يعتمِد النجاح بشكل كبير على ما تعرفه — فمعرفتك يُمكن أن تُحدد الاختيارات التى تتخذها. وهذه الاختيارات إما أن تُقربك مما ترغب به أو تُعظِّم المسافة بينك وبين هدفك الأساسي في الحياة.
يرغب الكثيرون فى التعلم بشكلٍ أسرع وأفضل والاحتفاظ بمعلومات أكثر، ليطبقوا تلك المعرفة المُكتسبة فى الوقتِ المُناسب.
ولكن الحقيقة هي : أننا ننسى معظم ما نتعلمه. يتبع النسيان عند البشر نمطًا معينًا. وتُظهر البحوث، في الحقيقة، أنه إن لم تُستخدم المعلومات الجديدة التي حصلنا عليها فى غضون ساعة سوف ينسى أغلبنا 50% مما تعلمناه. وبعد مرور 24 ساعة ستصبح النسبة 70%. وإذا مر أسبوع دون استخدام تلك المعلومات، سنخسرها بنسبة تصل إلى 90%.
يجب دمج المعرفة الجديدة وتخزينها بشكلٍ آمن فى الذاكرة طويلة الأمد من أجل تحسين اكتسابك للمعرفة واحتفاظك بها. يجب عليك استخدام المعلومات الجديدة بشكلٍ فعال لتصبح مُفيدة لك.
تُشير إليزابيث بيورك، والتي عملت على نظرية النسيان بالتعاون مع بيوتر فوجنياك، أنه يمكن تمييز الذاكرة طويلة الأمد من خلال عاملين، هُما القوة لاسترجاع الذكريات وقوة التخزين.
تقيس قوة الاسترجاع مدى قدرتك على تذكر شيء ما فى الوقت الحالي ومدى قُربه من سطح المخ. وتقيس قوة التخزين مدى عمق جذور الذاكرة.
إذا أردنا الاحتفاظ بما نتعلم، يجب علينا أن نبذل أكثر من مجرد أن نهدف لقراءة كتاب كل أسبوع أو أن نستمع دون اهتمام إلى كتاب صوتي أو بودكاست.
تشير الأبحاث إلى أنه فور تسجيل الذكريات (خاصة فى الحُصيْن) فإنها تكون سريعة الزوال ويسهل نسيانها.
تُحدد طريقة معالجتك للمعلومات كم ستتذكر منها لاحقًا
دائمًا ما تُسجل أدمغتنا معلومات بشكل مؤقت، مُقطتفات من محادثات تسمعها في طريقك إلى العمل، أو ماذا يرتدي الشخص الواقف أمامك والأشياء التي تراها، إلى آخره. إنها الطريقة الوحيدة التي تُمكننا من التفريق بين المعرفة المهمة وغير المهمة.
يقوم المُخ فى أسرع وقت ممكن بمحو كل الأشياء التى لا يورد ذكرها مرة أخرى في وقت قريب ليُفسح المجال لمعلومات جديدة.
يجب عليك، عن سابق تصور وتصميم، أن تعمل على حفظها في الذاكرة طويلة الأمد إذا أردت استخدامها مرة أخرى .
تُسمى هذه العملية بالترميز. وهي تخزين المعلومات في المُخ. وبدون القيام بعملية الترميز بشكل مُناسب، فلا يوجد شيء لتخزينه، وسوف تفشل محاولة استرداد الذكريات لاحقًا. تُرسلُ إعادةُ معالجة الأشياء التي تتعلمها وتقرؤها يوميًا إشارةً واضحة لمُخك للاحتفاظ بهذه المعرفة.
كان هيرمان إبنغهاوس (عالم النفس) أول من تناول تحليل الذاكرة بشكل منهجي في أواخر القرن التاسع عشر.
وقد لعب مُنحنى النسيان الخاص به دورًا بارزًا في مجال علم الذاكرة، عندما كان يدرُس كيف يُخزن المُخ المعلومات آنذاك، والذي يفترض ضعف القدرة على الاحتفاظ بالذكريات مع مرور الوقت.
وقد قال سابقًا: “مع تكرار المعلومات بشكل كبير وتقسيمها بطريقة مناسبة على مدى فترة زمنية، حتمًا يكون أكثر فائدة من تجمعها في وقت واحد.”
وقد أوضح مؤلف “مُنحنى النسيان” في تقرير صادر عن جامعة واترلو أنه: “عندما يتكرر نفس الأمر، يقول مُخك “أوه، ها هو مرة أخرى .. من الأفضل أن أحتفظ به” فعندما تتعرض لنفس المعلومات بشكلٍ مُتكرر يستغرق منك الأمر وقتًا أقل كل مرة لإنعاشها في الذاكرة طويلة الأمد ويُصبح من السهل عليك استرجاعها عندما تحتاج إليها”.
