعين سنة من العزلة. لقد بقوا على قيد الحياة بمشقة في بيئة وحشية وبأدوات شحيحة.  كانوا يملكون القليل من لحم الأيبريين ولكن بعد أن تلف، لم يكن لديهم طعام سوى ما يجمعونه من الغابة، حينما عُثِر عليهم كان غذاؤهم الأساسي رقائق بطاطس الجاودار وبذور القنب، ويحصلون على التوت في الصيف ولكن الطعام ما يزال غير كاف. لطالما عاش أفراد عائلة ليكوڤ على شفا حفرة من الجوع والكفاف.

عندما كبر دميرتي تمكن من الخروج للصيد مع والده، بل حتى الصيد لم يكن سهلًا لأنهم لا يملكون أسلحة، فقد كان اعتمادهم على المصائد البدائية فقط. لقد توصل الجيولوجيون إلى أن دميرتي قد أصبح ذا قوة بدنية خارقة حيثُ يتمكن من الصيد في الشتاء وهو حافي القدمين، بل يعود أحيانًا إلى الكوخ بعد أيام قليلة، وقد كان ينام في الخارج حيثُ الصقيع. 

توضح الخريطة روسيا حيث كانت تقطن عائلة ليكوڤ (المنطقة المشار إليها: غابة التايغا في سيبيريا)

اعتقاد عائلة ليكوڤ

رفضت عائلة ليكوڤ مغادرة مستوطنتها، حتى لو حازوا على فرصة العيش في مكان أكثر تحضرًا من المكان الذي غادروه للبقاء في مكان ذي ظروف معيشية أفضل، ولكنهم ظلوا على تواصل بالجيولوجيين الذين عثروا عليهم. في عام 1981 توفي ثلاثة من أبناء عائلة ليكوڤ الأربعة، حيثُ مات كل من ساڤـِن وناتاليا بسبب مشكلات في الكلى، من المرجح أنهم تعرضوا لها نتيجة لسوء النظام الغذائي الذي عاشوا عليه، ومن المؤسف أن ديميتري مات أيضًا نتيجة التهابٍ رئوي.

كما أن السبب الآخر لرفض عائلة ليكوڤ العودة إلى العالم المتحضر هو وجود الكثير من الشر في الحياة المدنية، وبأنه رغم قساوة حياتهم إلا أنهم عاشوا حياة أكثر سعادة في العزلة. توفي كارب في عام 1988، ويُعتقد بأن أجافيا وهي آخر فرد في عائلة ليكوڤ ما تزال تعيش منعزلة في غابة تايغا حتى يومنا هذا إذا لم تكن قد فارقت الحياة. 


بقلم: أندريه تبالاجا | ترجمة: جُهينة اليعربية | تدقيق: آلاء الراشدية | المصدر

Exit mobile version