تضم مُعظم أساليب التعلُم المُستمر بعضًا من الإصغاء والقراءة، ولكن من خلال استخدام مُختَلَف الأساليب لربط المعرفة الجديدة بالذاكرة لترسيخ المعلومات بشكل أفضل وأسرع.
تأثير التكرار المُتباعد — وهو تكرار ما تُحاول الاحتفاظ به على مدار فترة زمنية معينة. مثالٌ على ذلك: عندما تقرأ كتابًا وتستمع به حقًا، بدلًا من أن تُنحيه جانبًا، أعد قراءته مرة ثانية بعد شهر، ثم أعد قراءته مرة أخرى بعد ثلاثة أشهر، ثم بعد ستة أشهر، ثم بعد سنة.
يُعزز التكرار المُتباعد من تأثير التباعد وهي ظاهرة في الذاكرة تُبين كيف تتعلم أدمغتنا.
استخدم قاعدة المُناصفة. تُظهر الأبحاث أن شرح فكرة ما لشخص آخر هي الطريقة المُثلي لتتعلمها بنفسك. قاعدة المُناصفة هي طريقة أفضل لاكتساب ومعالجة والاحتفاظ بالمعلومات، ويكون تذكرها بأن تتعلم نصف الوقت وتُشارك ما تتعلمه في النصف الآخر.
تَعَلّمْ نصف الوقت وفسّر ما تعلمته في النصف الآخر. على سبيل المثال، بدلًا مِن إكمال كتاب، اهدف إلى قراءة خمسين بالمائة منه، وحاول تذكّر ومُشاركة وتدوين الأفكار الرئيسية التي تعلمتها قبل المُتابعة. أو الأفضل من ذلك هو مشاركة تلك المعرفة الجديدة مع من حولك.
يمكنك حتى تطبيق ذلك على فصول الكتاب بدلًا من الكتاب كله. تعمل طريقة المُناصفة في التعلم بشكل جيد جدًا إذا كُنت تهدف إلى الاحتفاظ بمعظم ما تتعلمه. إن المعيار الأساسي لما تملكه من معرفة هو قدرتك على نقلها لشخصٍ آخر.يقول آدم غرانت “أفضل طريقة لتعلُم شيء فعلًا هي تدريسه — ليس فقط لأن شرحه يساعدك في فهمه، ولكن أيضًا لأن استرداده يُساعدك في تذكره”
حقِق أكبر استفادة من العروض العملية التوضيحية للموضوع لتفهمه بشكل كُلي. تُوضِح لك العروض العملية كيفية عمل الشيء وتساعدك على تصور الفكرة العامة بخلاف مُجرد قراءة أو الاستماع إلى تفسير ما. استخدام مقاطع الفيديو التعليمية التي تُوضح ما تُحاول تعلمه في بعض الحالات التي ينطبق عليها، مثل تعلُم التصوير والتصميم والخطابة والتفاوض وتقنية جديدة مفيدة إلى آخره، يمكن أن يُحسّن من معدل الاحتفاظ بالمعلومات لديك.
أخيرًا، استخدم النوم كعامل فَعّال مُساعِد ما بين جلسات التعلم، إذ يُعدُّ النوم بعد اكتساب المعلومات جزءًا مُهمًا من عملية تكوين الذكريات ، بل وقبل اكتساب المعلومات أيضًا.
قد تُساعد القيلولة القصيرة أيضًا في شحن الطاقة، وهناك الكثير من الأدلة التي تدعم ذلك. قد تكون القيلولات الطويلة (أكثر من ستين دقيقة) والتي تحدث فيها عملية تعزيز الذاكرة، خيارًا أفضل.
كُلما زاد استخدام العقل، زادت قوة الذاكرة. لن يُساعدك التحكم في تخزين المعلومات في إضافة أجزاء جديدة من المعلومات فحسب، ولكن سيُعزز المعلومات التي لديك بالفعل.
إليكم اقتباسًا من كتاب “Marginalia” للكاتب إدغار آلان بو لتتأملوه أثناء تمرينكم لعقولكم على التعلم والتذكر بشكلٍ أفضل: “إذا أردتَ نِسيان أيّ شيء، اُكتبْ مُلاحظة لِتذكيرك بِذلك الشّيء “
بقلم: توماس أوپونغ | ترجمة: سلمى سلطان | تدقيق: مريم الغافرية | المصدر